إن قليلاً منا (للأسف) هم الذين إذا بدأوا في تـناول الطعام بدأوا بقول: "بسم الله"

    • إن قليلاً منا (للأسف) هم الذين إذا بدأوا في تـناول الطعام بدأوا بقول: "بسم الله"

      الاغترار بالعلم البشري


      يعيش الإنسان في الدنيا وقد ألِفَ أشياءً كثيرة تعود على رؤيتها ومعايشتها حتى صارت جزءاً من حياته لا تـلفت انتباهه، وهذا هو ما نسميه الثابت وغير المتغير في الحياة الدنيا.



      إنه ألِفَ أن تـشرق الشمس كل يوم من المشرق وأن تغرب في المغرب، وألف الليل والنهار، وألف البحار بقوانينها، والأرض بمظهرها الثابت غير المتغير. ألف خواص الأشياء الثابتة في هذا الكون ولذلك فهو لا يفكر فيها. إنه يأخذها وكأنها حق مكتسب لا يتأمل في خلقها ولا في نظامها، وقد لا يتساءل عن القوة والقدرة التي خلقتها والتي تحفظها وتبقيها تعمل بهذا النظام الدقيق. ولذلك فإن عدداً كبيراً من الناس لا يفكرون في تلك المعطيات الثابتة فى الكون؛ بل يأخذونها كأشياء تعمل بذاتها وتعطيهم من نفسها.



      إن من العجب حقاً أن الناس يزدادون علماً كلما تقدم الزمن، ولكنهم في نفس الوقت يقلون عملاً بمنهج الله تعالى.
      كل يوم نزداد علماً بقوانين الله وآياته في كونه، وكان من المفروض أن ذلك العلم يقربنا إليه سبحانه وتعالى، لأ نه يكشف لنا من أسرار قدرته في كونه، ولكن زيادة العلم هذه تزيد من شهواتنا في الحياة الدنيا وتمسكنا المادي بها وذلك مصداقاً لقوله جل جلاله: (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رءاه استغنى، إن إلى ربك الرُجعى). [ العلق ] أي إن الطغيان البشري يأتي حينما يظن الإنسان أنه قد استغنى عن الله سبحانه وتعالى فلم يعد فى حاجة إلى العبادة.



      فالعلم (ظاهراً) يحقق لنا ما نريد في أغلب الأحوال. فمثلاً إذا أردنا السفر وجدنا طرقاً مريحة سهلة وسريعة؛ في طائرات مكيفة الهواء، لا يحس الإنسان فيها بتعب، وإذا أردنا الطعام والشراب وجدناه معداً لنا بطريقة حديثة وفي أكياس نظيفة وتستطيع وأنت جالس في بيتك أن تستخدم الهاتف فيأتيك كل ما تريد، وإذا أصاب أحدنا مرض وجد أحدث الأجهزة العلمية التي تعرفنا أين المرض وما هو نوعه وما هي طريقة علاجه. فإن الأجهزة الحديثة تصور لنا مقاطع من كل عضو في جسد الإنسان؛ مقاطع المخ تبين لنا مكان الجلطة أو الإصابة، مقاطع من الكبد تحدد لنا أين المرض وما هى درجته وماهي وسيلة علاجه. ولقد تطورت تحاليل الدم لتعطينا صورة دقيقة لكل مكونات الدم. فبكل هذا أصبح الناس يعتقدون أن الطبيب هو الذي يشفي، بينما الطبيب يعالج فقط والله تعالى هو الذي يشفي. وقد يكون العلاج خطأ فيكون من أسباب انتهاء الأجل. وقد يأتي الشفاء على يد طبيب شاب حديث التخرج بينما فشل أساتذته الذين علموه في معرفة أسباب الشفاء. وليس معنى ذلك أن الطبيب الشاب يعـرف أكـثر مـن أساتذته الذين اخذ العلم عنهم، ولكن معناه أن لكل شفاء موعداً حدده الله سبحانه وتعالى. فإذا جاء موعد الشفاء كشف الله للطبيب عن سر الداء فعالجه فبرأ المريض بإذن الله تعالى بينما فشل أساتذته فى الوصول إلى العلاج الشافي، ولكن الناس لا يلتفتون إلى هذا بل ينسبون الشفاء إلى عبقرية الطبيب.



      وهكذا ... يقـل تذكر الناس للقدرة الإلهية ويزيد اعتمادهم على القدرة البشرية وما تستطيع أن تحققه ظاهراً ، فيلتفتون إلى أسباب البشر وينسون المسبب (وهو الله تعالى) ويعظمون النعمة وينسون المنعم. فإذا أحضر أحدهم نوعاً من الفاكهة الممتازة يقول هذه من إنتاج مزارع فلان، وينسى أن معطيها وخالقها هو الله سبحانه وتعالى.



      إن قليلاً منا (للأسف) هم الذين إذا بدأوا في تـناول الطعام بدأوا بقول: "بسم الله" الذي أعطى وخلق ووهب، وإذا شبعوا قالوا: " الحمد لله" الذي رزقهم هذه النعم. بل إن الإ نسان يعـبد عقله فيعتقد أن ما حققه فى الحياة من نعم هو من ناتج عقله لأنه ذكي ولأنه مفكر وعبقري ويتباهى بذلك أمام الناس، ويعتقد أن النعمة لن تزول عنه لأنه يحسن التصرف ويحتاط لكل شيء، تماماً مثل صاحب الجنتين الذي نسب النعمة لنفسه وقال كما جاء في القرآن الكريم: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً). [ الكهف ] فإن صاحب الجنتين قد نسب النعمة لنفسه وقال إنه بأسبابه البشرية قادر على أن يحفظ النعمة ويبقيها فلا تزول عنه أبداً. وقال الله تعالى على لسان قارون: (إنما أوتيته على علم عـندي). [ القصص ]

      ونحن حين نرى شيئاً جميلاً يجب أن نمدح الصانع (وهو الله تعالى) ولكننا في هذه الأيام نمدح البشر فنقول إن فلاناً فعل كذا وكذا، وإن فلاناً قد اخترع كذا وكذا ولا نقول بعون الله ولا بتوفيق الله، ولا نذكر الله تبارك وتعالى الذي هو أعطى ووفق إلا قليلاً منا.



      فليعلم الذين يغترون بالعلم البشري أن الله أعطى للإنسان القليل من العلم الذي صنع كل هذه الحضارة والتقدم العلمي المذهل الذي نراه والذي ستراه الأجيال القادمة من بعدنا إلى يوم القيامة. فإذا كان قليل العلم هو الذي صنع هذا كله فماذا يمكن أن يصنع لنا علم الله في الآخرة؟



      إذن فالتقدم العلمي يجب أن يزيدنا إيماناً بالله وعلماً به وخشوعاً له سبحانه وتعالى. إن إعانة الله ممدودة بالأسباب لكل خلقه. وهكذا ندرك يقيناً أن أصل كل شيء في هذه الدنيا هو من الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ المصور، بينما نهايته الهلاك و الفناء كما قال الله تعالى:
      "كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإ كرام". [ الرحمن ]