المعنى الحقيقي للصداقة والصديق

    • المعنى الحقيقي للصداقة والصديق

      بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ


      الصداقة في ميزان الإسلام



      إن من الأمور الفطرية التي فطر الله تعالى الإنسان عليها في هذه الحياة " الصحبة" ، فلا بد للمرء في هذه الحياة من جلساء وأصحاب يتحدث معهم ، ويتحدثون معه ، يبثهم همومه ويشكو إليهم أحزانه ، ويستشيرهم فيما يلم به من الأمور ، فالمصاحبة مما حث الإسلام عليه ، ورغب في السعي إليه ، والصداقة تدعيم للعلاقات الإجتماعية وتقوية للمودات وشد لأواصر الصلات الإنسانية فالصديق من ضرورات الحياة وطبائع البشر ، ومن ظن أنه يمكن أن يستغني عن صديق في هذه الحياة فمغرور ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم ": (( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل )) ، والمرء في هذه الحياة على مشرب صديقه وجليسه ، ولا يشك عاقل من الناس في أهمية الصداقة والمؤاخاة في حياة المسلم، وأثرها على سلوكه ، وأخلاقه فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف .

      و

      أجمل ما قيل في تعريف الصديق ما قاله بعضهم : الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك ، وقد جاءت وصايا السلف الصالح في الحث على اختيار الأصدقاء وانتقاء الأصحاب والأخلاء ومن ذلك قول أحدهم : ( أصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا خدمته صانك ، وإذا أصابتك فاقة جاد لك بماله ، وإذا رأى منك حسنة عدها ، وإن رأى سيئة كتمها وسترها ، لا تخاف بوائقه ولا تختلف طرائقه ) ، وقال لقمان لأبنه وهو يعظه : ( يا بني إياك وصاحب السوء ، فإنه كالسيف المسلول يعجبك منظره ، ويقبح أثره ، يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن : لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلا عند الحاجة ) ، وقال أحد الصالحين : ( اصحب من ينسى معروفه عندك ويذكر حقوقك عليه ) .

      لقد أصبحت الصداقة الحقة من غرائب الدنيا وعجائب الحياة كما بعد الناس عن المنهج الصحيح للروابط والعلاقات فأصبح إجتماعهم ـ إلا من رحم الله ـ من أجل الدنيا يجتمعون عليها ويتفرقون من أجلها ، والمسلم العاقل يدرك أن الحصول على الصديق الوفي والخليل الحميم من أصعب الأمور ، ولذلك ينظر بعين البصيرة إلى أعمال وأخلاق من يريد صداقته ، فمن رضي أعماله وأخلاقه صادقه ، ومن سخط أعماله وأخلاقه ابتعد عنه ولما للصداقة من أهمية في حياة المسلم ، وتأثير على سلوكه فقد ذكر أهل العلم صفات يجب على المسلم أن يختار صديقه وجليسه على وفقها ومنها أن يكون ذا دين واستقامة ، فإن ذا الدين يقف به دينه على الخيرات ويجنبه المحرمات ، مما يعود على صاحبه بالخير وتارك الدين عدو لنفسه ، فكيف ترجى منه مودة غيره فاصطف أيها المسلم من الأخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب ، فإنه ردء لك عند حاجتك ، ويد عند نائبتك وأنس عند وحشتك ، وزين عند عافيتك .

      فالإسلام ـ معاشر الأخوة ـ شرط ضروري للجليس الصالح والصديق الناصح ولن يكون صديقاً ناصحا من يكون على غير دينك ولن يكون خليلا وفيا من يخالفك في الاعتقاد وكل صداقة تبنى على غير الإسلام فإن ضررها أكثر من نفعها ، وستنقلب يوما ما إلى عداوة يوم تتبين الحقائق ، وتزول الغشاوة عن العيون والبصائر قال الله تعالى : ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( ([1]) ، ومن صفات الصديق أن يكون عاقلا لبيبا ، فإن العقل رأس المال والصديق الأحمق يفسد أكثر مما يصلح ، ويضر أكثر مما ينفع ، لذا كان لابد أن يكون الصديق صاحب عقل موفور وسلوك محمود ، ومن الجهل صحبة ذوي الجهل والحماقة ، ممن لا تدوم صداقتهم ولا تثبت مودتهم ، وأيضا أن يكون محمود الصفات والأخلاق ، مرضي الفعال ، مؤثرا للخير أامراً به ، كارها للشر ، ناهياً عنه ، فعليكم بإخوان الوفاء والصديق والإستقامة ، فإنهم زين في الرخاء وعدة في البلاء ، واستشيروا في أمور دينكم ودنياكم من يخشى الله تعالى .

      لقد حذر المصطفى" صلى الله عليه وسلم" من مجالسة الأشرار ومصاحبة أهل السوء وحث على اختيار الصديق الصالح والجليس المؤمن لما له من نفع في الدنيا والآخرة ، فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم "قال : (( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة )) .

      إن الإسلام يدعو إلى الوحدة الإنسانية ، ومحو الفوارق الطائفية التي تفرق الناس ، ويؤثر السلم على الحرب ، كما أنه أهدر الموازين التي ألفها البشر في تقدير الأشخاص بالجاه والمال والحسب والنسب ، وجعل ميزان التفاضل الكفاءة والعمل الصالح والخلق القويم ، والتجمل بالدين ، ولزوم الطريق المستقيم يقول رسول الله"صلى الله عليه وسلم ": (( من أبطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )) ، وقد تربطكم ـ أيها المسلمون ـ علاقة صداقة مع إخوان لكم في الإنسانية بحكم العمل أو الزمالة أو السفر ، وهم وإن كانوا على غير دينكم ، فإنه يجب عليكم معاملتهم بالحسنى ، ومكارم الأخلاق ، فإن المسلم يجب أن يكون مضرب المثل للإنسان المستقيم السوي مهما كانت ديانة وجنسية من يتعامل معه وبذلك يكون المسلم داعية بسلوكه وأفعاله قبل أقواله ، كما ينبغي للمسلم الذي يصاحب غير المسلم أن يدعوه إلى الدين الإسلامي الحنيف بالتي هي أحسن ، وبالحجة والإقناع من غير تعنيف أو إكراه ، فلا إكراه في الدين ، وقد ضرب الإسلام أعلى مثل في حسن المعاملة والتواضع والمعونة وإرادة الخير وحفظ الحرمة والكرامة للإنسانية جمعاء من غير تمييز .

      ألا فاتقوا الله تعالى ، واعتبروا يا أولي الأبصار ، وجالسوا الأخيار وتذكروا قوله تعالى : ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ، وكان أمره فرطا (([2]).

      اتقوا الله واعلموا أن الصداقة النافعة هي كل ما بني على تقوى الله تعالى ومرضاته ، بعيدا عن مطامع الدنيا وشهوات الحياة ، فهذه الصحبة هي النافعة في الدنيا قبل الآخرة ، لأنها سريعة الإتصال بطيئة الإنقطاع قال الله تعالى : ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( ([3]) ، وقد قال رسول الله"صلى الله عليه وسلم " : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل تعلق قلبه بالمسجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه بالدموع ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله )) ، أما صحبة الأشرار فهي سريعة الانقطاع ، بطيئة الإتصال ، تورث الخزي في الدنيا قبل الآخرة ، لأن الإنسان موسوم بسيما من قارب ومنسوبة إليه أفاعيل من صاحب ، ولقد ذكر الله تعالى حالهم يوم القيامة إذا تقطعت بهم السبل وهم يصطرخون في النار )فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ( ([4]) ، ويقول تعالى : ) ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان للإنسان خذولا ( ([5]) ، واعلموا أن الناس على ثلاث طبقات : فمنهم من هو كالغذاء ، لا يستغنى عنه ، ومنهم من هو كالدواء لا يحتاج إليه إلا زمنا معينا ، ومنهم من هو كالداء لا يحتاج إليه أبداء ، وليكن غرض الإنسان في اتخاذ الإخوان تكثير العدة ، وتحصيل النفع لا تحصيل الجمع ، فواحد يحصل به المراد خير من ألف تكثر بهم الأعداد ثم اعلموا إن للصداقة آدابا ، وللصحبة حقوقا ، فيجب على الصاحب نحو صاحبه أن ينصحه في أمر دينه ودنياه ، ويعلمه إذا جهل، وينبهه إذا غفل ويذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، يواسيه بنفسه وماله ، ويتجاوز عن هفواته ، ويزجره عن اقتراب السيئات وتعاطي المنكرات ، ويحب له ما يحب لنفسه ويحفظه من كل سوء ، في الحضر والسفر ، ولا بد من غض البصر عن الزلات ، والتجاوز عن الهفوات بقدر ما يحفظ الصداقة ، وتدوم معه العشرة ، فإن من دام بريئا من الهفوات ، سليما من الزلات ، فقد دام مستحيلاً .


      كان الله في عون العبد ماداما العبد في عون أخيه


      الأيات :
      ([1]) سورة الزخرف / 67 .

      ([2]) سورة الكهف / 28 .

      ([3]) سورة الزخرف / 67 - 68 .

      ([4]) سورة الشعراء / 100 - 101 .

      ([5]) سورة الفرقان / 27 - 28 .

      ([6]) سورة الأحزاب / 56 . .
    • (((الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك )))

      مشكور اخي جودبوي علي الموضوع بالفعل الحياه من غير صديق صدوق ما تسوي

      كثر الله من الاصدقاء في ساحتنا الحقيقيون