الصراع بين المدنيين والعسكر أخبار الشبيبة

    • الصراع بين المدنيين والعسكر أخبار الشبيبة

      أحمد منصور

      هناك تيار فى الجيش التركي هو الذي تراجع للوراء وترك المجال للمدنيين وللشعب حتى يختار، وتيار آخر رفض هذا وسعى للقيام بانقلاب، ورغم أن الأمر في يد القضاء هناك، لكن جوانب الصراع قائمة هناك فى كل مناحي الحياة

      حينما سألت نائب رئيس الوزراء التركي ورئيس المجموعة الاقتصادية في الحكومة التركية د. علي باباجان عن أبعاد الصراع القائم بين العسكر وحكومة العدالة والتنمية في تركيا، الذي وصل إلى حد اتهام 196 سخصا بينهم عدد من كبار الضباط على رأسهم القائد السابق للجيش الأول الجنرال شتين دوجان، الذي يعتبر المتهم الرئيسي فى هذه القضية، قال بابا جان "إن الوضع وصل إلى مرحلة متأزمة للغاية ولم يكن أمام الحكومة مفر من القيام بالإجراءات التي قامت بها، كنا نعرف أنه عنق زجاجة لكننا يجب ألا نعود إلى الوراء ويجب أن يعرف العسكر أننا خيار الشعب وأن هيمنة العسكر على كل جوانب الحياة يجب أن تتوقف وأن يتفرغ العسكر لدورهم فى حماية البلاد وتقوية الجيش وأن يتركوا للحكومة القيام على مصالح الناس".

      الصراع القائم في تركيا سببه الوضع الذي اتخذه العسكر بعد سيطرة أتاتورك على السلطة منتصف العشرينيات من القرن الفائت، حيث جعل العسكر هم حماة العلمانية التى أنشأها في تركيا على أطلال الخلافة الإسلامية وجعلهم يهيمنون على كل جوانب الحياة، وكلما خطا المدنيون خطوة للأمام قام العسكر بانقلاب وكان آخرها انقلاب كنعان إيفرين، ولنا أن نتصور دولة كانت مقر الخلافة الإسلامية ما يزيد على خمسة قرون تتحول على يد العسكر إلى دولة تحظر ارتداء الحجاب فى الجامعات والمصالح الحكومية، و كان لا بد للشعب الذي بقي يحافظ سرا على تحفيظ أبنائه القرآن وتعاليم الدين أن يكون له خياره، وإن جاء هذا الخيار بعدما يقرب من 70 عاما من هيمنة العسكر على السلطة وصراع بين العسكر والمدنيين امتد عبر صناديق الاقتراع ما يزيد على أربعين عاما.

      وكان الغرب الذي هيمن على هذه المنطقة، تركيا والعالم العربي، قد قرر قادته أن أفضل وسيلة للاستمرار بإمساك زمام الأمور في هذه البلاد، هو تسليم السلطة للعسكر. وهذا كفيل بأن تصل هذه الشعوب إلى مرحلة البكاء والترحم على أيام الاحتلال البريطاني والفرنسي لبلادها، جراء ما ذاقته على أيدي العسكر من هوان.

      وقد التقيت فى الأسبوع الفائت فى باريس مع أحد أساتذة القانون الفرنسييين وحينما علم أني مصري قال لي: "إن مصر كان بها نهضة قانونية ودستورية خلال النصف الأول من القرن الفائت، كادت تقارب ما كان يحدث فى أوروبا، حيث كانت الإنتخابات وإرادة الشعب هي التى تأتي بحكومة وتذهب بأخرى، كما كان أساتذة القانون والدستور لهم مكانتهم داخل مصر وخارجها، وقد انزعج الغرب لا سيما دول الاحتلال آنذاك، بريطانيا وفرنسا، من هذه الصورة لأن الوصول إلى تحقيق إرادة الشعوب مدخل لبناء أنظمة حرة وديمقراطية، فاتفق هؤلاء على عمل جلاء عسكري عن هذه البلاد مقابل أن يبقى نفوذهم السياسي والثقافي قائما، ولم يكن هناك سوى العسكر تسلم السلطة لهم، وهم يأتون بأراذل الناس لحكم الشعوب، ويحقق الغرب مصالحه. وهذا ما تم ويتم في بلادكم حتى الآن، ولو رجعت إلى أول ما قام به العسكر فى بلادكم تجد أنهم ألغوا الدستور الذي كان يتيح تناوب السلطة، وكان من أهم الدساتير التى صدرت خلال القرن الفائت".

      واستكمل الرجل كلامه قائلا: "أقابل كل يوم في أسفاري جهابذة وعلماء كبار فى شتى مناحي الحياة من مصر والعراق وسوريا وباقي الدول العربية، وكلهم مرموقون في مجالاتهم ولهم حضورهم المميز في المؤتمرات الدولية، لكني حينما أقترب منهم وأتعامل معهم أجدهم كلهم مهاجرون لدول غربية".

      قلت له : إذن ما هو السبيل للنهوض في بلادنا؟

      قال: أن يحدث عندكم ما يحدث في تركيا، يتراجع العسكر إلى الوراء خطوة ويتركون المجال للشعب كي يختار من يحكمه، فالعسكر في بلادكم من خلال متابعاتي لا يحكمون المقاعد الرئيسية فقط، ولكنهم يحكمون القمة والقاع".

      فكرت في ما قاله الرجل فوجدت أن معظم الدول العربية الرئيسية يحكمها العسكر مصر والسودان واليمن وليبيا وتونس وموريتانيا ولبنان، والتي لا يحكمها العسكر ظاهريا يديرونها من وراء ستار مثل سوريا والجزائر.

      إن الحل لا يكمن أبدا فى وجوب قيام صراع بين المدنيين والعسكر، لأنه سيسبب خسارة هائلة للشعوب والدول والمقدرات والعلاقة التي يجب أن تكون قائمة بين من يحمون الوطن ومقدراته ويشكلون قوته العسكرية التي يجب أن توجه للأعداء وبين الشعب، ولكن الخطوة الأولى في يد العسكر فهم الذين سطوا على السلطة عبر الإنقلابات العسكرية، ومن ثم يجب أن يقوم الوطنيون من قادتهم بالدعوة إلى أن يتراجعوا هم قليلا للوراء، ويقدموا الشعب ليختار من يحكمه حتى لو كان عسكريا، لأن المهم فى النهاية هو خيارات الناس ومصالحهم وأن يحكمهم المؤهلون.

      هناك تيار فى الجيش التركي هو الذي تراجع للوراء وترك المجال للمدنيين وللشعب حتى يختار، وتيار آخر رفض هذا وسعى للقيام بانقلاب، ورغم أن الأمر في يد القضاء هناك، لكن جوانب الصراع قائمة هناك فى كل مناحي الحياة، ولولا الوطنيون من العسكر الأتراك لاندلع صراع فى تركيا ربما يكون دمويا ويقضي على كثير من الإنجازات التى تحققت، لذلك فإن الأمر بحاجة إلى خطوة أولى وهذه الخطوة لا بد أن يقوم بها العسكريون الوطنيون الشرفاء، خطوة للوراء وأن تترك للشعوب أن تقرر من يحكمها.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions