المكتبة الإسلامية

    • بسم الله الرحمن الرحيم



      الإخلاص


      المـقـدمـة

      الحمد لله الذي نوّر بصائر عباده العارفين، وطهّر سرائر أوليائه المخلصين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأومن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة من سأل الإخلاص في القول والعمل، وطلب الخلاص في الدنيا وفي الآخرة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى خلقه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، صلى الله وسلم تسليماً عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.



      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد؛؛؛



      فيا أصحاب الفضيلة مشائخ المعهد(1) الكرام[1]، أيها الأبناء الطلبة الأعزاء، أيها الإخوان الحضور جميعاً، إنها لفرصة سعيدة أن نلتقي في هذا المركز الإشعاعي، ولكن المحنة بقدر المنحة، ذلك لأنّ حديث الليلة عسير عليّ، فقد كنت أتمنى أن أسمعه من غيري، وأن أستفيد ما يستفيده الحريصون على تتبع هذا الأمر، واستقصاء هذا الموضوع، وإنني -وجلال الله سبحانه- لأجدني أقلّكم أهليّة في الحديث عن هذا الموضوع، الذي هو في حقيقته جوهر الإسلام، وسّر رسالات الله تبارك وتعالى التي بعث بها المرسلين، فماذا عسى أن أقول؟ وإن الواجب على من يتكلم في هذا الموضوع أن يكون قلبه يفيض إخلاصاً، وأن تكون مشاعره كلها تتدفق بدافعٍ من ركيزة الإخلاص في نفسه، فأسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.

      لا ريب أن الإخلاص هو روح العبادات والعمل، ولئن كانت الجثث بدون أرواحها تكون هامدة متعفنة فاسدة، فإن العمل إن تجرد من الإخلاص كان نتناً قذراً بل كان أشد نتناً وأقبح مظهراً من الجثة التي تفقد الروح، ذلك لأن قيمة العمل إخلاصه.


      تعريف الإخلاص
      والإخلاص في اللغة هو مصدر: أخلص؛ يخلص: بمعنى جعل الشيء خالصاً، وحقيقته الشرعية ليست بعيدة من حقيقته اللغوية، ومن أجل ذلك عرّفه من العلماء من عرّفه؛ بأنه (تصفية الأعمال من شوائب قُصِد بها غير وجه الله سبحانه وتعالى) أي من أن يقصد الإنسان بعمل من أعماله أي غرض من الأغراض الدنيوية.




      الإخلاص عند الصوفية
      بل جاوز ذلك بعض الصوفية(1)؛ إلى جعل إخلاص العمل ألاّ يبتغي به صاحبه أجراً حتى في الآخرة؛ كما روي عن رُوَيم(2) -وهو أحد الصوفية- أنه قال: (الإخلاص ألا تبتغي بالعمل نفعاً في الدارين، ولا حظاً عند الـمَلَكين).

      ونحن لا نستطيع أن نتجاسر على مثل هذا القول، كيف؟ ونحن نرى الحض في كتاب الله سبحانه وتعالى على ابتغاء الدار الآخرة، فإن الله سبحانه وتعالى وعد خير خلقه أجمعين، وبشّره بحسن المآل في الدار الآخرة، حيث قال له: )وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى((الضحى4) ووصف من خلقه بأنهم يدعونه رغباً ورهباً، وهذا بطبيعة الحال يعني أن يتعلق العبد بالله تعالى خوفاً من عقابه، وطمعاً في ثوابه، وهذا لا ينافي أن يكون الإنسان معظماً لجلال الله تعالى بعبادته، ومستشعراً عظم نعمة الله تبارك وتعالى عليه، وأنه يريد بهذه العبادة شكر ما أنعم الله تعالى به، ولكن حظوظ الآخرة هي نعمة معروضة من قبل الله تبارك وتعالى على عباده المخلصين، فجدير إذاً بالإنسان أن يرغب فيما عند الله )وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى(. (القصص 60) على أن خير حظ يناله الإنسان في الآخرة هو رضوان الله عزّ وجل، كما يقول الله سبحانه وتعالى: )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أكبَر(.(التوبة 72)

      وقال الجُنّيد(1): (الإخلاص سر بين العبد وربه، لا يطّلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا يناله هوى فيميله) ولعلّ هذا مأخوذ من بعض ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رأيت القرطبي ذكر رواية عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم -ذكرها أبو القاسم القشيري؛ ولم يذكر القرطبي لها سنداً- وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((سألت جبريل عن الإخلاص)) فقال: ((سألت رب العزة والجلال عن الإخلاص)) فقال: ((هو سر من سري، أختص به من أحببت من عبادي)).

      ولعل المحقق الخليلي(2) يشير إلى ذلك عندما قال:

      وبيني عن الأملاك والرسل كُتّما

      بخلوةِ لي عبدٌ وسرّيَ بينه


      ومعنى ذلك؛ أن الإخلاص صلة ما بين العبد وربه، هذه الصلة لا يطّلع عليها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وإنما هي صلة بين العبد وربه، والله تبارك وتعالى يختصّ من يشاء بما يشاء.


      الإخلاص روح الدين
      وقد جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدل على أن الإخلاص هو روح هذا الدين، ذلك لأن كتاب الله عزّ وجلّ جاء داعياً إلى ملة الإسلام، وهي استسلام العبد لله تبارك وتعالى، بأن يسلم العبد لربه عز وجل قلبه وعقله وجسمه وروحه وضميره وغرائزه، وقد عبّر الحق عز وجل عن ذلك بقوله: )وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ((البينة59) وإن كان الضمير عائداً إلى أهل الكتاب؛ إلا في أنه حقيقته يشمل جميع الناس، إذ هذا أمر رباني لا يختص به أحد دون أحد.

      والله سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: )قل إني أُمِرتُ أن أعبدَ اللهَ مُخِلصاً لَهُ الدِّينَ( (الزمر 11) ويقول الله تعالى: )قلِ اللهَ أعبدُ مُخلصاً له دِينِي( (الزمر 14) فإذاً الأمر بالإخلاص وجّه إلى خير خلق الله؛ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أرقى الناس ذروة في الخير، ولا يطاوله أحد من عباد الله تعالى.



      الإخلاص في العمل والعبادة
      فالإخلاص في العمل إنما هو حقيقة الإسلام وجوهره وسره، وذلك بألاّ يتعلّق العبد -عندما يعمل أي عمل- بأي غرض من أغراض الدنيا، وإنما يريد بعمله ذلك وجه الله تبارك وتعالى، ولا يعمل -أي عمل- مراعياً فيه أي أحد من خلق الله مهما علا شأنه، وعظم قدره، ذلك لأن الناس جميعاً لا يملكون نفع أحد ولا ضره، ولا يملكون لأي أحد شروى نقير(1) في هذا الوجود ، وإنما الملك لله سبحانه يصرّف هذا الكون بما يشاء، فالعبد هو عبد الله، ويجب عليه أن يخلص هذه العبودية له سبحانه، والعبادة(2) إنما هي ضريبة العبودية، فيجب أن تكون هذه الضريبة لله الخالق وحده؛ لا إله إلا هو.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • وقد روي عن أبي العالية –أحد مفسري السلف من التابعين- أنه فسّر قول الله سبحانه وتعالى: )شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ وَلاََ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ( (الشورى 13) بالإخلاص، وهذا ليس ببعيد؛ فإن الله تبارك وتعالى شرع للناس جميعاً ديناً واحداً، هذا الدين الواحد هو الاستسلام التام لأمر الله، والانقياد لحكمه، والإذعان لطاعته.

      وقد سبق أن ذكرتُ؛ بأن الاستسلام إنما هو استسلام الروح والجسم والعقل والقلب والفكر والوجدان والضمير والغرائز بحيث تكون لله تبارك وتعالى، وهذه هي حقيقة الإسلام، ذلك لأن الله عزّ وجل يقول: )قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَمَاً مِلَةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ` قُل إِنَّ صَلَاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ِللهِ رَبِ الْعَالَمِينَ` لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأنَا أوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(`(الأنعام 161-163) فالإسلام –إذاً- هو أن تكون الصلاة لله تبارك وتعالى، وأن يكون النسك –الذي هو الذبح؛ وفيه منفعة للعباد- لله عزّ وجل، وأن تكون الحياة له تعالى، وأن يكون الممات له سبحانه، وهذا هو الإخلاص.

      إن جميع الرسالات التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى لتحقيق منهج الله في الأرض، ولوصل العباد بالله عزّ وجل من خلال أوامره وفرائضه، هذه الرسالات جميعاً التقت على إخلاص العبادة لله، فالله تبارك وتعالى يقول: )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِ أُمَةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ( (النحل 36) ويقول: )وَمَا أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ( (الأنبياء 25) فالعبادة الخالصة لله تبارك وتعالى تعني أن يكون العبد مخلصاً لله سبحانه وتعالى سرّه وجهره، لا يبتغي بأي عمل من الأعمال إلا وجه الله تبارك وتعالى.

      وإذا كان العبد يقف في اليوم والليلة خمس مرات على الأقل بين يدي الله تبارك وتعالى، يكرر -في كل مرة يقفها- عدة مرات قوله تعالى: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ((الفاتحة 5) فإن عليه أن يكون صادقاً في قوله، فإنه يخاطب من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؛ الذي يعلم السرائر كالعلانية؛ ويعلم ما يختلج بين حنايا ضميره، ويحيط بكل ما يكتنفه سره، وعليه أن يدرك بأن هذا الخطاب إنما هو موجه لله، فإن كان -في أي عمل من الأعمال التي يعملها- يبتغي غير وجه الله تبارك وتعالى فإن ذلك ينافي هذا القول، إذ هو يقول: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ( وهذا حصر؛ حصر العبادة في ذات الحق عزّ وجل، إذ تقديم المعمول على العامل يفيد الحصر، فمعنى ذلك؛ لا نعبد إلا إياك، ولئن كان يبتغي بهذه العبادة غير وجه الله سبحانه وتعالى؛ فماذا عسى أن يكون أمره؟.



      هـل الريـاء شـرك؟
      إن الله عز وجل بيّن في محكم كتابه العزيز أن عدم إخلاص العبادة لله -أي الرياء- هو ضرب من الإشراك، فالله تعالى يقول: )فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً(. (الكهف 110)

      المفسرون الذين يعتنون بالروايات؛ ويربطون في تفسيرهم بين الآيات وأسباب نزولها، ذكروا أسباباً متعددة لنزول هذه الآية الكريمة، فمنهم من ذكر: بأنها نزلت في الرجل الذي يعمل العمل لوجه الله تبارك وتعالى، فإذا اطّلع عليه الناس سره ذلك، ومنهم من يقول: بأنها نزلت في الذي يجاهد في سبيل الله، ولكن إذا سمع ثناء الناس عليه وشكرهم له على الجهاد انشرح صدره لذلك، ومنهم من قال: بأنها نزلت فيمن يبر والديه ويصل أرحامه وهو يقصد بذلك وجه الله؛ ولكن عندما يثنى عليه بسبب ذلك يعجبه هذا الثناء.

      والآية -في الحقيقة- هي أعم من هذه الأسباب بأسرها، وإنما من شأن المفسرين -كما هو معروف في مصطلح المتقدمين منهم- أن يقولوا بأن الآية نزلت في كذا؛ إن كان حكمها يشمل ذلك الأمر، وقد نبه على هذا بعض حذاق المفسرين من المتقدمين أنفسهم.

      فالآية الكريمة تدل على أن عبادة الله تبارك وتعالى يجب أن تكون خالصة لا تشوبها شائبة من رياء أو ابتغاء غرض من أغراض هذه الحياة الدنيا.

      ومفهوم العبادة -كما تعلمون- هو مفهوم عام، لأن العبادة -كما قلت- هي ضريبة العبودية، فهي -إذاً- الطاعة المطلقة لله عز وجل، فكل أمرٍ أًمَرَ الله سبحانه وتعالى به يجب أن يمتثل طاعة له، وكل أمر حذّر الله سبحانه وتعالى منه يجب أن يجتنب ابتغاء مرضاة الله عز وجل أيضاً، وهذا هو معنى إخلاص الدين؛ فالدين الطاعة، والطاعة تكون في الأوامر والنواهي )وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ( (البينة 5) أي مخلصين له الطاعة، فالأوامر والنواهي كلها تدخل في الدين، لأنها تدخل في باب طاعة الله تبارك وتعالى.

      فالمقصود بقوله سبحانه وتعالى: )فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً( (الكهف 110) ألا يقصد بأي عمل من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل؛ سواء كان هذا العمل فيما بينه وبين ربه؛ كالصلوات والصيام والحج، أو كانت فيه منفعة للعباد؛ كالزكوات والصدقات وعون الضعيف وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وبر الوالدين وصلة الرحم، وكذلك اجتناب المنهيات، أن لا يقصد ذلك كله إلا لأجل وجه الله عز وجل )فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً( (الكهف 110).

      وهناك رواية أخرجها الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" من طريق أوس بن شدّاد -فيما أحسب- (أنه كان يبكي؛ فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكاني أمر رأيته على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله؛ ما هذا الذي على وجهك؟ قال: ((أمر أتخوفه على أمتي من بعدي)) فقلت له: يا رسول الله؛ وما هو؟ فقال: ((الشرك والشهوة الخفية)) فقلت له: يا رسول الله؛ أو تشرك أمتك؟ فقال: ((نعم؛ أما إني لا أقول لك بأنهم يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً، ولكنهم يراؤون في أعمالهم)) فقلت: يا رسول الله؛ هل الرياء شرك؟ فقال: ((نعم)) فقلت له: يا رسول الله؛ وما الشهوة الخفية؟ فقال: ((يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيدع صيامه))(1).

      يقول عبد الواحد بن زيد(2) -وهو أحد الرواة في سند هذا الحديث-: (بأنه رأى الحسن البصري(3) فسأله: هل الرياء شرك؟ فقال له: نعم؛ أما تقرأ قول الله تعالى: )فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً (.(الكهف110)



      الرياء هو الشرك الخفي
      وقد جاء في العديد من الروايات تسمية الرياء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند السلف الصالح بـ"الشرك الخفي" وسماه بعضهم "الشرك الأصغر" وهو معنى قول العلامة أبي مسلم(1) عندما يقول:

      ففـي كل نفسٍ غفلةٌ وفتورُ

      ففوقَكَ بالشركِ الخـفي خبيرُ


      وراقب وصايـا اللِه سراً وجـهرةً

      وجرِّد على الإخلاص جِدّكَ في التُقى


      يعني؛ أن اجتهادك في تقوى الله تبارك وتعالى –وكما تعلمون أن تقوى الله تشمل فعل أمره واجتناب نهيه- جرّده على الإخلاص، بحيث تجعل هذا الاجتهاد خالصاً لوجه الله تعالى الكريم، ذلك لأن أعلاك من هو خبير بالشرك الخفي، وخبير بما في حنايا نفسك وما ينطوي عليه ضميرك ويكتنفه سرّك، فأنت إن أردت بأي عمل من الأعمال غير وجهه الكريم، فسبحانه وتعالى به خبير.

      وقد جاء في حديث أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً لي أشرك فيه غيري تركته وشركه)) ومعنى ذلك؛ أن العمل الذي عمله العبد لوجه الله تعالى، كصلاة أو صوم أو حج أو صيام أو زكاة أو جهاد أو بر الوالدين أو صلة الرحم أو عون الضعيف أو إغاثة الملهوف أو الإنفاق في سبيل الله أو تعلم العلم أو تعليمه أو أي شيء من هذا القبيل، وأشرك فيه غير الله تبارك وتعالى، فإن ذلك العمل –والعياذ بالله- لا يتقبل عند الله، ذلك لأن الله تبارك وتعالى عزيز؛ والعزيز من شأنه ألا يريد مساهمة غيره، والله تبارك وتعالى غنيّ، ومن شأن الغني أن يستغني عن مشاركة غيره.

      وقد جاء أيضاً في حديث أخرجه الدارقطني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: ((أنا خير شريك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو لغيري، يا أيها الناس أخلصوا لله تعالى أعمالكم، ولا تقولوا هذا لله والرحم، فإنها للرحم وليس لله فيها شيء، ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم، فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى فيها شيء)).

      وجاء أيضاً في حديث أخرجه ابن ماجة عن أبي سعيد بن أبي فضالة -وهو من الصحابة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة يقوم الناس لله رب العالمين، نادى منادٍ: من عمل عملاً لله تعالى أشرك فيه غير الله فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله لا يقبل إلا ما كان خالصاً له)).

      وجاء أيضاً في رواية أخرى أخرجها الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: ((بأنه يؤتى يوم القيامة بالصحف المختمة فتنصب بين يدي الله سبحانه وتعالى، فيقول الله تعالى لملائكته وهو أعلم: يقبل هذا ويردّ هذا. فيقولون له: يا ربنا لم نر إلا خيراً، فيقول الله عز وجل: هذا ابتغي به غير وجهي، وما ابتغي به غير وجهي فلا أقبله)).
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • حكم المرائي
      هذه الأحاديث كلها تدل على أن ابتغاء غير وجه الله تبارك وتعالى؛ بأي عمل من الأعمال؛ إنما هو ضرب من ضروب الشرك الجزئي(1) أو كما يسمى الشرك الخفي أو الشرك الأصغر ، ولكنه لا يصل بصاحبه إلى أن يُخرج من ملة الإسلام ، بحيث لا تحل مناكحته ولا مته .. إلى غير ذلك من أحكام ، وإنما ذلك أمر فيما بينه وبين ربه ، فالله تبارك وتعالى لا يقبل أعماله ، لأنه ابتغى بأعماله غير وجه الله عزّ وجلّ.


      التحذير من الرياء
      قد جاء في كتاب الله تبارك وتعالى التحذير الشديد من الرياء فالله عزّ وجلّ يقول: )أَرَءيتَ الَّذِي يُكَذِبُ بِالدِّينِ` فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ` ولا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ` فَوَيْلٌ للمُصَلِّينَ` الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ` الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ( (الماعون 1-7) فترون أن الله عزّ وجلّ توعّد المرائين هنا بالويل، والويل هو العذاب الشديد.



      الرياء يحبط الأعمال
      والله سبحانه وتعالى بيّن أنّ الرياء يُحبط الأعمال وينسفها نسفاً ، بحيث لا تكون لها قيمة عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة ، يقول الله عزّ وجلّ: )يَا أيُّها الَّذِينَ آَمَنُواْ لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيهِ تُرابٌ فَأصَابَهُ وَابِلٌ فَترَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُوَن عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الْكَافِرِينَ( (البقرة 264) إن الله تبارك وتعالى بيّن بأن هؤلاء لا يكون لهم ربح مما عملوا، ذلك لأنهم ابتغوا بهذا العمل غير وجه الله، فيكون مثلهم )كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً( كمثل الصخرة التي عليها طبقة خفيفة من تراب، لا تكاد هذه الطبقة تُنبت شيئاً، ثم يأتي المطر ويقضي على وجودها، فإذا بهذا المنظر الكالح البغيض القبيح من هذه الصخرة باد، ثم يبيّن بعد ذلك أنهم لا يقدرون على شيء مما كسبوا، هؤلاء المراؤون لا ينتفعون بشيء مما كسبوا، إذ المنتفعون بأعمالهم إنما هم الذين يقصدون بهذه الأعمال وجه الله.



      الصورة الصحيحة للإنفاق
      وقد الله سبحانه وتعالى بيّن الصورة الصحيحة للإنفاق؛ التي يكون فيها المنفق مخلصاً لله تبارك وتعالى؛ لا يبتغي على إنفاقه جزاءً في الدنيا، ولا شكراً من العباد، فقال عزّ وجلّ: )وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَةٍ بِرَبْوَةٍ أصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَينِ فَإِن لَّم يُصِبْها وَابِلٌ فَطَلٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( (البقرة 265) هذه الصورة تقابل تلك الصورة، مثل إنفاق هؤلاء في سبيل الله )كمثل جنة بربوة( جنة مرتفعة على ربوة، والجنة عندما تكون على ربوة مرتفعة يكون لها منظر رائق بهيج، هذه الجنة أصابها وابل أي أصابها غيث من عند الله )فآتت أكلها ضعفين( تضاعف ما تُؤتيه من الثمار )وإن لم يصبها وابل فطلّ( من حيث إن الأرض مخصبة طيبّة قابلة للإنبات يكفيها الطلّ عن الوابل، فتؤتي أكلها ضعفين بمشيئة الله سبحانه وتعالى، هذا هو الإنفاق في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله، مع خلوص النية لوجه عزّ وجلّ.


      التحذير من الرياء في السنة
      وهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفيد التحذير من الرياء، فقد جاء في رواية عند الشيخين عن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه، ويدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار ويقولون له: ما بالك يا فلان؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)).

      إن الذي يدعو الناس إلى الله عزّ وجلّ من غير أن يكون مخلصاً في عمله ومحاسباً لنفسه، حاملاً لها على ذلك العمل الصالح الذي يدعو إليه، وعلى اجتناب العمل الطالح الذي يحذّر منه، من كان هذا شأنه فإنه يوم القيامة -والعياذ بالله- يكون دركه في النار أنزل من أولئك الذين كان يأمرهم، وإن كانوا عصوا أمره، ويحذرهم وإن كانوا –أيضاً- عصوا تحذيره، لأنه عرف فأدرك وقامت به الحجة على غيره، ولأن تقوم الحجة عليه من خلال أمره إياهم ونهيه إياهم أولى، فلذلك كان أشدّ عذاباً منهم والعياذ بالله.

      وجاء في حديث أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون في آخر الزمان أناس ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم كقلوب الذئاب، يلبسون جلود الضأن من اللين، يقول الله تبارك وتعالى: أبي يغتّرون أم إياي يخادعون، فوعزتي لأبعثنّ عليهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران)).

      وقد جاء أيضاً في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أول من يحاسب يوم القيامة، فذكر ثلاثة: ذكر رجلاً علّمه الله تعالى القرآن، فتعلّمه وعلّمه، فيؤتى به يوم القيامة فيذكّره الله تعالى نِعَمَهُ، ويعرّفه بها نِعمةً نعمة، فيعرفها فيقول له: فماذا عملت؟ فيقول له: يا رب قرأت كتابك؛ فقمت به آناء الليل وآناء النهار. فيقول له الله سبحانه وتعالى: كذبت؛ وإنما فعلت ما فعلت ليُقال إنك قارئ. فيؤمر به فيُسحب على وجهه إلى النار يوم القيامة؛ والعياذ بالله، ورجل استشهد في سبيل الله فيُؤتى به فيعرّفه الله نِعَمَهُ؛ نِعمةً نِعمة، ثم يقول له: ماذا عملت؟ فيقول له: قاتلتُ في سبيلك حتى استشهدت، فيقول له: كذبت؛ وإنما قاتلتَ ليُقال إنك جرئ وقد قيل ذلك. فيؤمر به فيُسحب على وجهه إلى النار؛ والعياذ بالله، ويؤتى برجل آتاه الله تبارك وتعالى من صنوف المال، فيعرّفه الله تعالى نِعَمَهُ؛ نعمة نعمة، ثم يقول له: ماذا عملت؟ فيقول له: ما تركت سبيلاً تُحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها، فيقول له: كذبت، وإنما فعلتَ ما فعلتَ ليُقال إنك جواد وقد قيل ذلك. فيؤمر به فيُسحب على وجهه إلى النار؛ والعياذ بالله)).

      وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: ((يا أبا هريرة إن أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة)) هذا كله يدعو الإنسان إلى الاستبصار والاعتبار، وأن يحرص على مجاهدة نفسه، وحملها على الإخلاص لله تبارك وتعالى.



      الإخلاص في العلم
      كما يُطلب من الإنسان أن يكون مخلصاً في عمله، يُطلب منه أيضاً أن يكون مخلصاً في علمه، ومخلصاً في تعليمه هذا العلم، ذلك لأن العلم أمانة الله تبارك وتعالى، وهذه الأمانة تستوجب الإخلاص، وقد رأيتم ما يدل عليه حديث أبي هريرة من أن صاحب القرآن -والعياذ بالله- إن ابتغ به غير وجه الله، ولو قام به آناء الليل وآناء النهار، إنما هو من أوائل الذين تُسعّر بهم النار يوم القيامة، فعلى الإنسان أن يطلب العلم لوجه الله تعالى، وأن يحرص على ألاّ يُريد بهذا العلم الذي يطلبه مناصب دنيوية، ولا منافع عند الناس، ولا سمعة وشهرة بينهم، وإنما يحرص كل الحرص على أن يتعلم العلم لوجه الله تعالى، بحيث يكون تعلّمه لأجل أن يعبد الله عزّ وجل على بصيرة، وأن يفيد الناس ممّا يتعلمه، وأن يدعو إلى الله عزّ وجل على بصيرة، لأن العبادة أمانة في الأعناق، وَلَئِنْ كان الإنسان عندما يعمل عملاً دنيوياً -أي عمل كان- يتعلم كيفية أدائه أولاً ليُحسن هذا العمل، فكيف بالعمل أخروياً؟ كيف إذا كان الأمر عبادة الله التي نيطت بها رسالات السماء؟ فجميع الرسالات توافدت على هذا المحيط الأرضي لأجل تطويع الناس لله بحيث يُخلصون له عبادتهم.

      جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام الربيع من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعلّم العلم ليُباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء لَقِيَ الله وهو خائب من الحسنات)) وجاء هذا الحديث في رواية الترمذي من طريق كعب بن مالك ومن طريق أبي هريرة ومن طريق ابن عمر رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة، وهي تتفق في المعنى مع رواية أنس عند الربيع.

      كل هذه الروايات تفيد على أن طلب العلم عبادة، فيجب على طالب العلم أن يُخلص هذه العبادة لله، وإلا دخل في الشرك الخفي، لا بد من أن تكون هذه العبادة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، فلا يبتغي بطلب العلم ثناءً ولا نيل مرتبة دنيوية.

      نعم إن يسّر الله تبارك وتعالى له الرزق، وآتاه إياه بسبب ما آتاه من العلم، فقد ضاعف الله تبارك وتعالى له الخير، وتضاعف عليه الواجب؛ أن يشكر هذا الخير الذي آتاه الله، وَلَئِنْ أراد الإنسان وجه الله سبحانه وتعالى فابتغى بطلبه العلم أو بأي عمل من أعماله وجه الله؛ جمع الله تبارك وتعالى له خير الدنيا والآخرة )مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَالَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ( (الشورى 20) فإن ابتغى بطلبه العلم وجه الله تبارك وتعالى فالله كفيل برزقه، ولكن عليه أن لا يسعَ لأجل نيل المراتب في هذه الحياة الدنيا، ولأجل التوصل إلى أن يَخْتِل الدنيا بالدين -كما جاء في الحديث- وإنما عليه أن يقصد ابتغاء ما عند الله )وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى(. (القصص 60)



      آفـة العـصـر
      هناك آفة في طلب العلم ظهرت في هذا العصر، وهي آفة الشهادة، وقد أصبحت في حياة الناس المعاصرة من الضرورات، فعلى الإنسان الذي يطلب العلم أن لا يريد هذه الشهادة من أجل الشهرة والرقي بها إلى المراتب العالية، ولكن عليه أن يطلب العلم لأجل عبادة الله، ثم يعتبر هذه الشهادة وسيلة للدعوة إلى الله ولنشر العلم بين عباده تبارك وتعالى وتوصيل الحق إلى أفهام الناس، لا أن يجعل هذه الشهادة غاية(!)، فإن جَعْلها غاية إنما هو -في الحقيقة- داخل في مفهوم الشرك الخفي الذي حذرت منه الآية القرآنية )فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً(. (الكهف 110)

      وأنتم ترون التحذير في كتاب الله سبحانه وتعالى من أن يريد الإنسان بعمله غير وجه الله عز وجل وغير الدار الآخرة، فالله سبحانه وتعالى يقول: )مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيها مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً((الإسراء18) فمن كان يريد العاجلة بطلبه العلم، بحيث يريد أن يرقى إلى المناصب أو يتبوأ مكانة بين الناس، ويشار إليه بالبنان، ويُعطى الشهادات العالية، فهو طالب بهذا العلم غير وجه الله سبحانه وتعالى، وهو ممّن طلب به العاجلة، فكانت له هذه العاقبة؛ والعياذ بالله )ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً(.

      وأما الفريق الآخر؛ وهو من طلب العلم لوجه الله تعالى، وأراد به الفوز برضوانه تعالى يوم القيامة، وأن يطوع نفسه لله، ثم يحمل عباد الله على طاعته سبحانه، كان من الفريق الثاني؛ الذي قال الله تعالى فيه: )وَمَنْ أرَادَ الآخِرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهو مُؤْمِنٌ فَأُوْلئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَشْكُوراً( (الإسراء 19) فكما أن الله عز وجل يُعبد بالأعمال الصالحة المختلفة يُعبد أيضاً بطلب العلم، وعلى طلبة العلم أن يُخلصوا هذه العبادة لوجه الله عز وجل، وأن لا يبتغوا بها جزاءً ولا شكوراً من غيره تعالى.



      علاج الرياء
      جاء فيما رُوي عن لقمان كيفية علاج آفة الرياء، بحيث لا يبتغي بعمله إلا وجه الله، ويتجرد في جميع أعماله من شوائب الرياء وطلب أغراض الدنيا، وذلك أنّ لقمان أوصى ابنه بأن يُخلص لله جميع أعماله، فسأله ابنه عن طريق ذلك، فقال له: كتمان العمل. فقال: وإن كان إظهاره واجباً؟ فقال له: إن كان إظهاره واجباً فاجتهد في إخلاص هذا العمل لله سبحانه وتعالى، وإن كان إظهاره غير واجب فاستعن على إخلاصه لله تعالى بكتمانه.

      ولذلك كان السلف الصالح حريصين كل الحرص على كتمان أعمالهم التي يتقربون بها إلى الله تبارك وتعالى -من غير الفروض- عن الناس، أما الفروض فإنها تُظهر، إذ كتمانها يُؤدي إلى سوء الظن بالناس، فالنوافل ينبغي أن تكون مكتومة، وقد كان السلف يحرصون على كتمان النوافل، وإخفائها عن أبصار الناس، وإبعادها عن مسامعهم، فكانوا عندما يتهجدون يتهجدون في الخفاء، وعندما يتصدقون -صدقات النفل- يتصدقون في السر، ويحرصون على كتمان ذلك حتى عن أولئك الذين يُتصدق عليهم، لئلا ينالوا منهم جزاءً أو يُسمع لهم ذكر بين الناس، والعاقل يحرص كل الحرص على منفعته، ومنفعة الإنسان إنما تتوقف على الإخلاص.

      بهذا يتبين أن الرياء في الأعمال إنما يرجع إلى فساد الفطرة وانطماس البصيرة ، ذلك لأن العاقل يرى أن هذا الكون مسخر بأمر الله، فالله وحده هو المقدم والمؤخر فيه، وهو وحده الذي يوجد المعدوم ويُعدم الموجود فيه، ويبسط النعماء ويدفع الضراء، والله تبارك وتعالى وحده هو الذي يحقق للإنسان مطالبه ويستجب دعاءه ويعطيه سؤله، فلماذا يتعلق بعمله عندما يعمله لغير الله تعالى؟ ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوا أحداً من الناس لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء كتبه الله عليه، ولو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على الثناء على أحد من الناس وهو عند الله تعالى مرفوض لما أفاده ذلك شيئاً، ولو أنهم اجتمعوا على ذمّه والقدح فيه والحطّ من شأنه، فإن ذلك لا يضره عند الله تبارك وتعالى إن كان مقبولاً عنده سبحانه، وعلى هذا فعلى العبد أن يبتغي بعمله وجه الله تبارك وتعالى لأجل مصلحة نفسه، إذ مصلحة نفسه إنما تُناط بالإخلاص لله تعالى.

      فلو أن أحداً من الناس أراد بصلاته أو صومه، أو حجه أو زكاته أو جهاده، أو بره لوالديه أو صلته لأرحامه، أو تعلمه العلم أو تعليمه، أو الدعوة إلى الله، أو نفقاته في سبيل الله، أو بأي عمل من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز و جل، غرضاً من أغراض هذه الدنيا، فإن ذلك الغرض لا يمكن أن يتحقق إلا بإرادة الله، ولا يمكن أن يتحقق إلا بقدر من الله، فلماذا يطلب الشيء من غير بابه؟ إنما عليه أن يعمل العمل الخالص لله، ويطلب من الله تبارك وتعالى قضاء حاجاته، ويجعل ذلك العمل طاعة لربه سبحانه لا يبتغي عليها من عند غيره جزاءً ولا شكوراً، وإنما يحرص كل الحرص على مرضاة الله، ثم يتعرض لنفحاته، ويطلب منه سبحانه وتعالى أن يبسط له في رزقه وأن يفيء عليه من فضله.

      والإنسان يدرك أن الذي خلقه فسوّاه هو الله سبحانه وهو القادر عليه، فلماذا يتعلق بغيره فيبتغي بعمله غير وجه الله؟ )قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أكْفَرَه` مِن أيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ` مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقدَرَهُ` ثُمَّ السَّبيلَ يَسَّرَهُ` ثُمَّ أمَاتَهُ فَأقْبَرَهُ` ثُمَّ إذا شَاءَ أنْشَرَهُ` كَلاَّ لماّ يَقْضِ مَا أمَرَهُ` فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعَامِهِ` أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ صَبَّا` ثُمَّ شَقَقْنَا الأْرضَ شَقَّا` فَأنْبَتْنَا فِيْهَا حَبَّاً` وَعِنَبَاً وَقَضْبَاً` وَزَيْنُوناً وَنَخْلاً` وَحَدَائِقَ غُلْبَاً` وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً` مَتَاعَاً لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ( (عبس 17-32) فإذا كان يُدرك أن الله تعالى هو الذي بسط له هذا الخير كله، وهو الذي خلقه وطوره من طور إلى طور، حتى اكتمل خلقه وصار على ما هو عليه، وهو الذي نمّى مواهبه، وبسط له في الرزق وهيأ له هذه الأسباب، وسخّر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً، فكيف يبتغي الثناء من الناس أو يبتغي المثوبة من الناس، ويترك إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى؟! )يا أيُّها الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِكَ الكَرِيمِ` الذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاك فَعَدَلَكَ` فِي أيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ((الانفطار 6؛8) فالإنسان خلقه الله تبارك وتعالى هذا الخلق، وأبدعه هذا الإبداع، وصنعه هذه الصنعة، وصوره هذا التصوير، ومع ذلك يريد بهذا العمل غير وجه الله.

      إن الله تبارك وتعالى عندما أمر عباده بعبادته ذكّرهم نعمه عليهم، يقول تعالى: )يا أيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُم وَالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون` الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشَاً وَالسَّماءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقَاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا ِللهِ أنْدَادَاً وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ( (البقرة 21-22) فالذي يُرائي في عمله؛ إنما جعل لله سبحانه وتعالى أنداداً، لأنه رأى غير الله تعالى أهلاً لأن يُتقرب إليه بذلك العمل، مع أن الله لا يرضى أن يكون ذلك العمل إلا خالصاً لوجهه الكريم، ففي هذا ما ينفع العباد في تطهير سرائرهم، وجعلها خالصة لله تبارك وتعالى، وتزكية أعمالهم بالإخلاص.



      دعــاء
      نستغفر الله -جميعاً- ونتوب إليه من مخالفة ما قلناه، ومن مخالفة أوامر الله تعالى ونواهيه، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من عباده المخلصين، ومن حزبه المفلحين، ومن جنده المتقين، ومن أوليائه المقربين.

      اللهم إن نسألك بأنّا نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت؛ الواحد الأحد؛ الفرد الصمد؛ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

      نسألك ربنا أن تهب كلاً منا لساناً صادقاً ذاكراً، وقلباً خاشعاً منيباً، وعملاً صالحاً زاكياً، وإيماناً خالصاً ثابتاً، ويقيناً صادقاً راسخاً، ورزقاً حلالاً واسعاً، وعلماً نافعاً رافعاً.

      ونسألك ربنا أن تهبنا إنابة المخلصين، وخشوع المخبتين، ويقين الصديقين، وسعادة المتقين، ودرجة الفائزين، يا أفضل من قُصد، وأكرم من سُئل، وأحلم من عُصي، يا الله يا ذا الجلال والإكرام.

      اللهم إناّ نبرأ إليك من الحول والطول، فلا حول لنا ولا قوة إلا بك، نسألك ربنا أن تجنبنا الرياء والعجب والكبر والحسد والأشر والبطر، وأن تجنبنا جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك ربنا على كل شيء قدير، وإنك بالإجابة جدير، نعم المولى ونعم النصير.

      وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

      سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين،والحمد لله رب العالمين.



      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • علامات الساعة "الصغرى"

      العلامات الصغره



      المرور في المساجد واتخاذها طريقاً وعدم الصلاة فيها
      روى ابن خزمية في الصحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله (ص):" إن من أشراط الساعة: أن يمر الرجل في مسجد لا يصلي فيه ركعتين"



      التباهي في المساجد
      روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة عن أنس :أن النبي (ص) قال:" من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد " أي يتفاخرون بتشييدها ويراؤون بتزينها



      ظهور القلم ، وفشو التجارة وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق
      روى أحمد عن طارق بن شهاب؛ قال : كنا عند عبدالله جلوساً، فجاء رجل، فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد؛ رأينا الناس ركوعاً في مقدم المسجد، فكبر وركع، وركعنا، ثم مشينا وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع، فقال: عليكم السلام ياأباعبد الرحمن، فقال: صدق الله ورسوله. فلما صلينا ورجعنا؛ دخل إلى أهله، جلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده الرجل: صدق الله وبلغت رسله ؟ أيكم يسأله؟ فقال طارق : أنا أسأله، فسأله حين خرج؟ فذكر عن النبي(ص) أنه قال:" إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم



      قطع الأرحام
      روى أحمد والبزار عن ابن عمرو والبزار والطبراني في الأوسط عن أنس : أن الرسول (ص) قال : "من أشراط الساعة : الفحش، والتفحش، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن"



      استفاضة المال
      روى أحمد والشيخان والنساثي عن حارثة بن وهب؛ قال: سمعت النبي (ص) يقول :" تصدقوا؛ فسيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يأتيه بها: لو جئت بها بالأمس؛ لقبلتها، فأما الآن؛ فلا حاجة لي فيها، فلا يجد من يقبلها



      انحسار الفرات عن جبل من ذهب
      روى مسلم عن أبي هريرة: أن الرسول الله (ص) قال: " لاتقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فُيقتل من كل مئة تسعة وتسعون؛ يقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو"
      روى الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله (ص) : " يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فمن حضره؛ فلا يأخذ منه شيأ



      ولادة الأمة ربتها، الحفاة العراة رؤس الناس، تطاول رعاء لبهم في البنيان
      روى أحمد والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة؛ قال: كان النبي(ص) بارزاً يوماً للناس، فأتاه رجل، فقال: م الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث ". قال: ما الإسلام؟ قال: " الإسلام أن تعبد الله ولاتشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفلاوضة، وتصوم رمضان ". قال : مالإحسان؟ قال: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك ". قال: متى الساعة؟ قال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمسة لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي (ص): إن الله عنده علم الساعة ، ثم أدبر، فقال: ردوه، فلم يروا شيئاً، فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم



      تغير المظاهر لإخفاء الحقيقة
      روى أبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله(ص): " يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة



      عدم حج البيت
      روى الحاكم وابن حبان وأبو يعلى في مسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت



      عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً
      روى مسلم وأحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً



      وضع الأخيار ورفع الأشرار وإظهار القول وترك العمل
      روى الحاكم عن عمرو بن قيس السكوني؛ قال: خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية، فسمعت رجلاً يحدث الناس؛ يقول: إن من أشراط الساعة أن: ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، وأن يخزن الفعل والعمل، ويظهر القول، وأن يُقرأ بالمثناة في القوم ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها، فقيل: وما المثناة؟ قال: ما اكتتب سوى كتب الله عزوجل، فقال: فحدثت بهذا الحديث قوماً، وفيهم إسماعيل بن عبيدالله، فقال: أنا معك في ذلك المجلس، تدري من الرجال؟ قلت لا. قال: عبدالله بن عمرو



      التسافد على قارعة الطريق كالحمير
      البزار في مسنده وابن حبان في صحيحه عن عبدالله بن عمرو؛ قال: قال رسول الله (ص): لاتقوم الساعة حتى يتسافدو في الطريق تسافد الحمير. قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: نعم ليكونن



      تمني الموت بسبب الفتن لا حباً في لقاء الله عز وجل
      عندما تشتد الفتن، ويشتد البلاء، ويفشو الجهل؛ يتمنى الناس الموت، وليس التمني لأنهم يحبون لقاء الله، ولكن لما يلقون من بلاء، حتى يتمنى أحدهم أن يكون هو الميت بدل أصحاب القبور
      روى أحمد عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، ما به حب لقاء الله عز وجل



      تسليم الخاص السلام على المعرفة
      روى أحمد الطبراني عن ابن مسعود؛ قال : قال رسول الله (ص) : "إن من شراط الساعة: إذا كانت التحية على المعرفة" وفي رواية عند أحمد أيضاً: "إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة"
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • العلامات الكبرى

      العلامات الكبرى



      الدجال
      أعظم فتنة تمر بالبشر
      روى مسلم عن حميد بن هلال عن رهط منهم أبو الدهماء وأبوقتادة؛ قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر، نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزون إلى رجال ماكانوا بأحضر لرسول الله (ص) مني، ولا اعلم بحديثه مني، سمعت رسول الله (ص) يقول: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال
      علامات خروجه
      أ- قلت العرب : روى أحمد ومسلم والترميذي عن أم شريك: أنها سمعت النبي (ص) يقول: ليفرن الناس من الدجال في الجبال . قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل
      ب_ الملحمة وفتح القسطنطينية: روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله (ص) قال: عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال
      ج_ الفتوحات: روى أحمد ومسلم وابن ماجة عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتيبة رضي الله عنهما؛ قال: كنا مع الرسول (ص) في غزوة. قال: فأتى النبي (ص) قومٌ من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف، فوافقوه عند أكمةٍ، فإنهم لقيام ورسول الله(ص) قاعد. قال: فقلت لي نفسي : ائتهم، فقم بينهم وبينه لا يغتالونه. قال: ثم قلت: لعله نجي معهم، فأتيهم، فقمت بينهم وبينه. قال: فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي. قال: تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله عز وجل، ثم فارس، فيفتحها الله عز وجل، ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله
      د- انحباس القطر والنبات: ستكون بين يدي الدجال ثلاث سنوات عجاف، يلقى الناس فيها شدة وكرباً؛ فلا مطر، ولا نبات، يفزع الناس فيها للتسبيح والتحميد والتهليل، حتى يجزئ عنهم بدل الطعام والشراب، فبينما هم كذلك؛ إذ تناهى لأسماعهم أن إلهاً ظهر ومعه جبال الخبز وأنهار الماء، فمن أعترف به رباً؛ أطعمه وسقاه، ومن كذبه؛ منعه الطعام والشراب، فالمعصوم عندها من عصمه الله، وتذكر لحظتها وصايا المصطفى(ص): لن تروا ربكم حتى تموتوا، وأنتم ترون هذا الأفاك الدجال ولم تموتوا بعد.
      مكان خروجه
      روى أحمد والترميذي والحاكم وابن ماجة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ قال: حدثنا رسول الله(ص)، فقال:" إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: خرسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المُطرقة ". وأول ظهور أمره واشتهاره والله أعلم يكون بين الشام والعراق؛ ففي رواية مسلم عن نواس بن سمعان: " إنه خارج خلة بين الشام والعراق "
      أتباعه
      أ- اليهود: روى أحمد ومسلم عن أنس بن مالك: أن الرسول الله(ص) قال: يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً، عليهم الطيالسة
      ب- الكفار والمنافقين: روى الشيخان والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله(ص): ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال؛ إلا مكة والمدينة، وليس نُقب من أنقابها إلا عليها الملائكة حافين تحرسها، فينزل بالسبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق
      ج_ جهلة الأعراب: ودليل ذلك ما رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والضياء عن أبي أمامة، وفيه: ". . . وإن من الفتنه أن يقول اللأعرابي: أرأيت إن يبعث لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يابني! اتبعه؛ فإنه ربك "
      د- من وجوههم كالمجان المطرقة، ولعلهم الترك: عن أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:" إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خرسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة "
      هلاكه
      أ- في بلاد الشام حرسها الله: روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) قال: يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دُبُر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهناك يهلك
      ب- قاتله هو عيسى بن مريم عليهما السلام: روى الترمذي عن مجمع بن جارية الأنصاري؛ قال:" سمعت رسول الله (ص) يقول: يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " ولن يسلط عليه احد إلا عيسى بن مريم عليه السلام
      صفاته الخلقية
      أ- أعور العين أو العينين: روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال : قال رسول الله (ص): إن الله لا يخفي عليكم، إن الله تعلى ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية
      ب- مكتوب بين عينيه كافر : روى الشيخان عن أنس؛ قال: قال رسول الله(ص) : ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه ( ك ف ر )
      د- قصير، أفحج، جعد، أعور، عينه ليست بناتئة ولا جحراء: روى أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت عن رسول الله (ص) قال: إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال: قصير، افحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بنائتة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا
      ه_ هجان، أزهر، كأن رأسه أصلة: روى أحمد وابن حبان عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) قال: الدجال: أعور، هجان، أزهر ( وفي رواية أقمر )؛ كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبدالعزى بن قطن، فإما هلك الهلك؛ فإن ربكم تعالى ليس بأعور



      يأجوج ومأجوج
      الفتن تتوالى، وما أن يخرج المسلمون من فتنه ويحمدوا الله على الخلاص منها؛ إذا هم بفتنة جديدة لا تقل خطراً عن سابقتها. فها هم قد انتهوا من الدجال، وقد قتله الله على يدي عيسى بن مريم عليه السلام، وقد أحاط بعيسى عليه السلام قومٌ وهو يحدثهم عن درجاتهم في الجنة، وقد عصمهم الله من الفتنة الدجال، وقد ابلغنا رسول الله(ص) : أن من نجا من فتنته؛ فقد نجا. وفجأة يطلب إليهم عيسى بوحي من السماء أن يحصنوا أنفسهم بالطور؛ فقد أخرج الله عباداً لا قبل لأحدهم بقتالهم، وهم يأجوج ومأجوج. ولا تقل فتنتهم عن فتنة الدجال الذي يدعي الألوهية، وهم يدعون قدرتهم على قتل من في السماء تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً
      من البشر من ذرية آدم
      يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم؛ خلافاً لمن قال غير ذلك، وذلك لما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري- واللفظ للبخاري-؛ قال: قال النبي (ص): يقول الله عزوجل يوم القيامة: ياآدم! فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار قال: يارب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف- أراه قال- تسع مئة وتسعة وتسعين؛ فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي(ص) : من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل أهل الجنة،
      يخرجون على الناس بمشيئة الله تعالى
      روى أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله (ص): إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا؛ فسنحفرُه غداً، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس؛ حفرو، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا؛ فستحفرونه غداً إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه، ويخرجون على الناس، فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي أجفظ فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها
      كيف يقتلهم الله عز وجل
      يرسل عليهم النغف، فيأخذ بأعناقهم، فيموتون موت الجراد، يركب بعضهم بعضاً
      الدواب ترعي لحومهم وتسمن عليها
      ففي حديث أبي سعيد الخدري وفيه: . . . فيحرج الناس، ويُخلون سبيل مواشيهم، فما يكون لهم رعيٌ إلا لحومهم، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت على نبات قط
      مقتلهم عند جبل بيت المقدس
      ففي حديث النواس بن سمعان وفيه: . . . ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس . . . .
      أسلحتهم وقود للمسلمين
      روى ابن ماجه والترمذي نحوه عن النواس: سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين
      المطر الغزير لإزالة آثارهم
      ففي حديث النواس، وفيه: . . . ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر؛ إلا ملأه زهمُهم ونتنهم(دسمهم ورائحتهم الكريهة)، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت( نوع من الجمال)، فتحملهم، فتطرحهم حيث يشاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يُكن منه بيت مدر(هو الطين الصلب) ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يجعلها كالزلفة(المرآة في صفائها ونظافتها)
      طيب العيش وبركته بعد الخلاص منهم
      ففي حديث النواس، وفيه: . . . ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل(اللبن)، حتى إن اللقحة(قريبة العهد بالولادة) من الإبل لتكفي الفئام( الجماعة الكثيرة) من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ(الجماعة من الأقارب) من الناس



      دابة الأرض
      ما إن يفوق الناس من هول فتنة أو آية إلا وهم يفاجؤون بما هو أمر وأدهى: قُتل الدجال، فتنفسوا الصعداء، فإذا بنبأ عظيم يأجوج ومأجوج، فخلصهم الله من شرهم. وإن كان ما سبق من آيات معتاداً لهم؛ فقد بأ زمن ما هو غير معتاد: دابة تخرج من الأرض؛ تكلم الناس، وتسمهم على خراطيمهم؛ لقد أصبحت الساعة قريباً جداً منهم؛ فقد بدأ أيضاً في هذا الوقت تغير العالم العلوي بطلوع الشمس من مغربها. هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يُخرج الله لهم دابة من الأرض- قيل: من مكة-، فتكلم الناس
      الإيمان عند خروجها لا ينفع
      والدابة أحد ثلاث آيات لا ينفع الإيمان عند معاينتها، بل ينفع الإيمان من أدركته واحدةً من الثلاث مؤمناً عاملاً. روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة؛ قال : قال رسول الله (ص) : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض
      وقت خروجها
      تخرج الدابة عل الناس ضحى وفي وقت طلوع الشمس من مغربها، وأيهما كانت قبل الأخرى؛ فالأخرى في أثرها قريباً
      وسمها للناس على خراطيمهم
      روى أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي أمامة يرفعه للنبي (ص)؛ قال: " تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرن فيكم، حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال: ممن اشتريت، فيقول: من رجل المخاطم ". وأما طبيعة هذا الوسم، وكيف يكون؛ فلا أعلم بذلك حديثاً صحيحاً.



      الخسف والمسخ والقذف
      الخسف والمسخ والقذف كائن في هذه الأمة
      روى ابن ماجه عن سهل بن سعد: أن رسول الله (ص) قال: يكون في آخر الزمان الخسف والقذف والمسخ
      متى يكون وفيمن يكون
      أ- عند ظهور الخبث: روى الترمذي عن عائشة؛ قالت: قال رسول الله(ص): يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذفٌ. قالت: يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم؛ إذا كثر الخبث
      ب_ عند ظهور المعازف والقينات واستحلال الخمور وشربها: روى ابن ماجه وابن حبان والطبراني والبيهقي عن أبي مالك الأشعري: أنه سمع رسول الله (ص) يقول: ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، ويُضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعلُ منهم قردة وخنازير
      ج_ عند ترك قضاء حوائج الناس لأجل اللهو وشرب الخمر: روى البخاري وأبو داود عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: سمع النبي (ص) يقول: ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر(الفرج والمراد: الزنا) والحرير والخمر والمعازف،ولينزلن أقوام إلى جنب العلم(الجبل العالي) يروح عليهم ( هو الراعي) بسارحة(هي الماشي التي تسرح بالغداة لرعيها) لهم، يأتيهم- يعني: الفقير- لحاجه، قيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم(يهلكهم ليلاً) الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة
      هـ- فيمن يصر على مسابقة الإمام في الركوع والسجود: روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال محمد(ص): أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار
      التحذير من سكن البصرة
      روى أبو داود عن أنس: أن رسول الله (ص) قال: يا أنس! إن الناس يُمصرون(يفتحون) أمصاراً، وإن مصراً منها يُقال لها البصرة أو البصيرة، فإن مررت بها أو دخلتها؛ فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها؛ فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف(الزلازل) وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير
      الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة
      روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله (ص): يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأولهم وآخرهم. قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يُخسفُ بأولهم وآخرهم،ثم يبعثون على نياتهم



      خروج النار
      النار ناران
      أ- نار خرجت وانتهت، وهي التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل
      ب- نارٌ لم تخرج بعد، وهي آخر الأشراط في الحياة الدنيا وأول أشراط الآخرة: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: يحشرُ الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير،ويحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا



      الريح التي تقبض أرواح المؤمنين
      من أين تُبعث هذه الريح
      روى مسلم والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله (ص): إن الله تعالى يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير؛ فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبه من إيمان إلا قبضته
      لا يمنع من هذا الريح شيء
      ففي حديث عبدالله بن عمرو: . . . حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل؛ لدخلته عليه؛ حتى تقبضه
      كيف تقبضهم الريح
      ففي حديث النواس بن سمعان: . . . فبينما هم كذلك؛ إذ بعث الله ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم
      صفات هذه الريح
      ففي حديث مسلم عند عبدالله بن عمرو: . . . ثم يبعث الله ربحاً كربح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبةٍ من إيمان؛ إلا قبضته



      تخريب الكعبة حراسها الله
      صاحبها ذو السويقتين(له ساقان دقيقان) من الحبشة
      روى الشيخان والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله(ص) : يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة
      صفاته
      أسود أفحج
      هلكة العرب باستحلالهم للبيت، وتخربه الحبشة، فلا يعمر أبداً
      روى أحمد عن أبي هريرة: أن رسول الله(ص) قال: يبايع لرجل ما بين الركن والمقام، ولن تستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه؛ فلا يُسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة، يخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً، وهم الذين يستخرجون كنزه
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • السلام عليكم
      نشكر الأخت الكريمة ورد المنى على هذا المجهود الطيب نفع الله الإسلام والمسلمين بهذا العمل
      وأحببت أن أشارك بهذا الجزء من كتاب


      الإيمان


      المصدر : العقيدة الإسلامية - إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية

      1-المفهوم اللغوي :


      آمن إيمانا : صدق .

      والإيمان : التصديق الجازم .


      2-المفهوم الإصطلاحي :

      الإيمان هو : التصديق بالجنان وإظهار الخضوع لله تعالى والقبول لشريعته .

      والإيمان هو التصديق بالأمور الغيبية التي لا تقع تحت دائرة الحس والعقل . وهو القول

      باللسان والعمل بالأركان .


      3-محل الإيمان :

      الإيمان محله القلب ، منه يستمد العقل أسباب توازنه ويمده بعناصر التدعيم والتأصل .

      ويظهر أثره على الجوارح التي تتحرك في الاتجاه الذي يحدده العقل مؤيدا بقوى الوجدان

      لذا فإن الترابط بين الجوانب الثلاثة متين جدا لا يمكن أن ينفصل الواحد عن الآخر .

      وبهذا المفهوم يعتبر الإيمان كلا لا يتجزأ ، إذ لا يعتد بالإيمان القولي ما لم تترجم مقتضياته

      عمليا بالجوارح ترجمة نابعة عن قناعة وإخلاص000

      فالعمل جزء من أجزاء الإيمان بل هو ركن من أركانه وكل إناء بما فيه يرشح ، ورشح

      القلوب سلوك يعاش .
      4-المؤمن :

      المؤمن هو من أظهر الخضوع الكامل لشرع الله تعالى واستشعر التوحيد بقلبه واستيقن من

      وجوده ، وعجز عن إدراك كنهه ، فإذا غاب واحد من الشروط يصير الإيمان لا معنى له .

      فلا بد للمؤمن حتى يصح له هذا الاسم :


      أ-أن يستيقن من وجود الخالق يقينا لا يخامره شك .

      ب-أن يسلم بالعجز عن الوصول إلى حقيقته وذاته وكنهه .


      هذا الإيمان هو الكفيل بأن يشيع الطمأنينة في قلب المؤمن ويجعل حدا لمتاعب الإنسان

      الناتجة عن الجري وراء ما لا يدرك بعقل أو بحس .

      والمؤمن نموذج واضح الملامح وشخصية متكاملة الجوانب :


      أ-لأن إيمانه ثابت فهو يؤمن بالله الذي أصبح وجوده يقينا في نفسه لا يرتاب في ذلك

      ولا يتزعزع .

      ب-لأن إيمانه نهائي ويستمد ذلك من شعوره المطلق عن الإدراك الحسي لما هو مقطوع

      بوجوده .
    • مكانة نزوى التاريخية



      ألقى سماحة الشيخ/ أحمد بن حمد الخليل المفتي العام للسلطنة محاضرة تاريخية قيمة بعنوان( مكانة نزوى التاريخية) وذلك بجامع السلطان قابوس بنزوى، تحدث فيها عن مكانة نزوى التاريخية وإسهاماتها وعلمائها الذين عاشوا على ترابها، وساهموا في نشر العلم والأدب، وذلك في إطار سلسلة الندوات والمحاضرات التي نظمت ضمن فعاليات عام التراث 1994 وفيما يلي نص المحاضرة.



      بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين أحمده تعالى بما هو أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأرض ومن عليها وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

      أما بعد:

      فإنها لفرصة سعيدة من أسعد الفرص أن نلتقي بكم في هذه المدينة العريقة التاريخية ، وفي هذا الجامع الإسلامي العظيم، الذي ترددت بين جنباته أصوات أئمة قادوا البشر إلى طريق الحق، قالوا فأنصت الدهر ووعى الزمن، وصالوا فخسيء العدو، وسجل التاريخ أن كل أمة متحضرة تعتز بانتمائها إلى ماضيها العريق وتبني على أسسه حاضرها المشرق، ومن أجل ذلك فقد توجهت الإرادة السامية لعاهل البلاد المفدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله- إلى أن يكون هذا العام( عام التراث) إيمانا من جلالته بأن الحضارة الحاضرة لا تبنى إلا على دعائم ثابتة من تاريخ الأمم والشعوب ، وهذا أمر متفق عليه، وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى عندما يذكر بعض عباده بماضيهم يذكرهم بذلك في معرض أمرهم بالخير ونهيهم عن السوء فالذي جاء في كتابه العزيز من خطابه لبني إسرائيل مذكرا إياهم أمجادهم الماضية، إذ كانت فيهم النبوات، وكان فيهم الخير، وكان فيهم الصلاح، وكانت فيهم الاستقامة، فكان انحرافهم عن ذلك أمرا منافيا للفطرة، ناشزا عن الطبيعة، والله سبحانه وتعالى عندما ذكر الماضين قال:] لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون[(سورة يوسف الآية11).

      ومن أجل ذلك أدرك العقلاء حتى من الشعوب غير المسلمة أن الأمم إذا انفصلت عن ماضيها وبنت حاضرها على حاضرها فقط كانت أمما ذليلة مستهجنة إذ لا أصالة لها تعتمد عليها فمن بين هؤلاء الذين ذكروا ذلك أحد علماء الاجتماع الغربيين إذ قال:( وأن الشعب الذي يحب الرقي يجب عليه ألا يقطع الصلة التي تربطه بماضيه).

      ولئن كان لأي شبر في بلاد عمان العزيزة ماض عريق وتاريخ حافل بالأمجاد فإن هذه المدينة التاريخية" نزوى"- بيضة الإسلام- هي جامعة جميع ذلك، فهي مدينة تتميز بالكثير من المزايا سواء كان من ناحية موقعها الجغرافي أو من ناحية مكانتها التاريخية فمن حيث الموقع الجغرافي فإن مدينة نزوى هي قلب عمان، إذ هي وسط جوف عمان، وما سميت هذه المنطقة بالجوف إلا لكونها تتوسط البلاد، وقد جاءت نزوى في قلب هذا الجوف وبقية بلدان الجوف تحوط بها، وكان اختيارها عاصمة لعمان في أيام الإمام ال بن كعب. رحمه الله- منعطفا تاريخيا مرت به هذه المدينة إذ نقلت العاصمة من صحار إلى نزوى في ذلك الوقت، وقد أدى هذا الأمر إلى أن تجمع عدد كبير من أهل العلم والفضل في ساحتها، ومن أجل ذلك سميت في عهد الإمام غسان بن عبدالله، رحمه الله تعالى- " بيضة الإسلام" والبيضة هي الساحة، وهي ساحة الإسلام من حيث إنها جمعت جماعة كبيرة من علماء الإسلام وبكلا الاعتبار صح أن نسمي هذه المدينة في ذلك الوقت ببيضة الإسلام واستمرت هذه التسمية إلى وقتنا هذا فشاعر العرب والمسلمين العلامة( أبو مسلم) ذكرها من موضع باسم بيضة الإسلام كقوله:

      على بيضة الإسلام قر أساسه
      وقوله:

      وافرق لها البيد حتى يستبين لها



      وطائره فوق السمائين حائم



      فرق على بيضة الإسلام عنوان




      وقد أسهمت هذه المدينة بأعداد وافرة كثيرة من العلماء الذين هم من أبنائها وحسبنا أن يكون من أبناء هذه المدينة الإمام العظيم أبو الشعثاء" جابر بن زيد" رحمه الله تعالى، ذلكم الإمام الذي عرفه التاريخ وسجل مآثره وحفظ آثاره الذي كان معلما من معالم الإسلام يشهد بذلك القاصي والداني، وحسبه ما صدر من حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما من الثناء عليه، فهو أحد شيوخه الذين أخذ عنهم العلم، وكان يثني ثناء عظيما على تلميذه حتى أنه قال:" عجبا لأهل العراق يحتاجون إلينا وعندهم جابر بن زيد، لو قصدوا نحوه لوسعهم علمه".

      وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول في تلميذه جابر بن زيد: أعلم الناس بالطلاق. وجاء أيضا أن ابن عباس رضي الله عنهما كان في حرم الله تعالى الآمن حيال الكعبة المشرفة في رحاب بيت الله الحرام، وإذا به يسمع صوتا ينادي رجلا يصلي على ظهر الكعبة : أيها المصلي لا قبلة لك، فلما سمع ابن عباس ذلك قال: إن كان جابر بن زيد في شيء من هذا البلد فهذا الكلام صادر عنه. فقد أدرك ابن عباس قوة إدراك تلميذه الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد فقال فيه هذا القول العظيم، ومما هو جدير بالذكر أن الثناء على الإمام أبي الشعثاء لم يكن من شيخه البحر ابن عباس فحسب: بل كان من غيره من أئمة الصحابة والتابعين، فقد روي أنه لما بلغ نعيه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه- وهو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورين- قال أنس في حق جابر رضي الله عنهما: مات أعلم أهل الأرض.

      وروي أيضا أنه لما مات ابن عباس وقف جابر بن زيد على قبره فقال: اليوم دفن رباني هذه الأمة، ولما مات جابر وقف الحسن البصري على قبره فقال: اليوم دفن رباني هذه الأمة. ويذكر أيضا أنه لما مات جابر بن زيد قال قتادة: أدنوني من قبره فأدنوه منه وقال : اليوم مات عالم العرب أو دفن عالم العرب هذه الشهادات كلها تدل على ما لهذا الإمام من مكانة تاريخية وقد كان منبت هذا الإمام قرية" فرق" التي تعد امتدادا لهذه المدينة التاريخية ، إذ لا يكاد يفصل بينهما إلا فراغ يسير من الأرض، وقد كان للإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد رحمه الله تعالى عمل إيجابي بناء في حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إن لم يكن أسبق الناس إلى التأليف فمن أسبقهم فقد ألف ديوانه العظيم الذي أتى عليه الدهر ولم يبق منه باقية، والمؤرخون منهم من يقول إن هذا الديوان كان حمل خمسة جمال، ومنهم من يقول كان حمل جمل، ولا منافاة بين قوليهم، فأما كونه حمل خمسة جمال لاعتبار كتابته في الجلود التي كانوا يكتبون فيها قديما، وكونه حمل جمل باعتبار كتابته في الأوراق عندما تطورت الكتابة وصار الناس يكتبون في هذه الأوراق المعهودة.

      وعندما ذهب ممن ذهب من أهل عمان إلى بلاد البصرة للارتواء من مناهل العلم من هناك ثم رجعوا أدراجهم إلى عمان لنشر ما تلقوه هناك في أوساط شعبهم، كان من بين هؤلاء الذين تكبدوا المشاق وتحملوا الصعاب وصبروا على الشدائد في سبيل العلم تعلما وتعليما أحد أبناء نزوى، وهو الإمام بشير بن المنذر النزواني، الذي عرف بلقب الشيخ في الأثر المشرقي ولا ريب أنه بانتقال العاصمة العمانية إلى نزوى ازدحمت أقدام العلماء فيها، الذين أتوها من كل فج عميق، منهم من هاجر إليها واستوطنها ومنهم من كان يأتي إليها لنشر العلم أو ليتلقى المزيد من العلم، فكان كبار العلماء يترددون باستمرار إلى نزوى جيئة وذهابا فالإمام موسى ابن أبي جابر والإمام علي بن أبي عزرة والإمام موسى بن علي والأزهر بن علي ومحمد بن علي وغيرهم من العلماء الكبار، وكذلك ابن محبوب والأسرة المحبوبية الرحيلية التي كانت تتردد بين صحار ونزوى لأنها وطنت صحار، ولكن بحكم علاقتها بالأئمة الذين كانوا يقيمون بنزوى لم يزالوا يترددون عليهم باستمرار، لأن الإمام ابن محبوب كان مرجع العلماء في زمانه وكذلك بنوه كان لهم دور لا يستهان به في نشر العلم، فقد تلقوا منه العلم ونشروه تدريسا وإفتاء في أوساط الناس، وكانوا يرجع إليهم في هذا الأمر.

      وكان من جملة العلماء الذين كانوا بنزوى أيضا العلامة الكبير سليمان بن عثمان، الذي كان مرجع العلماء في عهد الإمام غسان بن عبدالله رحمهم الله تعالى جميعا، وقد وجدت عائلات في نزوى تت العلم كابرا عن كابر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العناية البالغة والجهود المضنية التي كانت تبذل هنا من أجل نشر العلم في أوساط الناس، فقد وجدت عائلة الشيخ محمد بن صالح وذراريه، تسلسل عشرة منهم أو أكثر ، كل منهم كان علامة فقيها، وكذلك عائلة آل مداد التي تسلسلت وهي تحمل الأدبي في العلم ولواء الأدب، في عهد كان معروفا عند الأدباء بالانحطاط الأدبي في العلم على مستوى العلم، ومع ذلك إذا جئنا إلى أدب آل مداد وجدناه أدبا راقيا جدا، ومما يؤسف له كثيرا أن هذا الأدب لا يزال قابعا في المخطوطات إلى وقتنا هذا لم تتح له فرصة الانتشار بين الناس.

      هذه المكانة العلمية الروحية بجانب المكانة السياسية التي كانت تحتلها هذه المدينة جعل لها صدرا كبيرا في أوساط الشعب، ومن هنا نجد الكثير من الشعراء مجدوا هذه المدينة تمجيدا بالغا وأثنوا عليها ثناء عظيما كالذي نجده في ديوان ابن اللواح الخروصي وغيره من الشعراء، وحسبنا أن نذكر هنا بعض ما قاله الشاعر الكبير العلامة أبو مسلم- رحمه الله تعالى- في الثناء على هذه المدينة إذ قال:

      وافرق بها البيد حتى يستبين لها



      فإن تيامنت الحوراء شاخصة



      فحط رحلك عنها إنها بلغت



      فطالما وخدت تبغي لبانتها



      انزل فديتك عنها إن حاجتها



      انزل فديتك عنها إن وجهتها



      هنالك انزل وقبل تربة نبتت



      انزل على عرصات النور حيث حوت



      انزل على عرصات كلها قدس



      حيث الملائكة احتلت مشاهدهم



      أرض مقدسة قد بوركت وزكت

      ما طار طائرها لله محتسبا



      إلا وقام يمين الله ساعده



      ميمونة بركات الله تنفحها



      رست بها هضبة الإسلام من حقب



      قديمة الذكر عاذ الدين عائذها



      قامت بها قبة الإسلام شامخة



      ولم تزل عرصة للعدل عاصمة



      كم أشهر الله فيها من حسام هدى



      كنانة لسهام الله ما فرغت



      بحجة الله قامت في الشقاق لها



      لسرها واختصاص الله قائمها
      إلى أن قال:

      تعاقبت خلفاء الله منصبها



      أئمة حفظ الدين الحنيف بهم



      صيد سراة أباة الضيم أسد شرى



      سفن النجاة هداة الناس قادتهم



      تقبلوا مدح القرآن أجمعها



      فرق على بيضة الإسلام عنوان



      لها مع السحب أكناف وأحضان



      نزوى وطافت بها للمجد أركان



      كأنهن مع الإمضاء عقبان



      عدل وفضل وإنصاف وإحسان



      تخت الأئمة مذ كانت ومذ كانوا



      بها الخلافة والإيمان إيمان



      أئمة الدين قيعان وظهران



      للحق فيهن أزهار وأفنان



      لها على الحل والتعريج إدمان



      تنصب فيها من الأنوار معنان



      له جناحان إيقان وعرفان



      والفتح والنصر والتأييد أعوان



      واليمن يثمره علم وإيمان



      وإن قضت باستتار العدل أحيان



      من يوم أصبح توحيد وقرآن



      حتى تواضع بهرام وكيوان



      للإستقامة فيها الدهر سلطان



      كأنها لسيوف الله أجفان



      مذ كان للجور سلطان وشيطان



      بدين ذي الثفنات الحبر إيقان



      بالنصر والفتح برهان وبرهان



      منذ الجلندى وختم الكل عزان



      من يوم قيل لدين الله أديان



      شمس العزائم أواهون رهبان



      طهر السرائر للإسلام حيطان



      إذا استحق مديح الله إيمان




      فهذا الشعر إنما يعرب عن ما بنزوى من مكانة في نفس الشاعر الكبير والعالم البصير، الذي عرف التاريخ، وعرف ما قدمته هذه البلاد العريقة من ثناء على التاريخ المجيد لهذا الشعب المسلم الأبي الأصيل في إسلامه، ولم تكن مكانة نزوى محصورة في القطر العماني فحسب وبين أبناء الشعب العماني بل كانت بركات الخير تمتد إلى أصقاع بعيدة ونواحي متعددة، فنجد الناس يلجؤن إلى هذه المدينة في أوقات الشدائد لطلب نصرة أهل الحق لهم عندما يواجهون الظروف العاتية المستعصية.

      فمن ذلك تلكم الصرخة التي جاءت من بلاد سقطرة منبعثة من قلب امرأة مؤمنة هالها ما لقيت هناك من جور التعدي من الأحباش الذين أغاروا على سقطره، وكانت في ذلك الوقت تابعة سياسيا لهذه المدينة، فارتكب أولئك المحتلون الغادرون ما ارتكبوه من المنكرات وانتهكوا من الأعراض وأبادوا ما أبادوا من الحرم، فلم يقر لها قرار حتى أرسلت في ذلك الوقت تلكم الصرخة إلى الإمام الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله، الذي كان مقيما في هذه المدينة، تتمثل هذه الصرخة في قصيدة شعرية جاء فيها:

      قل للإمام الذي ترجى فضائله

      ما بال صلت ينام الليل مغتبطا



      بأن يغيث بنات الدين والحسب

      وفي سقطرى حريم باد بالنهب




      فلبى الإمام نداءها وأمدها به من جيش جرار احتمله أسطول يتكون من "100" سفينة، وقد أمر الإمام على جنده اثنين من أصحابه، زودهما بنصيحة بالغة فيها ما يأتون وما يذرون، مستمدة من أحكام شريعة الله تبارك وتعالى كل ما فيها نابع من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على ما وصل إليه أولئك الأئمة من فقه في الدين وحس إسلامي مرهف وإدراك لأبعاد الأمور وتدبير لجميع القضايا بنظرة إيمانية فائقة، وهذا الإمام نفسه أيضا أمد بعض المسلمين ببلاد الهند عندما استصرخوه طالبين نصرته على القراصنة الذين آذوهم في ذلك الوقت، فما كان منه إلا أن أرسل إليهم كتيبة لمكافحة القراصنة، ثم لتدريب جيش الحاكم الهندي المسلم على مكافحة القراصنة، وهذا أمر أشار إليه ابن اللواح في إحدى قصائده عندما قال:

      سرايانا لأرض الهند سارت



      ولليمن الفسيح وما ولاها




      وكان لليمن ذلك أيضا في عهد حفيده الإمام الخليلي بن شاذان، عندما وفد إليه الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي من بلاد حضرموت مستنفرا به على الصليحي الدجال الباطني، الذي كان يحمل نوايا مضادة للإسلام وعقائد زائفة على الإمام الخليل بن شاذان في كثير من قصائده
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • وهنا نجد بعض الذين عميت عليهم الحقيقة أو تعاموا عنها لسبب أو لآخر، يحاولون المكابرة في هذا الأمر زاعمين أن الإمام أبا إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي ما كان إلا أسطورة ابتكرها السالمي والباروني وقد ظلت عقول هؤلاء عن كون السالمي والباروني يعتبران الكذب كبيرة من الكبائر التي تؤدي بصاحبها إلى الخلود في النار حسب المعتقد الصحيح الذي يدينان به، فما لهما وللافتراء، ومن بين هؤلاء الذين حاولوا تمويه هذه الحقيقة الدكتور صلاح الدين المنجد، إذ زعم أن الحضرمي أسطورة ابتكرها السالمي والباروني، وقد كان الطنبور الذي رقص على أنغامه هو أن الحظ لم يحالفهما عندما أرادا أن يبتكرا هذه الشخصية الأسطورية، فقد ذكر أنه وفد الإمام أبو إسحاق الهمداني الحضرمي على الخليلي بن شاذان الذي نصب في عام "407هـ" ومات " 425هـ، مع أن حروب الصليحي كانت في العام الخمسين من القرن الخامس أي في عام "450هـ" كل ما استطاع أن يستغله الدكتور صلاح الدين المنجد لما ذهب إليه غلطة تاريخية وقع فيها بعض المؤرخين العمانيين، وهي أنهم قالوا بأن الإمام الخليل عقدت عليه الإمامة في عام" 407"، والحقيقة غير ذلك ففي سيرة الإمام العلامة عبدالله بن مداد رحمه الله أن الإمام الخليل مسجل قدحا في جبل في بعض بلدان وادي بني خروص ولا يزال موجودا إلى الآن.

      ونحن إن عدنا إلى تراث الإمام الحضرمي نجد تراثا متداولا قبل أن يكون هنالك ذكر للسالمي أو للباروني، فكتابه" مختصر الخصال" كتاب متداول قبل هذين الشيخين رحمهما الله وبفترة طويلة، وقد علق عليه تعليقات أحد علماء نزوى وهو الشيخ حبيب بن سالم أمبو سعيدي قبل الإمام السالمي بأكثر من قرن، وديوانه كان متداولا من قبل.

      على أننا نجد في تضاعيف كلامه ما يقطع بأن كلا من الإمام السالمي والزعيم الباروني لم يكونا يعرفان معناه لعدم احتكاكهما بالشعب الحضرمي، وهناك عبارات في ديوان الحضرمي وفي مختصر الخصال لا يعرفها إلا من مارس اللهجة الحضرمية ككلمة " عاد" هذه كلمة غير متداولة في عمان رأسا، وإنما هي كلمة معهودة عند الحضارمة ولا يزالون يستعملونها إلى الآن وقد جاءت في كلام الإمام الحضرمي في مواضع من ديوانه ومواضع من كتابه " مختصر الخصال" كقوله في ديوانه " إنا تركنا عاد وعظ الكلم" والذين أدركوا الحقائق أثبتوا وجود الإمام الحضرمي وأنه شخصية حقيقية وليست شخصية وهمية كما ذهب الدكتور صلاح الدين المنجد، ومن بين هؤلاء الذين سجلوا ذلك من مؤرخي الحضارمة الأستاذ باوزير في كتابه معالم تاريخ الجزيرة العربية، ذكر فيه وفود الإمام أبي إسحاق الحضرمي على الإمام الخليل بن شاذان هنا بنزوى، وقد جاء الاستصراخ أيضا إلى هذا البلد التاريخي من المسلمين الذين بلغهم ما قام به أئمة اليعاربة من تطهير لهذه البلاد من رجس الاحتلال البرتغالي الكاثوليكي المتعصب لبقاع من موانيء الخليج، جاء الاستصراخ من بلاد أفريقيا، من ممباسا، زنجبار، وماليندي، وبلاد أخرى، وصل وفد يمثل أهل هذه البلدان طالبين نصرة الإمام سلطان بن سيف خليفة الإمام ناصر بن مرشد، الذي بدأ الحرب مع البرتغاليين فكانت تلكم الوثبة التاريخية التي أوصلت مد الحكم العماني إلى بلاد قاصية من شرق أفريقيا وأدى الأمر بالتالي إلى تطهير هذه البحار من الوجود البرتغالي.

      وبجانب هذه الأدوار التاريخية العظيمة السياسية والعلمية هناك نوع من الابتكار في التأليف ممن سبقت إليه هذه المدينة وإن لم تكن سابقة لغيرها فقد شاركت غيرها في مرحلة متقدمة في إنشاء الموسوعات العلمية، فالموسوعات العلمية التي توجد بين أيدينا إلى وقتنا هذا معظمها نزوية، لا ريب أن هناك موسوعات أخرى ولكن أتى عليها الزمن ، فالتاريخ يذكر أن هناك موسوعة للإمام ابن محبوب رحمه الله في سبعين سفرا، وهناك موسوعة أخرى للإمام بشير بن محمد بن محبوب كانت في سبعين سفرا، ولكن هذين الكتابين أتى عليهما الدهر، لم نجدهما في عمان ولا في بلاد أخرى خارج عمان، وإنما ذكر البدر الشماخي- وقد كان في القرن السابع الهجري- بأنه اطلع في حياته على جزء واحد من موسوعة ابن محبوب، وهذا الجزء كله في أحكام الحيض، وكان يتلى ما فيه على أحد الفقهاء الكبار فكان يقف عند كل مسألة ويقول: هذا هو العالم الفقيه.

      أما الموسوعات التي بقيت أو بقي جانب منها في وقتنا هذا معظمها موسوعات نزوية، فهناك كتاب" بيان الشرع الجامع من علوم الإسلام الأصل والفرع" وكتاب بيان الشرع ألفه الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم الكندي رحمه الله تعالى في ثلاثة وسبعين جزءا، وقد اشتمل على جميع أبواب الفقه بل وعلى أبواب العقيدة أيضا بجانب الفقه ، وقد أتى على كل ما يحتاج إليه الفقيه من أحكام تتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاق.

      وهناك موسوعة ثانية لابن عمه الشيخ أبي بكر أحمد بن عبدالله الكندي، تقع الموسوعة في واحد وأربعين جزءا وتسمى بكتاب " المصنف" ونستطيع أن نقول بأن كتاب المصنف إنما هو في الحقيقة تهذيب لبيان الشرع، لأن فيه شيء الاختصار مع الإلمام بمعظم المسائل التي في بيان الشرع.

      هناك موسوعة أخرى ربما توجد الآن بعض أجزائها، ولكن لم نظفر بها بعينها، وإنما وجدنا نقولا عنها في كتاب قاموس الشريعة، وكتاب التاج للعلامة عثمان بن عبدالله الأصم- وهو أيضا من علماء نزوى- أما صاحبا بيان الشرع والمصنف فلهما ابن عم قام أيضا بتأليف موسوعة ولكن هذه الموسوعة لا تكاد توجد في وقتنا هذا، وإن كانت موجودة فهي نسخ قديمة لا يكاد يفهم ما فيها، هذه الموسوعة هي كتاب" الكفاية" ولعل صاحب هذا الكتاب نهج في تأليفه نهجا متوسطا بين إطناب صاحب بيان الشرع وإيجاز صاحب المصنف، لأن موسوعته في عدد أجزائها جاءت متوسطة بين هذه وتلك، ولكن لم نطلع حتى على جزء من هذه الأجزاء ومن العلماء المتأريخين من قام بتأليف موسوعة هنا بنزوى العلامة صاحب كتاب" جواهر الآثار".

      هذه الكنوز تدعو شباب اليوم إلى الاعتناء بها دراسة وتحقيقا وإبرازا وكما قلت في بداية حديثي إن اختيار هذا العام لأن يكون عام التراث لوصل الحاضر بالماضي، ولضم طارف المجد إلى تليده، فإنه لا يكفينا أن نتغنى بتراث الماضين فحسب، ولكن علينا أن نبني على المجد التليد مجدا جديدا مخلدا ذكره كما خلد ذكر ما سبق فهذه المؤلفات الواسعة وهذه المآثر التاريخية هي جميعا بحاجة إلى إبراز وتحقيق وطبع وإظهار وهذا أمر لا يمكن أن يتم إلا إذا تضافرت عليه جهود المخلصين من أبناء هذه الأمة، والآمال معقودة على الشباب الذين يقاس بمقياسهم رقي الشعوب والأمم أو انحطاطها، ويقدر لقدرهم تقدمها أو تأخرها، فمن هنا كان الواجب على هؤلاء الشباب وهم يدركون أن الآمال معقودة عليهم وأن الأبصار متجهة إليهم أن يحفزوا هممهم لدراسة ماضيهم التليد لأجل ضم مجدهم الحاضر إليه ولأجل أن يكون هذا الحاضر صورة تبرز ما قدمه الماضون من عمل وما أثروه من علم وما أفادوه من معرفة وما دونوه من حكمة. واختيار قائد البلاد المفدى باني النهضة الحديثة لأن يكون هذا العام عاما يعنى بالتراث لا يعنى أن يكون مجرد عناية بذكر من مضى وبافتخار لمن سلف وإنما يعني وصل هذا الحاضر بذلك الماضي لتنعكس إيجابيات الماضي على هذا الحاضر، وليكون هذا الحاضر امتدادا لذلك الماضي، بهذا تكون هذه الأمة أمة قوية موصولة بماضيها، كل جيل منها يعد في سلسلة أجيالها حلقة متصلة لسائر الحلقات لا تنفصل عن بقيتها ولا تخرج عن سلسلتها.

      فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه المساعي ، وأن يحفظ لهذه البلاد بأني نهضتها وقائد مسيرتها عاهلها المفدى، وأن يمد بالخير جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وأن يلهمنا رشدنا وأن يأخذ بأيدينا إلى جادة الصواب، ولا يفتوني هنا أن أشكر من أعماق قلبي وزارة التراث والثقافة على هذه العناية وعلى إتاحة هذه الفرصة للالتقاء بكم في هذا المكان التاريخي العظيم لاستلهام تاريخنا الماضي والاسترشاد به في بناء الحاضر.

      أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع دائما لمساعي الخير وأن يأخذ بأيدينا إلى جادة الصواب، إنه سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • قصه امرأة تائبة
      باختصار شديد هذة قصه امراة تائبه والسبب في ذلك
      انها تعمل في احدى المشاغل واتت اليها امراة وطلبت منهاان تنمص لها حواجبها
      ففعلت ذلك وعند نزع الشعره الاخيرة لم تستطع نزع الشعرةوقالت لها سوف اصبغها
      لكي ولكن المراة رفضت صبغها وطلبت نزعها وعند نزع الشعرة سقطت المراه وتوفت
      والسبب في ذلك انها نزعت الشعرة التي كانت تحتها الخليه السرطانيه وبعدذلك
      تابت العامله في ذلك المشغل
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • رسالة إلى عارضات السيقان
      ذهبت أم كلثوم بنت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنها وهي ابنة خمس سنين في حاجة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكان ثوبها يجر وراءها شبرا أو يزيد فأراد عمر أن يمازحها فرفع ثوبها حتى بدت قدماها فقالت: مه ""يعنى دعه واتركه"" أما إنك لو لم تكن أمير المؤمنين لضربت وجهك .
      ؛؛؛
      رحمك الله يا أم كلثوم أين انتي من بنات ونساء المسلمين اليوم . . !!
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • من ثمار التقوى :
      يحدث أحد الشباب وهو من الذين ذهبوا للدراسة في أوروبا أن هناك رجلآ أسلم من
      الأوروبيين وحسن إسلامه وصار حريصا على تطبيق شعائر الإسلام كلها حريصا على
      أن يظهر إسلامه ويعتز به أمام الكفار دون خجل أو حياء أو تردد حتى ولو لم يكن
      هناك مناسبة فإنه يحرص على ذلك يقول:
      أعلن في إحدى المؤسسات الكافرة عن فرصة وظيفية فتقدم لها هذا المسلم الفخور
      بإسلامه وكان لابد من المقابلة الشخصية والتنافس قائم على هذه الوظيفة فلما
      بدأت المقابلة سألته اللجنة الخاصة بالمؤسسة عدة أسئلة كان منها هل تشرب
      الخمر؟ فأجاب قائلا: لا أشرب الخمر لأني أسلمت وديني يمنعني من معاقرة الخمر
      وشربها . قالت اللجنة ((هل لك خليلات وصديقات))؟ قال صاحبنا :((لا .. لأن
      ديني الإسلام الذي انتسب إليه يحرم علي ذلك ويقصر علاقتي على زوجتي التي
      نكحتها بمقتضى شريعة الله عز وجل))
      وخرج وهو شبه يائس من أن ينجح في هذه المسابقة ولكن النتيجة أن جميع هؤلاء
      المتسابقين وكان عددهم كبيرا فشلوا ونجح هو وحده في هذه المسابقة فذهب إلى
      مسئول اللجنة وسأله قائلا:(( كنت انتظر أن تحرموني من هذه الوظيفة عقابا لي
      على مخالفتي لكم في دينكم وعلى اعتناق الإسلام ولكني فوجئت بقبولي على
      إخوانكم من النصارى فما سر ذلك , قال المسئول: أن المرشح لهذه الوظيفة كان يشترط فيه أن يكون شخصا منتبها في جميع الحالات حاضر الذهن والشخص الذي يتعاطى الخمر لا يمكن أن يكون كذلك فكنا نترقب شخصا من الذين لا يشربون الخمر ونظرا لتوفرهذا فيك فلقد وقع الاختيار عليك في هذه الوظيفة .
      فما الذي منع هذا المسلم من أن يكذب أو يخفي أمره أو يتلاعب بالألفاظ إنها التقوى فما كان من بركة الله للمتقين أمثاله إلا التيسير والرزق من حيث لا يحتسبون.
      فما ضر ذا التقوى نصال أسنة
      ومازال ذو التقوى أعز وأكرما
      ومازالت التقوى تريك على الفتى
      إذا محض التقوى من العز
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • العفة
      يذكر أنه كانت هناك فتاة في العصر العثماني خرجت لزيارة جدةٍ لها في آخرالبلدة ولكن في ذلك اليوم هطلت الأمطار الشديدة التي لم تستطع السير او الرؤية فيها فأوت إلى بيت كانت تحسبه مهجوراً من السكان لتتقي من هذا المطر الشديد لكن في هذه الأثناء ظهر شاب في أواخر العشرينات من العمر فرآها وهي على هذه الحال من الخوف والبرد فعرض عليها الدخول لتدفء نفسها فترددت ولكن المطر والرعد زاد فامتثلت لما قال وطلبت من ربها الحفظ والستر وعند دخولها للمنزل وجدته خاويا تقريباً إلا من بعض المؤن والأثاث والنار مشتعله فطلب منها التقرب للنار وجعل النار بينه وبينها وعندها رأته الفتاة بعد فترة من
      الزمن يقوم بأخذ أحد أعواد النار المشتعلة ويقوم بإحراق أصابعه واحداً تلوالآخر فأحست بخوفٍ شديد من هذا الشخص غريب الأطوار وتمنت لو أن المطر يتوقف لتنفذ بجلدها وتعود لبيت أهلها وفعلاً توقف المطر وقام الشاب وقال: أين منزلك لأوصلك لبيت أهلك. فلم تجب فقال: إذن أسير في الطريق وارمي إلي بحجر في الاتجاه المؤدي للبيت. ففعلت ما طلب منها ووصلت إلى بيت أبيها خائفة وقد وجدت أهلها قلقين عليها فأخبرت أبها بما جرى لها ولما جرى لهذا الشاب الذي أقلقها ما فعل بنفسه. فاستغرب الوالد من ذلك وذهب لملاقاة الشاب دون أن يخبره بأنه أباها ليعرف قصته وفعلاً ذهب لمنزل الشاب وأكرمه الشاب وتحدث معه طويلاً فعرف أنه شاب عابد زاهد فسأله عن حالته بتلك الليله فرد عليه الشاب بأنه أحرق
      أصابعه واحداً واحداً كي يتذكر عذاب النار ولا يقدم بفعل حماقة مع الفتاة .. وبعد هذا الشرح تقدم الوالد بعرض ابنته على هذا الشاب للزواج بها وقبل الشاب ذلك...
      والله ولي التوفيق،،،
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • [COLOR='FF4500']أ[/COLOR][COLOR='FF4500']ي][/COLOR[COLOR='FF4500']ن[/COLOR][COLOR='FF4500'] [/COLOR][COLOR='FF4500']ا[/COLOR][COLOR='FF4500']ل[/COLOR][COLOR='FF4500']ع[/COLOR][COLOR='FF4500']ر[/COLOR][COLOR='FF4500']ب[/COLOR]
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله المبدئ المعيد، الغني الحميد، ذي العفو الواسع، والعقاب الشديد، من هداه فهو السعيد السديد، ومن أضله فهو الطريد البعيد، ومن أرشده إلى سبل النجاة ووفَّقه فهو الرشيد، يعلم ما ظهر وما بطن، وما خفي وما عَلَن، وما هَجُن وما حَسُن، وهو أقرب إلى الكل من حبل الوريد. قسَّم الخلْق قسمين، وجعل لهم منزلتين، فريق في الجنة وفريق في السعير. إنَّ ربك فعال لما يريد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ للْعَبِيدِ) أحمده وهو أهل الحمد والتحميد، وأشكره والشكر لديه من أسباب المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، شهادة تكْفُل لي عنده أعلى درجات أهل التوحيد، في دار القرار والتأييد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، أشرف من أظلَّت السَّماء، وأقلَّت البِيدُ، -صلى الله عليه وسلم -تسليمًا كثيرًا، وعلى آله وأصحابه أولي العون على الطاعة والتأييد، صلاةً دائمةً في كل حين تنمو وتزيد، ولا تنفد ما دامت الدنيا والآخرة ولا تبيد.
      روحي الفداء لمن أخلاقه شهدت *** بأنَّه خير مبعوثٍ من البشرِ
      عمَّت فضائله كل البلاد كما *** عمَّ البرية ضوء الشمس والقمرِ
      (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُم مسْلِمُونَ) (يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا الاجتماع ذخرًا لي ولكم يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، وأن يجعله من صالحات الأعمال، وخالصات الآثار، وباقيات الحسنات إلى آخر الأعمار، اللهم اكتب لنا به أجرًا، وارفع به ذكرًا، واجعله لنا ذخرًا، اللهم اجعل سرائرنا خيرًا من علانيتنا، وأعمالنا خيرًا من أقوالنا، اللهم أنِرْ بصائرنا، وثبتنا على الحق حتى نلقاك، واجعل حديثنا حديث قلب لقلوب، أنت أكرم مسئول على الدوام، وأحق من يُرْتَجَى منه حسن الختام. صور وعبر الحلقة الثانية (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يفْتَرَى)

      أحبتي في الله: إن الصحابة الأبرار كما تعلمون هم حملة الإسلام وحفظته بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، اختارهم الله واصطفاهم لصحبة نبيه، ونشر رسالته من بعده، عدَّلهم وزكَّاهم، ووصفهم بأوصاف الكمال في غير ما آية من كتابه، رضي الله عنهم ورضوا عنه، نوعٌ فريد من الرجال،عدول ثقات صالحون، حازوا قَصبَ السبق في كل شيء، لم تعرف البشرية لهم نظيرًا، قمة في التقوى والورع، آية في التجرد والإخلاص، مِشْعَل في العلم والعمل، نِبْرَاس في الدعوة إلى الله.
      تالله لقد وردوا الماء عذبًا زلالا وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحدٍ مقالا فتحوا القلوب بالقرآن، وفتحوا القرى والمدائن به وبالسنان، هم أنصار الدين في مبتدأ نشأته، بذلوا المُهج يوم بخل أهل الدراهم بدراهمهم، رجال المغارم يوم يندس المغمورون في ثيابهم، هم لله -عز وجل- قلوبًا وأبدانًا ودماءً وأموالا، لم يجعلوا همَّهم حشو البطون، ولا لبس الحرير، ولا الإغراق في النعم، حفظوا الشرع من أهواء الزائغين، وحموا الملة من زحف المناوئين، شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، حملوا الوحْيَين، وحضروا البيعتين، وصلَّوا -أو أغلبهم صلى- إلى القبلتين. كلهم له همٌّ، وهمهم رفعة لا إله الله، كلهم له قصد، وقصدهم الجليل في علاه، خرجوا من أموالهم لله ولرسوله، فما شفا ذلك لهم غليلا، فأبوا إلا أن يقدموا الجماجم، ويسيلوا الدماء، ويستعذبوا العذاب في ذات ربهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأكرم في جنات الخلد مثواهم.
      بيضُ الوجوه ترى بطون أَكُفِّهِم *** تندى إذا اعتذر الزمانُ الممحلُ
      من كان متأسيًا فليتأس بهم؛ فهم أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، وأقومها هَدْيًا، وأحسنها حالا.
      همُ الرجال بأفياء الجهاد نَمَوْ *** وتحت سقفِ المعالي والنَّدى وُلِدُوا
      جباهُهم ما انحنت إلا لخالقها *** وغير ملةِ أبدع الأكوان ما عبدوا
      الخاطبون من الغايات أكرمها *** والسابقون وغير الله ما قَصَدُوا

      ومن هنا: فإن الكلام عن هؤلاء العظماء، وكشف الستار عن الصفحات الناصعة التي سطروها، واجب محتم علينا في هذا العصر في هذا العصر الذي نعيش فيه معمعة الأفكار، واضطراب الموازين، وموالاة الكفار، والوقوع في الصحابة الأبرار. واجب؟ نعم لردع أهل الهوى من الزنادقة والملاحدة، وأهل الكفر والابتداع الذين انتقصوا وسبُّوا خير جيل وطائفة وُجِدَت على وجه الأرض، لا لشيءٍ إلا لأنهم حَمَلة الإسلام، ورواة الأحاديث التي تهدم بِدَعهم، وتُظهر ضلالهم، وتُبْرز خُبْث طوَّيتهم، قاتلهم الله، وقاتل كل من حادَ عن كتاب الله وسُنَّة مصطفاه، واتَّبع غير سبيل المؤمنين. فهَلُمَّ هلم، وحي هلا بكم –أيها الأحبة- لنعيش الليلة معكم في ظلال محطة صور، ومائدة عبر من حياة عَلَم آخر في سلسلة أعلام هذه الأمة المباركة. علم يجب على الأمة أن تجعله وصحبه حديث شيوخها في السمر، وقصص أطفالها الذين لطالما أشغلوا بالقصص الهابط، والرسوم المتحركة، وحديث شبابها في منتدياتهم ونواديهم التي لطالما شغلت بالحديث عن اللاعبين والفنانين والساقطين والساقطات، إنه من أظهر إسلامه يوم كانوا يخفونه، إنه من تقلَّد سيفه وتنكب قوسه، وأخرج أسهمه وأتى الكعبة وأشراف قريش في فنائها، فطاف سبعًا رغم أنوفهم، وصلى ركعتين، وأتى حلقهم واحدة واحدة يقول: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحد. إنَّه مرقع القميص، وبين يديه الغالي والنفيس، إنَّه من يسلك الشيطان فجًا غير فجه، إنَّه الوقَّاف عند كتاب الله، المجاهد في سبيل الله، إنَّه القِيَم والمُثُل بعينها، وما أروع المثل يوم تكون رجالا فتكون الأخلاق فِعالا، إنَّه العادل إنْ ذكر العادلون، هو من سهر لينام الناس، وجاع ليشبع الناس، هو من جعل كبير المسلمين أبًا، وأوسطهم أخًا وأصغرهم ولدًا، هو من لا تأخذه في الله لومة لائم، هو قائل الحق ولو كان مرًّا، إنَّه من اشترى أعراض المسلمين من أحد الشعراء بثلاثة آلاف درهم، حتى قال ذلك الشاعر:
      وأخذت أطراف الكلام فلم تدعْ *** شَتْمًا يضر ولا مديحًا ينفعُ
      ومنعتني عِرض البخيل فلم يَخَفْ *** شتمي وأصبح آمنا لا يفزعُ
      زلزل عروش الظالمين، ودكَّ قلاع الأكاسرة والقياصرة، وخضعت لعدالته الجبابرة والأباطرة، وهَوَت عناكب الظلم أمام رايات عدله الخفَّاقة وفتوحاته المظفرة، فَأَرْغَم أنوف الروم، وحطم كبرياء الفرس، وأخرج المغضوب عليهم –اليهود- من جزيرة العرب بغدرهم ونقضهم العهود، أخرجهم أذلةً صاغرين، إنَّه الزاهد العالم العابد الغيور الخائف من الله، وكفى أظنكم قد عرفتموه، إنَّه [عمر بن الخطاب] -رضي الله عنه وأرضاه-، ولعنة الله على من أبغضه وعاداه، نور أضاء سطور التاريخ، وغرة في جبين الزمان، أُمَّة في رجل، إمام همام، مميت الفتن، ومحيي السُّنَنَ. عمر الذي لا يجهله أحد، وفي نفس اللحظة قلَّ أن يعرفه أحد في هذا العصر. يعرف بعضهم بعض أخباره، ونتفًا من نسبه وأعماله ، أما روح تلك الأخبار فلا يدركها إلا من تأملها من الأخيار، وإني لأرجو الله أن نكون وإياكم من أولئك الأبرار.
      مراكبُ أهل الهوى أتخمت *** نزولا ومركبنا صاعدُ
      إذا عدد الناس أربابهم *** فنحن لنا ربنا الواحدُ
      إلى صور ذات عبر من حياته، وعذرًا لن نفيه حقه في هذه العُجالة
      فأعلامُه في كل أرض خوافقُ *** يدين بها شرقٌ ويخضع مغربُ
      لكن حسبنا أن نقف عند بعض صور من حياته؛ وقفة عظة وتدبر واقتداء، ولأهل الهوى ردع وزجر، هاهي محطتنا الليلة محطة عُمَريَّة ، فهل أنتم نازلون؟ وهذه مائدتنا فهل أنتم إليها مائلون؟ أم أنكم لا ترغبون، معذرة لأصحاب البطون؛ أعني من لأجل رفع مستواهم المعيشي يكدون، ويقلقون في الكلام عن المسكن والسيارة والأثاث والراتب لا يملون، وعلى هامش الحياة بلا رسالة، يعيشون بهائم في مسالخ البشر وهم لا يشعرون، هتافهم دائمًا وأبدًا أين الصُحُون، مائدتنا تعتذرهم ثم تعتذرهم وتقول: إلىَّ إليَّ أيها المتيقظون العاملون المتدبرون، ومن بِسَلَف الأمة يقتدون، ومن عن التُرَّهات يترفَّعون، أنتم جميعًا مدعوون، وأنتم إن شاء الله رابحون. (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مما يَجْمَعُونَ)
      يا ربُ أنت العليم بظاهري وبباطني *** بالسر بل أخفى وبالإعلانِ
      أنت السميع لمنطقي وحروفه *** أنت الخبير بموقفي ومكاني
      إن لم أكن أهلا لتوفيقٍ فمُن *** فلأنت أهل المَنِّ والإحسانِ
      يا ربُ أنت المُرتجى والمُبتَغَى *** وأنا الفقير بذلتي وهواني
      اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزَنَ إذا شئت سهلا.

      الصورة الأولى: علم عمر- رضي الله عنه- أنَّ الخلافة أمانة لا استعلاء، وتكليف لا تشريف، وغُرْمٌ لا غُنْم، فقام يمشي في الأسواق بلا مواكب ولا مراكب، يطوف الطرقات يقضي حاجات الناس ويقضي بينهم، يَخْلُفُ الغزاة في أهلهم، يتفقد أحوال رعيته، همُّهم همُّه، وحزنهم حزنه، لينٌ، قوي، حازم، رحيم، راعٍ أمين، يقول تحت وطأة المسئولية كما روى [مجاهد] عن [عبد الله بن عمر] يقول: لو مات جَدْيٌ بطرف الفرات لخشيتُ أن يحاسب الله به عمر يوم القيامة. وفي رواية: لو عثرت دابة بضفاف دجلة لخشيتُ أن يسألني الله عنها لِمَ لمْ تُمهِّد لها الطريقَ يا عمر؟ يا لله! كلمات تدعو للتأمل في شخصية ذلك الرجل الذي ضربت به الأمثال في العدل والزُّهد والحرص على رعاية الأمة بالليل والنهار. فلا عبقري يفري فريه في ذلك العهد وفي ذلك الزمن. وبالمناسبة يذكر المؤرخون أن حمامة باضت في فسطاط [عمرو بن العاص] والي مصر آنذاك، فلما عزم على الرحيل أمر عماله أن يخلعوا الفسطاط، فلفت أنظارهم عش حمامة فيه بيض لم يفرخ بعد، فلم يُزْعِجُوا الحمامة، ولم ينتهكوا حرمة جوارها، بل أوقفوا العمل، وذهبوا إلى عمرو –رضي الله عنه- يعرضون عليه الأمر، ويأخذون رأيه فيها، فقال: لا تُزْعِجُوا طائرًا نزل بجوارنا، وحلَّ آمنًا في رحالنا، أجِّلُوا العمل حتى تَفْرُخَ وتطير. فيا للعظمة! ويا للرحمة! حتى الطير ينعم في ظل الأمن والعدل! مع العدول- رضوان الله عليهم- أيها الأحبة: إن المسلم وهو يستعرض مثل هذه المواقف ليأسى ويحزن يوم يصبح المسلم في عالمنا الإسلامي يتمنى أن يحظى بالاهتمام الذي كان يحظى به الحيوان والطير، في زمن عمرو، وعمر- رضي الله عنهما وأرضاهما- وأعود فأقول وأكرر مرارًا وتكرارًا: كل ذلك بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير، من هادن الأفعى تجرع سمها يومًا ما، ثم أثَنِّي فأقول: هنيئًا ثم هنيئًا لمن اكتحلت عيناه برؤية ذلك المجمع وذلك الجيل، الذي عمَّ عدله الطير والحيوان، اللهم وقد حرمنا رؤيتهم في الدنيا فلا تحرمنها في الآخرة؛ في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

      صورة أخرى: كان يرى مسئوليته عن كل فرد في سربه وأيِّمًا في بيتها ورضيع في مهده هو القائل: ما مثلي ومثل هؤلاء إلا كقومٍ سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر منها بشيء؟ قالوا: لا يا أمير المؤمنين، قال: فكذلك مَثَلِي ومَثَلُكُم.
      في عام الرَّمادة؛ وهو عام شديد القحط والجدب، ما قُدِمَت له لقمة طيبة فأكلها بل كان يؤثر بها الفقراء والمساكين، يوم زار الشام جِيء له بطعامٍ طيب، فنظر إليه وقال: يا لله! كل هذا لنا، وقد مات إخواننا لم يشبعوا من خبز الشعير؟! والله لا أطعمه.
      إن جاع في شدةٍ قومٌ شَرَفْتَهُم *** في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
      جوع الخليفة والدنيا بقبضته *** في الزهد منزلة سبحان مُوليها
      يتغير لونه في عام الرمادة من أبيض حتى يصبح مسودًّا من شدة الهمِّ بأمر المسلمين، يأكل الخبز بالزيت، ويمسح بطنه ويقول- كما رواه [ الإمام أحمد] بإسناد صحيح – :والله لتمرننَّ أيها البطن على الخبز والزيت مادام السمن يباع بالأسواق، والله لا تشبع حتى يحيى الناس. عجزت نساء الأرض أن يُنْجِبْنَّ مثلك يا عمر. يقول أسلم -كما في تاريخ عمر [لابن الجوزي]-: كان يقوم يصلي من الليل، فيذكر ما حلَّ بالمسلمين فلا يدري ماذا يصلي، يقول: إني لأفتتح السورة فما أدري أنا في أولها أم في آخرها، لما أعلم مما يلاقي المسلمون من الشدة. وحدث [الواقدي] قال: حدثنا [هشام] عن [سعد عن زيد بن أسلم] عن أبيه قال: لما كان عام الرَمَادَة جاءت وفود العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فأمر عمر رجالا يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة من الليالي: أحصوا من يتعشى عندنا، فأحصوهم في القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، أما المرضى والعيال الذين لا يحضرون تلك المائدة فقد بلغوا أربعين ألفًا، فكان يرسل إليهم عشاءهم في بيوتهم. فما برحوا حتى أرسل الله السماء. فوكل عمر بهم من يخرجهم إلى البادية ويعطيهم قوتًا، وحملانًا، ومتاعًا، وكان قد وقع الموت فيهم فأراه قد مات ثلثاهم، وقد كانت قدور عمر -رضي الله عنه وأرضاه- يقوم لها العمال من وقت السحر ليعملون الطعام، ونفذ ما في بيت المال، فلم يبق منه قليل ولا كثير. يروي [ابن كثير] في تاريخه: أن عمر عس ذات ليلة في ذلك العام، وقد بلغ بالناس الجهد كل مبلغ فلم يسمع أحدًا يضحك، ولم يسمع متحدثًا في منزله كالعادة، ولم يرَ سائلا يسأل، فتعجب وسأل فقيل: يا أمير المؤمنين قد سألوا فلم يجدوا فقطعوا السؤال؛ فهم في همٍّ وضيق، لا يتحدثون ولا يضحكون، ولا يمزحون، فيا لله! ماذا يفعل عمر؟ قد نفد كل ما في بيت المال، فألزم نفسه ألا يأكل سمينًا؛ فكان يبث له في الخل بالزيت حتى اسودَّ لونه، وتغير جسمه، وخشي عليه خشية عظيمة – رضي الله عنه وأرضاه – وتبلغ الأمور ذروتها، وحينها يلجأ مضطرًا إلى الله عالمًا علم يقين أن رفع البلاء بالتوبة والاستغفار، لا بفصاحة المتشدقين، وتصدي المتبجحين، فعن [أبي وِجْزة السعدي] عن أبيه قال: رأيت عمر خرج بنا يوم الرمادة إلى المصلى يستسقي فكان أكثر دعائه الاستغفار حتى قلت: لا يزيد عليه، ثم دعا الله وأوصى الناس بتقوى الله- عز وجل- فقال: اتقوا الله في أنفسكم، وما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي، فما أدري السَّخطة عليّ دونكم أو عليكم دوني، أو قد عمَّتكم وعمتني، فهلمُّوا فلندعُ الله أن يصلح قلوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرفع عنا البلاء، فرُئِيَ يومها رافعًا يديه يدعو الله ويبكي، والناس يدعون وراءه ويبكون، ثم نزل فلم يزلْ هذا شأنه حتى جاءت الرحمة من الله، وأذن الله للناس بالغياث والفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، فله الحمد أولا وآخر، وظاهرًا وباطنًا. أيها الأحبة: هذه مؤهلات الفرج، وهذه مؤهلات الغوث من رب العالمين؛ الجباه الساجدة لله، والعيون الدامعة من خشية الله، والأيدي المتوضئة المرتفعة يا رب يا رب ، ومطعمها حلال ومشربها حلال ، وتغذيتها حلال فأنى يرد من هذا حاله؟ يقول [أسلم]: فلو لم يرفع الله المحل عام الرمادة؛ لظننا أن عمر يموت همًا بأمر المسلمين رحم الله عمر ورضي عن ذلك النموذج. قد عرف مسئوليته تجاه رعيته، وراقب الله فيمن تحت ولايته، فأحبهم وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه ، عفَّ فعفوا وصدق فصدقوا ولو رتع لرتعوا
      ما كان إلا الشمس يسطع ضوؤها *** والخصب في أرض الضلال الماحلِ
      قف أيها التاريخ سجل صفحةً *** غراء تنطق بالخلود الكاملِ
      حَرِّك بسيرته القلوب وقد قست *** وعدت بقسوتها كصُمِّ جنادلِ

      صورة أخرى: روى [الإمام أحمد] بإسناد حسن في الفضائل ، قال: عن [زيد بن أسلم] عن أبيه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى <حرة واقم>، حتى إذا كنا بمرتفع إذ بنار بعيدة فقال عمر: يا أسلم إني لأرى هناك ركْبًا حبسهم الليل والبرد فانطلق بنا، قال: فخرجنا نُهَرْوِلُ حتى دنونا منهم، فإذا هي امرأة معها صبية صغار، وإذا بِقِدْر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون، فقال: السلام عليكم يا أهل الضوء - وقد كره أن يقول: يا أهل النار- قالت: وعليكم السلام، قال عمر: أأدنو؟ قالت: ادْنُ بخير أو دع. فدنا فقال: ما بكم قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: فمالِ هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء أُسْكِتَهُم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر. كلمات يهتز لها قلب وجنان كل مؤمن، فما بالك بعمر؟ يقول: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا، ثم يغفل عنا، الله بيننا وبينه. قال [أسلم]: فأقبل عليَّ عمر به ما به، يقول: انطلق، فأتينا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلا من دقيق، وكبَّة من شحم، ثم حملها عمر على ظهره، فقلت: أحملها عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا أمَّ لك، أتحمل عني وزري يوم القيامة؟! قال: فانطلقنا حتى أتيناها، فألقى العدل عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، وجعل يقول: دُرِّي عليّ وأنا أُحرِك، وجعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته، فلو رأيته لرأيت عجبًا، ثم أنزل القدر فأتته بصحفة فأفرغ فيها الطعام، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم، فلم يزل كذلك حتى شبعوا، ثم ترك عندها فضل ذلك الطعام، ثم قام وهي تقول: جزاك الله خيرًا. كنت أولى بهذا الأمر من عمر، قال: قولي خيرًا قولي خيرًا، ثم تنحى عنهم ناحية واستقبلهم وقد رَبَضَ مَرْبَضًا يراقبهم، يقول أسلم: فقلت إن له لشأنًا وهو لا يكلمني حتى رأى الصبية يصطرعون، ثم ناموا، فقال يا أسلم: ما أسهرهم إلا الجوع، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت. يا لها من كلمة تكشف عن رهافة الحس ونقاء الضمير! كل ذلك قبل أن يعرف العالم حقوق الطفولة، وقبل أن تُنْشأ لها المنظمات العالمية، سبق الإسلام إلى تقري حقوق الطفولة والأسرة فرضي الله عن عمر وعن صحبه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قرر مثل هذه الحقوق.

      أيها الأحبة: إن هذه الصورة لتذكرنا بصورة أخرى مضيئة في حياة عمر- رضي الله عنه وأرضاه- يذكر [الأوزاعي] أن عمر خرج في سواد الليل، فرآه طلحة فتبعه، فذهب عمر حتى دخل بيتًا، ثم خرج منه وطلحة يراقبه، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل الذي يأتيك؟ قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فجزاه الله عني خيرًا. فيقول طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتتبع؟ يا لله! هل يفعل الواحد منا مع أهله ما يفعله عمر مع رعيته؟ لا، إنه الإيمان الذي وقر في القلب وصدقه العمل، فلا والله لا ينساه الأيامى والثكالى واليتامى مادام في الأرض أيْمٌ أو ثكلى أو يتيم، ولا والله ما تنساه البطون الجائعة والأكباد الظامئة ما دام في الأرض بطن جائع أو كبد ظمأى.
      فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه *** ومن يحاول للفاروقِ تشبيها
      ومن رآه أمام القدر منبطحًا *** والنارُ تأخذ منه وهو يُزْكِيْهَا
      وقد تخلل في أثناء لحيته *** منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا
      رأى هناك أمير المؤمنين على *** حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا
      يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه *** والعَيْنُ من خشيةٍ سالت مآقِيها

      صورة أخرى: كان- رضي الله عنه- عظيم التواضع للخلق والحق، وكل الصور تدل على ذلك. رفعه الله بتواضعه درجات في الجنة. فعن [الفضل بن عميرة] أن [الأحنف بن قيس] قدم على عمر في وفد من العراق في يومٍ صائفٍ شديد الحر وهو محتجز بعباءة، يهنأ بعيرًا من إبل الصدقة، فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف. إنه من ولي أمر المسلمين فهو عبد المسلمين، يجب عليه ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة، فيا لله! ورب عمر إن مشهدًا كهذا خير من الدنيا وما فيها. يقول [عبد الله بن عمر بن حفص]: إن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان يحمل القِرْبَة على عنقه، فيقال له في ذلك. فيقول: إن نفسي أعجبتني فأردتُ أن أذلها. بل إنه لربما أخذ بيد الصبي يلقاه، فيقول: له ادْعُ لي؛ فإنك لم تذنب قط. بل إن [ابن عباس] –رضي الله عنه- دخل عليه يوم طُعِنَ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله حين خذله الناس، وتوفيَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك رجلان. فقال عمر: أعد، أعد. فأعاد. فقال عمر: المغرور مَنْ غُرَّ. ولو أن لي ما على ظهرها من بيضاءَ وصفراءَ لافتديتُ به من هَوْلِ المطلع، وددتُ أني أنجو كَفافًا لا أجر لي ولا وزر. (تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وكان متواضعًا للحق يقبله في السر والعلن، لقد كان بينه وبين رجل كلام في شيءٍ – كما أورد [ابن الجوزي] في تاريخه – فقال له الرجل: اتق الله يا أمير المؤمنين. فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟! فقال له عمر على الفور: دعه، فليقلها لي، نِعْمَ ما قال. لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم. يا ليت هذه الكلمة تكون عنوانا ولجامًا يلجم به نفسه كل من ولي من أمر المسلمين شيئًا صَغُر أو كَبُر إذًا لصلح الحال، وتغيرت الحال، وكسدت سوق النفاق. ولكن أشد عيوبنا أنَّا إذا ما نُصِحْنَا خَدَّرتْنَا الكبرياء.
      كان خوفه من الله عظيمًا بل ما قاده وحاده لتلك الأعمال المُشْرِقَة الخالدة إلا خوفه من الله – عز وجل – كان يمر بالآية فيغلبه البكاء وهو يصلي بالناس، حتى يقول ابنه عبد الله: إني لأسمع حنينه من وراء ثلاثة صفوف، وإنَّه لينشج حتى أقول: اختلفت أضلاعه. بل ذُكِر أنَّه خرج يعس ليلة من الليالي فمر بدار رجل من الأنصار، فوافقه قائمًا يصلي، يوم كانت دور المسلمين تعمر بالقرآن لها دوي كدوي النحل، وقف يستمع لقراءته فقرأ (وَالطُّورِ*وَكِتَابٍ مسْطُورٍ) حتى بلغ (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ*مَا لَهُ مِن دَافِعٍ) فقال عمر: قسم حق ورب الكعبة، ثم نزل عن حماره، واستند إلى حائط فمكث مليًا به ما به، ثم رجع إلى منزله فعاده الناس، لا يدرون ما مرضه؟ هذه حاله مع آية من آيات القرآن. فما حالنا مع كتاب الله ؟
      عُمْيٌ عن الذكر والآيات تَنْدُبُنَا *** لو كلَّم الذِّكْر جُلْمُودًا لأبكاهُ
      كان شديد المحاسبة لنفسه، يقول أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطًا، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر أمير المؤمنين بخٍ بخٍ والله لتتقين الله أو ليعذبنك الله ، فهلا خلا أحدٌ منَّا بنفسه يعاتبها ويحاسبها، علها أن تذكر الله فتسبل دمعة يستحق بها أن يكون ممن يستظل بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، نشكو إلى الله قسوة قلوبنا وغفلتنا، ونسأله بعزته وقدرته أن يلين قلوبنا فيه حتى تكون ألين من الزبَد. هو ولي ذلك والقادر عليه.

      صورة أخرى أيها الأحبة: إن الزهد في الدنيا، والإعراض عن طلب زينتها، والعزوف عن شهواتها، من كمال الإيمان، ورجاحة العقول. إذ الدنيا حقيرة، وزينتها خداع وسراب، شهواتها آلام تدفع بآلام، عرف ذلك الفاروق فركلها وقد أناخت عند قدميه. وذلك –والله- هو الزهد بعينه. ذكر [السيوطي] في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين أن [ابن سعد] أخرج أن [حفصة] [وعبد الله] ابني عمر كلموا عمر فقالوا له: لو أكلت طعامًا طيبًا كان أقوى لك على الحق. قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم ، قال: قد علمت نصحكم لي، ولكني تركته، لقد تركني صاحباي على جادة؛ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.
      له أمنياتٌ قَدَّسَ الله سِرَّها *** لتحقيقها في الأرض يرسو ويبحرُ
      يَكِلُّ جناح النسر دون بلوغها *** وفي دربها الخيل الأصيلة تعثرُ
      يذكر [القرطبي] في تفسيره عن [قتادة] أنه قال : ذُكِرَ لنا أن عمر-رضي الله عنه-قال : لو شئتُ لكنتُ أطيبكم طعامًا وألينكم لباسًا ولكني أستبقى طيباتي للآخرة. قال: ولما قدم الشام صُنِعَ له طعامٌ لم يُرَ مثله، قال: هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال [خالد بن الوليد]: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر بالدموع، وقال: لإن كان حظنا من هذه الدنيا هذا الحطام، وذهبوا هم في حظهم بالجنة، لقد باينونا بونًا بعيدًا، ثم أجهش بالبكاء
      يهفو إليهم لعل العيش يهنأ له *** ما بين صحب وأرحام وإخوان.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • لقد تلَقَّى الزهد دروسًا عملية تربوية من سيد الزاهدين محمد – صلى الله عليه وسلم – فاسمع يوم يروى [مسلم] فيقول: دخل عمر على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في مشربة له، فالتفت في بيت رسول الله – صلى الله عليه – وسلم فلم يجد شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا جلودًا قد سطع ريحها، ورسول الله مضطجع قد أثرت حبال السرير في جنبه الشريف – صلى الله عليه وسلم – فتدمع عينا عمر-رضي الله عنه –فيقول – صلى الله عليه وسلم -: ما بك يا [عمر]ٍ؟ فيقول: أنت رسول الله وخِيرته من خلقه على هذا، [وكسرى] [وقيصر] في الديباج والحرير وما تعلم؟! فاستوى – صلى الله عليه وسلم – جالسًا وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك أقوام عُجِلَت لهم طيباتهم في الدنيا. أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الأخرى"؟ أو كما قال: صلى الله عليه وسلم (وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)
      تموت الأُسْد في الغابات جوعًا *** ولحمُ الضأن تأكله الكلابُ
      وعبد قد ينام على حرير *** وذو نسب مفارشه الترابُ
      بمثل هذا الدرس النبوي الشريف تشبعت روح عمر بمعاني الكمال، وأصبح في ذلك نعم المثال. يدخل بيته ذات يوم وقد أصابه الجوع، فقال: أعندكم شيء؟ فقالت امرأته: نعم ما تحت السرير، فتناول وعاءً من تحت السرير فيه تمر فأكل ثم شرب من الماء ثم مسح على بطنه، وقال: الحمد لله، ويل لمن أدخله بطنه النار! ويل لمن أدخله بطنه النار! ونهدي هذه المقالة للذين لا يتورعون، أأكلوا من حلال أو حرام؟ ويل لمن أدخله بطنه النار! هاهو عمر والرهط المؤمنون معه أمام غنائم كسرى من الفرس؛ بساط كسرى وسواريه وجواهره وحلله وأمواله، وبينما هو كذلك إذ بعينه تذرف الدموع حَرَّى يكفكفها بطرف ثوبه. ويدهش الصحابة، ويقولون: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فينهد باكيًا، قائلا: فدت نفسي رسول الله وهو الأحب إلى الله منا، فدت نفسي أبا بكر وهو عند الله خير منا، والَهْفَ نفسي! مَضَوا إلى الله وخلفونا، ولم يَرَوا من زهرة الدنيا شيئًا، ثم فُتِحَ علينا من الدنيا ما ترون، وأخشى أن تكون طيبات عجلت لنا. فضج المسجد بالبكاء فما تسمع إلا النشيج والحنين. إيه يا عمر ! قد عشت عمرك زاهدًا في كل ما جمع البشر، أتعبت من سيجيء بعدك في الإمارة يا عمر.

      صورة أخرى: أورد [ابن كثير] في تاريخه عن [قيس بن الحجاج] قال: لما فُتِحَت <مصر> أتى أهلها إلى [عمرو بن العاص] حين دخل بؤونة شهر من أشهر العجم فقالوا له: أيها الأمير؛ إن لنيلنا هذا سُنَّةٌ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك؟ فقالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، فقال لهم عمرو –رضي الله عنه-: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، ومنعهم فأقاموا ثلاثة أشهر والنيل لا يجري منه قليل ولا كثير فتنة وابتلاء من الله حتى هموا بالجلاء من مصر، فلما رأى عمرو بن العاص ذلك الأمر وما حل بهم، كتب إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بذلك فكتب إليه عمر: لقد أصبت بالذي فعلت والإسلام يهدم ما قبله، ثم كتب بطاقة داخل كتابه، وقال لعمرو: إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل إذا أتاك الكتاب، فلما قدم كتاب عمر أخذ البطاقة فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد، فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجري، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأله أن يجريك. فألقى عمرو البطاقة في النيل، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها؛ لأنها لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة فقطع الله عادة السوء تلك عن أهل مصر إلى اليوم. الله أكبر من أطاع الله وصدق وأخلص مع الله طَوَّعَ الله له كل شيءٍ طَوَّع له الجبال والأنهار والقلوب والأرواح وأتته الدنيا راغمة.
      فتقوى الله خير الزاد زخرًا *** وعند الله للأتقى مزيدُ

      صورة أخرى: لقد كان عمر -رضي الله عنه- فقيهًا متأدبًا بأدب الخلاف، وكذلك كان صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهم، فالخلاف عندهم لا يفسد الود. لِمَ ؟ لأن الهدف عندهم هو إحقاق حق وإبطال باطل، فليظهر الحق على أي لسان. يقول [ابن مسعود] –رضي الله عنه-: لقد اختلفت مع عمر- رضي الله عنه- في مسائل تربو على مائة مسألة ،والسؤال الذي يفرض نفسه، هل أنقص هذا من حب عمر عند ابن مسعود أو العكس؟ لا والله، والشواهد تشهد بذلك، يقبل ابن مسعود يومًا على عمر –رضي الله عنه- وهو جالس ، فلما رآه عمر هشَّ له وبشَّ وقال: كَنِيف مُلئ علمًا وفقهًا، هكذا كانت نظرة عمر- رضي الله عنه- لأخيه نظرة تجردت عن الهوى والشهوة، فالحق مقصدها والصدق غايتها، فما نظرة ابن مسعود لعمر الذي اختلف معه فيما يربو على مائة مسألة . اسمع أخي الكريم: يأتي ابن مسعود اثنان أحدهما قد قرأ على عمر والآخر على صحابي آخر فيقول ابن مسعود للأول: من أقرأك القرآن؟ قال: أقرأنيه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فيجهش ابن مسعود بالبكاء حتى ابتلت الحصى بدموعه، ويقول: اقرأ كما أقرأك عمر؛ فإنه كان للإسلام حصنًا حصينًا يدخل فيه الناس ولا يخرجون، فلما أُصِيْبَ عمر انْثلم الحصن. لا غرابة في هذا القول من ابن مسعود- رضي الله عنه-؛ فهو القائل بعد وفاة عمر -كما روى [الإمام أحمد] في فضائله بسند حسن-: لقد أحببتُ عمر حبًّا حتى لقد خفت الله، والله لو أني أعلم كلبًا يحبه عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادمًا لعمر حتى أموت، ولقد وَجَد فَقْده كل شئ حتى العِظَاه. إن إسلامه كان فتحًا، وهجرته نصرًا، وسلطانه رحمة، ثم يقول أخرى -كما أخرج الطبراني-: لمجلس واحد من عمر أوثق عندي من عمل سنة، لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر- رضي الله عنه- بعلمهم، ولقد ذهب بتسعة أعشار العلم.

      أيها الأحبة: إن هذه الصور المضيئة من تاريخنا لتذكرنا بصفحات أخرى من صفحات سلفنا الكرام في أدب الخلاف فإليكُمُوها فَعُوها واسمعوها، يتناظر ذات يوم [يونس بن عبد الأعلى] [والشافعي] -عليهما رحمة الله- فاختلفا في مسألة، وانفضت المناظرة، ولم يتفقا. يقول يونس: فوالله -الذي لا إله إلا هو- ما رأيت أعقل من الشافعي، جاءني في بيتي، وطرق بابي ودخل وسلَّم عليَّ، ثم أمسك بيدي بحنان وتحنان، وقال: يا [أبا محمد] ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟ ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟ لا ريب أن يقول ذلك الشافعي -رحمه الله- وهو القائل: ما جادلت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق بجانبه. هذا الكلام المضيء نهديه إلى الذين تضج بهم الساحة الإسلامية هذه الأيام، ممن يخيل لأحدهم أنه أعلم العلماء وأحكم الحكماء، فلا يعرف توقيرًا لكبير، ولا يجلُّ عالمًا، ولا ينظر إلى أحد أنه يستحق الاحترام إلا نفسه، فيقع في عِرْض هذا، ويُعَجِّلُ هذا، ويَجْرَح هذا.
      وليس جراحهم في الجسم لكن *** جراح النفس تفتك بالرجالِ
      زيادة على أنْصِبَاء العلم *** كواو عمرو أو كنون الملحق
      تجد الواحد منهم يفكر بعقل غيره، ويسمع بأذن غيره، ويرى بعين غيره، ما قاله فلان هو الحق وما عداه فهو الباطل.
      فلو لبس الحمارُ ثياب خَزٍ *** لقال العمى يالك من حمارِ

      ونقول لهم وللكل: ألا نكون إخوة إلا إذا اتفقنا تمامًا في كل مسألة؟ منذ متى اتفق الناس؟ هاهم صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قادة الناس، ومعادن العلم، وأولى الناس بكل فضيلة، يختلفون لكن انظر إلي اختلافهم وهم الأسوة والقدوة؛ تجده رفيعًا لا يفسد ودًا، ولا يكسر قلبًا، ولا يخدش عرضًا، إنما يحق حقًا ويبطل باطلا، يا طالب العلم، يا أخي الكريم: أتفرقني عنك مسألة؟ فترفع عقيرتك عليَّ، ولا تجمعني بك ألف مسألة اتفقنا عليها! هل هذا من العدل؟ هل هذا من الإحسان؟ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) هلا جمعتنا أخوة الإيمان؟ كل شيءٍ بعد ذلك يأتي، ستكون الأخوة أقوى فتطغى، وكلنا ينشد الحق والحق أحق أن يتبع، والتجرد عن الهوى مطلب، لكنه عزيز المنال صعب المدرك، وما يلقَّاه إلا الصابرون. هاهو الإمام [مالك بن أنس]- عليه رحمة الله- دخل المسجد ذات يوم وجلس، فغضب عليه أحد الغلمان قائلا له: قُم فَصَلِّ ركعتين، فقام وصلى ركعتين، فأنكر عليه بعض شياطين الإنس قائلا: أتسمع لغلام وأنت الإمام؟ فقال الإمام مالك: خشيت أن أكون ممن قال الله فيهم: (وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ) الله أكبر، أين نحن -طلبة العلم -من هذا الفقه، وأولئك الفقهاء الذين بطريقتهم تلك استصغروا أنفسهم في الحق فاستعظمهم الناس، وتحركت بأعمالهم عوالم بأسرها وما زالت تتحرك؟ إن من طلبة العلم اليوم من يتسرب إلى نفسه الكمال الزائف، فيرى في نفسه العلم كله والحكمة كلها، ويحصد فيها الهداية الكاملة، ويستفقد كل ذلك في الآخرين.
      أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا تورد يا سعد الإبل
      إن دعاة الأمة وعلماءها المخلصين الصادقين هم الذين يلتزمون منهج القرآن في كل شيء، يلتزمونه في الحوار، وفي الرد، ولا ينساقون وراء حب الظهور والانتصار للنفس والتشفي، ولا يفرون من مرارة الصبر على الاعتراف بالخطأ الذي يمثل عاملا مُهِمًّا في تأهيل أئمة يهدون بأمر الله. (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)

      صورة أخرى: أورد [ابن الجوزي] في مناقب عمر خطبة عظيمة، وأوردها [ابن سعد] في طبقاته، قال فيها: أيها الناس؛ ألا إنما كنا نعرفكم إذ بين أظهرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- وينزل الوحي وينبئنا الله أخباركم، ألا وإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد انطلق وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما تقولون، مَن أظهر خيرًا ظننا به خيرًا وأحببناه، ومن أظهر شرًا ظننا به شرًا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم، ألا وإنه قد أتى عليَّ حين وإنما أنا أحسب أن مَن قرأ القرآن يريد الله وما عنده، ثم خُيِّل إليَّ بآخرة أن رجالا قد قرؤوه يريدون ما عند الناس، فأريدوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم، ألا وإني –والله- ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلتهم ليعلِّموكم دينكم وسننكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفسي بيده إذًا لأقصنَّه؛ أي لأجرين عليه حكم القصاص، فوثب [عمرو بن العاص] فقال: يا أمير المؤمنين؛ أفرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية، فأدب بعض رعيته، أكنت مقصَّه منه، قال: إي والذي نفسي بيده لأقصنه، كيف لا أقصه وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقص من نفسه.
      ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم المهالك فتضيعوهم، فإن رجلا من المسلمين أحب إليَّ من مائة ألف دينار. يا للكلام!
      كلام ذوي الألباب أهوى وأشتهي *** كما يشتهي الماءَ المبردَ شاربُه
      الله أكبر، إنه الحق والسكينة ينطقان على لسان عمر -رضي الله عنه وأرضاه-. هذه رسالة من عمر موزَّعة إلى ثلاثة أصناف؛ أما الأولى فمَنْ وليَ من أمر المسلمين شيئًا صَغُر أو كَبُر تُبَيِّن أن مهمتهم تعليم الدين والسنن، لا إذلال المسلمين، ومنعهم حقوقهم، وضربهم، وإنزالهم المهالك. وهي كذلك رسالة إلى حملة كتاب الله أن يريدوا الله بقراءته. فليسائل حملة كتاب الله أنفسهم ماذا زرع القرآن في قلوبهم ونفوسهم؟ وهي أول الرسالة إلى من يحكم على النيَّات بالفساد، فيظن بكلمات المسلمين شرًا وهو يجد لها في الخير محملا .
      تعمى بصائرهم عن كل منحرف *** ويرصدون ذوي التقوى بمرصاد

      والرسالة الأخيرة: هذه تذكر برسالة أخرى، وبصفحة أخرى مضيئة في تاريخ هذه الأمة. يوم يدخل [الربيع بن سليمان] على [الشافعي] وهو مريض يعوده، فيقول من ضمن دعائه له: قوَّى الله ضعفك يا إمام، فقال الشافعي: يا ربيع لو قوى ضعفي لقتلني، قال الربيع على الفور: والله -الذي لا إله إلا هو- ما قصدت ذلك يا إمام، فقال الشافعي: يا ربيع؛ والذي لا إله إلا هو لو شتمتني صراحًا لعلمت وتيقنت أنك لم تقصد ذلك. يا لله ! نهدي هذا الكلام مع التحية لبعض الذين يقفون على عبارة لها في الخير ألف محمل وفي الشر محمل، ثم يحملونها على الشر. والله إن الحسرة والألم ليعتريان المسلم يوم يرى الفُرْقَة بين ما ينتسبون لعقيدة واحدة، ومنهج واحد إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ومنهجهما. ويحزن أخرى يوم يرى الشيطان وحضور النفس تؤزُّ المسلم أزًّا للفرقة والتنازع والتباغض، وعدوهم واحد يحارب الإسلام وأهله أيًّا كانوا. أهل السنة لا ننكر أنهم لا يختلفوا، قد يقع بينهم الاختلاف حول بعض المسائل التي يجوز فيها الاختلاف، لكن هذا لا يؤدي إلى اختلاف القلوب أبدًا. يا طلاب العلم المخلصين، يا دعاة الحق المبين، ألا من رجعة صادقة إلى الله نرتفع بها على ذواتنا وأشخاصنا وأغراضنا الدنيوية، ألا من رجل رشيد يفكر بعمق المأساة وخطرها على الأمة الإسلامية بأسرها. والله إن لم نسعَ لرَأْبِ الصَّدْع، وبذل الولاء والمحبة لكل مؤمن فإن هناك فتنة وفسادًا كبيرًا سيحل بنا إن لم يتداركنا الله برحمة من عنده، يجمع الله بها شتات القلوب وتتوحد بها كلمات دعاته المخلصين (وَالَّذينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) فأي خير إن صدر من أخيك ما لم يمكن حمله على الخير فليُتَعذَّر عنه. ولن يعدم قاصد الخير أن يجد لإخوانه ما يبقي صدره سليمًا، ونفسه رَضِيَّه، فإن لم يكن ولم تستطع ذلك فما كافأ عبد من عصى الله فيه بمثل أن يطيع الله فيه.
      فوالله ما مال الفتى بذخيرة *** ولكن إخوانَ الثقات الذخائرُ

      صورة أخرى أورد [ابن الجوزي] في مناقبه عن [سعيد بن أبي بردة] قال كتب عمر إلى [أبي موسى الأشعري] قائلا أما بعد فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته وإن أشقى الرعاة من شقيت به رعيته إياك أن تزيغ فيزيغ عمالك فيكون مثلك في ذلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة الأرض فرعت فيها ترجو بذلك السمن وإنما حسبها في سمنها بمعنى أنها إذا سمنت ذبحت والسلام عليك يا للكلام المزين بالفعال قولوا لمن تشدق بالعدل أين العدل يا متشدق نصيحة توجه إلى من ولي ولاية صغيرة أو كبيرة فهو الناصح رضي الله عنه والمؤمنون من طبعهم النصح والمنافقون من طبعهم الغش وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها والخادم مسؤول في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وما من راع استرعاه الله رعية فبات غاش لهم إلا حرم الله عليه رائحة الجنة.

      صورة أخرى: أتمَّ عمر الشوط الكبير الذي بدأه أبو بكر، فأخذ يعدُّ العدَّة لفتح العراق وبلاد فارس بعد أن اطمأن على سلامة الجيش الإسلامي في بلاد الشام، وعرف أن الروم ارتدوا على أعقابهم بعد <اليرموك>. والمسلمون في عهده من نصر إلى نصر. رغب عمر أن يقود الجيوش بنفسه، تَاقَت نفسه إلى الجهاد في سبيل الله، لكن جمهرة المسلمين أشاروا عليه بسعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه وأرضاه- فوافقهم على ذلك، فكانت وقعة القادسية التي ظهرت فيها عزة المسلمين، وذل وهزيمة الكافرين، وقتل عشرات الآلاف من عُبَّاد النار من المجوس، وأيَّد الله دينه ورفع كلمته، وهاب الكفرُ الإسلامَ، فانتشر الإسلام، وتقلَّص الظلام، وفُتِحت المدائن، وعُبِرت الأنهار بفضل الله الواحد القهار. أكرمهم الله بأن يسيروا على الأنهار كما نسير على البيداء، وحاز المسلمون كنوز كسري وقيصر، ولبس سراقة سواري كسري، وتحققت نبوءة الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
      كنا جبالا في الجبال وربما *** صرنا على البحار بحارا
      أرواحنا يا رب فوق أكُفِّنا *** نبغي ثوابك مَغْنَمًا وجوارا
      ندعو جهارًا لا إله سوى الذي *** خلق الوجود وقدَّر الأقدارا
      ومن <القادسية> إلى <نهاوند>.
      فتح الفتوح تعالى أن يحيط به *** نَظْمٌ من الشعر أو نثر من الخطب
      وأُطْفئت نار المجوس، وتمزق مُلْك كسري، ولم تقم للمجوس قائمة، وفتحت الشام، وفتح مصر، وفتح بيت المقدس، وتسلم مفاتيحه عمر -رضي الله عنه وأرضاه- وهو يخوض مخاضة في الطين، ويقول: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وسلمها عمر أمانة لكل من يَخْلُفه، فأين الأمانة يا مسلمون؟ ما الخبر بعد عمر؟ إنه الذل والهوان المكتوب على الأمة متى حادت عن دينها. لقد ابتعد المسلمون عن مصادر عزهم فزلُّوا وحادوا عن رشدهم، فضلوا وألغوا عقولهم، فهانوا، عصوا الله وهم يعرفونه فسلط عليهم من لا يعرفه، فكان الهوان والضياع. وضاعت القدس، ضاعت يوم أميتت في القلوب آل عمران والأنفال وبراءة، ضاعت يوم أُصِمَّت الآذان، واسْتُغْشِيت الثياب عن أصوات الناصحين الصادقين، ضاعت يوم ذُلَّ الأتقياء، وعُزَّ الأشقياء، وأغمدت سيوف الحق، ورفعت سيوف الباطل، يومها فُجِعْنَا بضياعه؛ لأننا أمة لا تستحق أن تُنْصَر.
      لكل فاجعة في الدهر سُلْوان *** وما لنكبة أرض القدس سلوان
      هذى مآذنه خرساء ذاهلة *** فلا آذان ولا في الناس آذان
      بيت مشى أمس في ساحاته عمر *** فكيف يمرح فيه اليوم شيطان
      ورفع الله الأتقياء بعمر، وسقط المجرمون، وشرَّق الإسلام في عهده وغرَّب، وأُدِيلت دول، وفُتِحت بلاد، ومُصِّرت أمصار.
      يا من يرى عمر تكسوه بردته *** والزيت أُدْمُ له والكوخ مأواه
      يهتز كسري على كرسيه فَرَقًا *** من خوفه وملوك الروم تخشاه
      أيها الأحبة إن السؤال الذي يطرح نفسه في ثنايا تلك الانتصارات ما التوجيه التي كانت تتلقاه الجيوش المؤمنة في ذلك العهد؟ إنه ولا شك قراءة سورة الأنفال تحت كل راية من رايات المسلمين، فتهشُّ لها القلوب والعيون المؤمنة، وتتنزل معها السكينة والطمأنينة، فيكون النصر. والسؤال الآخر: ما ليل جند الله في جيش عمر؟ يقول [سعد بن أبي وقاص]: لقد كانوا يدوُّون بالقرآن إذا جن الليل، كدويِّ النَّحل، وهم أساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقيَ إلا بالشهادة إذ لم تكتب لهم.
      تحيا بهم كل أرض ينزلون بها *** كأنهم في بقاع الأرض أمطارُ
      عُبَّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم *** كم عابدٍ دمعه في الخدِّ أجراهُ
      وأُسْدُ غاب إذا نادى الجهاد بهم *** هبوا إلى الموت يستلقون لقياه
      فاسألوا عن كل نصر خالدا *** واسألوا عن كل عدل عمرا
      يا رجال الليل قد طال المدى *** بلغ السَّيل الرُّبا وانحدرا
      اصبروا إن عظم الخطب *** فما يدرك النصر سوى من صبرا
      وانصروا الله يهبكم نصره *** واشكروه يعطي من شكر

      ونحن في ثنايا انتصارات عمر علينا أن ندرس بعض الصور فيها من داخلها. ففي القادسية صور مضيئة جديرة بأن نقف عندها وقفة تأمل واعتبار واقتداء، ومنها: أنها ضمت في صفوفها ما يربو على ثلاثمائة صحابي، منهم تسعون بدري، فهي تتميز بذلك عن غيرها من المعارك. ثم انظر بعين بصيرتك إلى عمر يوم يقول لسعد موصيًا ومودعًا -وتأمل الوصية وانظر وتفكر- يقول: يا سعد -[سعد بن وهيب]- لا يغرنَّك إن قيل: خال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه ليس بين الله وأحد نسب إلا بالتقوى. وتأملوا الميزان والمعيار التي قد تختلف عليه الأشكال، لكن الحقيقة واحدة، الحقيقة واحدة في <اليرموك>، وفي بدر وأحد، وفي زمن [قتيبة]، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. النسب واحد؛ هو التقوى، والمعيار والميزان هي التقوى، عَضُّوا عليها. وإن كان سعد خال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وإن كان سعد مبشرًا بالجنة، وإن كان ممن جمع له الرسول –صلى الله عليه وسلم- أبويه، وإن كان من قيل فيه: هذا خالي فليرني امرؤ خاله. نعم حذار يا سعد من الاغترار، توجيه عمريٌ، لا تغتر بكلام الناس والتقوى فالزم فهي المؤهَّل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) كيف لو أن عمر –يا أيها الأحبة- يرى وينظر إلى وسائلنا وسائل الأمة المسلمة هذه الأيام لرأى عجبًا وهي تدمر المسئولين في الأمة المسلمة، وتحوِّلهم من بشر يصيب ويخطئ ويُحاسَب إلى أناس لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا خلفهم، بل لا يسألون عما يفعلون.
      ويُرْفع شأن مختلس وغاوي *** ويُجْفى كل ذي عقل رزين
      لرأى عجبًا والله. أيها الأحبة يوم يدخل المرء داخل معركة القادسية وغيرها يعرف ماذا كان يجري في جيش المسلمين، وفي جيش الكافرين، يعرف حينها عوامل النصر، ومؤهلات العز، وعوامل الهزيمة. فادخل معي إلى المعركة، واسمع. كما تعلمون تبدأ المعارك غالبًا بالمبارزة، وبدأت المبارزة بين الصفين؛ بين صف يقول: لا إله إلا الله، وبين صفٍّ يعبد النار من دون الله، فقام عَلَجٌ من الفرس ما عرف الله لحظة من اللحظات، ودخل الساحة، فخرج إليه رجل من المسلمين، فتجاولا وتصاولا، فلم يلبث العلج الفارسي أن قتل المسلم. والمبارزة كما تعلمون لها تأثير نفسي غالب على الجيش، وعلى مستقبل المعركة، فخرج إليه رجل آخر من المسلمين وبدأت المبارزة مرة أخرى، فلم يلبث العلج أن قتل المسلم، ففتَّ ذلك في عَضُد المسلمين، ثم خرج ثالث من المسلمين –يتهاوون على الموت، يريدون ما عند الله- وتجاولا، فلم يلبث العلج أن قتل المسلم، فوهن ذلك في عزم المسلمين وهنًا شديدًا، كافر يقتل ثلاثة من المسلمين في تلك اللحظة الحرجة. كان في جيش المسلمين شيخًا كبيرًا قد بلغ ما يربوا على ثمانين عامًا، لا يزال يجاهد والمؤمن في جهاد حتى يلقى الله ممتثلا قول الله تعالىوَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) خرج هذا الشيخ الكبير على فرسه لسان حاله:
      أخي ظمئتْ للقتال السيوفُ *** فأورد شَبَاها الدمَ المُصْعَدَ
      فإمَّا حياة تسرُّ الصديق *** وإمَّا مماتٌ يغيظ العدا
      ويصاول هذا العلج الذي انتفخ ريشه وتكبر؛ لأنه قتل ثلاثة من المسلمين، فتطاول معه زمن طويل، لكن هذا الشيخ المسلم ما لبث أن قفز من خيله إلى خيل ذلك الفارسي فصارا على خيل واحدة، ثم حمل هذا الفارس بيده وهو مدجج بالسلاح والدروع فرفعه بيديه، ثم أنزله على ركبتيه فكسر ظهره نصفين، ثم رمى به، وقال: هذا علج خبيث، لا يستحق أن يضرب بالسيف. فكبر المسلمون ودارت المعركة فكان النصر لمن ينصرون الله.
      هذا هو الإيمان درب نجاتنا *** فما بالنا عن دربنا نتنكَّب
      ما بالنا نرنوا إلى أعدائنا *** وسهامهم نحو الصدور تُصَوَّب
      ما بالنا نرنوا إلى أعدائنا *** والله للإنسان منهم أقرب
      صعب طريق الموت مرٌّ طَعْمُه *** حقًا ولكن الدَّنيَّة أصعب
      أين تربى ذلك الشيخ أيها الأحبة الذي عمره فوق ثمانين؟ إنه –ولا شك- في رياض كتاب الله، وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. ومن تربى عليهما عرف مهمته في الحياة؛ وهي إعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاة الله. بذل كل شئ في حياته لتحقيق هذه المهمة، وهكذا كان الواحد من سلفنا، عنده بصيرة يتحرك بها على الأرض، ويعرف كيف ينصر دينه، ويفكر كيف ينصر دينه، وبالتالي نُصِرُوا.
      من يتق الله وينصر دينه *** لابد في ساح المعارك يُنْصَرُ
      هذه صفحة في ثنايا القادسية التي ما هي والله -الذي لا إله إلا هو- إلا جزء من جهاد في ثنايا جهاد عمر وصحبه -رضوان الله عليهم- الذين أرهبوا أعداء الله، ومكنوا لدين الله في الأرض، فما الحال، وما الواقع اليوم والأمة تدَّعى الصلة بذلك الجيل وتلك الطائفة؟ إن الواقع مرير، ويجب أن نعلم مرارته، لعلنا نرفع هذه المرارة، وإن الأمة ممزقة، وإن التكالب على المسلمين ورميهم عن قوس واحدة حاصل، وإن الغفلة عظيمة، وما أشبه ليلة القدس بأندلس البارحة.
      أين اللواء وخيل الله يبعثها *** عمرو ويصرخ في آثارها عمر
      هذا هو الأقصى يُهَوَّدُ جهرةً *** ولبؤسه تتحدث الأخبار
      هذا هو الأقصى يهود جهرة *** وجموعنا يا مسلمون نِدَار
      أليس لكم قلب يفيء لربه *** أليس لكم عين أليس لكم فم
      المال مقتسم والعرض منتهك *** والقَدْرُ محتقر والدم طوفان
      لا راية لبني الإسلام ظاهرة *** إذا تداعى خنازير وصُلْبَان
      أين الجيوش التي تزهو بقوتها؟ *** كأنها في نهار العَرْضِ بركان
      أين الملايين من أموال أمتنا؟ *** فما لها في مجال الفعل برهان
      هل عندكم نبأ مما يُعَدُّ لكم *** أم خدَّر القومَ لعَّابٌ وفنَّانُ؟
      هل عندكم نبأ من أهل أندلس *** فقد سرى بحديث القوم رُكْبَان؟
      واليوم مسرى نبي الله ضجَّ وقد ***غشاه مرٌ من التنكيل ألوان
      ذل وضعف وتمثيل ومَلْحَمَة *** ما ذاقها في مدار الدهر إنسان
      الخمر تُشْرب والأوتار صاخِبَة *** وللرياضة فينا القَدْرُ والشَّان
      أَمَا لنا في كتاب الله من عظة *** فقد دعانا لنصر الحق قرآنُ
      أَمَا لنا في طلوع الفجر من أملٍ *** أما تبدد عنا الشك والرَّانُ
      يا أمتي مزقي الأغلال وانتفضي *** فالمجدُ لا يمتطيه اليومَ وَسْنَانُ
      عودي إلى الله فالأبواب مُشْرَعةٌ *** وعزَّة الله للأوَّابِ عُنْوانُ
      واستبشري فشعاع الفجر منتشرٌ *** وإن تجاهل نورَ الفجرِ عُمْيَانُ
      وإن تراكم غَيْمُ الظلم واحتجبت *** شمسُ النَّهار فللإشراق إبَّانُ
      أيها الأحبة؛ ألا نملك مثل هذه الطاقات التي كانت في صفوف القادسية من أبناء العشرين إلى الثمانين إلى المائة ؟ بلى والله، إنَّا لنملك بعضًا منها، والقصور عن السلف أمر لابد منه، لكننا لا نحسن التعامل معه. تهينها الأمة وتمتهنها وتقتلها ولا تنتفع بها وهي أحوج ما تكون إليها.
      كالعِيسُ في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورها مَحْمُولٌ
      والله -الذي لا إله إلا هو- لا نُنْصر ما دام هذا دَيْدَن الأمة مع طاقاتها. إنه حين تُدمَّر النفوس، ويُهَان المخلصون، ويرفع المجرمون إلى مرتبة الأتقياء، ولا يُسمع الناصحون، والله لا تنفع عندها لا دبابات، ولا طائرات، ولا أساطيل، لأنه أمر الله بالتدمير، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
      من أين يرعى الله أمتنا التي *** ذُلَّ التقي بها وعُزَّ المُذْنب
      من أين يأتيها السلام وقلبها *** خاوٍ وفيها الغاشِم المستكلب
      ومع ذلك فوالله -الذي لا إله إلا هو- إنَّا لمتفائلون كثيرًا، فلا يأس، ولا قنوط، ولا خشية من نصارى ولا مجوس ولا يهود، العهد من الله –تعالى- لنا بالنصر.
      ديننا الحق، والكفر ذا دينهم *** كل دين سوى ديننا باطل
      يا قدس مهما باعدوا بيننا *** ففي غدٍ جيش الهدى يزحف
      لابد من يوم يزول الخَنَا *** عهد من الله لا يُخْلف
      لابد من يومٍ لنطق الحجر *** وعْدٌ من الله لا يُكْذَب
      ولو أن كل مسلم بصق بصقة فقذف اليهود بها لغرقوا، أو نفخ نفخة مؤمن حق لطاروا.
      طريقنا واضح كالشمس تعرفه *** أجيالنا بابه عزم وإيمان
      آمالنا لم تزل خضراء يانعة *** في القلب مُنْتَجَع منها وبستان
      وللباطل مهما اشتدَّ وطغى ساعة، وللحق وأهله زمان آخر لا ينتهي إلى قيام الساعة شريعة الله رغم الكفر خالدة والزيف يفنى ويفنى من له عبد ولينا الله ولينا الله لا نرضى به بدلا وكيف ييأس من مولاه رحمن

      صورة أخرى: روى [ابن سعد] في طبقاته أن عمر -رضي الله عنه- كان في سفر، فلما كان قريبًا من الروحاء سمع صوت راعٍ في جبل، فعدل إليه ونادى عمر: يا راعي الغنم، فقال له الراعي وقد عرفه: نعم يا راعيها؛ يعني يا راعي الأمة، قال عمر: لقد مررت بمكان هو أخصب من مكانك، هذا هو المكان الفلاني، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم مضى عمر في طريقه. الله أكبر يوم ترى خليفة المسلمين ينصح راعي غنم، ويدلَّه على مكان هو أخصب من المكان الذي هو فيه، ويذكِّره بأن كل راع مسؤول عن رعيته أن يختار لها ما هو أنفع، وأن يؤثر مصالحها في كل موقف. عمر ينادي الراعي: يا راعي الغنم، والراعي يجيبه بقوله: نعم يا راعيها؛ أي يا راعي الأمة، لا فرق في التزام المسؤولية بين هذا وذاك. مسلمون حقًا، ومؤمنون صدقًا، " يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم" إن سيرة عمر -رضي الله عنه- شاهدُ صدقٍ على أن الوالي المسلم راع مشفق، وناصح أمين، ورائد لا يكذب أهله. عمر هو الذي كان يعالج البعير الأجرب ويقول للبعير: إني لخائف أن أسأل عما بك، ما أروعها من كلمات يستضيء بها كل من ولي شيئًا من أمر المسلمين صغر الأمر أو كبر. فالمسئولية تحتِّم على كل من ائتمنه المسلمون على مصلحة من مصالحهم أن يتقي الله فيها، وأن يُحسن القيام بها؛ لينجو من العقاب غدًا. هكذا كان الراعي مشفقًا على الرعية، شديدًا على نفسه، لعله يلقى العيش الرَّضي في دار الخلود.
      من لي بجيل مستجدٍّ لم يرث *** إلا عن الجد القديم الأبْعَدِ
      يرث ابن حفص في أصالةِ رأيه *** أو خالدًا في عزمه المتوقِّد
      جيل إذا سِيمَ الهوان أَبَى *** وإن يطلب إليه البذل لم يتردد
      يهوى الحياة عقيدة، ويعافها *** فوضى ويُدْعى للفداء فيفتدي

      صورة أخرى: أخرج [ابن أبي حاتم] من طرق عن [ابن عباس] -رضي الله عنهما- أن رجلا من المنافقين يقال له بشر خاصم يهوديًا، فدعاه اليهودي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحكم بينهما؛ لأن هذا اليهودي يعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صادق، وأن ما جاء به هو الحق، ولكنهم قوم يستكبرون، فقضى النبي –صلى الله عليه وسلم- لليهودي، فلم يرضَ المنافق وقال: تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فذهبا إليه، وقال اليهودي لعمر: لقد قضى لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلم يرضَ هذا بقضائه، وجئنا لتقضي بيننا، فقال عمر لهذا المنافق: أكذلك؟ قال: نعم، قال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل عمر، واشتمل على سيفه، ثم خرج إليهما، فضرب عنق المنافق بالسيف حتى برز، ثم قال: هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم-. ما أحوج الأمة إلى هذا السيف العمريُ ليضرب ضربته فيمن يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ليضربها فيمن إذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله والرسول رأيتهم يصدون، ليضربها فيمن إذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون، ليضربها في الذين يرفضون التحاكم إلى شرع الله إذا كان الحق عليهم، ويرضون بالتحاكم إليه إذا كان الحق لهم، إلى أولئك جميعًا (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مما قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

      الصورة الأخيرة: ويحج عمر –رضي الله عنه- فلم يضرب في طريقه فسطاطًا، وإنما كان يلقي الرداء على شجرة فيستظل بشجرتها، أو بظل تلك الشجرة، وينتهي من حجِّه ولما نفر من مِنَى رفع يديه قائلا: اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فأخذني إليك غير مفرِّط ولا مضيع. اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك أخرجه [البخاري]. ويتقبل الله من المتقين. ويرجع إلى المدينة النبوية، ويخطب يوم الجمعة، ويذكر نبي الله- صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر -رضي الله عنه- تعلوه الكآبة والحزن، ثم يقول: رأيت كأن ديكًا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن قومًا يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين الستة الذي توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض. يقول [ابن مسعود] -رضي الله عنه-: فلم أر يومًا أكثر باكيًا ولا حزينا من ذلك اليوم، وفي صباح يوم من أيام الله بعدها يصلي بالناس صلاة الفجر، ويكبر ويبدأ في القراءة يبكي، وبينما هو كذلك إذ تقدمت إليه يد من أيدي الأعداء التي لا تتسلل إلا في الظلام، يد آثمة، يد مجوسية ما سجدت لله سجدة، ولا عرفت الله، لتمزق الأديم الطاهر، فيهوي صريعًا والدماء تثعب منه، فما راع الناس إلا تكبير [عبد الرحمن بن عوف] -رضي الله عنه- إذ أخذه عمر -رضي الله عنه- بيده فقدمه، فصلوا صلاة الفجر صلاة خفيفة، وأما ذلك العلج فما كان منه إلا أن قتل نفسه، وحُمِل عمر إلى بيته وهو في دمه، لم يصل صلاة الفجر، فقيل: يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة، قال: ها ، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم وثب ليقوم، فانبعث جرحه دمًا، فقال: هاتوا لي عمامة، فعصب بها جرحه ثم صلَّى، لم يمنعه ما هو فيه من أداء الفريضة - فلا نامت أعين من يترك الصلاة- ولما سلَّم من صلاته قال: أيها الناس هل كان هذا على ملأ منكم؛ أي كان طعنه على ملأ منكم؟ قال [علي]: والله لا أدري من الطاعن من خلق الله، أنفسنا تفدي نفسك، ودماؤنا تفدي دمك، لوددنا لو أن الله زاد في عمرك من أعمارنا. ثم علم أن طاعنه عدو الله [أبو لؤلؤة المجوسي]؛ غلام المغيرة، فقال عمر: قاتله الله لقد أمرت به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها قط. كان على فخذ ابنه [عبد الله] فقال: يا بني ضع خدي على التراب؛ علَّ الله أن يرحمني، فلم يفعل عبد الله فأعادها قائلا: ضع خدي على التراب لا أمَّ لك يا عبد الله، يقول عبد الله: فوضعت خده إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من بين أضغاث التراب، وبكى حتى التصق الطين بعينيه، وأصغيت إليه لأسمع ما يقول، فإذا به يقول: ويل عمر إن لم يتجاوز الله عنه، ويل عمر إن لم يتجاوز الله عنه، ويدخل الصحابة يعودونه ومن بينهم عليّ يقول: هنيئًا لك الشهادة؛ لطالما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، فبكى وقال: ليتني أنجو كفافًا لا لي ولا عليّ، أو كما قال، ثم قال لابنه: انظر كم عليّ من الدين، قال: فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا، فقال: يا عبد الله، إن وَفَى لها مال آل عمر فأدِّها من أموالهم، وإن لم تفِ فاسأل فيها بني عدي، وإن لم تفِ فاسأل فيها قريشًا، ولا تعدهم إلى غيرهم. يا لله! خليفة المسلمين ميزانية الأمة تحت يديه ويموت ودينه يربو على ثمانين ألفًا! إن قدوته رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من لو أراد أن تجري الجبال له ذهبًا لكان، مات ودرعه مرهونة عند يهودي في أصوع من شعير، فلا ريب ولا غرابة.
      أولئك أقوام ما إن ذكرتهم *** جرت عَبَرات الدمع حَرَّى تصبَّبُ
      هاهو عمر على فراش الموت في حالة ارتحال من دار الفناء إلى دار البقاء ولا زال يعطي الدروس للأمة. يدخل عليه مسبلا من الشباب فيعوده ويدعو له ويخرج، ثم يقول أعيدوه عليَّ، فيرجع الشاب فيقول: ارفع إزارك فهو أتقى لربك، وأتقى وأبقى لثوبك. رضي الله عن عمر، لم يشغله ما هو فيه عن أن يقول، أو عن أن يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر -رضي الله عنه وأرضاه-ويختم حياته بأهم مالديه و هو أن يدفن بجوار قدوته الحبيب الكريم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجوار أخيه أبى بكر -رضي الله عنه وأرضاه-. يحدث الإمام [البخاري] عن [عمرو بن ميمون] أن عمر -رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر انطلق إلى [عائشة] أم المؤمنين -رضي الله عنها- فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلم عبد الله على عائشة واستأذن ودخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فجهشت بالبكاء، وقالت: كنت أريد ذلك المكان لنفسي، ولأوثرنَّ به عمر اليوم على نفسي، ورجع عبد الله، فلما أقبل على عمر قيل له: هذا عبد الله قد جاء، قال: اسندوني، ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال لعبد الله: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، قد أذنت لك، وتهلل وجهه، لسان حاله وافرحا واطربا.
      الآن ألقى الأحبَّة *** محمدًا وحزبه
      أما لسان مقاله فالحمد لله ما كان من شئ أهم إليّ من ذلك المضجع، ثم قال: يا عبد الله إذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلِّم على عائشة أخرى وقل: يستأذن عمر، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن لم تأذن فردني إلى مقابر المسلمين. وأسلم عمر الروح إلى بارئها. وحمل فكأن المسلمين لم تصبهم مصيبة إلا يومئذ، فما أصابهم حزن مثل حزنهم إلا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر. ودفن حيث أكرمه الله مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-. تقول عائشة- رضي الله عنها- بعد ذلك: كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي وأضع ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي؛ حياءً من عمر. فإلى السَّافرات، إلى الكاسيات العاريات نهدي هذا الكلام. دفن عمر ولم تدفن سيرته ولا أعماله، وإنما هي باقية بقاء هذا الدين لكل مقتد من المسلمين.
      فلقاه ربي في الجنان تحية *** ومن كسوة الفردوس ما لم يمزق
      نِلْتَ الشهادة فاهنأ أيها العمر *** بمثل عدلك تُبْنَى ما انتهت دول
      أمامك الجنة الخضراء فاهنأ بها*** لا يُرْتَجَى العمر يومًا إن دنا الأجل
      انْعَم بخلدك في أبهائها فرحًا *** إنَّ الخلود جزاء أيها البطل
      فالآن تهنأ يا عمر بجوار من أهدى البشر
      فسقى رفاتك وَابِلٌ من ماء غيث مُنْهَمِر
      رحم الله عمر، وجمعنا به في دار كرامته؛ فقد عظم شخصه، وقوى خطره على أعداء الدين. كان شديدًا في سبيل إعزاز ورفعة العقيدة والدين، وفي ذات الوقت كان رقيق المشاعر، مرهف الحواس، تُشْجِيه أنَّات طفل صغير، أو نَشِيج فقير بائس، أو زفرات مهموم مغموم مكروب، لقد كان بدرًا يستضاء بنوره، فأضحى رهينًا في المقابر ثاويًا .
      لقد كان بدرًا يستضاء بنوره *** فأضحى رهينًا في المقابر ثاويًا
      تغمده الرب الكريم بفضله *** ولا زال هَطَّالا من العفو هاميًا
      على قبره يهمي عشية وبكرة *** وبوَّأه قصر من الخلد عاليًا

      أحبتي في الله؛ هذه بعض صور من حياة السلف وأخلاقهم ومناهجهم وتوجيهم وتربيتهم وثقافتهم وجهادهم، فما أحوالنا؟ وما أخلاقنا؟ وما ثقافتنا؟ وما توجيهنا؟ وما تربيتنا؟ أين نحن من هذه الأخلاق السامية الجليلة؟ إن المتأمل لأحوال المسلمين اليوم يجد البَونَ شاسع بيننا وبين أولئك الصَّحْب، ولكن المحب لهم بحق يسعى للتأسِّي بهم، ويجاهد نفسه ليقترب من خيامهم. وعندما يعلم الله -سبحانه- صدق التوجه في الوصول إلى هذه الأخلاق العظيمة، فإنه سبحانه يعين مَنْ هذه حَالُهُ، ويأخذ بيده ويهديه سبيله المستقيم (وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ومع أن القصور عن السلف الصالح ملازم لمن جاء بعدهم، ولكن حسبنا أننا نحبهم ونجلُّهم وإن قصرت أخلاقنا وأعمالنا عنهم، ونحتسب عند الله –جل وعلا الكريم- أن يجعلنا معهم، ويحشرنا في زمرتهم كما جاء هذا الوعد على لسان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه [البخاري] عن [أنس] –رضي الله عنه-: "أن رجلا سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الساعة، فقال: متى الساعة، قال: وماذا أعددت لها، قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله، فقال –صلى الله عليه وسلم-: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بذلك. " ثم قال: فإني أحب النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي لهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم. فاللهم إنَّا نشهدك على حبنا لنبيك محمد –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان.

      اللهم ألحقنا بهم، اللهم احشرنا في زمرتهم وإن قصرت آمالنا وأخلاقنا عنهم. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. اللهم ارحم هذه الأمة رحمة عامة، تعزُّ فيها أولياؤك، ويُذَلُّ فيها أعداؤك. اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك. اللهم أغننا عمن أغنيته عنا، اللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحدًا سواك. يا ذا الجلال والإكرام، لك الحمد أولا وآخر، وظاهرًا وباطنًا، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. الحمد لله، ثم الحمد لله.
      الحمد لله الذي من فضله *** ألقى علىَّ السِّتْر ثم كساني
      وهدى فؤادي كي يصوغ حديثه *** بصور تفيد الشِّيب والشُّبَّان
      يا رب فاجعلها لوجهك كلها *** متكرمًا ثقِّلْ بها ميزاني
      واغفر لكل المسلمين وآلهم *** يوم النشور ودورة الأجفان
      واشمل بفضلك والديَّ برحمة *** وأَجِرْهُمَا من حمأة النيران
      ثم الصلاة على النبي وآله *** ما صاح صدَّاح على الأفنان
      والصحب والأتباع من ساروا *** على سبل الهدى والخير في البلدان
      وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • أسرار من السنة النبوية

      الوقاية من الطاعون :-



      إذا كنت حاكماً على مدينة و أصيبت تلك المدينة بمرض وبائي خطير أو ما يسمى بالطاعون ، فماذاتفعل ؟

      التصرف الآمن في هذه الحالة هو أن تأتي بالجنود و تضرب حصاراً على المدينة لمنع الدخول إليها و الخروج منها .



      أما أن تمنع الدخول إليها فقد علمناه ، و لكن لماذا تمنع الخروج ؟

      لأن الدراسات في الفترة الأخيرة من العلم كشفت لنا أنه عندما يكون الطاعون منتشراً في مدينة من المدن أو منطقة من المناطق فإن عدد الذين يظهر عليهم أعراض المرض تتراوح نسبتهم ما بين (10 ـ30 % ) .



      و الباقون من سكان المدينة ما بالهم ؟

      هؤلاء الباقون يحملون الجرثومة في أجسادهم لكن جهاز المناعة عندهم يتغلب على الجراثيم فتبقى في الجسم و لكنها لا تضره ، فإذا بقي هذا الصحيح في البلدة التي فيها الطاعون فلا خوف عليه لأنه ملقح و لأن عنده مقاومة من جهاز الناعة تدفع عنه المرض ، أما لو خرج من هذه المدينة أو البلدة فإنه يخرج حاملاً لهذه الجرثومة فينقل ذلك المرض إلى مدينة جديدة ، و قد ينشأ عن ذلك هلاك الملايين من البشر بسبب خروج هذا المصاب بالجرثومة من بين أهل هذه المدينة المصابين بالطاعون .



      إلى متى يستمر هذا الحصار المضروب على هذه المدينة ؟

      إلى وقت يسير حتى يتغير سلوك الجرثومة بإضافة خاصية وراثية جديدة تذهب فيها خاصية العدوى التي تنتشر و تنقل المرض للآخرين .



      التعليق : صدق الذي لا ينطق عن الهوى في فرض هذا الحجر الصحي على مريض الطاعون قبل 1400 عام .

      يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها و إذا وقع بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها ) [ متفق عليه و اللفظ للبخاري ]



      الفرق بين الكلب و القط :-



      هل يعد الكلب من الحيوانات الناقلة للأمراض المعدية ؟

      الكلب يحمل الكثير من الأمراض المعدية فهو يحمل ما يقارب خمسين مرضاً طفيلياً ، و كثير منها يوجد في لعابه .

      و ماذا عن القط ؟ هل يشترك مع الكلب في هذه الخاصية ؟

      يعد القط من أطهر الحيوانات من الناحية الطبية إذ هو لا يحمل من الجراثيم و الميكروبات ... إلا ما يسبب مرضاً واحداً فقط .

      و ما هو هذا المرض ؟

      إنه مرض إذا أصيب به الشخص عمي .

      كيف يحدث ذلك ؟

      يوجد هذا المرض في براز القط ، فإذا أكل حيوان آخر هذا البراز انتقل هذا المرض إلى جسم هذا الحيوان ، و عندما يذبح ذلك الحيوان و يؤكل لحمه ينتقل المرض بدوره إلى الإنسان فيصاب به .



      التعليق : سبحان من جبل هذا الحيوان على دفن برازه حتى لا تأكله الحيوانات الأخرى ، و بذلك يخلي مسؤوليته ؛ و لهذا كان مستثنى دون الكلب في قوله صلى الله عليه و سلم عن القطط : ( إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم ) [ رواه الخمسة و قال الترمذي حديث حسن صحيح ، و صححه البخاري و غيره ]
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)