صفحة من مذكرات فتى من الارياف
[TABLE='width:90%;background-color:transparent;background-image:url();border:4 inset blue;'][CELL='filter:;']
كنت من قرية ريفية تعيش حياة بسيطة غير متكلفة كنت أحلم بالكثير من أعظم أحلامي أن أزور العاصمة مسقط كنت أظنها تقع على كوكب آخر غير الأرض ربما القمر أو المريخ وكنت أظن أن من يزور مسقط لابد وأن يرتدي ملابس رواد الفضاء , تعلمت هذه الأسماء في المدرسة التي كانت مبنية من سعف النخيل , وهذه الملابس هي ما كان يشغفني لزيارة مسقط , كان مجرد حلم لم أكن أرجو أن يتحقق يوماً , هو حلم ويحق للأطفال أن يحلموا , مرت الأيام وكبرت الأحلام وسط زقزقة العصافير وتغريد الطيور وهذه الأصوات كانت بالنسبة لنا كحفلة سمر أما مسارحنا وملاعبنا فكانت بين مصاب المياه وظلال الأشجار , أما الجبال فكانت بالنسبة لنا كالحدائق الغناء في أرقى بقاع العالم , كان يومنا يقضى بين المراعي و الحقول لم نكن نحلم بحياة أفضل من هذه التي نعيشها .
كانت بيوتنا في القرية كلها مبنية من سعف النخيل وكان الأثرياء فقط هم من يملكون الأبنية المبنية من الطين , إستمر حالنا على ذلك سنين حتى ظهرت الأبنية الأسمنتية التي جعلت حياتنا أشبه بحياة أهل القصور كان ذلك في مخيلتنا وكنا نظن أننا قد أصبحنا من الأغنياء , كان من فرحتنا بتك الأبنية أننا كنا نقضي الساعات الطوال نتسلق الأسوار , أو نلعب على الأسطح . كان شعورنا بأن نكون فوق مستوى الأرض شيئاً عظيماً , وكنت أرى من علوّي فوق ذلك المكان مؤشراً لتحقيق حلمي القديم وزيارة مسقط القابعة فوق السحاب , وما زاد أملي في أن يتحقق حلمي شئ كظهور الكهرباء فبمجرد تزويد قريتنا بالكهرباء , والضوء الذي حل بحلولها أحسست أن النجوم أصبحت على مقربة مني على الأرض أو ربما أنا الذي علوت فإقتربت منها . كان ذلك شعوري عندما أكون على سطح منزلنا ولمّا تدخل الكهرباء بيتنا بعد , وعندما سكنت النجوم دارنا ـ أعني الكهرباء ـ وأخذت أعبث في مفاتيح الأضواء , فإذا بها تضئ بشدة مما أفزعني وجعلني أعدو بسرعة وأدخل رأسي تحت الفراش وأخذت أصيح بأعلى صوتي : حريق حريق بيتنا يحترق , إقترب مني أبي وأخذ بيدي وهو يبسم ويقول : لا تخف يا بني ليس هناك حريق وإنما ما تراه نور وليس نار , لم أستوعب حينها ما الفرق بين النور والنار ولكني عرفت أن الأمر غير خطير .
وبدأ أبي يقتني الأجهزة الكهربائية التي كانت بالنسبة لنا شيئاً غير مألوفاً فعندما أدخل والدي صندوقاً أسوداً أول مرة في بيتنا وعمل على تشغيله وظهرت الشاشة بألوانها وأصواتها , إلا وأخذ الصغار في بيتنا يخافون ويصيحون عفريت عفريت , كان أبي دائماً يسخر من عقولنا بهدوء , أما أنا فكنت أمنع أختي الصغرى من البقاء في الغرفة عندما أقوم بتشغيل العفريت ( التلفاز ) بحجة أنه يظهر بداخله الرجال , وأذكر ذات مرة صحوت من نومي باكراً ـ وكنت حريصاً على ذلك ـ حتى لا يسبقني أحدهم فيفتح الجهاز قبلي , ولكن المفاجئة كانت بعد أن قمت بتشغيل التلفاز ولم يظهر لي شئ فظننت أن الساكنين في التلفاز لازالوا نائمين , وهذا غير مقبول في الأرياف فالكل هنا يصحوا قبل العصافير , فأخذت أطرق شاشة التلفاز بقبضة يدي وأنا أنادي : هيه استيقظوا استيقظوا , أيها الكسالى استفيقوا من سباتكم , ولكن لا من مجيب , فلا حياة لمن تنادي , فحسبت ذلك تمرداً على أوامري , فكتمت غيظي وأغلقت الجهاز وقررت معاقبة المتمردين بإغلاق الجهاز يوماً كاملاً . ظناً مني أن هذا التصرف سيكلفهم الجوع والعطش , وعندما جاء أبي أخبرته بأمرهم فتبسم ووافقني على عقابهم ذلك اليوم , ففرحت لذلك ظنناً مني أن أبي أراد معاقبتهم هم لا معاقبتي أنا على تصرفي الأحمق , وكنت أعجب من التلفاز كثيراً فعلى الرغم من حجمه الصغير , إلا إنه يحوي الكثير من الأشخاص والبنايات وغيرها بداخله , وأذكر أني ذات مرة شاهدت مسلسلاً وكانت القصة بوليسية بها لص جاني ومتهم مجني عليه فحاولت جاهداً إبلاغ الشرطي عن اللص الحقيقي ولكن دون جدوى فأضمرت بداخلي أمراً وكتمته , وحينما كان أبي يشاهد نشرة الأخبار رأيت اليهود يهدمون منازل الفلسطينيين ؛ كان المنظر بشعاً , وكان والدي مستاءٌ من ذلك , فقد كان يربينا على كره اليهود وعدائهم ؛ فأضمرت ذلك في نفسي أيضاً , وفي النشرة نفسها جاء خبر عن رواد الفضاء , ورأيت البذلة التي طالما حلمت بإرتدائها وأنا أزور مسقط , فأضمرت ذلك أيضاً , وما إن ذهب والدي ومن بالبيت للنوم حتى خرجت متلصصاً على أطراف أصابعي , فعمت على جهاز التلفاز وأنزلته على الأرض فتعجبت من قوتي كيف استطعت حمل جهاز به الكثير من الناس والبنايات والسيارات ورواد الفضاء وغيرهم كثير , فأصابني الغرور, وأدركت أن تلك القوة ستساعدني على القبض باللص الحقيقي الذي شاهدته في المسلسل وتسليمه للعداله , وأستطيع تدمير آليات اليهود والبطش بها , فقوتي تفوق قوتهم وإلا لمستطعت حملهم وإنزالهم على الأرض , وكان الأهم من ذلك كله حصولي أخيراً على بذلتي المفضلة لرواد الفضاء دون الحاجة للذهاب إلى مسقط , ولكن سرعان ما تبدد كل شئ حينما فتحت براغي الجهاز ورفعت الغطاء وليتني لم أفعل , لم أجد ما كنت أتوقع , فلم يكن هناك سوى أسلاك صغيرة وقطع دقيقة أشاهدها لأول مرة , فخفت وفزعت وأعدت كل شئ كما كان وذهبت مسرعاً إلى النوم خشية أن يكتشف والدي الأمر, فيعلم إنني من حرك التلفاز, ففقد بذلك كل ما كان بداخله , هذا ما كان بداخلي وهذه الأفكار هي ما بثه الخوف بي , ولكن سرعان ما اكتشفت الحقيقة عندما أقدم أبي على تشغيل الجهاز في اليوم التالي الذي عاد كما كان بكل محتوياته فأدركت حينها أنه جهاز كاذب ليس له مصداقية فقررت التخلي عنه نهائياً وهكذا إنتهى عهدي بهذا الجهاز الصغير وإلى اليوم .
وكان ذات مرة أن جئت إلى أبي أطلب ملابساً شتوية تعجب حينها من طلبي ماحاجتي إلى ملابس الشتاء في فصل الصيف فقلت له : أنت الذي أتيت بفصل الشتاء إلى بيتنا في فصل الصيف , عجب والدي من ردي ولم يدقق وقتها , لكنه ما لبث إلا وأن عرف لاحقاً إنني أقضي بعض وقتي في الثلاجة ظناً مني بأنها سفيرة الشتاء في فصل الصيف , أما حكايتي مع جهاز التكييف فما كانت أحسن حظاً من سابقاتها , فقد شاهدت والدي ومعه من يساعده يرفعون صندوقاً ويدخلونه في فتحة كانت في الجدار حسبت أنهم يضعون تلفازاً جديداً بعيداً عن متناول يدي , وما إن فرغوا من تركيبه وتشغيله إلا سمعوا صوت صراخي ريح ريح فطمأنني والدي كعادته وأفهمني ما هذا الجهاز , وكنت ذات مساء ألعب خارج البيت وإذا بي أشاهد قطرات ماء صغيرة تنبعث من فتحة صغيرة بجهاز التكييف فهممت إليها ووقفت أسفل منها وأنا أنظر للأعلى فاتحاً فمي أحتسي تلك القطرات كان ذلك حالي كلما أحسست بالعطش أثناء اللعب فلا حاجة من دخول البيت للشرب وهذا الصنبور موجود . إلى إن إكتشف السر رفاقي فأخذوا ينافسونني على ذلك النبع اللذيذ , فقررت منعهم من ذلك , وسد تلك الفتحة بحجة أن في ذلك إهداراً للماء , ومن فكرة الماء هذه عرفت كيف أصنع قطرات هي أشبه بقطرات المطر فقد كنت آتِ لجهاز التكييف من الداخل وهو في وضع التشغيل وأسكب أمام منفذ الهواء بعض الماء فيدفعها على شكل قطرات على وجهي فراقت لي الفكرة وصرت أكررها بين الحين والحين حتى أني كنت أعزم رفاقي لمشاهدتي وأنا أكوّن قطرات تشبه قطرات المطر لكنهم لم يكتفوا بالمشاهدة حيث راقت لهم الفكرة فتعاونوا على حمل سطل من الماء فسكبوه في فوهة جهاز التكييف من أجل قطرات مطر كبيرة , ولكن الجهاز عاجلنا في الإنفجار بسبب إلتماس كهربائي لم نعرف ساعتها ما سببه , ولكني كنت سعيداً فتصرف الرفاق هذا في تقليدي كان يشعرني بتفوقي و بعبقريتي , وتوالت الأحداث فيما يخص الأجهزة الكهربائية ولكني كنت في كل مرة أخرج بسلام ولله الحمد دون أن يكون لي إحساس بخطورة ما يحدث .
ومرت الأيام إلى أن جاء اليوم الموعود الذي قرر فيه والدي أن يأخذنا في نزهة إلى مسقط , أحسست حينها أنني ملكت كل شئ الدنيا بأسرها كانت سعادتي غامرة وبذلت رواد الفضاء تتلألأ لي بين الحين والآخر , وكان من خوفي على فرحتي أخذ يراودني شعور بحدوث مكروهٍ يمنعني أن أزور مسقط وإرتداء بذلتي الحبيبة ووصل بي القلق إلى حد إنني كنت أرى حتفي على الطريق قبل الوصول للحلم الذي طال إنتظاره , وبدأ الإستعداد والتجهيز للسفر إلى مسقط , ولم أكن أعرف كيف سنذهب ؟ ولكني كنت على يقين أن الرحلة ستكون طويلة , فلا بد من أن تكون أبعد من النجوم , ولم يكن ذلك يشغل بالي بقدر قلقي أن تكون البذلة ضيقة عليّ أو واسعة أغرق داخلها , وركبنا السيارة التي بدأت في إنطلاقتها , وأنا أحلم بالسباحة في فضاء مسقط , كنت أنتظر السيارة ترتفع , ولكن طال سيرها على الأرض , فظننت أننا سننتقل على ظهر مركبة أخرى وهي التي سنرتدي بها ملابس الفضاء , ولكني تفاجئت حينما سمعت السائق يقول ها قد وصلنا مسقط , فصحت به وبذلة الفضاء ؟!! تعجب الجميع مني , فعلمت أنني لم أكن محقاً في حلمي , تبدد كل شئ . رغم إعجابي الشديد بما شاهدته من جمال مسقط إلا أن الإحباط أحاط بي إلى أن عدت مهموماً إلى قريتي بعدما تحطم حلمي أمام عيني ، فكنت أكرر دوماً ليته بقي حلماً ليتني لم أزر مسقط .
أما أنا اليوم وبعد أن تخرجت من الجامعة فها أنا ذا أمثل بلدي في أرقى بقاع العالم في الكثير من المحافل الدولية , فقد إستطعت تحقيق حلم أبي بأن أصل إلى ما وصلت إليه من علم ومكانه إجتماعية , ولكني لم أستطع تحقيق حلمي الصغير بأن أزور مسقط ببذلتي الفضائية .
[/CELL][/TABLE]كانت بيوتنا في القرية كلها مبنية من سعف النخيل وكان الأثرياء فقط هم من يملكون الأبنية المبنية من الطين , إستمر حالنا على ذلك سنين حتى ظهرت الأبنية الأسمنتية التي جعلت حياتنا أشبه بحياة أهل القصور كان ذلك في مخيلتنا وكنا نظن أننا قد أصبحنا من الأغنياء , كان من فرحتنا بتك الأبنية أننا كنا نقضي الساعات الطوال نتسلق الأسوار , أو نلعب على الأسطح . كان شعورنا بأن نكون فوق مستوى الأرض شيئاً عظيماً , وكنت أرى من علوّي فوق ذلك المكان مؤشراً لتحقيق حلمي القديم وزيارة مسقط القابعة فوق السحاب , وما زاد أملي في أن يتحقق حلمي شئ كظهور الكهرباء فبمجرد تزويد قريتنا بالكهرباء , والضوء الذي حل بحلولها أحسست أن النجوم أصبحت على مقربة مني على الأرض أو ربما أنا الذي علوت فإقتربت منها . كان ذلك شعوري عندما أكون على سطح منزلنا ولمّا تدخل الكهرباء بيتنا بعد , وعندما سكنت النجوم دارنا ـ أعني الكهرباء ـ وأخذت أعبث في مفاتيح الأضواء , فإذا بها تضئ بشدة مما أفزعني وجعلني أعدو بسرعة وأدخل رأسي تحت الفراش وأخذت أصيح بأعلى صوتي : حريق حريق بيتنا يحترق , إقترب مني أبي وأخذ بيدي وهو يبسم ويقول : لا تخف يا بني ليس هناك حريق وإنما ما تراه نور وليس نار , لم أستوعب حينها ما الفرق بين النور والنار ولكني عرفت أن الأمر غير خطير .
وبدأ أبي يقتني الأجهزة الكهربائية التي كانت بالنسبة لنا شيئاً غير مألوفاً فعندما أدخل والدي صندوقاً أسوداً أول مرة في بيتنا وعمل على تشغيله وظهرت الشاشة بألوانها وأصواتها , إلا وأخذ الصغار في بيتنا يخافون ويصيحون عفريت عفريت , كان أبي دائماً يسخر من عقولنا بهدوء , أما أنا فكنت أمنع أختي الصغرى من البقاء في الغرفة عندما أقوم بتشغيل العفريت ( التلفاز ) بحجة أنه يظهر بداخله الرجال , وأذكر ذات مرة صحوت من نومي باكراً ـ وكنت حريصاً على ذلك ـ حتى لا يسبقني أحدهم فيفتح الجهاز قبلي , ولكن المفاجئة كانت بعد أن قمت بتشغيل التلفاز ولم يظهر لي شئ فظننت أن الساكنين في التلفاز لازالوا نائمين , وهذا غير مقبول في الأرياف فالكل هنا يصحوا قبل العصافير , فأخذت أطرق شاشة التلفاز بقبضة يدي وأنا أنادي : هيه استيقظوا استيقظوا , أيها الكسالى استفيقوا من سباتكم , ولكن لا من مجيب , فلا حياة لمن تنادي , فحسبت ذلك تمرداً على أوامري , فكتمت غيظي وأغلقت الجهاز وقررت معاقبة المتمردين بإغلاق الجهاز يوماً كاملاً . ظناً مني أن هذا التصرف سيكلفهم الجوع والعطش , وعندما جاء أبي أخبرته بأمرهم فتبسم ووافقني على عقابهم ذلك اليوم , ففرحت لذلك ظنناً مني أن أبي أراد معاقبتهم هم لا معاقبتي أنا على تصرفي الأحمق , وكنت أعجب من التلفاز كثيراً فعلى الرغم من حجمه الصغير , إلا إنه يحوي الكثير من الأشخاص والبنايات وغيرها بداخله , وأذكر أني ذات مرة شاهدت مسلسلاً وكانت القصة بوليسية بها لص جاني ومتهم مجني عليه فحاولت جاهداً إبلاغ الشرطي عن اللص الحقيقي ولكن دون جدوى فأضمرت بداخلي أمراً وكتمته , وحينما كان أبي يشاهد نشرة الأخبار رأيت اليهود يهدمون منازل الفلسطينيين ؛ كان المنظر بشعاً , وكان والدي مستاءٌ من ذلك , فقد كان يربينا على كره اليهود وعدائهم ؛ فأضمرت ذلك في نفسي أيضاً , وفي النشرة نفسها جاء خبر عن رواد الفضاء , ورأيت البذلة التي طالما حلمت بإرتدائها وأنا أزور مسقط , فأضمرت ذلك أيضاً , وما إن ذهب والدي ومن بالبيت للنوم حتى خرجت متلصصاً على أطراف أصابعي , فعمت على جهاز التلفاز وأنزلته على الأرض فتعجبت من قوتي كيف استطعت حمل جهاز به الكثير من الناس والبنايات والسيارات ورواد الفضاء وغيرهم كثير , فأصابني الغرور, وأدركت أن تلك القوة ستساعدني على القبض باللص الحقيقي الذي شاهدته في المسلسل وتسليمه للعداله , وأستطيع تدمير آليات اليهود والبطش بها , فقوتي تفوق قوتهم وإلا لمستطعت حملهم وإنزالهم على الأرض , وكان الأهم من ذلك كله حصولي أخيراً على بذلتي المفضلة لرواد الفضاء دون الحاجة للذهاب إلى مسقط , ولكن سرعان ما تبدد كل شئ حينما فتحت براغي الجهاز ورفعت الغطاء وليتني لم أفعل , لم أجد ما كنت أتوقع , فلم يكن هناك سوى أسلاك صغيرة وقطع دقيقة أشاهدها لأول مرة , فخفت وفزعت وأعدت كل شئ كما كان وذهبت مسرعاً إلى النوم خشية أن يكتشف والدي الأمر, فيعلم إنني من حرك التلفاز, ففقد بذلك كل ما كان بداخله , هذا ما كان بداخلي وهذه الأفكار هي ما بثه الخوف بي , ولكن سرعان ما اكتشفت الحقيقة عندما أقدم أبي على تشغيل الجهاز في اليوم التالي الذي عاد كما كان بكل محتوياته فأدركت حينها أنه جهاز كاذب ليس له مصداقية فقررت التخلي عنه نهائياً وهكذا إنتهى عهدي بهذا الجهاز الصغير وإلى اليوم .
وكان ذات مرة أن جئت إلى أبي أطلب ملابساً شتوية تعجب حينها من طلبي ماحاجتي إلى ملابس الشتاء في فصل الصيف فقلت له : أنت الذي أتيت بفصل الشتاء إلى بيتنا في فصل الصيف , عجب والدي من ردي ولم يدقق وقتها , لكنه ما لبث إلا وأن عرف لاحقاً إنني أقضي بعض وقتي في الثلاجة ظناً مني بأنها سفيرة الشتاء في فصل الصيف , أما حكايتي مع جهاز التكييف فما كانت أحسن حظاً من سابقاتها , فقد شاهدت والدي ومعه من يساعده يرفعون صندوقاً ويدخلونه في فتحة كانت في الجدار حسبت أنهم يضعون تلفازاً جديداً بعيداً عن متناول يدي , وما إن فرغوا من تركيبه وتشغيله إلا سمعوا صوت صراخي ريح ريح فطمأنني والدي كعادته وأفهمني ما هذا الجهاز , وكنت ذات مساء ألعب خارج البيت وإذا بي أشاهد قطرات ماء صغيرة تنبعث من فتحة صغيرة بجهاز التكييف فهممت إليها ووقفت أسفل منها وأنا أنظر للأعلى فاتحاً فمي أحتسي تلك القطرات كان ذلك حالي كلما أحسست بالعطش أثناء اللعب فلا حاجة من دخول البيت للشرب وهذا الصنبور موجود . إلى إن إكتشف السر رفاقي فأخذوا ينافسونني على ذلك النبع اللذيذ , فقررت منعهم من ذلك , وسد تلك الفتحة بحجة أن في ذلك إهداراً للماء , ومن فكرة الماء هذه عرفت كيف أصنع قطرات هي أشبه بقطرات المطر فقد كنت آتِ لجهاز التكييف من الداخل وهو في وضع التشغيل وأسكب أمام منفذ الهواء بعض الماء فيدفعها على شكل قطرات على وجهي فراقت لي الفكرة وصرت أكررها بين الحين والحين حتى أني كنت أعزم رفاقي لمشاهدتي وأنا أكوّن قطرات تشبه قطرات المطر لكنهم لم يكتفوا بالمشاهدة حيث راقت لهم الفكرة فتعاونوا على حمل سطل من الماء فسكبوه في فوهة جهاز التكييف من أجل قطرات مطر كبيرة , ولكن الجهاز عاجلنا في الإنفجار بسبب إلتماس كهربائي لم نعرف ساعتها ما سببه , ولكني كنت سعيداً فتصرف الرفاق هذا في تقليدي كان يشعرني بتفوقي و بعبقريتي , وتوالت الأحداث فيما يخص الأجهزة الكهربائية ولكني كنت في كل مرة أخرج بسلام ولله الحمد دون أن يكون لي إحساس بخطورة ما يحدث .
ومرت الأيام إلى أن جاء اليوم الموعود الذي قرر فيه والدي أن يأخذنا في نزهة إلى مسقط , أحسست حينها أنني ملكت كل شئ الدنيا بأسرها كانت سعادتي غامرة وبذلت رواد الفضاء تتلألأ لي بين الحين والآخر , وكان من خوفي على فرحتي أخذ يراودني شعور بحدوث مكروهٍ يمنعني أن أزور مسقط وإرتداء بذلتي الحبيبة ووصل بي القلق إلى حد إنني كنت أرى حتفي على الطريق قبل الوصول للحلم الذي طال إنتظاره , وبدأ الإستعداد والتجهيز للسفر إلى مسقط , ولم أكن أعرف كيف سنذهب ؟ ولكني كنت على يقين أن الرحلة ستكون طويلة , فلا بد من أن تكون أبعد من النجوم , ولم يكن ذلك يشغل بالي بقدر قلقي أن تكون البذلة ضيقة عليّ أو واسعة أغرق داخلها , وركبنا السيارة التي بدأت في إنطلاقتها , وأنا أحلم بالسباحة في فضاء مسقط , كنت أنتظر السيارة ترتفع , ولكن طال سيرها على الأرض , فظننت أننا سننتقل على ظهر مركبة أخرى وهي التي سنرتدي بها ملابس الفضاء , ولكني تفاجئت حينما سمعت السائق يقول ها قد وصلنا مسقط , فصحت به وبذلة الفضاء ؟!! تعجب الجميع مني , فعلمت أنني لم أكن محقاً في حلمي , تبدد كل شئ . رغم إعجابي الشديد بما شاهدته من جمال مسقط إلا أن الإحباط أحاط بي إلى أن عدت مهموماً إلى قريتي بعدما تحطم حلمي أمام عيني ، فكنت أكرر دوماً ليته بقي حلماً ليتني لم أزر مسقط .
أما أنا اليوم وبعد أن تخرجت من الجامعة فها أنا ذا أمثل بلدي في أرقى بقاع العالم في الكثير من المحافل الدولية , فقد إستطعت تحقيق حلم أبي بأن أصل إلى ما وصلت إليه من علم ومكانه إجتماعية , ولكني لم أستطع تحقيق حلمي الصغير بأن أزور مسقط ببذلتي الفضائية .
هذه صفحة من مذكرات غير حقيقية وليست قصة