سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

    • سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة



      اقدم لكم اخواني في الله هذه السلسلة من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وساقدمها لكم تباعا....فمن كانت لديه اضافة أو رأي فأهلا بها وبكم.... وفقنا الله جميعا لما يرضاه
      الإعجاز التشريعي في القرآن



      إذا كان الغربيون يتباهون بأن حضارتهم كانت أول حضارة سبقت و أعلنت حقوق الإنسان رسمياً في مختلف دولها لأول مرة في التاريخ و يتفاخرون بأنهم لأول مرة في التاريخ و يتفاخرون بأنهم في القرن العشرين وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يعتبرونه النموذج المثالي لهذه الحقوق فإنهم نسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم قد قرر هذه الحقوق منذ أربعة عشر قرناً بأسمى مبدأ للبشرية جمعاء يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .

      و الخطاب في هذه الآية موجه للناس جميعاً و أنهم خلقوا على اختلاف أجناسهم و ألوانهم و دياناتهم من رجل واحد و امرأة واحدة و أنهم متساوون في الميلاد و الأصل ، والقرآن بهذه الآية يركز على وحدة الجنس البشري و لا فضل لأحد إلا بالتقوى .

      و قد أشتمل القرآن على كثير من المبادئ السامية التي تدل على عظمته و أصالته و منها :
      1. مبدأ حرية العقيدة و الرأي في قوله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " و قوله تعالى : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، و لا أنتم عابدون ما أعبد ، و لا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم و لي دين "

      2. قواعد عادلة في المعاملات : في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " و قوله تعالى :" و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها" و قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275) و قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ...ٌ) (البقرة:282)

      3. قوانين الأحوال الشخصية : و هي قواعد عادلة و مستقرة لتعلقها بِأحوال الإنسان الشخصية في الأسرة ، فوضع الشرع لها نظاماً كاملاً مفصلاً في مسائل الزواج و الطلاق و الحمل و العدة و الرضاع و النفقة و الميراث و حقوق الأبناء و ذوي القربى و توسع في أحكامها الكلية و جعلها مرنة و قابلة لاجتهاد المجتهدين من الفقهاء في استنباط أحكامها بما يساير الزمان و المكان .

      4. القانون الجنائي : وهو بحق أعظم برهان يدل على عظمة القرآن في تشريعه لجرائم الحدود التي بين نوعها و حدد عقوباتها التي تتمثل فيها العدالة و الحكمة و الرحمة بما فيه الكفاية للردع و الزجر بصورة تكفل الأمن و السلام للعباد و البلاد .



      دعائم الشريعة الإسلامية :
      لابد لكل تشريع من دعائم يقوم عليها و تساعد على بقائه و دوامه بين الناس راضين بدالته و مطمئنين إلى حكمته و تمشيه مع مصالح الأفراد و الجماعة ، و الشريعة الإسلامية بحمد الله لها دعائمها الثابتة و خصائصها التي تجعل الناس تنقاد إليها عن قناعة و ثقة لأنها تتفق مع الفطرة السليمة و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ، و هي كما تشهد لها جميع الشواهد شريعة تخاطب العقول السليمة و تحض على العمل وتدعو للجهاد في سبيل الله و تنادي بالتسامح و الحرية و المساواة والبر و ا لتقوى . و من أهم دعائم الشريعة الإسلامية ما يأتي:
      1. أنها شريعة سمحة لا تكلف الناس فوق طاقتهم لأن تكاليفها كلها ميسرة لا مشقة فيها في حدود استطاعة كل إنسان، و يقول الله سبحانه و تعالى في وصفها: " ما جعل الله عليكم في الدين من حرج " كما يقول سبحانه:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".

      2. أنها جاءت شريعة عامة لا نظر فيها إلى حالات فردية أو جزئية أو شخصية.

      3. أنها سنت للناس رخصاً عند الضرورة رفعاً للضرر و منعاً للمشقة، فمثلاً فرضت الشريعة الصيام و لكنها رخصت بالفطر للمسافر و المريض و غير ذلك من الرخص.

      4. قلة تكاليفها: لأنها اقتصرت على الأركان الخمسة و ما يتصل بها و يقول الرسول صلوات الله و سلامه عليه: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و سكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها ".

      5. التدريج في الأحكام: لأنها عالجت العادات الذميمة المتأصلة في النفوس بالتدرج في استئصالها شيئاً فشيئاً من غير تشديد و لا تعقيد في النهي عنها و تحريمها، فمثلاً في عادة شرب الخمر جاء الإسلام بالأحكام متدرجة في تحريمها بأسلوب حكيم لم يشعر الناس معه بغضاضة أو حرج أو مشقة.

      6. مسايرة مصالح الناس: و ذلك أنه شرع بعض الأحكام ثم نسخها إذا كان في ذلك المصلحة العامة كما حدث في بعض الأحكام الخاصة بالوصية و آيات المواريث، و كذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة المكرمة، كما أن بعض الأحكام السنة نسخت، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه الصلاة و السلام أنه قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترقق القلب و تدمع العين و تذكر بالآخرة ".






      أهم المبادئ التي جاءت التي جاءت بها الشريعة الإسلامية:
      جاءت الشريعة الإسلامية بالمبادئ الآتية:

      1. مبدأ التوحيد: فقد جمع الناس إله واحد. قال تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله ".

      2. مبدأ الاتصال المباشر بالله دون وساطة فقال سبحانه تعالى : " و قال ربكم ادعوني أستجب لكم " و قوله جل شأنه :" فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " .

      3. مبدأ التخاطب مع العقل: فالتشريع الإسلقال:عل العقول مناط التكليف خصوصاً فيما يتعلق بأمور الدنيا و بمعرفة الخالق لقوله تعالى: " فاعتبروا يا أولي الأبصار " و قوله سبحانه: " أفلا تعقلون ؟ " و يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما يرتفع العباد في الدرجات عند ربهم على قدر عقولهم "



      4. مبدأ إحاطة العقيدة بالأخلاق الفاضلة لقوله تعالى : " و عباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً . "

      5. مبدأ التآخي بين الدين و الدنيا في التشريع فقد جاءت أحكامه بأمور الدين و الدنيا و دعا إليهما مصداقاً لقوله تعالى : " و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا " .



      6. مبدأ المساواة و العدالة بين الناس جميعاً لقوله تعالى : " إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنته : " أعملي يا فاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئاً ".
      7. مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هو في الحقيقة دستور لجميع نواحي الإصلاح

      8. مبدأ الشورى لقوله تعالى : " و شاورهم في الأمر ".
      9. مبدأ التسامح ، وهو من أسمى و أهم ما يعرف اليوم بمبدأ التعايش السلمي .
      10.مبدأ الحرية لقوله تعالى : " لا إكراه في الدين ".

      11.مبدأ التكافل الاجتماعي فقد جعل الله الزكاة فيها حق الفقير في مال الغني و ليست تفضلاً من الأغنياء على الفقراء. و هذه المبادئ تدل على متانة بناء التشريع الإسلامي و قوة أركانه و صلاحيته للأحكام في كل زمان و مكان بين جميع الأجناس، و يدل على ذلك أن الأمة الإسلامية ازدهرت و قويت شوكتها حينما كانت تخضع في جميع شؤنها للشرع الإسلامي ، و أنها ضعفت و تفككت حينما انصرفوا عن شريعته و جمد الفقهاء و ركنوا إلى التقليد و حاولوا أن يخضعوا التشريع لأهوائهم و شهواتهم و أدى ذلك على الاستعانة بالقوانين الوضعية على اعتبار أن الفقه الإسلامي لم يعد يتفق مع التطورات العالمية و ما تقضيه المدنية الحديثة من مجاراة الدول القوية الغنية .

      و قد جاء التشريع الإسلامي بحلول جذرية لكثير من الجرائم التي كانت منتشرة و أوجد لها الحدود التي تكفل القضاء عليها منها :
      جريمة قتل النفس

      قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:92)


      وقال تعالى : "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32)

      و قال صلى الله عليه و سلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه " .

      تعتبر الشريعة الإسلامية التعدي النفس من أخطر الجرائم، لأن الإسلام أعلى من شأن الإنسان بقوله تعالى: " و لقد كرمنا بني آدم " و على قدر ما أعلى الإسلام من قدر الإنسان فإنه قد أشتد في العقوبة على من يعتدي على حياة غيره بغير حق، بل إن لإسلام اعتبر قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعا، وأن إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً، و قد جعل الله عقاب القاتل كعقاب الكافر.

      و بهذا الحكم العادل جعل الشرع القصاص علاجاً يمنع العدوان، إذ لم يجعل الإسلام لدم أحد من الناس فضلاً على دم آخر، بل إن الإسلام ليقتص من الحاكم نفسه إذا اعتدى على أحد من رعيته بالقتل العمد، لأن الإسلام نظر إلى القاتل على اعتبار أنه بفعلته الشنعاء ق سلب القتيل حياته و ترتب على ذلك أنه يتم أطفاله و أيم زوجته و حرم المجتمع من يد عاملة في خدمته كما أنه تحدى بذلك شعور مجتمعه و خرج على نظامه و قوانينه.

      و يقص علينا القرآن قصة أول جريمة قتل في تاريخ البشرية تلك هي الجريمة التي قتل فيها قابيل ابن آدم عليه السلام هابيل ظلماً و عدواناً. و ذلك لأن آدم قد أمر والديه أن يتزوج كل منهما توأم أخيه و ألا يتزوج الأخت التي ولدت معه ، و كانت توأم قابيل أجمل من توأم هابيل فأباها على أخيه و أصر على أن يمسكها لنفسه ، على حين أطاع هابيل أمر أبيه الذي هو وحي سماوي ، ثم أنهما اتفقا على أن يحتكما إلى الله بأن يقدم كل منهما قرباناً لله فتقبل الله من هابيل و لم يتقبل من قابيل الذي ثار و لم يرض حكم الله و أصر على موقفه من العناد و سولت له نفسه قتل أخيه فقتله .

      و كل ما جرى من هذا النزاع بين الأخوة ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد اندلعت في صدر قابيل وشب ضرامها فكانت فتنة عارمة و جريمة قتل شنعاء ، و قد أحزن هذا الاعتداء قلب آدم فقضى أيامه الأخيرة في أيامه الأخيرة في ألم و صبر إلى أن عوضه الله عن هابيل بابنه شيث الذي كان قرة عين له و أعده ليكون خليقة له في النبوة ، فما كبر و اشتد عوده أمره أبوه أن يأخذ الثأر لهابيل بقتل قابيل الذي فر هارباً و عاش طريداً شريداً يتعقبه أخوه شيث إلى أن لقي مصرعه و حق عليه قول الله :" و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ".

      و من عدالة الإسلام في تشريعه أن جعل عقوبة القاتل أن يقتل لأن ذلك من الجزاء العادل الذي يستحقه بغير إبطال و لا هوادة و لا بحث في بواعث القتل ، و حتى هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم انتحاراً لهم عذاب شديد يوم القيامة لأنهم قنطوا من رحمة الله و لا يقنط من رحمة الله إلا الكافرون .

      و لا شك أن رحمة الله عظيمة بفرضه القصاص الذي جعل فيه حياة الناس و أمنهم و منع العدوان بينهم ، لأن من يهم بالقتل و الفتك بغيره و هو يعلم أن في ذلك هلاكه سيتردد و لا يقدم على تنفيذ جريمته فيبقى ذلك الخوف على حياة من يهم بقتله و هلاك نفسه ، و إن من يتدبر قوله تعالى : " و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ليجد فيها كل الإعجاز البياني و التشريعي من حيث روعة الأسلوب و روعة المعنى و هما يؤكدان معجزة القرآن الكريم.


      جريمة الحرابة
      قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33)

      و قال صلى الله عليه و سلم: " كل المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ".

      و الحرابة جريمة يعاقب عليها الشرع في إحدى الحالتين الآيتين :

      (أ) ـ الاستيلاء على مال الغير مغالبة و في خفاء عن المجتمع .

      (ب) ـ قطع الطريق على الناس و منع المرور فيه بقصد السلب و النهب الإخافة و الإرهاب .

      و المحاربون هم الذين يجتمعون بقوة و شركة و يحمي بعضهم بعضاً و يقصدون إيذاء الناس في أرواحهم و أموالهم، و يخيفونهم و يثيرون الفزع و القلق في نفوسهم لإخضاعهم لأهوائهم الشريرة.

      و قد نص القرآن على عقوبتها بقطع اليد اليمنى و ترك بقية الأطراف سليمة لكي يعمل بها لكسب رزقه من وجه حلال إذا ارتدع، و تجمع هذه العقوبة بين القسوة و الرحمة في آن واحد، و هذا ضرب من الإعجاز في العقوبة و الردع معاً، و قد أحل الشرع بعد ذلك قتله إذ ا تمادى في الجريمة و لم يرتدع، و يعاقب المحارب بالقتل إذا قتل سواء استولى على المال أم لم يستول عليه.

      و قد نصت الآية على أنواع أخرى من العقوبات التي توقع على المحاربين الآثمين غير قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، لشل نصف الجسم المجرم عن الحركة و هي قتلهم و صلبهم تشهيراً بسوء عملهم و إذلال لهم.

      و من هذه الأحكام تدل دلالة واضحة على أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى آثار الجريمة التي فيها اعتداء شنيع على الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال ، و إزهاق أرواحهم و سلب أموالهم و شددت العقوبة بما يناسب ما أحدثته الحرابة من عدوان و ترويع للآمنين ثم إن لهم في الدار الآخرة عذاباً عظيماً هو عذاب الجحيم .

      و المقرر في الشريعة الإسلامية أن جريمة الحدود لا يثبت ارتكابها إلا بوسائل إثبات مشددة و محدودة ، و هي في جملتها لا تخرج عن الاعتراف الصريح و الإقرار و البينة ، و يزيد بالبينة شهادة رجلين عدلين و يكون الإقرار في مجلس القضاء أمام القاضي .

      و قد أثبت الأيام أن المجتمع الإسلامي عندما طبق أحكام الحدود عاش آمناً مطمئناً على أموله و أعراضه و نظامه ، بل إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه رغبة منه في تطهير نفسه بالتكفير عن ذنبه ، و عندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود و أنساق مع تشريعات الغرب الوضعية و بهره زخرفها الزائف تسرب إليه الفساد و أشاع فيه الإجرام ، و كاد يلحق بدول الغرب في التفنن في أساليب الجريمة .

      و يرى التاريخ أن هشام بن عبد الملك من خلفاء بني أمية عطل حدا السرقة والحرابة سنة ، فتضاعفت حوادثها و صار الناس غير آمنين على أنفسهم و لا على أموالهم من النهب و السلب، و استشرى خطر اللصوص في البوادي و الحواضر ، فما تفاقم الأمر و اضطربت الأحوال أعاد هشام بن عبد الملك العقوبة كما شرعها الله تعالى ، فكان الإعلام بالإعادة و حده كافياً لردع المجرمين و صيانة الحقوق و حفظ الأموال و النفوس .



      و كان من أبشع جرائم الحرابة في عصورنا الحديثة ما كان يحدث في الحجاز قبل الحكم السعودي لحجاج بيت الله من الاعتداء عليهم و اغتصاب أموالهم و إزهاق أرواحهم ، حتى أن الفقهاء المتأخرين أوجبوا على كل من يخرج للحج أن يكتب وصيته قبل أن يغادر بلده ، و كانت الحكومة في مصر و سوريا ترسل مع بعثاتها للحج الجنود المسلحين لحمايتها ، فلما حكم الجزيرة العربية الملك عبد العزيز آل سعود و نفذ الأحكام الشرعية كما أمر الله و رسوله ، هاب اللصوص و قطاع الطرق عقوبتها الشرعية التي تنفذ فوراً ، حتى أنه ليذكر بالحمد لهذا الملك الراحل أن عدد الأيدي التي قطعت في مملكته لا تزيد على ستة عشر يداً خلال أربعة وعشرين عاماً هي مدة حكمه .

      و من الناس من يلهجون باستغلاظ عقوبة الحرابة و يحسبون أنها غير إنسانية ، و أولئك ينظرون إلى العقوبة و لا ينظرون إلى الجناية ، و يرحمون الجاني و لا يرحمون المجني عليه ، و المجني عليه هنا هو الجماعة التي تنهب أموالها وتسفك دماؤها ، و إنه كلما عظمت الجريمة كان لابد من أن تكون العقوبة قاسية و رادعة . والنبي صلوات الله عليه و سلامه يقول : " من لا يرحم لا يرحم " و لو أن عقوبة الحرابة طبقت في أمريكا و أوربا حيث العصابات الدولية لأمن الناس على أنفسهم ، و لما اضطربت الحكومة إلى تجنيد آلاف الجنود و صرف الأموال الطائلة في مطاردة هذه العصابات الآثمة .


      جريمة السرقة :
      قال تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38) .

      و قال صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه

      " و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .

      السرقة نزعة شريرة تحمل صاحبها على ارتكاب جرائم عديدة فظيعة في سبيل الاستيلاء على مال غيره ، خفية أو كرهاً بدافع من خبث الطبع و فساد المنشأ و سوء التربية ، و هي عوامل تجره إلى ارتكاب جريمة القتل أحياناً إذا أعترضه معترض ، وقد يصل به الإجرام إلى قتل الأب أو الأم أو الأخوة من أجل سلب أموالهم ، و كثيراً ما سولت هذه النزعة الشريرة إلى خلق عصابات من الأشرار تعبث بالأمن في كثير من الدول ، وتستطيع بقوة سلاحها و إرهابها ووسائلها الإجرامية أن تسطو على أموال البنوك و خزائن الحكومات ، و متاع الأغنياء تسلب ما فيها و تخرب و تدمر ما شاء لها التدمير و التخريب ، وتعاني الحكومات من ويلاتها و تنفق الأموال الطائلة في مكافحتها و مقاومتها ، وكثيراً ما فرضت هذه العصابات سلطانها على الأبرياء الآمنين و روعتهم .

      و هؤلاء السارقون الذين يجمعون الأموال الطائلة المنهوبة لا يجدون لها مصرفاً إلا مجال الموبقات و المنكرات ، و شراء ذمم الناس للتستر عليهم و تحريضهم على الفجور بأموالهم و نفوذهم ، و يلاحظ أن أكثر دور اللهو و الميسر و الدعارة كلها من منشآة أثرياء اللصوص و يقوم على حمايتها أعوانهم الفجرة .

      و نظراً لخطورة جريمة السرقة وويلاتها شرع الإسلام عقوبات قاسية ورادعة تكفل القضاء عليها و التقليل من مضارها ، مستهدفة بهذه العقوبات مصلحة الجماعة لأنها تريد المحافظة على الضروريات اللازمة للناس في حياتهم التي قوامها : حماية النفس و العقل والنسل و المال و قد انتهج الإسلام لتحقيق هذه الغاية وسيلتين رئيسيتين هما : أولا وسيلة تهذيب نفس المسلم ذاته عن طريق المجتمع الإسلامي القائم على دعائم الاستقامة و المحبة و الطهر و التعاون على البر و التقوى ، و ثانياً وسيلة ما شرعه القانون الجنائي الإسلامي من إقامة الحدود لحماية الضروريات اللازمة لأمن الإنسان فجعل حد الردة لحماية الدين و حد القصاص للحفاظ على الأنفس ، و حد شرب الخمر لحماية لحماية العقل ، و حد الزنا و القذف لحماية العرض و النسل الخ....


      عقوبة السرقة :

      واجهت الشريعة الإسلامية جريمة السرقة بعقوبة قاسية هي قطع اليد ، لتكفل بذلك استئصال شأفة الجريمة و لتكوين بقسوتها رادعة و زاجرة لكل من تسول له نفسه العدوان على مال الغير خفية أو غصباً ، تهدف العقوبة إلى قطع اليد لأنها هي الأداة التي استعملها السارق و ساعدته على ارتكاب جريمته ، و ذلك لمنع استعمالها مرة أخرى في السرقة ، و حكمة التشريع في قطع اليد أنها تعتبر أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في ردها إلا عقوبات صارمة و مؤلمة ، ليس فيها لين أو رخاوة ليكون الجزاء من جنس العمل ، و لتكون العقوبة ملازمة للجاني و ظاهرة للناس و محذرة لهم .

      شروط قطع اليد :

      أشترط في السرقة المعاقبة عليها بقطع اليد أن يكون الجاني بالغاً من الرشد عاقلاً و غير محتاج و لا مضطر للسرقة ، و أن يكون المسروق مملوكاً للغير و محفوظاً في حرز و لا يقل نصابها عن سبعة عشر جراماً من الذهب أو ما يعادل ذلك نقداً ، وهذا هو العقاب المقدر لحد القطع ، و إذا قل عن ذلك فلا قطع ، و قد أتفق الفقهاء على قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى فإذا عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى في رأي بعض الفقهاء و ذلك لشل حركة السارق فإذا عاد بعد ذلك فلا قطع و إنما يحبس إلى مدة غير محدودة حتى يموت أو يتوب نهائياً .


      حالات لا تقام فيها الحدود :
      لا يطبق حد السرقة إذا حصلت في الأماكن العامة أثناء العمل فيها ن و حيث لا حراسة فيها للمال أو في أماكن مأذون للجاني بدخولها ، ولم يكن الشيء المسروق محرزاً ، أو أن تحصل السرقة بين الأصول و الفروع من أفراد الأسرة أي بين الأب وولده أو بين الزوج و زوجته ، أو كان المال المسروق مجهولاً لا يعرف صاحبه ، أو كان الجاني دائناً لصاحب المال المسروق ، وكان مماطلاً و جاحداً ، و ان السارق استولى على ما يوازي حقه فقط .

      و قد يحلو لبعض الناقدين الجاهلين بحكمة التشريع الإسلامي أن يصفوا عقوبة قطع اليد بالقسوة و عدم الرحمة ، و يتباكون على الأيدي المقطوعة ناسين أو متناسين ما أحدثته هذه الأيدي الآثمة من أذى و قتل و تخريب و فساد في الأرض و ترويع الآمنين ، فهم يشفقون على الجاني و لا يشفقون على المجني عليهم ، و حقيقة الواقع الذي لا خفاء فيها في عصرنا أن الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية قلت فيها جرائم السرقة ، و دليل ذلك ما يحدث في المملكة العربية السعودية التي طبقت شرع الله ، فإنه لم يقطع فيها يد السارق إلا في القليل جداً من الحالات ، و حبذا لو احتذت الدول الإسلامية الأخرى حذو المملكة العربية السعودية ، ليهيء لألها الآمن و الطمأنينة على أموالهم و أنفسهم ، و إنه من الإنصاف أن ننظر إلى قطع اليد لا يقصد الشرع به الرغبة في قطع الأيدي ، بل هو الرغبة في سلامة هذه الأيدي من القطع بمثل هذه العقوبة المخيفة التي تمنع السارق من ارتكاب جرائمه ، فهل بعد ذلك رحمة في قسوة الأحكام التي تحفظ الأمن و تمنع الإجرام .


      المصدر : موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة عن كتاب القرآن و إعجازه التشريعي تأليف الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم .
    • كل الوفا كتب:

      جعلها الله في ميزان حسناتك ياغالية

      وزيــادة في بركاتك ورفعة في درجاتك

      اللهم امين



      أختي في الله كل الوفا

      لك جزيل الشكر على مرورك الطيب وتواجدك الذي يسعدني دائما... جعلنا الله سندا لبعضنا ومعينا لنا في دينه....


    • الإعجاز العددي للعدد سبعة



      من المعروف في علم الفيزياء أن النور الأبيض إذا وجهناه إلى الموشور - قطعة من البلور ثلاثية الأبعاد- فإن هذا النور ينتشر و يتحول إلى 7 ألوان هي الأحمر و البرتقالي و الأصفر و الأخضر والأزرق و النيلي و البنفسجي.

      و من الإعجاز في القرآن الكريم .. أن كلمة (ألوان) ذكرت في سبعة مواضع و الرقم سبعة –كما ذكرنا- هو عدد ألوان الطيف التي نستطيع من خلالها رؤية العالم و ألوانه .. فهل يمكن أن يكون توافق تكرار لفظ (ألوان) بعدد ألوان الطيف هو صدفة ؟؟؟



      أم هو من الأدلة القاطعة على أن هذا القرآن منزل من الذي يعلم السر و أخفى!

      و فيما يلي المواضع السبعة التي ذكر فيها كلمة (ألوان)

      1
      - جزء 14 سوره النحل آيه 13 ( أَلْوَان: 1 )

      وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ

      2- جزء 14 سوره النحل آيه 69 ( أَلْوَان: 1 )

      ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

      3- جزء 21 سوره الروم آيه 22 ( أَلْوَان: 1 )

      وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ

      4- جزء 22 سوره فاطر آيه 27 ( أَلْوَان: 2 ) ولقد ذكرت مرتين .

      أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ



      5- جزء 22 سوره فاطر آيه 28 ( أَلْوَان: 1 )

      وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ



      6- جزء 23 سوره الزمز آيه 21 ( أَلْوَان: 1 )

      أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ



    • الإعجاز العددي في القرآن



      قال تعالى في كتابه العزيز :

      (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88) .

      القرآن الكريم .. كتاب الله تعالى .. الخالق العليم.. عالم الغيب .. العالم بحال الناس وحاضرهم ومستقبلهم.. فلا شك أنه حوى بين دفتيه من كل مثل.. وإعجاز هذا الكتاب باقٍ إلى يوم القيامة .. فكل يوم تكتشف المزيد من إعجازه .. ومن هذه المعجزات الكثيرة.. الإحكام العددي للقرآن الكريم الذي هو بحق آية على صدق محمد صلى الله عليه وسلموأن هذا القرآن هو من عند خالق السماوات والأرض .
      إن معجزة الأرقام في القرآن الكريم موضوع مذهل حقاً ،وقد بدأ بعض العلماء المسلمين بدراستها عن طريق أحدث الآلات الإحصائية والحواسيب الكترونية ما أمكن دراسةوإنجاز هذا الإعجاز الرياضي الحسابي المذهل .

      فهذا الإعجاز مؤسس على أرقام ،والأرقام تتكلم عن نفسها، فلا مجال هنا للمناقشة، ولا مجال لرفضها، وهي تثبت إثباتاً لا ريب فيه أن القرآن الكريم هو
      {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود:1)

      لا شك أنه من عند الله تعالى ،وأنه وصلنا سالماً من أي تحريف أو زيادة أو نقص . فنقص حرف واحد أو كلمة واحدة أو زيادتها، يخل بهذا الإحكام الرائع للنظام الحسابي له.

      وقد شاء الله تعالى أن تبقى معجزة الأرقام سراً حتى اكتشاف الحواسيب الإلكترونية .

      (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53)

      وهذه بعض من هذه الإحصائيات العددية لكلمات القرآن الكريم

      1- فهناك كلمات متقابلة تتكرر بشكل متساوٍ في القرآن الكريم منها على سبيل المثال:الحياة تكررت 145مرة .......... الموت تكررت 145مرة

      الصالحات تكررت 167 مرة ....... السيئات تكررت 167مرة

      الدنيا تكررت 115مرة .........الآخرة تكررت 115مرة

      الملائكة تكررت 88 مرة ..........الشيطان تكررت 88 مرة

      المحبة تكررت 83 مرة ........... الطاعة تكررت 83 مرة

      الهدى تكررت 79 مرة ...........الرحمة تكررت 79 مرة

      الشدة تكررت 102 مرة ..........الصبر تكررت 102 مرة

      السلام تكررت 50 مرة ...........الطيبات تكررت 50 مرة

      تكررت كلمة الجهر 16مرة ........... العلانية تكررت 16مرة

      إبليس تكررت 11 مرة ......... الاستعاذة بالله تكررت 11مرة

      تكررت جهنم ومشتقاتها 77مرة ....... الجنة ومشتقاتها تكررت 77مرة .



      2- وهناك كلمات بينها علاقات في المعنى وردت ضمن علاقات رياضية دقيقة ومتوازنة منها على سبيل المثال:

      الرحمن تكررت 57مرة ............الرحيم تكرر 114 مرة أي الضعف

      الجزاء تكررت 117مرة ..............المغفرة تكرر234مرة أي الضعف

      الفجار تكررت 3مرة .............الأبرار تكرر 6مرة أي الضعف

      النور ومشتقاتها تكررت 24 ...... الظلمة و مشتقاتها تكررت 24مرة

      العسر تكررت 12مرة..... ..........اليسر تكرر36مرة أي ثلاثة أضعاف .

      قل تكررت 332 مرة ................ قالوا تكررت 332مرة

      ولفظة الشهر بلغ 12 مرة ( وكأنه يقول إن السنة 12 شهرا)

      ولفظة اليوم بلغ عددها 365 مرة (وكأنه يقول إن السنة 365 يوما)

      وقد وردت كلمة البر 12 مرة وبضمنها كلمة يبسا ( بمعنى البر ) بينما بلغ تكرار كلمة البحر 32 مرة (وفي ذلك إشارة إلى أن هذا التكرار هو بنسبة البر إلى البحر على سطح الأرض الذي هو بنسبة 12 / 32 ).


      ولو تدبرنا عدد حروف لفظ الدنيا لوجدناها ستة حروف،وأيضاً حروف لفظ الحياة هي ستة حروف

      وعناصر الدنيا .. هي السماوات وما فيها ..والأرض وما عليها، فهذه تشير إلهيا ....وتعتمد عليها ...وقد قرر القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام:


      (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)

      والدنيا ولفظها يتكون من ستة حروف خلقت في ستة مراحل والإنسان وحروفه سبعة خلق في سبع مراحل .

      وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين ) ( سورة المؤمنون 12ـ 14)

      و نجد أن فاتحة الكتاب وهي أول سور المصحف الشريف ونصها : بسم الله الرحمن الرحيم :(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ )سورة الفاتحة .

      تتكون من سبع آيات بما فيها البسملة اعتبرت آية ..و هذه تتكرر في كل السور ماعدا سورة (براءة ) ..و لا تعبر فيها كلها أنها آية .. فالفاتحة سبع آيات بالبسملة وست بغير البسملة ,وآخر سور المصحف الشريف هي سورة الناس ونصها :

      بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1} مَلِكِ النَّاسِ {2} إِلَهِ النَّاسِ {3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ {4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ {5} مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ {6}( سورة الناس 1ـ 6) تتكون أيضاً من ستة آيات بغير البسملة،



      عجائب العدد سبعة :

      من عجائب العدد سبعة في القرآن أن كلمة الإنسان تتكون من سبعة حروف وخلق على سبع مراحل يتساوى معه في عدد الحروف ألفاظ القرآن ..و الفرقان ...و الإنجيل ..و التوراة .. فكل منها يتكون من سبعة حروف .وأيضاً صحف موسى، فيه سبعة حروف .و أبو الأنبياء إبراهيم .. يتكون أيضاً من سبع حروف .. فهل هذه إشارة عددية ومتوازنة حسابية إلى أن هذه الرسالات والكتب إنما نزلت للإنسان . . لمختلف مراحله ..وشتى أحواله ..وعلى النقيض، نجد الشيطان ..و يتكون لفظه من سبعة حروف .. فهل ذلك تأكيد لعداوته للإنسان في كل مرة ...ومختلف حالاته ..و أنه يحاول أن يصده تماماً عن الهداية التي أنزلها الله للإنسان كاملة وشاملة .

      و جعل لجهنم سبعة أبواب قال تعالى :

      {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ {43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ {44} إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {45} ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ {46} ( سورة الحجر : 43، 45)

      كلمة {وسطا} في سورة البقرة:
      سورة البقرة عدد آياتها 286 آية .

      ولو أردنا معرفة الآية التي تقع في وسط السورة لكانت بالطبع الآية 143

      ولا عجب من ذلك. لكن إذا قرأنا هذه الآية لوجدناها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143) .


      هل هي صدفة ؟ لا .. لأنه لو وجد عدد محدود من مثل هذه الإشارات لقلنا إنها صدفة .. لكنها كثيرة ومتكررة في كل آية من آيات القرآن الكريم .

      إنه الإحكام العددي وصدق الله تعالى إذ يقول:
      (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود:1)

      تكرر لفظ{ اعبدوا} ثلاثاً

      تكرر : لفظ {اعبدوا }

      ثلاث مرات موجهاً إلى الناس عامة.

      وثلاث مرات إلى أهل مكة.

      وثلاث مرات على لسان نوح إلى قومه.

      وثلاث مرات على لسان هود إلى قومه.

      وثلاث مرات على لسان صالح إلى قومه .

      وثلاث مرات على لسان عيسى إلى قومه.


      كما أنه هناك بعض التوافقات بين عدد كلمات بعض الجمل التي بينها علاقة:

      (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين )(التوبة 44 ) وهي 14 كلمة يقابلها قوله تعالى في الموضوع نفسه:

      (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون )(التوبة 45) وهي 14 كلمة كذلك.

      وفي قوله تعالى : "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله" 7 كلمات يقابله الجواب على ذلك وهو قوله تعالى في الآية نفسها "قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا" وهو 7 كلمات أيضا ً

      وفي قوله تعالى "قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء " 7 كلمات وتتمتها قوله تعالى " قال لا عاصم اليوم من أمر الله" وهي 7 كلمات أيضاً.

      المراجع :

      معجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم - عبدالرزاق نوفل - دار الكتاب العربي 1982

      الإعجاز العددي للقرآن الكريم : عبدالرزاق نوفل 1975


    • الإعجاز العلمي للقرآن في الطيور



      قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41)

      قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:79).

      لقد أشارت هاتان الآيتان إلى ناحيتين من نواحي الإعجاز العلمي في القرآن في قوله صافات في سورة النور و التي تشير إلى تثبيت الطير لجناحيه وعدم تحريكهما أثناء الطيران و ذلك من أجل الاستفادة من التيارات الهوائية و التي سوف نتناولها بشيء من التفصيل ..

      و قوله مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله و هي تشير إلى الأنظمة التي خلقها الله في جسم الطائر و في الهواء والتيارات الهوائية التي تمكن الطائر من الطيران في الجو.


      و سنتناول في هذا البحث تلك الأنظمة المعقدة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للطير:
      بنية ريش الطائر:

      الريش من أكثر النواحي الجمالية التي يتمتع بها الطير ، و تدل عبارة "خفيف كالريش" على كمال البنية المعقدة للريش .

      تتكون الريش من مادة بروتينة تدعى كيراتين و الكيراتين مادة متينة تتشكل من الخلايا القديمة التي هاجرت من مصادر الأكسجين و الغذاء الموجود في الطبقات العميقة من الجلد و التي تموت لتفسح المجال أمام الخلايا الجديدة .

      إن تصميم الريش تصميم معقد جداً لا يمكن تفسيره على ضوء العملية التطورية ، يقول العالم آلان فيديوسيا عن ريش الطيور : " لها بنية سحرية معقدة تسمح بالطيران بأسلوب لا يمكن أن تضمنه أي وسيلة أخرى [1].

      و يقول عالم الطيور فيديوسيا " إن الريش هو بنية متكيفة بشكل مثالي تقريباً مع الطيران لأنها خفيفة ، قوية و ذات شكل منسجم مع الديناميكية الهوائية ، و لها بنية معقدة من الخطافات و القصبات" [2]

      لقد أجبرت هذه الرياش تشارلز داروين نفسه على التفكير بها ، بل لقد جعله ريشة الطاووس مريضاً ( حسب قوله ) .

      لقد كتب إلى صديقه أز غري في الثالث عشر من نيسان 1860 : "أتذكر تماماً حين كان الشعور بالبرودة يجتاحني ما أن تخطر ببالي العين ، إلا أنني تغلبت على هذا الآن ..


      ثم يتابع :

      " ... و الآن عندما أفكر بجزئيات البنية أشعر بعدم الارتياح ، إن منظر ذيل الطاووس ورياشه يشعرني بالمرض[3]



      القصيبات و الخطافات :

      عندما يقوم أحدنا بفحص ريش الطائر تحت المجهر ستصيبه الدهشة ، و كما نعرف جميعاً هناك قصبة رئيسية لباقي الرياش يتفرع عن هذه القصيبة الرئيسية المئات من القصيبات في كلا الاتجاهات ، وتحدد هذه القصيبات ـ المتفاوتة الحجم و النعومة ـ الديناميكية الهوائية للطائر ، و تحمل كل قصبة الآلآف من الخيوط و التي تدعى القصيبات ، وهذه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة و تتشابك هذه القصيبات مع بعضها بواسطة شويكات خطافية ، و تكون طريقة اتصالها بمساعدة هذه الخطافات بشكل يشبه الشكل الذي يرسمه الزالق المسنن " السحاب " .

      على سبيل المثال : تحتوي ريشة رافعة واحدة على 650 قصبة على كل جانب من جانبي القصبة الرئيسية ، ويتفرع ما يقارب 600 قصيبة عن كل قصبة ، و كل قصيبة من هذه القصيبات تتصل مع غيرها بواسطة 390 خطافاً . تشابك الخطافات مع بعضها كما تتشابك أسنان الزالق على جانبيه ، تتشابك القصيبات بهذه الطريقة بحيث لا تسمح حتى للهواء المتسب عنها باختراقها ، إذا انفصلت بهذه الطريقة لأي الأسباب ، فيمكن للطائر أن يستعيد الوضع الطبيعي للريشة إما بتعديلها بمنقاره ، أو بالانتفاض.

      على الطائر أن يحتفظ برياشه نظيفة مرتبة وجاهزة دائماً للطيران لكي يضمن استمراره في الحياة ، يستخدم الطائر عادة الغدة الزيتية الموجودة في أسفل الذيل في صيانة رياشه . بواسطة هذا الزيت تنظف الطيور رياشها و تلمعها ، كما أنها تقيها من البلل عندما تسبح أو تغطس أو تطير في الأجواء الماطرة .

      تحفظ الرياش درجة حرارة جسم الطائر من الهبوط في الجو البارد ، أما في الجو الحار فتلتصق الرياش بالجسم لتحتفظ ببرودته [4].



      أنواع الريش :

      تختلف وظائف الرياش حسب توزيعها على جسم الطائر فالرياش الموجودة على الجسم تختلف عن تلك الموجودة على الجناحين و الذيل . يعمل الذيل برياشه على توجيه الطائر و كبح السرعة ، بينما تعمل رياش الجناح على توسيع المنطقة السطحية أثناء الطيران لزيادة قوة الارتفاع عندما ترفرف الأجنحة متجهة نحو الاسف تقترب الرياش من بعضها لتمنع مرور الهواء ، و لكن عندما تعمل الأجنحةعلى الاتجاه نحو الأعلى تنتشر الرياش متباعدة عن بعضها سامحة للهواء بالخلل [5] .

      تطرح الطيور رياشها خلال فترات معينة من السنة لتحتفظ بقدرتها على الطيران ، وهكذا يتم استبدال الرياش المصابة أو الرثة فوراً .



      رياش الآلة الطائرة :

      يكتشف المدقق في أجسام الطيور أنها خلقت لتطير لقد زُود جسمها بأكياس هوائية و عظام مجوفة للتخفيف من وزن الجسم و بالتالي من الوزن الكلي . وتدل الطبيعة السائلة لفضلات الطائر على طرح الماء الزائد الذي يحمله جسمه، أما الرياش فهي خفيفة جداً بالنسبة إلى حجمها .


      لنمض مع هذه البينات المعجزة لجسم الطائر فنتناولها الواحدة تلو الأخرى .

      1. الهيكل العظمي :
      إن القوة التي يتمتع بها جسم الطائر في غاية الانسجام مع بنيته و احتياجاته على الرغم من تركيبة عظامه المجوفة و ذلك من أجل تخفيف وزنه ليمكنه هذا من سهولة الطيران . على سبيل المثال : يبذل طائر البلبل الزيتوني الذي يبلغ طوله 18 سم ضغطاً يعادل 68.8 كغ لكسر بذرة الزيتون، تلتحم عظام الكتفين والفخذين والصدر مع بعضهما عند الطيور و هو تصميم أفضل من ذلك الذي تملكه الثديات ، وهو يبرهن على القوة التي تتمتع بها بنية الطائر . من المميزات الأخرى التي يتمتع بها الهيكل العظمي للطائر ـ كما ذكرنا سالفاً ـ أنه أخف من الهيكل العظمي الذي تمتلكه الثديات .

      على سبيل المثال : يبلغ الهيلك العظمي للحمامة 4.4 % من وزنها الإجمالي بينما يبلغ وزن عظام طائر الفرقاط (طائر بحري ) 118 غراماً أي أقل من وزن رياشه .






      ـــــــــــــــــــ

      Resources

      [1] Douglas Palmer, "Learning to Fly" (Review of “The Origin of and Evolution of Birds” by Alan Feduccia, Yale University Press, 1996), New

      Scientist, Vol. 153, March, 1 1997, p. 44

      [2] A. Feduccia, The Origin and Evolution of Birds, New Haven, CT: Yale University Press, 1996, p. 130 cited in Jonathan D. Sarfati, Refuting Evolution.

      [3] University Press, 1996, p. 130 cited in Jonathan D. Sarfati, Refuting Evolution. Charles Darwin to Asa Gray, April 3rd, 1860

      [4] Hakan Durmus, "Bir Tüyün Gelismesi" (The Development of a Feather), Bilim ve Teknik (Journal of Science and Technology), November 1991, p. 34.
    • الأعجاز القرآني في الرضاعة




      الأعجاز القرآني في الرضاعة


      قال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}

      في هذه الآية الكريمة دعوة للأمهات للرضاعة مع تحديد المدة المثالية للرضاعة

      أ_تركيب الحليب: يتطور تركيب حليب الأم من يوم لآخر بما يلائم حاجة الرضيع الغذائية وتحمل جسمه, وبما يلائم غريزة أجهزته التي تتطور يوما بعد يوم.عكس الحليب الصناعي الثابت التركيب.
      ب_الهضم: لبن الأم أسهل هضما لاحتوائه على خمائر هاضمة .بينما يتأخر هضم خثرات الجنين في حليب البقر

      ج_الطهارة: حليب الأم معقم, بينما يندر أن يخلو الحليب الصناعي في الإرضاع من التلوث الجرثومي.

      د_درجة حرارة لبن الأم ملائمة لحرارة الطفل ولا يتوفر ذلك دائما في الإرضاع الصناعي.

      هـ_يحوي لبن الأم أجسام ضدية نوعية تساعد الطفل على مقاومة الأمراض. وتوجد هذه الأجسام بنسبة أقل جدا في حليب البقر.

      و_ من فوائد الإرضاع الطبيعي: عملية انطمار الرحم بعد الولادة , انخفاض الإصابة بسرطان الثدي عند المرضعات , طريقة مثالية لتنظيم النسل, يقوي الرابطة الروحية بين الأم ووليدها.
    • فوائد المشي الصحية إلى المساجد



      فوائد المشي الصحية إلى المساجد




      لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الجماعة في المسجد وبيَّن أن في كثرة الخطأ إلى المساجد الأجر الكبير وأنه كلما كانت المسافة التي يقطعها المصلي أبعد كلما كان الأجر الذي سوف يناله من الله أعظم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم. والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام" وفي رواية أبي كريب "حتى يصليها مع الإمام في جماعة". صحيح مسلم باب فضل كثرة الخطا إلى المسجد (662) .

      ولما كانت آلة الذهاب إلى المسجد هي المشي على القدمين ، فإن كل مسلم مأمور أن يذهب إلى المسجد في كل يوم خمسة مرات فكل مسلم يستغرق ذهابه إلى المسجد والعودة منه على أقل تقدير خمسة دقائق فبعملية حسابية بسيطة نجد أن كل مسلم يمشي كل يوم ما لا يقل عن 25 دقيقة كأقل تقدير وقد جاءت الأبحاث العلمية بنتائج ودراسات علمية تبين فوائد المشي الصحية، وأصبح الأطباء يدعون الناس إلى المشي كل يوم نصف ساعة للمحافظة على صحة الجسم .

      أهم الأبحاث العلمية :

      المشي نصف ساعة يوميا يقلل ضغط الدم :

      قال باحثون في جامعة إلينوي الأميركية إن التمارين المعتدلة البسيطة مثل المشي نصف ساعة يوميا, يساعد في تقليل ضغط الدم الشرياني إلى حدوده الطبيعية وخاصة عند الأميركيين الأفارقة. وأكد الباحثون أنه ليس بالضرورة أن تكون التمارين قاسية وعنيفة لتحقيق الفوائد الصحية, بل يكفي ممارسة رياضة معتدلة للمحافظة على سلامة الجسم والتخلص من ارتفاع الضغط, وأشاروا إلى أن 40 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من ارتفاع ضغط الدم الشرياني التي تزيد قراءاته الانقباضي والانبساطي عن 140/90 مليمتر زئبق, 40% منهم من الأميركيين الأفارقة. وقام الباحثون في الدراسة التي استمرت ستة أشهر بمتابعة 40 شخصا من الأميركيين الأفارقة المصابين بارتفاع ضغط الدم تراوحت أعمارهم بين 35 و59 عاما, إذ أعطوهم مقياسا لمسافة السير عند مشيهم ثلاثين دقيقة أو 1.5 ميل يوميا إضافة إلى نشاطاتهم العادية, أي ما يصل إلى 10 آلاف خطوة أو ما بين 3.5 و4 أميال يوميا. وينصح الأطباء هؤلاء المرضى بالمشي والحركة في حياتهم العادية كاستخدام الدرج بدلا من المصاعد الكهربائية ووقف السيارات في أماكن بعيدة عن العمل والمنزل, وتقليل الملح في غذائهم, وحذروا من أن ترك هذه الحالة دون علاج قد يؤدي إلى الإصابة بمشكلات في البصر وأمراض القلب والسكتات وقصور الكلى. وكانت دراسة سابقة عن آثار المشي في ضغط الدم العالي أجريت على 15 سيدة في سن اليأس, وأوضحت الدراسة أن السيدات اللاتي مشين مسافة ثلاثة كيلومترات أو حوالي 1.9 ميلا يوميا, أظهرن انخفاضا في قراءات ضغط الدم الانقباضي بحوالي 11 نقطة بعد مرور 24 أسبوعا كما أن المشي يقليل نسبة الدهون، فالمشي لمسافة ميل يساعد على حرق 60 سعرة حرارية، وإذا ما زاد الإنسان سرعته وخطوته أثناء المشي بمعدل 25 ميل خلال 30 دقيقة فإن الجسم سوف يحرق 200 سعرة حرارية. الجزيرة نت 5/4 2003م.



      يعمل المشي على تحسين عمل القلب:

      كما أكتشف العلماء أن المشي يفيد في تحسين أداء القلب والمحافظة على صحته وخفض الكولسترول وخفض ضغط الدم وتحسين التمثيل الغذائي والاستفادة من العناصر الغذائية، إذ تشير الدراسات إلى أن معدل التمثيل الغذائي يكون بطيئا لدى الإنسان البدين الذي لا يمارس الحركة، بينما التمثيل الغذائي يكون سريعاً لدى من يمارس الحركة أو الرياضة ويقوي العظام ويحافظ على صحة المفاصل ويقوي العضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي، إذ أن الرياضة بشكل عام تساعد على إفراز هرمون الإندروفين الذي يمنح الإنسان الشعور بالراحة والسعادة. ورياضة المشي بذلك تخفف من حدة التوتر والشعور بالقلق والاضطرابات الناجمة عن ضغوط الحياة اليومية التي لا تنتهي. وعن طريق مزاولة الأنشطة الرياضية بما في ذلك رياضة المشي يحصل الإنسان على مفهوم الذات من الناحية الايجابية حيث يشعر بالسعادة والسرور والنظرة المتفائلة عن شخصيته وذاته.

      الأمر الذي يجب الإيمان به والاقتناع التام بجدواه ضرورة المشي على أي حال من الأحوال ولاشك أن الخالق سبحانه وتعالى حين جعل المشي سمة في كل إنسان علم انه سيحفظ توازن الإنسان ويحافظ على لياقته لأبسط أنواع الرياضة فبمجرد المشي يكتسب الإنسان الكثير من اللياقة البدنية ويقضي على الكثير من الإمراض التي يمكن أن تعتري الإنسان لكثرة جلوسه وقلة حركته والمشي هو الرياضة الوسط بين الرياضات فلا هو بالعنيف فيجهد الجسد ويؤدي إلى تضخم العضلات كما نراه عند الذين يمارسون ألعاب القوى ولا هو سيء لدرجة وصول الإنسان معه إلى الترهل لذا كان المشي هو الحل الوسط لمقاومة ما ينتج جراء تركه .



      المشي واللياقة البدنية :

      كما أنهم أكتشفوا أن المشي من أقل التمارين الرياضية ضرراً على المفاصل، والأقل في احتمالات الإصابة خلال التمارين.

      فالمشي من التمارين التي يحرق فيها الأكسجين (أيروبك)، وهو بالتالي يفيد القلب والرئتين ويحسن من الدورة الدموية.

      كما أن المشي من الرياضات المتوسطة الإجهاد التي تساعد الناس على المحافظة على لياقتهم ورشاقتهم بحرق الطاقة الزائدة، ويقوي العضلات والجهاز الدوري ويحسن من استخدام الأكسجين والطاقة في الجسم. ولذلك يقلل من المخاطر المرتبطة بالسمنة والسكري وسرطان الثدي وسرطان القولون وأمراض القلب.

      كما يعتبر المشي مشابهاً لتمارين حمل الأثقال، فالمشي بقامة مستقيمة متزنة يقوي العضلات في الأرجل والبطن والظهر، ويقوي العظام ويقلل من إصابتها بالهشاشة.

      يفيد المشي في التخلص من الضغوط النفسية والقلق والإجهاد اليومي، ويحسن من الوضع النفسي ومن تجاوب الجهاز العصبي (اليقضة) وهذا ناتج من المركبات التي يفرزها الجسم خلال المشي.

      يساعد المشي على التخلص من الوزن الزائد، وهذا بالطبع يعتمد على مدة المشي وسرعته (مقدار الجهد المبذول). فالشخص الذي يمشي بمعدل 4 كم/ ساعة يحرق ما بين 200 – 250 سعراً حرارياً في الساعة (22 – 28 جرام من الدهون)

      و أكدت مقالة نشرت في مجلة B.M.T الشهيرة أنه للوقاية من مرض شرايين القلب والجلطة القلبية يجب على الإنسان أن يمارس نوعا من أنواع الرياضة البدنية كالمشي السريع، أو الجري، أو السباحة لمدة 20 - 30 دقيقة مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.

      ولهؤلاء نقول: لم يحثنا رسول الله (عليه السلام) على المشي إلى المساجد مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع؛ بل خمس مرات في اليوم الواحد، وقد يكون المسجد على بعد عشر دقائق أو يزيد.

      يقول ابن القيم رحمه الله تعالى يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كان رسول الله عليه السلام إذا مشى تكفأ تكفؤاً، وكان أسرع الناس مشيا…

      المصدر : موقع قناة الجزيرة 5/4 2003م ، موقع إسلام أونلاين 20/8/2001م.
    • الإيمان بالله و الدلائل العلميـة علـى وجـود الله



      الإيمان بالله و الدلائل العلميـة علـى وجـود الله




      الإيمان بوجود الله فطرة في النفس الإنسانية ، وهو أمر ضروري يحصل للإنسان كثمرة من ثمرات مواهبه العقلية1 .

      فمن الأمور المتفق عليها أن كل شيء له علة توجده ،أو صانع يصنعه، فإذا نظر الإنسان إلى الكون و استعرض ما فيه من كائنات حصل له علم ضروري بأن هذه الكائنات لم بوجد صدفة بل لابد لها من موجد أوجدها

      البرهان على وجود الله

      " اعتقاد الأفراد و النوع الإنساني بأسره بالخالق اعتقاداً اضطرارياً قد نشأ قبل حدوث البراهين الدالة على وجوده ، و مهما صعد الإنسان بذاكرته في تاريخ طفولته فلا يستطيع أن يحدد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق،تلك العقيدة التي نشأت صامتة و صار لها أكبر الأثر في حياته .

      فقد حدثت هذه العقيدة في أنفسنا ككل المدركات الرئيسية على غير علم منا.

      ولا شك أنها كانت تحت تأثير أغاني الأمومة و الدروس و البحث ، أو بالتغييرات التي تحدثها الأحوال على أرق عواطفنا ... و كل ما يحدث في طفولة الإنسان يحدث نظيره في طفولة الأمم ... فالتاريخ يرينا الناس حاملين عقيدة فطرية على وجود قدرة خالقة للعالم و حاكمة بين الناس بالعدل ، تكافئ على الحسنة و السيئة سواء في هذه الدنيا أو في الحياة المستقبلية "2.

      تطور الإنسان القديم في مجال الاعتقاد بالله و انتابته الشكوك في الخالق، فأرسل الله أنبياء تباعاً لإرشاد الناس إلى الطريق القويم و أيدهم بالمعجزات ، وهي الأفعال التي فاقت مقدور البشر ليستجيب الناس لهم و يصدقوهم بأنهم مرسلون من عند الله ، فيهتدوا بعد الضلال الذي لازمهم

      أما العقل البشري البري اليوم فلم تعد المعجزات تؤثر فيه ذلك التأثير الكلي كما كان بالأمس ، بل أصبح العقل و الإقناع هما السبيل الأول للفكر الإنساني المعاصر ، و لهذا كان على (الدين ) أن يبرز أدلة جديدة على وجود الخالق.

      وقد كان من المحال على الإسلام ما ادعاه الأب تيري الذي قال :" حرم النبي محمد صراحة أي استعمال للعقل في المشكلة الدينية لأن وجود الله لا يمكن البرهنة عليه و الاجتهاد فيه ، وانطلاق العقل ليس من الواجبات الأساسية في القرآن "3 وهذا القول كما سيتبين لنا ـ فيما بعد ـ لا يمت إلي الحقيقة بصلة .

      ومن المدهش أن الدلالة على الخالق، و الآيات القرآنية التي دعت إلى الإيمان بالله ارتكزت على العقل و الفطرة الإنسانية و جعلنهما سبيل المؤمنين في تدعيم إيمانهم .

      وها نحن سنعرض هذه الأدلة ونترك للقارئ أن يحكم بنفسه على مدى قوتها ، و كيف راعى الإسلام تطور العقل البشري الذي توصل إلى الكشف عن كثير من أسرار هذا الكون الذي يشهد بأن هناك خالقاً حكيماً أبدع كل شيء على الصورة وهذه السنن البالغة نهاية الدقة والنظام .



      هذا الكون آية على وجود الله

      من أعظم الدلائل على وجود الله : خلق الكون، فالأرض التي نعيش عليها و المجموعة الهائلة من النجوم التي تتراءى لنا تبهر النظر عند التأمل فيها، فتقف النفس أمامها حائرة تسودها الرهبة و يسيطر عليها الإعجاب ، فتزداد إيمانا بعظمة الخالق .

      و القرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي تدعوا الإنسان بأن يوجه نظره إلى خلق هذا الكون ـ من سمائه و أرضه ـ و تدعوه إلى التفكر في أسراره ليدعم إيمانه ويطرد الشك من نفسه قال الله تعالى"قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101)

      فالقرآن يصرح بأن الإلحاد إذا استمر بعد النظر في هذا الكون و ما فيه من حكم و أسرار تدل على التصميم و على وجود خالق له ، فليست هناك أدلة أقوى من هذه ،كما أنه لن يؤثر في الملحدين أي دليل آخر .

      فالمؤمنون هم الذين يستدلون بخلق هذا الكون على وجود الله ، جاء في القرآن (خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (العنكبوت:44)

      و جاء أيضاً (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الجاثـية:3)

      ولكن ما هذا الكون ؟..

      يقول علماء الفلك :إن الأرض ليست إلا فرداً من أفراد الأسرة الشمسية ، و الأسرة الشمسية ليست إلا فردا من أفراد المجموعة المجرية ، و المجموعة المجرية ليست إلا فرداً من مجموعة المدن النجومية التي في الفضاء ، ثم إن هناك أيضاً نيازك و شهباً و أقماراً و مذنبات

      ثم ما هو عدد النجوم في مجرتنا وهي ما يطلق عليه " درب التبانة "و هي التي تنتسب شمسنا و كواكبنا إليها ؟

      فإذا نظرنا إلها بالعين المجردة فإن العدد الكلي لهذه النجوم التي تظهر في نصف الكرة الشمالي أو ما يظهر في النصف الجنوبي ـ لا يزيد على ستة آلاف .

      ولكن إذا نظرنا إلها خلال المناظير فان الموقف يتغير تغيراً تاماً ، فالعالم الفلكي كابتن يقدر عددها بـ :40000مليون نجم4 و ترتقي في تقدير شايبل5 إلى 100000مليون نجم ، وقدر عدد المجرات بما يزيد على 100مليون مجرة تحتوي على ملايين النجوم المشتعلة .

      و ما هي أحجام هذه النجوم بالنسبة للشمس ؟

      فالشمس نجم كسائر ما نرى في السماء من نجوم وهي إن تراءت لنا نجماً متوسطاً ، فأصغر النجوم التي اكتشفت للآن نجم (فان مانن) إن زاد قدره عن الأرض فلا يزيد إلا قليلاً ، فمليون من مثل هذا النجم يمكن إن يزج فيه في الشمس ويبقى محل لغيره ، وهناك نجم منكب الجوزاء هو من العظم بحيث يمكن أن يزج فيها بملايين كثيرة من الشمس في الحجم و زيادة .

      ثم ما هي أبعاد هذه النجوم عنا ؟

      إن المجموعة الشمسية التي تنتسب لها الأرض تكاد تكون منعزلة انعزالاً تاماً في الفضاء بالنسبة لما تبعد عنها النجوم الأخرى ، و إليك البيان : الشمس تبعد عنا أقل من 93مليون ميل أي أبعد 400 مرة تقريباً من القمر ، أما إذا احتجنا أن نقيس أبعاد النجوم الأخرى فلا يكفي الألف مليون بل لا بد من مليون المليون ، و لهذا اتخذ علماء الفلك من سرعة الضوء وحدة للقياس وقدّرها العلماء 186000 ميلاً في الثانية .

      فأبعد الكواكب السيارة و هو (بلوتوا) الذي ينتسب للمجموعة الشمسية يستغرق الضوء المنبعث منه إلينا ما بين أربع ساعات و خمس مع أن الضوء الآتي من أقرب النجوم يستغرق ما بين أربع سنوات و خمس ، وأقصى ما توصلت المراصد إليه و آلات التصوير الحساسة رؤية مجموعات من النجوم تبعد عنا بمدى ألفي مليون سنة ضوئية .

      و مما يلفت النظر أنه قد تبين أن مجموعتنا النجمية تدور ببطء حول محورها المركزي ، و لقد وجد أيضاً إن المجامع النجمية الأخرى في حالة دوران مشابهة6 .

      إن هذه البلايين من النجوم الموزعة توزيعاً منتظما ً في هذا الكون و تحركاتها وفق قانون معلوم بحيث لا يصطدم ببعضها لبرهان على وجود الله لا يقف أمامه برهان ، وهذا ما استدل به القرآن :

      فلا أقسم بمواقع النجوم .و إنه لقسم لو تعلمون عظيم الواقعة : 75.

      و إن في قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76) لشاهد على أن القرآن وحي إلهي ، فهذا التعبير لم يدرك إلا علماء الفلك حديثاً وذلك بعد اختراع المناظير الضخمة التي أرتهم من عجائب الكون ما كان خافياُ .

      يقول انشتاين : " إن ديني يشتمل على الإعجاب المتواضع بتلك الروح العليا غير المحددة و التي تكشف في سرها عن بعض التفصيلات القلية التي تستطيع عقولنا المتواضعة إدراكها وهذا الإيمان القلبي العميق والاعتقاد بوجود قوة حكيمة عليا نستطيع إدراك خلال ذلك الكون الغامض يلهمني فكرتي عن الإله "9.

      ويقول الدكتور ماريت ستانلي كونجدن10 : أن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه و يدل على قدرته، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها حتى باستحداثها الطريقة الاستدلالية فاتنا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته 11.

      ألا يحق لنا أمام هذا الكون و ما تكشف لنا حقائقه أن نؤمن إيماناً عن عقل واقتناع لخالقه، ونردد ما جاء في القرآن في تقرير هذه الحقيقة:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) .

      (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191) .

      الليل و النهار آيات على وجود الله

      جاء في القرآن الكريم :(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37) .

      فاختلاف الليل و النهار هو من تأثير دوران الأرض حول نفسها ، و هذا الدوران من الآيات الباهرة التي تدل على وجود الله ، ذلك لما يتراءى للناظر من الدقة في دوراتها بحيث لا تخطئ ثانية من الثواني . إن ساعة من معدن بزن جرامات معدودة تدور فتخطئ في اليوم بضع ثوان ومع ذلك نقول عنها ما أضبطها، فما أمر ساعة و هي هذه الكرة الأرضية جرمها ملايين ملايين الملايين من الأطنان تدور فلا تخطئ في اليوم ثوان و لا أعشار ثوان و لكن بضعة أجزاء من ألف من الثانية وتخطئها لأسباب معلومة محسوبة فما هي بأخطاء .

      ودوران لأرض له تأثير عظيم على الحياة على سطح هذه الأرض ، فلولا هذا الدوران المنتظم لفرغت البحار و المحيطات من مائها ، و لو دارت الأرض أتسرع مما تدور لتأثرت المنازل و تفكك ما على الأرض ، ولو دارت الأرض أبطأ مما لهلك من عليها من حر و من برد12.

      و القرآن الكريم أشار إلى دوران الأرض بهذه الآية الكريمة و نبه الأنظار إلى دقة دورانها و (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88) .

      صوّر الله في هذه الآية حركة الأرض وبدورانها بمرور الجبال التي هي أبرز ما على الأرض و هذا يستتبع دوران الكرة الأرضية لأن الجبال ملتصقة فيها .

      والشمس هي الآية الكبرى على وجود الله و التي سخرها الله لحياة جميع الكائنات الأرضية ، فمن أين تأتي بوقودها ؟

      إن كانت تنفق من مخزن في باطنها إذن لانخفضت درجة حرارة الشمس عاماً بعد عام ، و معنى هذا أن عمر الشمس لن يمتد كثيراً ، و لكن إذا نظرنا إلى الماضي البعيد رأينا الشمس أعطت الأرض من الحرارة بمقدار لا يزيد ولا ينقص في الحدود التي يعيش فيها النبات و الحيوان و الإنسان .

      لابد إذن من شيء يعطي للشمس من الحرارة ما تفقد منها و يستمر في إمدادها بمقدار معين فيحرق و لا ينقص فيجمد . والقمر الذي سخره الله لنا لحساب الزمن وجعله منيراً في الليل وما يستتبع هذا من فائدة للكائنات الحية ، ألا يدل على وجود إرادة إلهية خالقة

      و جود التصميم في الطبيعة

      هذه السماء تحميه من بلايين النجوم المشتعلة و الكواكب السيارة التي يحفظها قانون الجاذبية من إن تتصادم أو يرتطم بعضها بكوكب السيارة التي يحفظها قانون الجاذبية من إن تتصادم أو يرتطم بعضها بكوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه فتنسفه ، هذه الكرة الأرضية التي نعيش عليها و ما فيها من نبات و حيوان سهول وجبال وبحار كل ذلك يسير منفعة الإنسان إن ذلك من البراهين القوية على وجود قدرة إلهية حكيمة و على بطلان مزاعم الماديين بأن الكون وجد اتفاقاً وصدفة .

      يقول العلامة أ.كريسي موريسون " إن استعراض عجائب الطبيعة ليدل دلالة قاطعة على أن هناك تصميماً وقصداً في كل شيء، و ثمة برنامجاً ينفذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالة جل و عز "13 و يقول : إن حجم الكرة الأرضية ، و بعدها عن الأرض ، وبعدها عن الشمس ، و درجة حرارة الشمس أشعتها الباعثة للحياة ، و سمك قشرة الأرض و كمية الماء ، و مقدار ثاني أكسيد الكربون ، وحجم النتروجين ، و ظهور الإنسان و بقاء الحياة كل أولاء تدل على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد 14إت هذا التصميم و القصد هو الذي لفت القرآن إليه الأنظار في آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) .

      فالأرض كرة معلقة في الفضاء تدور حول نفسها فيكون في ذلك تابع الليل و النهار وبالتالي فإن دوران الأرض له تأثير على تحركات الرياح ، والرياح تنقل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات حيث يمكن أن يتكاثف ويتحول إلى مطر ، و المطر مصدر الماء العذب ولولاه لأصبحت الأرض جرداء خالية من كل أثر للحياة .

      هذا مع العلم ما وضعه الله من العناصر التي يمتصها النبات و يتمثلها و يحولها إلى أنواع مختلفة من الغذاء يفتقر إليها الحيوان .

      هذه حقائق علمية عن سر الحياة على هذه لأرض فصلته الآية القرآنية و بينت وجوده التصميم في الطبيعة والعلاقة المنتظمة بين عناصرها كافة و هي دلائل واضحة على وجوده سبحانه وتعالى عن طريق العقل كما هو مطلوب في آخر الآية : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) .

      وجاء في القرآن وصف قدرته سبحانه و تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد:3)

      فالرواسي في هذه الآية هي الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها و لكنها ذات فائدة عظيمة إذ ينزل عليها الثلج فيبقي في ثناياها حافظاً لشرت الناس يذوب بالتدريج فتسيل منه الأنهار ، ومن الماء تخرج أصناف متنوعة من الثمرات تتوقف حياتها على اختلاف الليل و النهار بهذا الطول المعروف الآن ، فلو كان نهارنا أطول مما هما الآن عشر مرات لأحرقت شمس الصيف نباتاتنا نهاراً، و لتجمد ليلاً كل نبت في الأرض.

      هذه هي الحقائق التي ذكرتها الآية القرآنية و التي تبين وجود التصميم في الطبيعة ووجود إرادة حكيمة وهي إرادة حكيمة و هي إرادة الله سبحانه و تعالى .

      و من الدلائل على وجود الله في القرآن : ومن آياته يريكم البرق خوفاً و طمعا ًوينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون الروم : 24.ما هي العلاقة التي تربط بين البرق و نزول المطر إلى الأرض و أحيائها ؟

      و هل حياة الأرض ترتكز على الماء فقط ؟ لا ..فهناك عنصر أساسي لنمو النباتات و هو غاز النتروجين الذي بدونه في شكل ما لا يمكن أن ينمو أي نبات من النباتات الغذائية .

      و هناك وسيلتان يدخل بهما النتروجين في التربة الزراعية :أحدهما عن طريق عواصف الرعد ، فكلما أومض البرق وحّد قدر قليل من الأوكسجين و النتروجين فيسقطهما المطر إلى الأرض كنتروجين مركب 15، وحين يتحلل النبات يبقى بعض هذا النتروجين المركب في الأرض .

      فذكر البرق في القرآن السابقة و التعقيب على ذكره بنزول المطر و أحياء الأرض هي حقائق علمّية أشار إليها القرآن قبل أربعة عشر قرناً، و هي آية كبرى على وجود التصميم في الطبيعة الذي هو من صنع الله تعالى .



      الخلايا الحية آية على وجود الله

      جاء في القرآن:(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (الأنعام:95)

      و جاء أيضاً : (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (التوبة:116)

      إذا كان لكل مادة وحدة أساسية هي وحدة تركيبها، فالكائنات الحية ـ من ابسط أنواعها إلى اعقد مخلوقاتها ـ تتكون من وحدات أساسية هي الخلايا.

      فالخلايا هي الوحدة المتناهية في الصغر التي تحتوي على مادة الحياة ،و بها القدرة على توزيع هذه الحياة على كل كائن حي كبير أكان أو صغيراً.

      و تؤدي كل خلية وظائفها الحيوية العديدة بدرجة من الدقة يتضاءل بجانبها أقصى ما وصل إليه الإنسان من مهارة في صناعة الساعات الدقيقة ،وهي التي يطلق عليها اسم ( البرتوابلازم ) .

      يقول الدكتور وليم سيفرتيز في تعريفها :( إن المادة الحية المعروفة اسم (البرتوابلازم )هي خليط معقد جداً من الماء و الأملاح والسكريات و الدهون و البر وتينات . وفي هذه المادة الحية غير المتجانسة تحدث تلك العمليات التي تؤلف في مجموعها الحياة . )

      و تتألف كل النباتات و الحيوانات من البروتولازم . و بروتوبلازم النباتات و الحيوانات واحدة تقريبا ًو لكنه ليس نفس الشيء تماماً. و هذه الفروق أساسية و حيوية ، و إلا لما نمت بيضة الضفدعة فصارت ضفدعة ، و لما نمت بذرة البلوط فاستحالت شجرة بلوط .

      وهذه الفروق كلية و لكنها مخيفة عنا عمن ابرز الحقائق في علم الحياة إن كل أنواع (البروتوبلازم)مهما كان مصدرها خافية تبدو متشابهة إلى حد كبير و تشبه بياض البيضة و فيه نقط دقيقة منتشرة17 .

      و يقول رسل شارلز ارتست18 :إنني اعتقد إن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقيد درجة يصعب علينا فهمها، و إن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرة الله شهادة تقوم على الفكر و المنطق ولذلك فإنني أومن بوجود الله إيمان ًراسخاً.





      خلق النبات آية على وجود الله

      من الأدلة على وجود الله ما تنبت الأرض من النبات و الحبوب والفواكه ، قال تعالى : (و هو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية و جنات من أعناب و الزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر و ينعه إن لآيات لقوم يؤمنون) الأنعام :99.

      تأمل قوله تعالى في هذه الآية : فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً أي إن الله يخرج الحبّ من النبات الأخضر و هذا ما أدركه العلم من أن النبات ينتج المواد الغذائية بواسطة خلايا الورقة الخضراء ، إن أحسن معمل لدى الإنسان لا يقارن بنشاط ذلك المعمل الموجد في الورقة الخضراء فتأمل سر تعبير القرآن الدقيق .

      و يبن القرآن اختلاف النبات في الطعم رغم اتحاد التربة و الماء : (وفي الأرض قطعٌ متجاورات وجنّات من أعنابٍ وزرعٌ و نخيل ٌصنوانٌ و غير صنوان يسقى بماء واحد و نفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقومٍ يعقلون ) الرعد :21 .

      و يلفت القرآن النظر إلى اختلاف لون الأرض : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (الزمر:21)

      و يجعل القرآن من انقسام أعضاء النبات إلى تذكير و تأنيث من الآيات الدالة على وجود الله ، فبعض النباتات تلقح نفسها بنفسها ،و يعضها يأتيها اللقاح بواسطة الهواء و الحشرات من نبتة أخرى ، و لهذا يقول تعالى:( أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوجٍ كريم إنّ في ذلك لآية و ما كان أكثرهم مؤمنين) الشعراء :7،8.

      يتساءل الدكتور لسترجون زمران19 عن كيفية نمو النبات فيقول : "لا يكفي أن يكون هنالك ضوء و مواد كيماوية وماء و هواء لكي ينموا النبات ، إن هنالك قوة داخل البذرة تنبثق في الظروف المناسبة فتؤدي إلى قيام كثير من التفاعلات المتشابهة المعقدة و التي تعمل معاً في توافق عجيب . و البذرة التي بدأت من اتحاد خليتين مجهريتين تتألف كل منهما من عدد كبير من العناصر و العمليات ، تكوّن تكون فردا ًجديدا ًيشق طريقه في الحياة و يكون مشابهاً للنبات الذي أنتجه بحيث لا تنتج حبة القمح إلا قمحاً و لا بذرة البلوط إلا شجرة البلوط . ورغم ما بين أنواع النبات من تشابه تجد لكل صفاته و خواصه المميزة ".

      وبينما تختلف النباتات الراقية اختلافات فردية بعضها عن بعض ، نجد لها بعض الصفات العامة التي تشترك فيها جميعاً ، فكلها مثلاً تقوم بعملية التمثيل الضوئي الذي ينتج فيه النبات المواد الغذائية من ثاني أكسيد الكربون و الماء في وجود الضوء ،وهنالك التشابه في تركيب البذرة والسيقان والأوراق و الأزهار و ما يؤدي كل منها من الوظائف المتماثلة في النباتات المختلفة .و هناك الاستجابة الموحدة للمؤثرات الخارجية ، فكلها تنتحي نحو الضوء تموت عندما تحرم من الضوء أو الأوكسجين ، إلى غير ذلك من الصفات العديدة التي تشترك فيها جميع النباتات .

      فمن الذي قدّر و أوجد تلك القوانين العديدة التي تتحكم في وراثة الصفات و في النبات ؟ وسوف يقودنا هذا السؤال إلى سؤال آخر أشد تعقيداً و أكبر عمقاً ، وهو: منأين جاء النبات الأولى ؟ أو بعبارة أخرى كيف خلق النبات الأولي ؟

      و نحن لا نستطيع أن نصل بعقلنا الطبيعي ومنطقنا السليم إلى أن هذه الأشياء قد أنشأت نفسها أو نشأت هكذا بمحض المصادفة ، و لابد لنا من البحث عن خالق مبدع ، ويعتبر التسليم بوجود الخالق أمراً بديهياً تفرضه عقولنا علينا20 .





      وحدات الوراثة آية على وجود الله

      من المعلوم انه لكي تتكون حياة جديدة لإنسان ما ، لابد من اندماج خليتين متميزتين : أحدهما من الذكر و الأخرى من الأنثى ، وهذه الناحية وجّه الله الأنظار إليها بقوله :قتل الإنسان ما أكفره . من أي شيء خلقه .من نطفة خلقه فقدره . عبس :17 ،19 .

      يقول العلامة أ. كرسي مورسون عن وحدات الوراثة الموجودة في نوات خلية كل ذكر وأنثى مستدلاً بذلك على وجود الله : و تبلغ الجنات وحدات الوراثة من الدقة أنها ـ وهي المسئولة عن المخلوقات البشرية جميعاً التي على سطح الأرض من حيث خصائصها الفردية وأحوالها النفسية وألوانها وأجناسها ـ لو جمعت كلها ووضعت في مكان واحد ، لكان حجمها أقل من حجم الكشتبان و الكشتبان الذي يسع الصفات الفردية لبليونين من البشر هو بلا ريب مكان صغير الحجم و مع ذلك فان هذه الحقيقة التي لا جدل فيها ..فهي التي تحبس كل الصفات المتوارثة العادية لجمع من الأسلاف وتحتفظ بنفسية كل فرد منهم في تلك المساحة الضئيلة21 ..

      و إن مسألة توارث الصفات اللونية و الجنسية لهي من الأمور التي استدل بها القرآن على وجود الله ـ قال تعالى : و من آياته خلف السماوات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين الروم :22.



      خلق الإنسان آية على وجود الله

      ومن الدلائل على وجود الإنسان . قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20) . و قال أيضاً : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:78)

      ما الدلائل على وجود الله في الأنفس فهي أكثر من أن تحصى ، و كلما اتسع نطاق العلم تضافرت الأدلة على أن لهذا الإنسان البديع الصنع إلها ًحكيماً .

      أي ناحية من نواحي الإنسان ليست مثار دهشة و عجب ؟

      أليس أطواره في الرحم آية من آيات الله ؟

      أليس نظام طعامه وشرابه و تحليل الطعام إلى عناصر مختلفة بموازين يذهب كل عنصر الى حيث يؤدي وظيفته عدا العنصر الذي لا يفيد فيطرد إلى الخارج ،أليس هذا كله آية من آياته؟

      أليس نظام توزيع الدم من مكانه الرئيسي وهو القلب إلى جميع أنحاء الجسم بواسطة الشرايين التي لا يحصي عددها إلا الله ، ثم عودته إلى القلب بواسطة الأوردة ،و مرور الهواء الجديد الذي جلبه التنفس ليصلح الدم بعد الفساد فيفيد منه الجسم ، أليس ذلك آية من آياته ؟ دع سمع الإنسان و بصره و نطقه و إحساسه ، بل دع ما يعرض له من تذكر ونسيان و حزن و سرور و علم و جهل و محبة و بغض فإنها آيات كبرى على وجود الله الخالق .



      خلق الذكر بجانب الأنثى آية على وجود الله

      و من الدلائل على وجود الله خلق الأنثى بجانب الذكر ، قال تعالى : (مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)

      فوجود الأنثى بجانب الذكر لأجل النسل ، ودوام بقاء الحياة للنوع الإنساني من البراهين القوية على وجود الله و على وجود القصد في هذا الكون ، و هذا يدحض الزعم القائل بقيام الكون على المادة دون سواها .

      و قد كتب الأستاذ مونيه بحثاً في مجلة الوسموس الفرنسية أثبت فيه وجود الخالق فقال إذا افترضنا بطريقة تعلوا عن متناول العقل إن الكون خلق اتفاقاً بلا فاعل مريد مختار، و إن الاتفاقات المتكررة توصلت إلى تكوين رجل ، فهل يعقل أن الاتفاقات و المصادفات تكوّن كائنا ًآخر مماثل اًله تماما ًفي الشكل الظاهري و مبايناً له في التركيب الداخلي و هو المرأة بقصد عمارة الأرض بالناس و إدامة النسل فيها ؟ أل يدل هذا على أن في الوجود خالقاً مريداً مختاراً أبدع الكائنات ، وغرز في كل نوع غرائز ، و معه بمواهب يقوم بها أمره و يرقى عليها نوعه 22؟ .



      توالد الإنسان و الحيوان آية على وجود الله

      و من الدلائل على وجود الله التوالد المستمر في الإنسان و الحيوان ،جاء في القرآن : (َاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (النحل:72)

      ويلفت القرآن النظر إلى توالد الإبل : أفلا ينظر إلى الإبل كيف خلقت الغاشية : 17.

      يقول العلامة أ. موريسون : إن الحياة ترغم على التناسل ، لكي يبقى النوع ،وهو دافع من القوة إن كل مخلوق يبذل أقصى تضحية في سبيل هذا الغرض ... و هذه القوة الإلزامية لا توجد حيث لا توجد الحياة . فمن أين ينشأ هذه الدوافع القاهرة ؟ولماذا ، بعد أن نشأت ، تستمر ملايين السنين؟ انه قانون الطبيعة الحية .... الذي يأتي من إرادة الخالق23 .

      وقد ضرب العالم بالي مثلاً من تأثره في ذلك بساعة يده ، ولفت النظر بأن مثل هذه الأداة تثبت لأداة لأكثر الناس شكاً بساعة أن هناك عملية ذهنية طبقت على الميكانيكا ، ثم قال : إننا لو فرضنا أن هذه الساعة قد منحت القدرة على إيجاد ساعات أخرى فان ذلك لا يكون معجزة توالد الإنسان و الحيوان .



      خلق الحيوان و الزواحف و الطير آية على وجود الله

      ومن الدلائل على وجود الله خلق الحيوان والزواحف . قال تعالى : و الله خلق كل دابة من ماء ، فمنهم من يمشي على بطنه ، و منهم من يمشي على رجلين،و منهم من يمشي على أربع ، يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير النور : 45 .

      و الطير من الدلائل على وجود الله . قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:79)



      و الدلائل على وجود الله في الحيوانات و الطير لا تحصى ، و يحتاج تفصيلها إلى مجلدات ، و قد تكفل بذلك علم الحيوان. وقد قرأنا بحثاً للفيلسوف نيوتن يستدل فيه على وجود الخالق يقول فيه : كيف تكونت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة ؟ و لأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة ؟ هل يعقل أن تصنع العين المبصرة بدون علم بأصول الأبصار و نواميسه ، و الأذن بدون إلمام بقوانين الصوت؟..

      كيف يحدث أن حركات الحيوانات تتجدد بإرادتها ؟ ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات ؟ إلى إن قال: و هذه الكائنات كلها في قيامها على الأشكال و أكملها ألا تدل على وجود إله منزه عن الجسمانية حي حكيم موجود في كل مكان يرى حقيقة كل شيء و يدركه ؟.



      الإيمان بالله فطرة في النفس الإنسانية

      إن الدراسات الدينية الحديثة كشفت عن أمور كثيرة جديرة بإمعان النظر وهي : أن التدين صفة عامة لجميع البشر قديمهم وحديثهم ، فلم يعثر على أمة لا دين لها .

      و قد ذهب الكثير من العلماء إلى أن فكرة الله أو الدين على العموم إنما هي فكرة فطرية وجدت في عقل الإنسان ، و لكن أوجدها فينا موجد أعلى وهو الله سبحانه .

      و أبرز العلماء الذين اعتنقوا الفكرة الفطرية هو العلامة الاسكتلندي اندريه لنج ، و تتلخص آراؤه فيها يلي :

      أولاً : كل إنسان يحمل في يفيه فكرة العلية و إن هذه الفكرة كافية لتكوين العقيدة : إن ثمة آلهة صانعة و خالقة للكون، و إن كل إنسان لديه فكرة عن صنع الأشياء ، انه يعتقد في وجود صانع يفعلها ولا يستطيع هو أن يفعلها .

      ثانياً: إننا نجد لدى القدماء و المتوحشين الاعتقاد في أب ، في سيد ، في خالق .

      ثالثاً : وجد العنصر الديني عند البدائيين في حالة من الطهر و النقاء الكاملين ، ثم تلا هذا ظهور العنصر الأسطوري .

      غير أن نظرية لنج هذه بقيت في مجموعها غير مسلم بها حتى ظهور المنهج التاريخي في الأجناس ، و قد وافق هذا المنهج على كثير من النتائج التي انتهى إليها لنج ، و أهم الأبحاث التي تثبت فكرة لنج هي أبحاث الأستاذ ليوبرلد فون شرودر الأستاذ بجامعة فيينا عن الهند الأوربية ، و قد توصل هذا الباحث إلى وجود فكرة الإله الأسمى عند الآليين ،واعتبر أساس الدين عندهم ثلاثة أصول : عبادة الطبيعة ، وعبادة الموتى ، و الاعتقاد في إله أعلى خيّر وخالق ، و لكنه لم يبين أي هؤلاء الثلاثة أقدم في الوجود . وقد ذكر في أحد المواضيع أن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث .

      وفي ذلك الوقت نشر الدكتور كروبر أبحاثاً معددة عن هنود كليفورنيا ، أثبت فيها إن تلك القبائل هي أقدم القبائل في أمريكا الشمالية ويبدو بوضوح من دراسته انه عثر على إله خير سام . بل إنه جزم بأن هؤلاء الهنود عرفوا الخالق بواسطة موجود سام ، بيده كل القوى وتنسب إليه كل القدر .

      و قد أثبت شمت ـ عالم الأجناس ـ أن أقزام أفريقيا و هم أقدم الأجناس البشرية يؤمنون بوجود إله سام ، كما توصل إلى وجود فكرة الوحدانية عند معظم القبائل الزنجية وعند كثير من القبائل الأسترالية الجنوبية الشرقية و القبائل الهندية الأميركية الشمالية .أما عند غير تلك القبائل فقد ظهر إله سام موحد ، ثم تقدمت تلك القبائل و انتقلت إلى أطوار أخرى من الثقافة فساد الفكرة الديني تعقدت و تشابك أنتج فكرة تعدد الإله الواحد . و قد أنتج أيضاً فكرة موجودات عليا بجانب هذا الموجود الواحد الأسمى23 ...

      وقد أدعى رينان RENAN أن الساميين موحدون بطبعهم ، وقد أقام رينان نظريته هذه من دراسة للآلهة التي عبدها الساميون ، ومن وجود أصل كلمة ايل في لهجتهم ، فادعى إن الشعوب السامية كانت تتعبد لإله واحد هو ايل في لهجاتهم ، فادعى أن الشعوب السامية كانت تتعبد لإله واحد هو ايل الذي تحرف اسمه بين هذه اللهجات فصار يهو و يهوه و الوهيم عند العبريين و اللات و الله و اله عند العرب و الأصل عند الجميع هو الإله ايل .

      و يقول الدكتور بول كليرانس ايوسولد أستاذ الطبيعة الحيوية : و لا شك أن اتجاه الإنسان و تطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله و تدبير أحكم من تدبيره و أوسع لكي يستعين به على تفسير هذا الكون يعد في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر و تدبير أعظم ، هي قوة الله و تدبيره وقد لا يستطيع الإنسان أن يسلم بوجود الخالق تسليماً على أساس الأدلة العلمية المادية وحدها.و لكننا يصل إلى الإيمان الكامل بالله عندما نمزج بين الأدلة العلمية و الأدلة الروحية ، أي عندما ندمج معلوماتنا عن هذا الكون المتسع إلى أقصى حدود الاتساع ، المعقد إلى أقصى حدود التعقيد مع إحساسنا الداخلي و الاستجابة إلى نداء العاطفة و الروح الذي ينبعث من أعماق نفوسنا. ولو ذهبنا نحصي الأسباب و الدوافع الداخلية التي تدعو ملايين الأذكياء من البشر إلى الإيمان بالله لوجدناها متنوعة لا يحصيها حصر ولا عد ، و لكمها قوية في دلالتها على وجوده تعالى ، مؤدية إلى الإيمان به 24.

      إن من الآيات التي تبهر الألباب في الإسلام انه سبق العلم في هذه الناحية بنحو ثلاثة عشر قرناً قرّر القرآن هذه الحقيقة بقوله :(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30) .

      فالقرآن يقرر بأن الدين فطرة في الإنسان فطر الله الناس عليها ، و أن أساسه الاعتقاد بخالق الكون ، و انه واحد لا شريك له ، فإذا انفرد المرء بنفسه حكم بأنه مخلوق لإله قادر حكيم و أنعم عليه .لاحظ قوله تعالى حنيفا أي موحداً لله ، ثم انظر كيف ختم الله الآية بقوله : و لكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهذا القول حق ، فإنه لا يعلم إن الدين فطرة النفس إلا أفراد ممن وقفوا أنفسهم على الأبحاث العلمية في منشأة الدين وأثره في النفس .

      لاجرم إن هذا الأمر معجزة علمية للقرآن و قد زاد النبي هذا المعنى تأكيداً فيما يرويه عن ربه : (كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم25 الشياطين عن دينهم و أمروهم أن يشركوا بي غيري ).

      و يقول النبي في هذا المعنى أيضاً ( كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) أي كل مولود على ما قرره الإسلام من التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة من الإشراك و إنما البيئة و العائلة ـ و فيما الأبوان ـ هما اللتان تحولان فطرته عن الحقيقة التي اطبع عليها نفسه .

      و الدعاء الذي يدعو به الإنسان خالقه ـ عند اشتداد المحن ـ يظهر بأن الدين فطرة في الإنسان .

      و القرآن أعلن هذه الحقيقة في كثير من آياته مثل قوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (الروم:33)

      (و إذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) لقمان : 32

      فالنفس تدرك وجود الله بفطرتها وترجع إليه في الشدائد تستمد منه العون وتطلب منه النجدة.

      مما تقدم يتبين لنا إن الدراسات الدينية الحديثة أثبتت ما قرّره القرآن من أن وجود الله فطرة في النفس الإنسانية ، و إذا نظرنا إلى الزمن الذي نزل فيه القرآن رأينا الناس في ذلك الوقت لا يعرفون شيئاً من أسرار الفطرة الدينية ، ألا يدل ذلك على أن القرآن من عند الله و على صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم ؟.





      العـلـم يدعـو إلـى الإيمـان

      يظن بعض الناس الذين لم يدركوا من العلم إلا قليلاً إن الكفر من ضروريات العلم و إن أكثر الناس علماً هم أشدهم إلحادا .

      والحقيقة أن العلم لا يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد في أي عهد من العهود ، فأن العالم المنقب عن الحقائق يجد نفسه في هذا الوجود في عالم لا حدّ له

      يسود مجموعه نظام محكم لا تشوبه شائبة من الفوضى ، لا بعد تأمله أن يخر ّساجدا ّللقدرة الإلهية التي أوجدت هذا الكون العظيم .

      فقد نشر الدكتور دينرت الالماني بحثاً حلل فيه الآراء الفلسفية لأكابر العلماء الذين أناروا العقول في القرون الأربعة الأخيرة ، و توخى أن يدقق في تعرف عقائدهم فتبين له من دراسة 290منهم

      28 منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما .

      242 أعلنوا على رؤوس الأشهاد الإيمان بالله .

      و 20 فقط على انهم غير مبالين بالوجهة الدينية أو ملاحدة .

      فإذ اعتبرنا غير المبالين كلهم من الملحدة ، وجدنا أن 92 في المائة من كبار العلماء يعتقدون بوجود الله تعالى .

      فهذه النسبة الكبيرة تدل دلالة صريحة على إن التناقض بين الإيمان والعلم الذي يزعم الماديون أنه وصف مميز للعلماء ليس له أصل ، و تشير أيضاً إلى أن الإيمان يتكاملان و لا يتنافيان .

      فالدكتور ليون ووتي الذي أخذنا عنه هذا الإحصاء : إن العلامة الكبير باستور هو أكبر عقل ظهر في القرن الماضي كتب يقول : الإيمان لا يمنع أي ارتقاء كان ، و لو كانت علمت أكثر مما أعلم اليوم ، لكان إيماني بالله أشد و أعمق مما هو عليه الآن ثم عقب هذا بقوله : إن العلم الصحيح لا يمكن أن يكون مادياً و لكنه على خلاف ذلك يؤدي إلى زيادة العلم بالله ،لأنه يدل بواسطة تحليل الكون على مهارة و تبصرّ، وكمال عقل الحكمة التي خلقت الناموس المدبّرة للوجود ، كمالاً لا حدَّ له .أما الدكتور وتز الكيميائي وعضو أكاديمية العلوم وعميد كلية الطب الباريزية يقول :إذا أحسستُ في حِينٍ من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي إلى أكاديمية العلوم لتثبيتها .

      و قال الفلكي الكبير فاي العضو بأكاديمية العلوم في مؤلفه أصل العلوم :من الخطأ أن يؤدي إلى الكفر ، ولا إلى المادية ،و لا يفضي إلى التشكيك .

      و قال العلامة و المؤرخ الطبيعي فابر : كل عهد له أهواء جنونية. فإني اعتبر الكفر بالله من الأهواء الجنونية و هو مرض العهد الحالي،وأيسر عندي أن ينزعوا جلدي من أن ينزعوا مني العقيدة بالله .

      هذه آراء بعض أقطاب الطبيعي اخترناها من كثير مما ذكره ليون ووتي 27 .

      و قد سُئل الدكتور أندروكونواي ايفي28 من أحد رجال الأعمال هذا السؤال :سمعت إن معظم المشتغلين بالعلوم ملحدون .فهل هذا صحيح؟ .

      فأجابه قائلاً :

      إنني لا أعتقد أن هذا القول صحيح . بل إنني ـ على نقيض ذلك ـ وجدت في قراءتي و مناقشاتي أن معظم من اشتغلوا في ميدان العلوم من العباقرة لم يكونوا ملحدين ، و لكن الناس أساءوا نقل أحاديثهم أو أساءوا فهمهم ثم استطرد قائلاً :إن الإلحاد ،أو الإلحاد المادي ، يتعارض مع الطريقة التي لا يمكن أن توجد آلة دون صانع .وهو يستخدم العقل على أساس الحقائق المعروفة و يدخل إلى معمله يحدوه الأمل و يمتلىء قلبه بالإيمان ،و معظم رجال العلوم يقومون بأعمالهم حباً في المعرفة وفي الناس وفي الله .و نقل عن الدكتورالبرت ماكوت ومشتر قوله :

      ... إن اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وامتن أساسا ًمما كان عليه من قبل . ليس من شك أن العلوم تزيد الإنسان تبصرا بقدرة الله وجلاله ،و كلما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه و دراسته ازداد أيمانا بالله .وننقل عن اللورد كلفن* قوله إذا فكرت تفكيرا عميقاً فإن العلوم سوف تضطرك إلى الاعتقاد في وجود الله29 .

      ويقول العالم المشهور أيشتين :إن الإيمان هو أقوى و أنبل نتائج البحوث العلمية 30.

      و نختم هذه الأقوال بما قاله الفيلسوف الإنجليزي فرانسس بيكون :إن قليلاً من الفلسفة يقرب الإنسان من الإلحاد .أما التعمق في الفلسفة فيرده إلى الدين .

      فترى من أقوال هؤلاء العلماء أن العلوم هي سبب إيمانهم بالله تعالى .

      و مما يسجّل للقرآن أنه سبق أن قرّر هذه الحقيقة منذ ثلاثة عشر قرناً ،وفقد حصر خشية اله على وجهها الأكمل في العلماء . قال الله تعالى :

      (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:28)

      لأن العلماء بما أُوتوا من صفات النظر العميق و التحقيق الدقيق يقفون على أسرار الإبداع الإلهي في الوجود ونواحي الإعجازية فيه مما لا يظهر لعيرهم .

      كما أن القرآن اعتد بشهادة العلماء ،قال الله تعالى :

      (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18)

      فالعلم أقام ـ في كتاب الكون ـ البرهان على وجود الله ،والقرآن سبق إلى الأدلة جاء بها العلم، فاتحد البرهان على وجود الله برهان القرآن الكريم ،و برهان كتاب الكون .



      منـاقـشـة المـاديّيـن

      الماديون لا يعتقدون أن للوجود خالقاً بل يقولون بأن كل ما في الوجود أزلي صادر عن المادة ، و النواميس الطبيعية نشأت على سبيل الصدف و الاتفاق و بلغت من الكمال و الارتقاء عن طريق التطورات المتعاقبة ،و قد سرت تعاليم المادة إلى بعض الناس فألحدوا فتصدى كثير من العلماء للرد على هؤلاء و بيان فساد مزاعم ، و إليك بعضاً من أقوالهم :



      بطلان نظرية المصادفة

      يقول الدكتور ارفنج وليم31 : إنني اعتقد في وجود الله سبحانه لأني لا أستطيع أن أتصور أن المصادفة وحدها تستطيع أن تفسير لنا ظهور الإلكترونات و البروتونات الأولى ، أو الذرات الأولى ، أو الأحماض الأمينية الأولى ، أو البروتوبلازم الأول ، أو البذرة الأولى، أو العقل الأول ، إنني اعتقد في وجود الله ، لأن وجود الله هو التفسير المنطقي الوحيد لكل ما يحيط بنا من ظواهر هذا الكون التي نشاهدها32 .

      و يقول الدكتور وأين اولت33 : أما النظريات التي ترمي إلى تفسير الكون تفسيراً آلياً فإنها تعجز عن تفسير كيف بدأ الكون ، ثم ترجع ما حدث من الظواهر التالية للنشأة الأولى إلى محض المصادفة ، فالمصادفة هنا فكرة يستعاض بها عن فكرة وجود الله بقصد إكمال الصورة و البعد بها عن التشويه و لكن حتى بغض النزر عن الاعتبارات الدينية عامة ،نجد أن فكرة وجود الله أقرب إلى العقل و المنطق من فكرة الصدفة و لا شك بل إن ذلك النظام البديع الذي يسود الكون يدل دلالة حتمية على وجود إله منظم و ليس على وجود مصادفة عمياء تخبط خبط عشواء34 .

      و يتساءل العلامة أ.كريسي مورسون35 عن سر الحياة و هل هي من صنع المادة :إن المتفق عليه ما هو البيئة وحدها و لا المادة كانت ملائمة للحياة و لا أي اتفاق في الظروف الكيميائية و الطبيعية قد تخلقه المصادفة يمكنها أن تأتي بالحياة إلي الوجود ، و يقول : فالحياة هي المصدر الوحيد للوعي و الشعور ، و هي وحدها التي ندرك صنع الله ، و يبهرنا جماله، و إن كانت أعيينا لا تزال فوقها غشاوة36 .

      فنظرية المصادفة لا تقوم على دليل علمي مقبول ، و لا يقبلها أي عقل سليم ،و لهذا نرى القرآن يخاطب هؤلاء المتشككين بأسلوب إقناعي يبين فيه إن الكون لابد من مسبب و هو الله سبحانه .

      (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (ابراهيم:10)

      أي أفي وجود الله و ألوهيته وحده شك ؟ و هو خالق السموات و الأرض .

      و يلفت القرآن إلى الحكمة المتمثلة في خلق المخلوقات و التي تدل على خالق في نهاية العلم و الحكمة : صنع الله الذي أتقن كل شيء ، و جاء في القرآن في وصف الله الذي أحسن كل شيء خلقه السجدة :7.فالمصادفة لا تخلق وجوداً فيه علم و حكمة و إتقان صنع .





      للـكـون بـدايــة

      ويرد الدكتور ادورد لوثر كسيل37 على الماديين الذين قالوا بأزلية الكون فيقول : فالعلوم تثبت بكل ّوضوح إن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ،و لا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة . و معنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام ، و ينصت فيها معين الطاقة .

      و يومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية ، أو و لن يكون هناك أثر للحياة نفيها في هذا الكون.

      ولما كانت الحياة لا تزال العمليات الكمياوية و الطبيعة تسير في طريقها ، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً ، و إلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد و توقف كل نشاط في الوجد ، و هذا توصلت العلوم ـ دون قصد ـ إلى أن لهذا الكون بداية . و هي بذلك مبدىء ، أو من محرك أول ، أو من خالق ، و هو الإله38

      و إذا نظرنا إلى القرآن الكريم نراه يصرّح بأن للكون بداية ، و أن ذلك من صنع الله في قوله تعالى :

      (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (العنكبوت:19)

      و يصرح القرآن بأن الكون صائر إلى نهاية ، و هو يوم القيامة ، و فيه تنعدم الطاقة و يخبو نور الشمس :

      (لشمس كورت وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (التكوير:2)

      التكوير : 1، 2 . و بعد ذلك يعيد الله الخلق بصورة أخرى .

      المصدر :هذا البحث هو فصل من كتاب روح الدّين الإسلامي تأليف عفيف عبد الفتاح طبارة ط : دار العلم للملاي



      --------------------------------------------------------------------------------

      1 من مراجع هذا البحث كتاب ( الله يتجلى في عصر العلم ) تأليف جون كلوفر مونسما ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان . و كتاب (الإنسان لا يقوم وحده )تأليف كريسي مورسون الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك ترجمة الأستاذ محمد صالح الفلكي الذي أطلق على الترجمة اسم ( العلم يدعوا إلى الإيمان ) .

      2 نقلاً عن دائرة معارف وجدي التي نقلت هذا القول عن كتاب ( التذكرة في تاريخ البرهان على وجود الخالق ) تأليف بوشيت ) .

      3 عن محاضرات في الفلسفة الإسلامية و (الثقافة الفرنسية )

      4 عن كتاب ( الشمس ) تأليف جورج جاموا الأستاذ بجامعة واشنطن .

      5 من علماء مرصد هارفرد .

      6 عن كتاب ( الشمس ) جورج جامو.

      7 لا أقسم بمواقع النجوم : لا ، زائدة للتوكيد ، و المعنى أقسم بمواقع النجوم ، و قد أقسم الله في القرآن بكثير من مخلوقاته دلالة على أهمية الشيء المقسم به و التي تدل على وجوده سبحانه .

      8 مواقع : جاء في تفسير الألوسي نقلا عن قتادة إن المواقع مقصود بها منازل و مجاري النجوم .

      9 عن كتاب (العالم اينشتين ) تأليف لنكولن بارنت ترجمة محمد عاطف البرقوقي ص 116.

      10 عضوا الجمعية الأمريكية الطبيعية .

      11 عن كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) ص 22.

      12 عن كتاب ( مع الله في السماء ) للدكتور أحمد زكي .

      13 نقلاً عن كتاب (الإنسان لا يقوم وحده ) ص 186 من الترجمة العربية

      14 نفس المصدر ص 193.

      15 يقدر أحد خبراء الصواعق الدكتور كارل ماكرون إنتاج الصواعق من النتروجين بـ 100مليون طن في أي ما يوازي عشر أضعاف ما تنتجه معامل الأسمدة في العالم .

      16 تؤفكون : تصرفون عن عبادته .

      17 عن كتاب (العلم يزحف ) تأليف جيمس ستوكلي ترجمة محمد الشحات .

      18 أستاذ في جامعة فرنكفورت بألمانيا و عضوا الأكاديمية العلمية بانديانا نقلا عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 79من الترجمة العربية .

      19 أستاذ الزراعة و الرياضيات بكلية جوش ، و عضوا الجمعية العلمية لدراسة التربة بأمريكا .

      20 من كتاب الله في عصر العلم ص 124 .

      21 عن كتاب الإنسان لا يقوم وحده ص 137 الترجمة العربية .

      22نقلاً عن دائرة معارف وجدي ( مادة اله ) .

      23 نقلاً عن كتاب الإنسان لا يقوم وحده ص 146.

      23 اقتبسنا هذه النصوص من كتاب نشأة الدين تأليف الأستاذ علي سامي النشارة ابتداء من صفحة 181 .

      24 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 8.

      25 اجتالتهم : إدارتهم .

      26 عن كتاب الإنسان يتجلى في عصر العلم ص 290 .

      27 ترجم هذه النصوص الأستاذ محمد فريدة وجدي و نشرها في مجلة الأزهر مجلد 19.

      28 من العلماء البارزين ذوي الشهرة العالمية ، يشغل حاليا ًوظيفة أستاذ قسم الفسيولوجيا و رئس قسم العلوم بكلية الطب بجامعة شيكاغو.

      * من علماء الطبيعة البارزين في العالم.

      29 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 152.

      30 عن كتاب العالم و اينشتين .

      31 أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميشيغان ،و اختصاصي في وراثة النبات و دراسة شكلها الظاهري .

      32 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص56.

      33 عضو الجمعية الجيولوجية الأمريكية .

      34 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 133 134 .

      35 الرئيس الأسبق لأكاديمية العلوم في نيويورك.

      36 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 96.

      37 أستاذ علم الأحياء ، و رئيس قسم بجامعة سان فرانسيسكوا .

      38 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص29.

      39 أخصائي ي الإشعاع الشمسي و البصريات الهندسية و الطبيعية .

      40 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص43.

      41 عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم ص 31.















    • الإيمان الديني يزيد فرص الشفاء من الأمراض



      الإيمان الديني يزيد فرص الشفاء من الأمراض




      كشفت دراسة تجريبية في مراحلها الأولى أن مرضى القلب الذين يملكون إيمانا دينياً قوياً ، لديهم قدرة أكبر على التماثل للشفاء و إكمال الفترة التأهيلية التي تعقب الإصابة

      و يحاول الباحثون في مركز غيسرنغ الطبي و جامعة باكنيل توسيع الدراسة لتحديد علاقة الإيمان الديني و مدى تأثيرها الإيجابي على المدى البعيد ن على صحة القلب و الأوعية الدموية .و يأمل تيموتي ماكونيل رئيس وحدة إعادة تأهيل مرضى القلب في مركز غيسرنغر ،و هو مستشفى مركز ضخم لأمراض القلب يضم 437 مريضاً في تأمين موافقة مائة من مرضى القلب لإجراء دراسة موسعة في إطار زمني مدته خمسة أعوام .و في الدراسة التجريبية استعان ماكونيل ب21 مريضا بينهم من أصيب مؤخراً بأول نوبة قلبية أو أجريت لهم عملية لتووسيع الشرايين .و تم إجراء بحث لتحديد مدى إيمان و معتقدات المشاركين ، قبل البدء في البرنامج التأهيلي الذي استغرق 12 أسبوعاً .

      و قال بروفسور كريس بوياتزيس ، الأخصائي النفسي من جامعة " باكنيل "عن الدراسة التجريبية لقد اكتشفنا رابطاً مثيراً بين الإيمان الديني و فرص التعافي فكلما زاد إيمان المريض بالدين زادت ثقته في مقدرته الشخصية على إكمال المهام و العمل و علق مايك ماكولاف أستاذ مساعد لعلم النفس بجامعة ميامي ، بالقول " إن الكشف ليس بالمفاجأة فالدراسات التي أجراها للكشف عن مدى صحة البشر ،أثبتت العديد منها نفس النتائج .

      المصدر : جريدة الشرق اللبنانية 26 تشرين الثاني 2002 عدد 88
    • الإعجاز العلمي للقرآن في النمل



      الإعجاز العلمي للقرآن في النمل


      ققال تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {17} حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {18} فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ على وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (سورة النمل :17ـ19).


      تصف هذه الآيات الكريمة موكب سليمان المهيب وحوله جنده من الجن والإنس والطير، وعند اقترابه من وادي النمل، وإذا بنملة تحمل هموم شعبها تتنبه للخطر القادم سوف يهدد أفراد قومها نتيجة وطء أقدام سليمان وجنده، فانبرت مخاطبة أفراد قومها بقولها يا أيها النمل وتأمرهم دخول مساكنكم حتى لا يدوسهم سليمان وجنوده وهم لا يشعون فقد نصحت قومها وبينت لهم مكمن الخطر وأمرتهم بالدخول واعتذرت عن سليمان وجنوده فهم صالحون لا يتعمدون إيذاء أي مخلوق ولو كان نملة صغيرة .

      الإعجاز العلمي :

      1. ذكر القرآن كلمة نملة بلفظ المؤنث : قَالَتْ نَمْلَةٌ.

      فقد ثبت علمياً أن النملة الأنثى العقيمة هي التي تقوم بأعباء المملكة من جمع الطعام ورعاية الصغار والدفاع عن المملكة وتخرج من الخلية للعمل، أما النمل المذكر فلا يظهر إلا في فترة التلقيح ولا دور له إلا في تلقيح الملكات .

      2. وجود لغة تفاهم بين أفراد النمل : قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ.

      فقد أكتشف العلماء أن للنمل لغات تفاهم خاصة بينها وذلك من خلال تقنية التخاطب من خلال الشفرات الكيماوية وربما كان الخطاب الذي وجهته النملة إلى قومها هو عبارة عن شيفرة كيماوية.

      فقد أثبتت أحدث الدراسات العلمية أن لكل نوع من أنواع الحيوانات رائحة خاصة به، وداخل النوع الواحد هناك روائح إضافية تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعريف بشخصية كل حيوان أو العائلات المختلفة، أو أفراد المستعمرات المختلفة .

      ولم يكن عجيباً أن نجد أحد علماء التاريخ الطبيعي ( وهو رويال وكنسون ) قد صنف كتاباً مهماً جعل عنوانه " شخصية الحشرات" .

      و الرائحة تعتبر لغة خفية أو رسالة صامتة تتكون مفرداتها من مواد كيماوية أطلق عليها العلماء اسم " فرمونات "، وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الروائح " فرمونات"، فالإنسان يتعرف على العديد من الروائح في الطعام مثلاً ولكنه لا يتخاطب أو يتفاهم من خلال هذه الروائح، ويقتصر الباحثون استخدام كلمة " فرمون " على وصف الرسائل الكيماوية المتبادلة بين حيوان من السلالة نفسها . وعليه فقد توصف رائحة بأنها " فرمون " بالنسبة إلى حيوان معين، بينما تكون مجرد رائحة بالنسبة لحيوان آخر .

      وإذا طبقنا هذا على عالم النمل نجد أن النمل يتميز برائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها كل نملة في هذا العش حيث يتم إنتاج هذه الفرمونات من غدة قرب الشرج.

      وحينما تلتقي نملتان فإنهما تستخدمان قرون الاستشعار، وهي الأعضاء الخاصة بالشم، لتعرف الواحدة الأخرى .

      وقد وجد أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرفن عليها عن طريق رائحتها ويعدها عدواً، ثم يبدأ في الهجوم عليها، ومن الطريف أنه في إحدى التجارب المعملية وجد أن إزالة الرائحة الخاصة ببعض النمل التابع لعشيرة معينة ثم إضافة رائحة خاصة بنوع آخر عدو له، أدى إلى مهاجمته بأفراد من عشيرته نفسها .

      و في تجربة أخرى تم غمس نملة برائحة نملة ميتة ثم أعيدت إلى عشها، فلوحظ أن أقرانها يخرجونها من العش لكونها ميتة، وفي كل مرة تحاول فيها العودة يتم إخراجها ثانية على الرغم من أنها حية تتحرك وتقاوم . وحينما تمت إزالة رائحة الموت فقط تم السماح لهذه النملة بالبقاء في العش .

      و حينما تعثر النملة الكشافة على مصدر للطعام فإنها تقوم على الفور بإفراز " الفرمون " اللازم من الغدد الموجودة في بطنها لتعليم المكان ثم ترجع إلى العش، وفي طريق عودتها لا تنسى تعليم الطريق حتى يتعقبها زملاؤها، وفي الوقت نفسه يضيفون مزيداً من الإفراز لتسهيل الطريق أكثر فأكثر[1] .

      و من العجيب أن النمل يقلل الإفراز عندما يتضاءل مصدر الطعام ويرسل عدداً أقل من الأفراد إلى مصدر الطعام، وحينما ينضب هذا المصدر تماماً فإن آخر نملة، وهي عائدة إلى العش لا تترك أثراً على الإطلاق .

      و هنالك العديد من التجارب التي يمكن إجراؤها عل دروب النمل هذه، فإذا أزلت جزءاً من هذا الأثر بفرشاة مثلاً، فإن النمل يبحث في المكان وقد أصابه الارتباك حتى يهتدي إلى الأثر ثانية، وإذا وضعت قطعة من الورق بين العش ومصدر الطعام فإن النمل يمشي فوقها واضعاً أثراً كيماوياً فوقها .

      و لكن لفترة قصيرة، حيث إنه إذا لم يكن هناك طعام عند نهاية الأثر، فإن النمل يترك هذا الأثر، ويبدأ في البحث عن طعام من جديد.

      3. ذكاء النمل :

      لقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة علمية كبيرة وهي ذكاء النمل وقدرته على المحاكمة العقلية والفكرية ومواجهة الأخطار وذلك من خلال هذه القصة التي حدثت مع نبي الله سليمان عليه السلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فقد استطاعت نملة صغيرة من تحديد مكان سليمان والطريق الذي سوف يمر به وهذا لم يكن ليتم لولا هذه القدرات الخارقة التي يتمتع بها النمل.

      ولقد كشف العلم الحديث عن بعض العجائب من سلوك النمل الذكي وتطور جهازها العصبي فعند دراسته تحت المجهر يظهر لنا أن دماغ النملة يتكون من فصين رئيسيين يشبه مخ الإنسان، ومن مراكز عصبية متطورة وخلايا حساسة .

      وأعلم :

      أن الله تعالى لم يذكر النمل في القرآن الكريم إلا ليلفت انتباهنا إلى عظمة وروعة هذه الكائنات التي يحسبها الإنسان مخلوقات تافهة، ولكنها بحق مخلوقات منظمة ذات قدرات خارقة، تعمل ضمن خطة عمل واضحة حيث يتوزع العمل على أفراد الخلية، فيقوم كل فرد من أفراد المملكة بواجبه على أكمل وجه من خلال البرنامج الفطري الذي أودعه الله تعالى في دماغه .

      4 وادي النمل : لقد أشار القرآن أن النمل مخلوقات اجتماعي تعيش في مستعمرات وهي مخلوق متعاون متكاتفة يشعر كل فرد منها بشعور الآخرين ويظهر ذلك في سلوك النملة وفي إنذار قومها وسوف نتعرض لذلك في السطور القادمة ....

      مجتمع النمل :

      يتكون مجتمع النمل من الملكة التي تقوم بإنتاج البيوض والتي تنتفخ وتكبر حتى يصل طولها إلى 9 سم في بعض الأنواع كالنمل الأبيض فتصبح من الصعوبة بمكان أن تتحرك وبما أنها لا عمل لها سوى وضع البيوض توجد مجموعة خاصة من النمل للاعتناء بها وإطعامها وتنظيفها, من الإناث العقيمات التي تقوم بكافة أعمال الخلية من الدفاع ضد الإخطار التي يمكن أن تتهدد الخلية إلى جمع الطعام إلى تنظيف الخلية والرعاية بالملكة الأم واليرقات الصغيرة إلخ ...

      ذكور النمل لها مهمة واحدة في حياتها وهي تلقيح الملكات ولا تظهر على سطح الأرض إلا عند موسم التكاثر وبعد القيام بمهمتها تقتها تقتلها الشغلات ذلك أنه في مجمع النمل لا مكان لغير العمال المنتجين .

      وادي النمل:
      يعيش النمل ضمن مستعمرات يقوم ببنائها وقد يتجاور عدد كبيرة من المستعمرات مكوناً مدينة أو وادياً للنمل كما سماها القرآن الكريم ففي جبال بنسلفانيا إحدى الولايات الأمريكية أكتشف أحد علماء أحد أكبر مدن النمل في العالم، وقد بني معظمها تحت الأرض وتشغل مساحتها ثلاثين فداناً حفرت فيها منازل النمل تتخللها الشوارع والمعابر والطرق، وكل نملة تعرف طريقها إلى بيتها بإحساس غريب.

      وتشمل كل مستعمرة من مستعمرات النمل على الطبقات التالية :

      1- باب التهوية .

      2- مكان الحرس لمنع دخول الغريب.

      3- أول طبقة لراحة العاملات في الصيف.

      4- مخزن ادخار الأقوات.

      5- مكان تناول الطعام.

      6- ثكنة الجنود.

      7- الغرف الملوكية حيث تبيض ملكة النمل.

      8- إسطبل لبقر النمل وعلفه.

      9- إسطبل آخر لحلب البقر.

      10- مكان تفقيس البيض.

      11- مكان تربية صغار النمل.

      12- مشتى النمل، وفي يمينه جبانة لدفن من يموت.

      13- مشتى الملكة." [2]

      يمكن أن تصل أعماق مملكة النمل في بعض الأنواع التي تعيش في غابات الأمازون إلى (5 أمتار) واتساعها 7 أمتار

      تُنشئ النملات فيها مئات الغرف والأنفاق.

      يُحفر وينقل قرابة (أربعين طن) من التراب إلى الخارج

      الهندسة المعمارية للمملكة لوحدها معجزة من معجزات الخلق.



      جمع المواد الغذائية :

      و لأعضاء مجتمع النمل طرق فريدة في جمع المواد الغذائية وتخزينها والمحافظة عليها، فإذا لم تستطيع النملة حمل ما جمعته في فمها كعادتها لكبر حجمه، حركته بأرجلها الخلفية ورفعته بذراعيها، ومن عاداتها أن تقضم البذور قبل تخزينها حتى لا تعود إلى الإنبات مرة أخرى، وكي يسهل عليها إدخالها في مستودعاتها وهناك بعض البذور التي إذا كُسرت إلى فلقتين فإن كل فلقة ممكنها أن تُنبت من جديد مثل بذور الكزبرة لذلك فإن النمل يقوم بتقطيع بذرة الكزبرة إلى أربع قطع كي لا تنبت، وإذا ما ابتلت البذور بفعل المطر أخرجتها إلى الهواء والشمس لتجف، ولا يملك الإنسان أمام هذا السلوك الذكي للنمل إلا أن يسجد لله الخالق العليم الذي جعل النمل يدرك أن تكسير جنين الحبة وعزل البذرة عن الماء والرطوبة يجعلها لا تنبت .



      أبقار النمل :

      ويضيف العلم الحديث حقائق جديدة عن أبقار النمل وزراعتها، فقد ذكر أحد علماء التاريخ الطبيعي وهو (رويال ديكنسون ) [3] أنه ظل يدرس مدينة النمل حوالي عشرين عاماً في بقاع مختلفة من العالم فوجد نظاماً لا يمكن أن نراه في مدن البشر، وراقبه وهو يرعى أبقاره، وما هذه الأبقار إلا خنافس صغيرة رباها النمل في جوف الأرض زماناً طويلاً حتى فقدت في الظلام بصرها .



      و إذا كان الإنسان قد سخر عددا ًمحدودا ًمن الحيوانات لمنافعه، فإن النمل قد سخر مئات الأجناس من حيوانات أدنى منه جنساً .

      و نذكر على سبيل المثال " بق النبات " تلك الحشرة الصغيرة التي تعيش على النبات ويصعب استئصالها لأن أجناسهاً كثيرة من النمل ترعاها، يرسل النمل الرسل لتُجمع له بيوض هذا البق حيث تعتني به وترعاه حتى يفقس وتخرج صغاره، ومتى كبرت درت هذه اليرقات سائلاً حلواً مؤلف من مواد سكرية يمكن أن نسمها (بعسل النمل )، ويقوم على حلبه جماعة من النمل لا عمل لها إلا حلب هذه الحشرات بمسها بقرونها، وتنتج هذه الحشرة 48 قطرة من العسل كل يوم، وهذا ما يزيد مائة ضعف عما تنتجه البقرة إذا قارنا حجم الحشرة بحجم البقرة .


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] - كتاب " رحيق العلم والإيمان " الدكتور أحمد فؤاد باشا

      (2) المعجزة و الإعجاز في سورة النمل : عبد الحميد محمود طهماز، ص 28

      [3] كتاب " شخصية الحشرات " لمؤلفه رويال وكنسون.
















    • الإعجاز البياني واللغوي في القرآن



      الإعجاز البياني واللغوي في القرآن


      قضية الإعجاز البياني بدأت تفرض وجودها على العرب من أول المبعث، فمنذ أن تلا المصطفى عليه الصلاة والسلام في قومه ما تلقى من كلمات ربه، أدركت قريش ما لهذا البيان القرآني من إعجاز لا يملك أي عربي يجد حسَّ لغته وذوقها الأصيل، سليقة وطبعاً، إلا أن يسلم بأنه ليس من قول البشر.

      من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش، على أن يحولوا بين العرب وبين سماع هذا القرآن . فكان إذا أهل الموسم وآن وفود العرب للحج، ترصدوا لها عند مداخل مكة، وأخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه، وبين المرء وزوجه وولده وعشيرته .

      و ربما وصلت آيات منه إلى سمع أشدهم عداوة للإسلام، فألقى سلاحه مصدقاً ومبايعاً، عن يقين بأن هذه الكلمات ليست من قول البشر.

      حدثوا أن " عمر بن الخطاب " خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه، في بين عنده " الصفا " سمع أنهم مجتمعون فيه، فلقيه في الطريق من سأله :

      ـ أين تريد يا عمر ؟

      أجاب : أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتا، فأقتله .

      قال له صاحبه :

      ـ غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟

      سأله عمر، وقد رابه ما سمع :

      ـ أي أهل بيتي تعني؟

      فأخبره أن صهره وابن عمه " سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " قد أسلم .

      و كذلك أسلمت زوجته، أخت عمر " فاطمة بنت الخطاب".

      فأخذ " عمر " طريقه إلى بيت صهره مستثار الغضب، يريد أن يقتله ويقتل زوجته فاطمة . فما كاد يدنو من الباب حتى سمع تلاوة خافتة لآيات من سورة طه، فدخل يلح طلب الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله ....

      و انطلق من فوره إلى البيت الذي اجتمع فيه المصطفى بأصحابه، فبايعه، وأعز الله الإسلام بعمر، وقد كان من أشد قريش عداوة للإسلام وحرباً للرسول . [سيرة بن هشام ] .

      و في حديث بيعة العقبة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب صاحبه " مصعب بن عمير " ليذهب مع أصحاب العقبة إلى يثرب، ليقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام . فنزل هناك على " أسعد بن زراة " الأنصاري الخزرجي .

      فحدث أن خرجا يوماً إلى حي بني عبد الأشهل رجاء في أن يسلم بعض القوم . فما سمع كبير الحي "سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير" بقدم مصعب وأسعد، ضاقا بهما وأنكرا موضعهما من الحي، قال سعد بن معاذ لصاحبه أسيد بن حضير : " لا أبا لك ! انطلق على هذين الرجلين فأزجرهما وانهما عن أن يأتيا دارينا . فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منى حيث علمت، كفيتك ذلك : هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدماً" .

      و التقط أسيد بن حضير حربته ومضى إلى صاحبي رسول الله فزجرهما متواعداً :

      ـ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بنفسيكما حاجة .

      قال له مصعب بن عمير :

      ـ أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره ؟

      فركَّز أسيد حربته واتكأ عليها يصغي إلى ما يتلو مصعب من القرآن . ثم أعلن إسلامه من فوره، وعاد إلى قومه فعرفوا أنه جاء بغير الوجه الذي ذهب به . وما زال أسيد بسعد بن معاذ حتى صحبه إلى ابن خالته أسعد بن زرارة، فبادره سعد سائلاً في غضب وإنكار :

      " يا أبا أمامة، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني . أتغشانا في دارنا بما نكره ؟ " .

      ولم يجب أبو أمامه، بل أشار على صاحبه " مصعب " الذي استهل سعد بن معاذ حتى يسمع منه، ثم تلا آيات من معجزة المصطفى، نفذت إلى قلب ابن معاذ فمزقت عنه حجب الغفلة وغشاوة الضلال . وأعلن إسلامه وعاد إلى قومه فسألهم : يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم ؟

      أجابوا جميعاً : سيدنا، وأفضلنا رأياً، وأيمننا فيكم ؟

      فأجابوا جميعاً : سيدنا، وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبة .

      فعرض عليم الإسلام " فو الله ما أمسى في حي بني عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا مسلماً ومسلمة "[سيرة بن هشام ].

      هل فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا بمعجزة المصطفى بمجرد سماعهم آيات منها، دون غيرهم ممن لجوا في العناد والتكذيب ؟

      إن القرآن لم يفرض إعجازه البياني من أول المبعث، على هؤلاء الذين سبقوا إلى الإيمان به فحسب، بل فرضه كذلك على من ظلوا على سفههم وشركههم، عناداً وتمسكاً بدين الآباء ونضالاً عن أوضاع دينية واقتصادية واجتماعية لم يكونوا لم يكونوا يريدون لها أن تتغير .

      و في الخبر أن من طواغيت قريش وصناديد الوثنية العتاة من كانوا يتسللون في اوئل عصر المبعث خفية عن قومهم، ليسعوا آيات هذا القرآن دون أن يملكوا إرادتهم .

      روى " ابن إسحاق " في السيرة أن أبا سفيان بن حرب العبشي، وأبا جهل ابن هشام المخزومي، والأخنس بن شريق الزهري، خرجوا ذات ليهة متفرقين على غير موعد، إلى حيث يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ويتلو القرآن في بيته . فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه، ولا أحد منهم يعلم بمكان صاحبيه . فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض :

      " لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً " ثم انصرفوا .

      حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبيه .

      فباتوا يستمعون للمصطفى حتى طلع الفجر فتفرقوا وجمعهم الطريق فتلاوموا، وانصرفوا على ألا يعودوا .

      لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة الثالثة وباتوا يستعمون إلى القرآن[سيرة بن هشام].




      إعجاز النظم في القرآن الكريم
      لإعجاز النظم عدة مظاهر تتجلى فيها :

      المظهر الأول : " الخصائص المتعلقة بالأسلوب "
      و إليك هذه الخصائص :


      الخاصة الأولى : إن هذا الأسلوب يجري عن نسق بديع خارج عن المعروف من نظام جميع كلام العرب، ويقوم في طرقته التعبيرية على أساس مباين للمألوف من طرائقهم . بيان ذلك أن جميع الفنون التعبيرية عند العرب لا تعدو أن تكون نظما أو نثرا، وللنظم أعاريض، وأوزان محددة معروفة، وللنثر طرائق من السجع، والإرسال وغيريهما مبينة ومعروفة . والقرآن ليس على أعاريض الشعر في رجزه ولا في قصيده، وليس على سنن النثر المعروف في إرساله ولا في تسجيعه، إذ هو لا يلتزم الموازين المعهودة في هذا ولا ذاك، ولكنك مع ذلك تقرأ بضع آيات منه فتشعر بتوقيع موزون ينبعث من تتابع آياته، بل يسري في صياغته، وتألف كلماته، وتجد في تركيب حروفه تنيسقاً عجيباً يؤلف اجتماعها إلى بعضها لحنا مطرباً يفرض نفسه على صوت القارئ العربي كيفما قرأ، طالما كانت قراءته صحيحة . ومهما طفت بنظرك في جوانب كتاب الله تعالى ومختلف سوره وجدته مطبوعاً على هذا النسق العجيب فمن أجل ذلك تحير العرب في أمره، إذ عرضوه على موازين الشعر فوجدوه غير خاضع لأحكامه، وقارنوه بفنون النثر فوجدوا غير لاحق بالمعهود من طرائفه فكان أن انتهى الكافرون منهم إلى أنه السحر، واستيقن المنصفون منهم بأنه تنزيل من رب العالمين . وإليك أيها القارئ الكريم بعض الأمثلة التي توضح هذه الحقيقة، وتجلبها، قال تعالى :

      بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم حم {1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3} بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ {4} وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ {5} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ {6} [سورة : فصلت ].و هذه الآيات بتأليفها العجيب، ونظمها البديع حينما سمعها عتبة بن أبي ربيعة وكان من أساطين البيان استولت على أحاسيسه، ومشاعره، وطارت بلبه، ووقف في ذهول، وحيرة، ثم عبر عن حيرته وذهوله بقوله : " والله لقد سمعت من محمد قولاً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ...و الله ليكونن لقوله الذي سمعته نبأ عظيم" .

      و إليك سورة من سوره القصار تتجلى فيها هذه الحقيقة أمام العيان من ينكرها فكأنما ينرك الشمس في وضح النهار.


      بسم الله الرحمن الرحيم وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا {1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا {2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا {4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا {5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا {6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {10} كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا {11} إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا {12} فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا {13} فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا {14} وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا {15} [سورة الشمس ].

      تأمل هذه الآيات، وكلماتها، وكيف صيغت هذه الصياغة العجيبة ؟ وكيف تألفت كلماتها وتعانقت جملها ؟ وتأمل هذا النغم الموسيقي العذب الذي ينبع من هذا التالف البديع، إنه إذا لامس أوتاد القلوب : اهتزت له العواطف ن وتحركت له المشاعر، وأسال الدموع من العيون، وخرت لعظمته جباه أساطين البيان، أشهد أنه النظم الإلهي الذي لا يقدر على مثله مخلوق .

      و هذه الحقيقة توجد في سائر كتاب الله لا تتخلف في سورة من سوره ولا في آياته، ومن أجل ذلك عجز أساطين البيان عن الإتيان بأقصر من مثله .

      و في هذا يقول الرافعي رحمه الله : (وذلك أمر متحقق بعد في القرآن الكريم : يقرأ الإنسان طائفة من آياته، فلا يلبث أن يعرف لها صفة من الحس ترافد ما بعدها وتمده، وفلا تزال هذه الصفة في لسانه، ولو استوعب القرآن كله ،حتى لا يرى آية قد أدخلت الضيم على أختها، أو نكرت منها، أو أبرزتها عن ظل هي فيه، أو دفعنها عن ماء هي إليه : ولا يرى ذلك إلا سواء وغاية في الروح والنظم والصفة الحسية، ولا يغتمض في هذا إلا كاذب على دخله ونية، ولا يهجن منه إلا أحمق على جهل وغرارة، ولا يمتري فيه إلا عامي أو أعجمي وكذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) [1]".


      الخاصة الثانية :
      هي أن التعبير القرآني يظل جارياً على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ، وعمق المعنى ودقة الصياغة وروعة التعبير، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع والقصص والمواعظ والحجاج والوعود والوعيد وتلك حقيقة شاقة، بل لقد ظلت مستحيلة على الزمن لدى فحول علماء العربية والبيان .

      و بيان ذلك أن المعنى الذي يراد عرضه، كلما أكثر عموما وأغنى أمثلة وخصائص كان التعبير عنه أيسر، وكانت الألفاظ أليه أسرع، وكلما ضاق المعنى وتحدد، ودق وتعمق كان التعبير عنه أشق، وكانت الألفاظ من حوله أقل .

      و لذا كان أكثر الميادين الفكرية التي يتسابق فيها أرباب الفصاحة والبيان هي ميادين الفخر والحماسة والموعظة والمدح والهجاء، وكانت أقل هذه الميادين اهتماماً منهم، وحركة بهم ميادين الفلسفة والتشريع ومختلف العلوم، وذلك هو السر في أنه قلما تجد الشعر يقتحم شيئاً من هذه الميادين الخالية الأخرى .

      و مهما رأيت بليغاً كامل البلاغة والبيان، فإنه لا يمكن أن يتصرف بين مختلف الموضوعات والمعاني على مستوى واحد من البيان الرفيع الذي يملكه، بل يختلف كلامه حسب اختلاف الموضوعات التي يطرقها، فربما جاء بالغاية ووقف دونها، غير أنك لا تجد هذا التفاوت في كتاب الله تعالى، فأنت تقرأ آيات منه في الوصف، ثم تنتقل إلى آيات أخرى في القصة، وتقرأ بعد ذلك مقطعاً في التشريع وأحكام الحلال والحرام، فلا تجد الصياغة خلال ذلك إلا في أوج رفيع عجيب من الإشراق والبيان، وتنظر فتجد المعاني كلها لاحقة بها شامخة إليها . ودونك فأقرأ ما شئت من هذا الكتاب المبين متنقلاً بين مختلف معانيه، وموضوعاته لتتأكد من صدق ما أقول، ولتلمس برهانه عن تجربة ونظر[2].

      ويقول الرافعي في معرض حديثة عن أسلوب القرآن : لا ترى غير صورة واحدة من الكمال، وإن اختلفت أجزاؤها في جهات التركيب وموضع التأليف وألوان التصوير وأغراض الكلام " [3].

      و يقول في معرض حديثه عن " روح التركيب " في أسلوب القرآن : "و هذه الروح لم تعرف قط في كلا عربي غير القرآن، وبها انفرد نظمه، وخرج مما يطيقه الناس، ولولاها لم يكن بحيث هو، كأنما وضع جملة واحدة ليس بين أجزائها تفاوت أو تباين، إذ نراه ينظر في التركيب إلى نظم الكلمة، وتأليفها، ثم إلى تأليف هذا النظم، فمن هنا تعلق بعضه على بعض، وخرج في معنى تلك الروح صفة واحدة هي صفة إعجازه في جملة التركيب، وأن العبارات على جملة ما حصل به من جهات الخطاب : كالقصص والمواعظ والحكم والتعليم، ضرب الأمثال إلى نحوها مما يقدر عليه .

      و لولا تلك الروح لخرج أجزاء متفاوتة على مقدار ما بين هذه المعاني، وموقعها في النفوس، وعلى مقدار ما بين الألفاظ والأساليب التي تؤديها حقيقة ومجازا، كما تعرف من كلام البلغاء، عند تباين الوجوه التي يتصرف فيها، على أنهم قد رفهوا عن أنفسهم وكفوها أكبر المؤنة فلا يألون أن يتوخوا بكلامهم إلى أغراض ومعان يعذب فيها الكلام ويتسق القول وتحسن الصنعة مما يكون أكبر حسنة في مادته اللغوية، وذلك شائع مستفيض في مأثور الكلام إلى غيره، وافضوا بالكلام إلى المعنى ما يشبه في اثنين متقابلين من الناس منظر قفا إلى وجه

      و على أننا لم نعرف بليغاً من البلغاء تعاطى الكلام في باب الشرع وتقرير النظر، وتبيين الأحكام ونصب الأدلة وأقام الأصول والاحتجاج لها والرد على خلافها إلا جاء بكلام نازل عن طبقة كلامه في غير هذه الأبواب، وأنت قد تصيب له في غيرها اللفظ الحر والأسلوب الرائع والصنعة المحكمة والبيان العجيب، والمعرض الحسن فإذا صرت إلى ضروب من تلك المعاني، وقعت ثمة على شيء كثير من اللفظ المستكره، والمعنى المستغلق، والسياق المضطرب والأسلوب المتهافت والعبارة المبتذلة، وعلى النشاط متخاذلا، والعرى محلولة، والوثيقة واهنة " [4].



      الخاصة الثالثة : أن معانيه مصاغة بحيث يصلح أن يخاطب بها الناس كلهم على اختلاف مداركهم وثقافتهم وعلى تباعد أزمنتهم وبلدانهم، ومع تطور علومهم واكتشافاتهم .


      خذ آية من كتاب الله مما يتعلق بمعنى تتفاوت في مدى فهمه العقول، ثم اقرأها على مسامع خليط من الناس يتفاوتون في المدارك، والثقافة، فستجد أن الآية تعطي كلا منهم معناها بقدر ما يفهم، وأن كلا منهم يستفيد منها معنى وراء الذي انتهي عنده علمه .

      و في القرآن الكثير من هذا وذاك فلنعرض أمثلة منه :

      من القبيل الأول قوله تعالى :

      (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان:61) فهذه تصف كلاً من الشمس والقمر بمعنيين لهما سطح قريب يفهمه الناس كلهم، ولها عمق يصل إليه المتأملون والعلماء، ولها جذور بعيدة يفهمها الباحثون والمتخصصون، والآية تحمل بصياغتها هذه الدرجات الثلاثة للمعنى، فتعطي طاقته وفهمه .

      فالعامي من العرب يفهم منها أن كلاً من الشمس والقمر يبعثان بالضياء إلى الأرض، وإنما غاير في التعبير عنه بالنسبة لكل منهما تنويعاً للفظ، وهو معنى صحيح تدل عليه الآية، والمتأمل من علماء العربية يدرك من وراء ذلك أن الآية تدل على أن الشمس تجمع إلى النور الحرارة فلذلك سماها سراجاً، والقمر يبعث بضياء لا حرارة فيه .
      الخاصة الرابعة : وهي ظاهرة التكرار .
      وفي القرآن من هذه الظاهرة نوعان :

      أحدهم : تكرار بعض الألفاظ أو الجمل .

      و ثاينهما : تكرار بعض المعاني كالأقاصيص، والأخبار .


      فالنوع الأول : يأتي على وجه التوكيد، ثم ينطوي بعد ذلك على نكت بلاغية، كالتهويل، والإنذار , التجسيم والتصوير وللتكرار أثر بالغ في تحقيق هذه الأغراض البلاغية في الكلام، ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم الْحَاقَّةُ {1} مَا الْحَاقَّةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ {3} " وقوله تعالى : {25} سَأُصْلِيهِ سَقَرَ {26} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ {27} .

      و النوع الثاني : وهو تكرار بعض القصص والأخبار يأتي لتحقيق غرضين هامين :
      الأول : إيصال حقائق ومعاني الوعد والوعيد إلى النفوس بالطريقة التي تألفها، وهي تكرار هذه الحقائق في صور وأشكال مختلفة من التعبير والأسلوب، ولقد أشار القرآن إلى هذا الغرض بقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (الاسراء:41) .

      الثاني : إخراج المعنى الواحد في قوالب مختلفة من الألفاظ والعبارة، وبأساليب مختلفة تفصيلاً وإجمالاً، الكلام في ذلك حتى يتجلى إعجازه، ويستبين قصور الطاقة البشرية عن تقليده أو اللحاق بشأوه، إذ من المعلوم أن هذا الكتاب إنما تنزل للإقناع العقلاء، من الناس بأنه ليس كلام بشر، ولإلزامهم بالشريعة التي فيه، فلابد فيه من الوسائل التي تفئ بتحقيق الوسيلة إلى كلا الأمرين .

      و من هنا كان من المحال أن تعثر في القرآن كله على معنى يتكرر في أسلوب واحد من اللفظ، ويدور ضمن قالب واحد من التعبير، بل لابد أن تجده في كل مرة يلبس ثوباً جديداً من الأسلوب، وطريقة التصوير والعرض، بل لابد أن تجد التركيز في كل مرة منها على جانب معين من جوانب المعنى أو القصة ولنضرب لك مثالاً على هذا الذي نقول : بقصة موسى عليه السلام إذ أنها أشد القصص في القرآن تكراراً، فهي من هذه الوجهة تعطى فكرة كاملة على هذا التكرار.

      وردت هذه القصة في حوالي ثلاثين موضعاً، ولكنها في كل موضع تلبس أسلوباً جديداً وتخرج أخراجاً جديدا يناسب السياق الذي وردت فيه، وتهدف إلى هدف خاص لم يذكر في مكان آخر، حتى لكأننا أمام قصة جديدة لم نسمع بها من قبل .

      الخاصة الخامسة :

      و هي تداخل أبحاثه، ومواضيعه في معظم الأحيان فإن من يقرأ هذا الكتاب المبين لا يجد فيه ما يجده في عامة المؤلفات والكتب الأخرى من التنسيق والتبويب حسب المواضيع، وتصنيف البحوث مستقلة عن بعضها، وإنما يجد عامة مواضيعه وأبحاثه لاحقة ببعضها دونما فاصل بينهما، وقد يجدها متداخل في بعضها في كثير من السور والآيات .

      و الحقيقة أن هذه الخاصة في القرآن الكريم، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده، واستقلاله عن كل ما هو مألوف ومعروف من طرائق البحث والتأليف .


      المظهر الثاني :المفردة القرآنية:

      إذا تأملت في الكلمات التي تتألف منها الجمل القرآنية رأيتها تمتاز بميزات ثلاثة رئيسية هي :

      1 ـ جمال وقعها في السمع.

      2ـ اتساقها الكامل مع المعنى .

      3ـ اتساع دلالتها لما لا تتسع له عادة دلالات الكلمات الأخرى من المعاني والمدلولات . د

      و قد نجد في تعابير بعض الأدباء والبلغاء كالجاحظ والمتنبي كلمات تتصف ببعض هذه الميزات الثلاثة أما أن تجتمع كلها معاً، وبصورة مطردة لا تتخلف أو تشذ فذلك مما لم يتوافر إلا في القرآن الكريم .

      و إليك بعض الأمثلة القرآنية التي توضح هذه الظاهرة وتجليها :


      أنظر إلى قوله تعالى في وصف كل من الليل والصبح : {16} وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ {17} وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ {18}ألا تشم راحة المعنى واضحاً من كل هاتين الكلمتين : عسعس، وتنفس؟

      ألا تشعر أن الكلمة تبعث في خيالك صورة المعنى محسوسا مجسماً دون حاجة للرجوع إلى قواميس اللغة ؟

      و هل في مقدورك أن تصور إقبال الليل، وتمدده في الآفاق المترامية بكلمة أدق وأدل من " عسعس " .

      و هل تستطيع أن تصور انفلات الضحى من مخبا الليل وسجنه بكلمة أروع من " تنفس " . ؟


      أقرأ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (التوبة:38)

      و ادرس الأداء الفني الذي قامت به لفظة " أثاقلتم " بكل ما تكونت به من حروف، ومن صورة ترتيب هذه الحروف، ومن حركة التشديد على الحرف اللثوية " الثاء " والمد بعده، ثم مجيء القاف الذي هو أحد حروف القلقلة، ثم التاء المهموسة، والميم التي تنطبق عليها الشقتان، ويخرج صوتها من الأنف، ألا تجد نظام الحروف، وصورة أداء الكلمة ذاتها أوحت إليك بالمعنى، قبل أن يرد عليك المعنى من جهة المعاجم .؟ ألا تلحظ في خيالك ذلك الجسم المثاقل، يرفعه الرافعون في جهد فيسقط في أيديهم في ثقل ؟ ألا تحس أن البطء في تلفظ الكلمة ذاتها يوحي بالحركة البطيئة التي تكون من المثاقل ؟

      جرب أن تبدل المفردة القرآنية، وتحل محلها لفظة " تثاقلتم" ألا تحس أن شيئاً من الخفة والسرعة، بل والنشاط أوحت به " تثاقلتم " بسبب رصف حروفها، وزوال الشدة، وسبق التاء قبل الثاء ؟

      إذن فالبلاغة تتم في استعمال " أثاقلتم " للمعنى المراد، ولا تكون في " تثاقلتم " .




      المظهر الثالث : الجملة القرآنية وصياغتها
      إن دراسة الجملة القرآنية تتصل اتصالا مباشراً بدراسة المفردة القرآنية لأن هذه أساس الجملة، ومنها تركيبها، وإذا كان علماء البلاغة يجعلون البلاغة درجات، فإنهم مقرون دون جدل أن صياغة العبارة القرآنية في الطرف الأعلى من البلاغة الذي هو الإعجاز ذاته . وللإعجاز فيها وجوه كثيرة .

      فمنها : ما تجده من التلاؤم والاتساق الكاملين بين كلماتها، وبين ملاحق حركاتها، وسكناتها، فالجملة في القرآن تجدها دائماً مؤلفة من كلمات وحروف، وأصوات يستريح لتألفها السمع والصوت والمنطق، ويتكون من تضامها نسق جميل ينطوي على إيقاع رائع، ما كان ليتم لو نقصت من الجملة كلمة أو حرف أو اختلف ترتيب ما بينها بشكل من الأشكال .


      أقرأ قوله تعالى : فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ {11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ {12} [ سورة القمر ].

      وتأمل تناسق الكلمات في كل جملة منها، ثم دقق نظرك، وتأمل تألف الحروف الرخوة مع الشديدة والمهموسة والمجهورة وغيرها، ثم تمعن في تأليف وتعاطف الحركات والسكنات والمدود اللاحقة ببعضها، فإنك إذا تأملت في ذلك، علمت أن هذا الجملة القرآنية . إنما صبت من الكلمات والحروف والحركات في مقدار، وأن ذلك إنما قدر تقديراً بعلم اللطيف الخبير وهيهات للمقاييس البشرية أن تضبط الكلام بهذه القوالب الدقيقة .

      و منها : إنك تجد الجملة القرآنية تدل بأقصر عبارة على أوسع معنى تام متكامل لا يكاد الإنسان يستطيع التعبير عنه إلا بأسطر وجمل كثيرة ن دون أن تجد فيه اختصاراً مخلا، أو ضعفاً في الأدلة . أقرأ قوله تعالى
      : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199).

      ثم تأمل كيف جمع الله بهذا الكلام كل خلق عظيم، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين .


      و اقرأ قوله تعالى مخاطباً آدم عليه السلام : {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} [ سورة طه ] ثم تأمل كيف جمع الله بهذا الكلام أصول معايش الإنسان كلها من طعام وشراب وملبس، ومأوى .

      و أقرأ قوله تعالى :(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:7) .

      وتأمل كيف جمعت هذه الآية الكريمة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين أما الأمرين فهما : " أرضعيه، وألقيه في اليم، وأما النهيان فهما " لا تخافي "، و" لا تحزني " .

      و أما الخبران فهما " أوحينا " و" خفت " وأما البشارتان فهما " أنا رادوه إليك " و" جاعلوه من المرسلين " .

      و تأمل سورة " الكوثر " وهي أقصر سورة في القرآن إذ هي ثلاثة آيات قصار كيف تضمنت، على قلة آياتها الأخبار عن مغيبين : أحدهما : الأخبار عن الكوثر " نهر في الجنة " وعظمته وسعته وكثرة أوانيه , الثاني : الإخبار عن " والوليد بن المغيرة " وكان عند نزولها ذا مال وولد، ثم أهلك الله سبحانه ماله وولده، وانقطع نسله

      ومنها : أخراج المعنى المجرد في مظهر الأمر المحس الملموس، ثم بث الروح والحركة في هذا المظهر نفسه .

      و مكمن الإعجاز في ذلك، أن الألفاظ ليست إلا حروفاً جامدة ذات دلالة لغوية على ما أنيط بها من المعاني، فمن العسير جداً أن تصبح هذه الألفاظ وسيلة لصب المعاني الفكرية المجردة في قوالب من الشخوص والأجرام والمحسوسات، تتحرك في داخل الخيال كأنها قصة تمر أحداثها على مسرح يفيض بالحياة والحركة المشاهدة الملموسة . أستمع إلى القرآن الكريم وهو يصور لك قيام الكون على أساس من النظام الرتيب والتنسيق البديع الذي لا يتخلف، ولا يلحقه الفساد، فيقول
      :(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54).

      إنه يصور لك هذا المعنى في مظهر من الحركة المحسوسة الدائرة بين عينيك، وكأنها أمام آلات تتحرك بسرعة دائبة في نظام مستمر يعيها وتصورها الشعور والخيال .




      الباحثون في القرآن يجمعون على إعجازه
      الجاحظ ورأيه في بلاغة القرآن :

      الجاحظ هو مؤسس البيان العربي بلا منازع، هو أبو عثمان بن بحر بن محبوب الكتاني، المعروف بالجاحظ البصري ولد سنة 150 هـ وتوفي سنة 255هـ .

      ففي رسالة له بعنوان حجج نبوية يقول : " إن محمد صلى الله عليه وسلم مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر في العين .. ذلك قوله لقريش خاصة وللعرب عامة مع من فيها من الشعراء والخطباء والبلغاء، والحكماء وأصحاب الرأي والمكيدة، والتجارب والنظر في العامة " إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، وصدقتكم في تكذيبي " ثم يقول " ولا يجوز أن يكون مثل العرب في كثير عددهم واختلاف عللهم وكلامهم، وهو سيد علمهم، وقد فاض بيانهم، وجاشت به صدورهم، وغلتهم قوتهم عليه عند أنفسهم، حتى قالوا في الحيات، والعقارب والذئاب والكلاب، والخنافس، والحمير والحمام وكل ما دب على الأرض ولاح لعين، وخطر على قلب ولهم أصناف النظم، وضروب التأليف .. كالقصيد، والرجز، والمزدوج والمتجانس والاستماع والمنثور وبعد فقد هاجوه من كل جانب، وهاجا أصحابه شعرائهم، ونازعوه خطباءهم وحاجوه في الموقف وخاصموه في الموسم، وباروه العداوة، وناصبوه الحرب، فقتل منهم وقتلوا منه .. وهم أثبت الناس حقداً، وأبعدهم مطلباً، وأذكرهم لخبر أو الشر، وأبقاهم له، وأهجاهم ثم لا يعارضه معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب وشاعر .

      ثم يقول : ومحال في التعارف ومستنكر في التصادف أن يكون الكلام أقصر عندهم , وأيسر مئونة عليهم، وهو أبلغ في تكذيبه، وأنقض لقوله , أجدر أن يعرف ذلك أصحابه، فيجتمعوا على ترك استعماله والاستغناء عنه، وهم يبذلون مهجهم وأموالهم ويخرجون من ديارهم في إطفاء أمرهم وتوهين ولا يقولون، بل ولا يقول واحد من جماعتهم، لم تقتلوا أنفسكم وتستهلكوا أموالكم , تخرجون من دياركم والحيلة في أمره ميسرة والمأخذ في أمره قريب ؟

      ليؤلف واحد من شعرائكم وخطبائكم كلاماً في نظم كلامه، كأصغر سورة يحتكم بها، وكأصغر آية دعاكم إلى معارضتها، بل لو نسوا ما تركهم حتى يذكرهم، ولو تغافلوا ما ترك أن ينبههم، فدل ذلك العاقل على أن أمرهم في ذلك لا يخلو ا من أحد أمرين :

      إما أن يكونوا عرفوا عجزهم، وأن مثل ذلك لا يتهيأ لهم، فرأوا أن الأعراض عن ذكره، والتغافل عنه في هذا الباب أمثل لهم في التدبير، وأجدر ألا ينكشف أمرهم للجاهل والضعيف، وأجدر أن يجدوا إلى الدعوة سبيلاً، وإلى اختراع الأنباء سبباً.

      و إلا أن يكون غير ذلك، ولا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة وهم يقدرون عليها، لأنه لا يجوز على العدد الكثير من العقلاء والدهاة والحكماء مع اختلاف عللهم، وبعد همهم، وشدة عداوتهم، بذلك الكثير، وصون اليسير فكيف على العقلاء لأن تحبير الكلام أهون من القتال ومن إجراء المال أ. هـ .


      مسيحوا العصر الحديث يعترفون بعظمة القرآن

      اعترف الدكتور ماردريس المستشرق الفرنسي بعظمة القرآن الكريم وذلك إثر بعد أن كلفته وزارتا الخارجية والمعارف الفرنسية بترجمة ( 62) سورة من السور الطوال التي لا تكرار فيها ففعل وقال في مقدمة ترجمته الصادرة 1926م أما أسلوب القرآن فهو أسلوب الخالق جل وعلا فإن الأسلوب الذي ينطوي على كنه الخالق الذي صدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهاً، والحق الواقع أن أكثر الكتاب شكاً وارتيابا قد خضعوا لسلطان تأثيره .

      و يورد الأستاذ محمد صادق الرافعي بعض تصريحات لمسيحيين عن بلاغة القرآن من هؤلاء أديب الملة المسيحية هو الشيخ إبراهيم اليازجي وهو أبلغ كاتب أخرجته المسيحية، وذلك في كتابه ( نجعة الرائد ) وكذلك أورد الدكتور حين حسن ضياء الدين تصريحاً لأحد المسيحين يتضمن إعجابه بالإعجاز البياني بالقرآن الكريم وهذا الأديب الشاعر هو الشاعر المعاصر ( نقولا حنا ) .



      الإعجاز والبلاغة
      لقد نشب صراع حاد وعنيف بين علماء البلاغة حول الصور والألوان البلاغية في القرآن الكريم، هل هي معجزة أو غير معجزة ؟

      ففريق منهم يرى أنها معجزة، ويجعلها من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وفريق يرى أنها غير معجزة، وينفي أن تكون من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، ومن هذا الفريق " أبو بكر الباقلاني .

      و المسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق، وفي هذا الفصل من البحث سأقوم بتحقيقها، وإظهار وجه الصواب فيها فأقول طالباً العون والتوفيق من الله وحده :

      إن هذه الصورة والألوان معجزة في القرآن، وإعجازها راجع إلى نظمها، فالقرآن الكريم كما سبق أن وصحنا معجز بنظمه، وهذه الصور والألوان قد اقتضاها هذا النظم المعجز فأصبحت جزءا منه فتكون معجزة ولقد أشار إلى ذلك الشيخ عبد القاهر الجرجاني عندما تعرض لتوضيح الاستعارة في قوله : تعالى " وأشتعل الرأس شيباً " فقال : " إن في الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلا من بعد العلم بالنظم والوقوف على حقيقته .

      و من دقيق ذلك وخفيه أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى : " واشتعل الرأس شيباً " لم يزيدوا فيه على ذكر الاستعارة، ولم نيسبوا الشرف إلا إليها، ولم يروا للمزية موجباً سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم، وليس الأمر على ذلك، ولا هذا الشرف العظيم، ولا هذه المزية الجليلة، وهذه الروعة التي تدخل على النفوس عند هذا الكلام لمجرد الاستعارة ولكن لأن يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء، وهو لما هو من سببه، فيرفع به ما يسند إليه، ويؤتي بالذي الفعل له في المعنى منصوباً بعده، مبينا أن ذلك الإسناد، وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنما كان من أجل هذا الثاني، ولما بينه وبينه من هذا الاتصال والملابسة كقولهم : طاب زيد نفساً وقر عمرو عينا، وتصبب عرقاً، وكرم أصلاً، وحسن وجهاً وأشباه ذلك مما تجد منقولا عن الشيء إلى ما ذلك الشيء من سببه، وذلك أنا نعلم أن " اشتعل " للشيب في المعنى، وأن كان هو الرأس فقط، كما أن ما أسند إليه، يبين أن الشرف كان لأن سلك فيه هذا المسلك وتوخى به هذا المذهب، أن تدع هذا الطريق فيه، وتأخذ اللفظ فتسنده إلى الشيب صريحاً فتقول : " اشتعل الرأس " أو " الشيب في الرأس "، ثم تنظر هل تجد ذلك الحس، وتلك الفخامة .؟ وهل ترى الروعة التي كنت تراها ؟ فإن قلت : فما السبب في أن كان " اشتعل " إذا استعير للشيب على هذا الوجه كان له الفضل، ولم بأن بالمزية من الوجه الآخر هذه البينونة ؟ فإن السبب أنه يفيد مع لمعان الشيب في الرأس، الذي هو أصل المعنى، الشمول، وأنه قد شاع فيه، وأخذه من نواحيه، وأنه قد استقر به، وعم جملته، حتى لم يبق من السواد شيء، أو لم يبق منه إلا ما لا يعتد به . وهذا ما لا يكون إذا قيل : " أشتعل شيب الرأس " أو " الشيب في الرأس بل لا يوجب اللفظ حينئذ أكثر من ظهوره فيه على الجملة، ووزان ذلك أن تقول : اشتعل البيت عليه، وأخذت في طرفيه ووسطه، وتقول ": اشتعلت النار في البيت " فلا يفيد ذلك، بل لا يقتضي أكثر من وقوعها فيه، وأصابتها جانباً منه، فأما الشمول، وأن تكون قد استولت على البيت، وابتزته فلا يعقل من اللفظ التفجير للعيون في المعنى، ووقع على الأرض في اللفظ ألبته . ونظير هذا في التنزيل قوله تعالى : " وفجرنا الأرض عيرانا " التفجير للعيون في المعنى وواقع على الأرض في اللفظ كما أسند هناك الاشتعال إلى الرأس . وقد حصل بذلك من معنى الشمول ها هنا مثل الذي حصل هناك .

      و ذلك أنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيونا كلها، وأن الماء كان يفور من كل مكان فيها ولو أجرى اللفظ على ظاهره فقيل : " وفجرنا عيون الأرض "، " أو العيون في الأرض " لم يفد ذلك، ولم يدل عليه، ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض، وتنبجس من أماكن فيها "[5] .

      من هذا النص يتضح لنا أن عبد القاهر يرجع جمال الاستعارة وشرفها ور وعتها في القرآن الكريم إلى نظمها العجيب البديع، وكم كنت أود أن يتناول هذا الأديب الذواقة الصور والألوان البلاغية في القرآن بهذه العبارة الفياضة وبتك الطريقة البيانية الرائعة التي تشف عن الجمال الأخاذ والإعجاب الرائع الذي يكمن في هذه الصور، وينبع من نظمها العجيب الذي لا يقدر على مثله بشر، ولكنه وقف عند لمحة من لمحاته الجزئية شأنه في ذلك شأن غيره من بلغاء عصره .


      من روائع التشبيه في القرآن الكريم :
      قال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24).

      شبه القرآن حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها، واغترار الناس بها، بحال ماء نزل من السماء وأنبت أنواع العشب، وزين بزخارفها وجه الأرض كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة، حتى إذا طمع أهلها فيها، وظنوا أنها مسلمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة فكأنها لم تكن بالأمس .

      تأمل بعقلك وخيالك وذوقك نظم الآية الكريمة أنها مكونة من عشر جمل لو سقط منها شيء اختل التشبيه، وانظر إلى هذه الجمل تجد كل جملة تعبر عن مشهد من مشاهد الحياة الدنيا، وقد رتبت ترتيبا عجيبا ً كان كل جملة منها تلد التي تليها، وقد تكونت كل جملة من طائفة من الكلمات تألفت بأصواتها وظلالها وأجراسها فعبرت أصدق تعبير عن المشهد الذي استقلت به، أن نظمها أو حرفا بأخر اختل بمقدار، بحيث إذا أخرت أو قدمت أو غيرت كلمة بأخرى أو حرفا بآخر اختل المعنى، وتبعثرت مشاهد الصورة الدنيوية .


      قال تعالى :(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (ابراهيم:18) .

      الذين كفروا في ضياعها، وذهابها إلى غير عودة بهيئة رماد تذروه الرياح وتذهب به بددا إلى حيث لا يتجمع أبدأ .

      تأمل نظم الآية تجد كل كلمة قارة في مكانها، مطمئنة في موضعها لا تشكو قلقاً ولا اضطراب، معبرة في دقة وصدق عن معناها، وتأمل تناسق الكلمات وتألقها، وترتيب الجمل وتعانقها، ومخارج الحروف وأصواتها، وإيحاءات الألفاظ واشاراتها تجد نظماً عجيباً لا يقدر عليه إلا خالق الأرض والسماوات .

      تأمل كلمة " رماد " إنها توحي بخفة الوزن، وتأمل، " اشتدت " فإنها توحي بسرعة الرياح وتأمل كلمة " عاصف " فإنها توحي بالعنف .

      و تأمل كيف أبرز لك هذا التشبيه ببديع نظمه الصورة حية متحركة كأنك تراها وتلمسها .


      قال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:265).

      شبه القرآن الصدقات التي تنفق ابتغاء مرضات الله في كثرة ثوابها ومضاعفة أجرها بجنة فوق ربوة أصابها مطر غزير فأخصبت تربتها، وتضاعف أكلها .

      تأمل نظم الآية العجيب كلمات إلهية لا يصلح في مكانها غيرها تعبر عن معانيها في دقة وإحكام، وتنبعث منها لطائف وأنوار، وينطوي تحتها الكثير من العجائب والأسرار، وجمل ربانية متناسقة متلاحقة قد فصلت على معانيها بمقدار، وحروف ذات أصوات وأنغام تبعث في الصورة الحركة وتبث فيها الحياة .

      تأمل نظم الآية العجيب كلمات إلهية لا يصلح في مكانها غيرها تعبر عن معانيها في دقة وإحكام، وتنبعث منها لطائف وأنوار، وينطوي تحتها الكثير من العجائب والأسرار، وجمل ربانية متناسقة متلاحقة قد فصلت على معانيها بمقدار، وحروف وأنغام تبعث في الصورة الحركة وتبث فيها الحياة .

      إنما من يقرأ الآية الكريمة، يتذوق خلاوتها يخيل إليه أنه يرى هذه الصورة الغيبية الخفية أمام عينيه وأنه يلمسها ويتقراها بيديه .

      أبعد هذا التصوير يأتي مكابر مجهول يصف التشبيه القرآني بأنه عن الإعجاز معزول ؟

      قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:41) .

      شبه القرآن الكريم حال هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أندادا في لجوئهم واحتمائهم بهؤلاء الأنداد الضعفاء المتناهين في الضعف بحال العنكبوت حينما تأوي إلى بيتها الضعيف الواهن وتحتمي به .

      صورة عجيبة تلح على الحس والوجدان، وتجتذب إليها الألتفات، وتسترعي الانتباه، وتسترق الأسماع وتبهر الألباب وتستولي على الأحاسيس والمشاعر، ويقف أمامها دهاقين الكلام حيارى يتساءلون كيف نظمت هذه الصورة ؟ وكيف تكونت ؟ ثم لا يجدون من يجيبهم على تساؤلاتهم، لأن البشر مهما أوتوا من البراعة والبيان لا يمكنهم الوصول إلى معرفة سر نظم القرآن .

      إنها تصور لك هؤلاء العباد الغافلين بصورة العناكب الضئيلة الواهنة، وتصور لك هؤلاء الضعفاء العاجزين بصورة بيت العنكبوت الذي يضرب به المثل في الضعف والوهن .

      و أظنك أيها القارئ الكريم لست في حاجة إلى أن أحدثك عن نظم هذه الصورة البلاغية فذلك متروك لذوقك وإحساسك، ولكنني أدعوك إلى النظر والتأمل في الكلمات التي اختيرت للمشبه به ونظمت منها صورته ":كمثل العنكبوت اتخذت بيتا.." هل في مقدورك أو في مقدور أي بليغ مهما كان حظه من الفصاحة البيانية، ومهما كان يحفظ من مفردات اللغة العربية أن يأتي بألفاظ تسد مسد هذه الألفاظ التي نظمت منها صورة المشبه به ؟ إن أحداً من البشر لن يستطيع، واللغة العربية على اتساع مفرداتها ليس فيها ما يسد مسد هذه الألفاظ .

      إنها الصياغة الإليهة يقف البشر أمامها عاجزين حيارى مذهولين .

      قال تعالى : {174} وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ {175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ {177} [سورة العنكبوت ].

      تأمل الصورة التشبيهية التي اشتملت عليها الآية الكريمة .

      لقد شبه القرآن الكريم في هذه الآية حال الكذب بآيات الله في إصرار على ضلاله في جميع أحواله كالكلب في إدامه اللهثان .

      إنها صورة فنية رائعة أحكم القرآن الكريم صياغتها، وأجادت الريشة الإلهية رسمنها، تكشف في جلاء ووضوح عن حقيقة هذا الكذب الضال، إنه حقير قذر، لا يؤثر فيه النصح والإرشاد ولا ينفع معه الوعظ والتذكير، قد ركب رأسه، ولج في ضلاله، واتخذ الشيطان إلها من دون الله ثم تأمل الكلمات التي نظمت منها صورة المشبه به لا تجد في مفردات اللغة ـ على كثرتها، من بقوم مقامها ويسد مسدها، ثم تأمل كلمة " الكلب " وحدها لا تجد كلمة في اللغة تصور هذا المعنى وتبرزه في صورة حية متحركة سواها، إذ كل مخلوق إنما يلهث من مرض أو عطش أو إعياء إلا الكلب فإنه يلهث في جميع أحواله في حال الدلال وفي حالة الراحة، وفي حالة الصحة والمرض وفي حالة الري والعطش .


      قال تعالى: {21} وَحُورٌ عِينٌ {22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ {23} جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} [ سورة الرحمن ].

      شبه القرآن الكريم الحور العين باللؤلؤ المكنون في الصفاء والنقاء والهدوء والصيانة .

      تأمل نظم هذه الصورة التشبيهية الإلهية أنه فوق طاقة البشر . ثم تأمل هذه الكلمة العجيبة " اللؤلؤ " هل في مقدورك أو في مقدور أي بليغ مهما أوتي من البراعة والبيان أن يأتي بكلمة أخرى تؤدي معناها، وتصور ما صورته ؟ ثم تأمل الدقة في صفة هذا اللؤلؤ بكونه مكنونا.

      إن اللؤلؤ فيه الصفاء والهدوء والنقاء، وهو أحجار كريمة من شأنها أن تصان ويحرص عليها .

      تأمل الارتباط العجيب والصلة الوثيقة بين الحور العين واللؤلؤ المكنون، إنه الإعجاز يلبس ثوب التشبيه فيقف البلغاء أمامه ضعفاء قد استولت عليه الحيرة وسيطرت على عقولهم الدهشة وداعبت أنامل الإعجاب حبات قلوبهم . فخروا ساجدين لعظمته، وشهدوا بأنه البيان الإلهي الذي لا يقدر عليه بشر .


      قال تعالى : {3} يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ {4} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ {5} فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ {6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7} وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ {8} فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ {9} وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ {10} نَارٌ حَامِيَةٌ {11}[ سورة القارعة ].

      شبه القرآن الكريم الناس يوم القيامة بالفراش المبثوث في ضعفهم وضالتهم وتهافتهم .

      و شبه الجبال بالعهن " الصوف " المنفوض في هشاشتها وخفتها .

      مشهدان رائعان رسمتهما الريشة الإلهية فأجادت وأعجزت، وسخرت وأدهشت .

      تأمل هذه الكلمة " الفراش " إنها تصور لك بظلها وجرسها، وإيحائها الناس في هذا اليوم في منتهى الضعف والضالة، وهم مستخفون من هول هذا اليوم .

      و تأمل الدقة في وصف الفراش في وصف الفراش بكونه مبثوثاً أن هذا الوصف يصور لك كثرة الناس في هذا اليوم وتهافتهم . ثم حدثني بربك هل في مفردات اللغة كلمة تصور هذا المشهد سوى هذه الكلمة القرآنية ؟

      و هل هناك أعجب من هذه الدقة في وصف الفراش بكونه مبثوثاً ؟.

      ثم دقق نظرك في كلمة " العهن " هل في قواميس اللغة العربية كلمة أقدر على تصوير هذا المشهد من هذه الكلمة ؟ إنها بجمالها وظلها وجرسها الساحر تصور لك الجبال الضخمة الثابتة بالصوف المنقوش الذي تتقاذفه الرياح الهوج . ثم تأمل بعقلك ر خيالك الدقة والإحكام في وصف العهن بكونه منفوشاً إن هذا الوصف يصور لك الجبال الضخمة الثابتة في منتهى الهشاشة والخفة .

      إنه النظم القرآني يبهر العقول، ويطير بالألباب، ويذهب بسر البلاغة وسحر البيان .



      من روائع الاستعارة في القرآن الكريم
      قال تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) (يّـس:37)

      استعير في الآية الكريمة : " السلخ " وهو كشط الجلد عن الشاة ونحوها لإزالة ضوء النهار عن الكون قليلاً قليلاً، بجامع ما يترتب على كل منهما من ظهور شيء كان خافياً، فبكشط الجلد يظهر لحم الشاة، وبغروب الشمس تظهر الظلمة التي هي الأصل والنور طاريء عليها، يسترها بضوئه . و هذا التعبير الفني يسميه علماء البلاغة " الاستعارة التصريحية التبعية " .

      استعارة رائعة وجملية، إنها بنظمها الفريد وبإيحائها وظلها وجرسها قد رسمت منظر بديعاً للضوء وهو ينحسر عن الكون قليلاً قليلاً وللظلام وهو يدب إليه في بطء .

      إنها قد خلعت على الضوء والظلام الحياة، حتى صارا كأنهما جيشان يقتتلان، قد أنهزم أحدهما فولى هارباً، وترك مكانه للآخر .

      تأمل اللفظة المستعارة وهي " نسلخ " إن هذه الكلمة هي التي قد استقلت بالتصوير والتعبير داخل نظم الآية المعجز فهل يصلح مكانها غيرها ؟


      قال تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (التكوير:18) استعير في الآية الكريمة خروج النفس شيئاً فشيئاً لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلاً قليلاً بمعنى النفس ، تنفس بمعنى خرج النور من المشرق عند انشقاق الفجر .

      استعارة قد بلغت من الحسن أقصاه، وتربعت على عرش الجمال بنظمها الفريد، إنها قد خلعت على الصبح الحياة حتى لقد صار كائنا حيا يتنفس، بل إنساناً ذا عواطف وخلجات نفسية، تشرق الحياة بإشراق من ثغره المنفرج عن ابتسامة وديعة، وهو يتنفس بهدوء، فتتنفس معه الحياة، ويدب النشاط في الأحياء على وجه الأرض والسماء، أرأيت أعجب من هذا التصوير، ولا أمتع من هذا التعبير؟

      ثم تأمل اللفظة المستعارة وهي " تنفس " أنها بصوتها الجميل وظلها الظليل، وجرسها الساحر قد رسمت هذه الصورة البديعة في إطار نظم الآية المعجزة، فهل من ألفاظ اللغة العربية على كثرتها يؤدي ما أدته، ويصور ما صورته ؟

      قال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) (الحاقة:11) .

      استعير في الآية الكريمة " الطغيان " للأكثر الماء بجامع الخروج عن حد الاعتدال والاستعارة المفرط في كل منها .

      ثم اشتق من الطغيان : " طغى " بمعنى كثر .

      استعارة فريدة لا توجد في غير القرآن إنها تصور لك الماء إذا كثر وفار واضطرب بالطاغية الذي جاوز حده، وأفرط في استعلائه . أرأيت أعجب من هذا التصوير الذي يخلع على الماء صفات الإنسان الآدمي ؟ ثم تأمل اللفظة المستعارة " طغى " إنها بصوتها وظلها وجرسها إيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الساحرة في إطار نظم الآية المعجز .

      قال تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94).

      استعير في الآية الكريمة :" الصدع " وهو كسر الزجاج للتبليغ بجامع التأثير في كل منهما أما في التبليغ فلأن المبلغ قد أثر في الأمور المبلغة ببيانها بحيث لا تعود إلى حالتها الأولى من الخفاء، وأما في الكسر فلأن فيه تأثير لا يعود المكسور معه إلى الإلتئامه .

      ثم اشتق من الصدع معنى التبليغ اصدع بمعنى بلغ، استعارة رائعة وجميلة إنها تبرز لك ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة مادة يشق بها ويصدع . إنها تتبرز لك المعنى المعقول في صورة حسية متحركة كأنها كأنك تراها بعينك وتلمسها بيدك . تأمل اللفظة المستعارة " اصدع " إنها بصورتها وجرسها وإيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الفردية المؤثرة إذ أن من يقرأها يخيل إليها أنه يسمع حركة هذه المادة المصدوعة تخيل لو استبدلت كلمة " اصدع " بكلمة " بلغ" ألا تحس أن عنصر التأثير قد تضاءل وأن الصورة الحية المتحركة قد اختفت وأن المعنى قد أصبح شاحباً باهتاً؟

      إن اللفظة المستعارة هي التي رسمت هذه الصورة في إطار نظم الآية المعجزة .


      قال تعالى : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً) (الكهف:99) .

      استعير في الآية الكريمة الموج " حركة الماء" للدفع الشديد بجامع سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة ثم اشتق من الموج بمعنى الدفع الشديد" يموج " بمعنى يدفع بشدة .

      إن هذه الاستعارة القرآنية الرائعة تصور للخيال هذا الجمع الحاشد من الناس احتشاداً لا تدرك العين مداه حتى صار هذا الحشد الزاخر كبحر ترى العين منه ما تراه من البحر الزاخر من حركة وتموج واضطراب . تأمل اللفظة المستعارة أنها في إطار نظم الآية المعجزة قد استقلت برسم هذا المشهد الفريد بصوتها وجرسها وإيحائها .


      قال تعالى :(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم:1) .

      استعير في الآية الكريمة الظلمات للضلال بجامع عدم الاهتداء في كل منها .. واستعير النور بجامع الاهتداء في كل منها . وهذا المسلك الأدبي يسميه علماء البلاغة " الاستعارة التصريحة الأصلية ".

      هذه الاستعارة الفردية تجعل الهدى والضلال يستحيلان نوراً وظلمة . إنها تبرز المعاني المعقولة الخفية في صورة محسوسة، حية متحركة كأن العين تراها واليد تلمسها .

      تأمل كلمة " الظلمات " إنها تصور لك بظلامها الضلال ليلاً دامساً يطمس معالم الطريق أمام الضلال فلا يهتدي إلى الحق ثم تأمل الدقة القرآنية في جمع " الظلمات " أنه يصور لك إلى أي مدى ينبهم الطريق أمام الضلال فلا يهتدون إلى الحق وسط هذا الظلام المتراكم .

      ثم تأمل كلمة " النور " أنها بنورها تصور لك الهداية مصباحاً منيراً ينير جوانب العقل والقلب ويوضح معالم الطريق أمام المهتدي فيصل في سهولة ويسر إلى الحق فينتفع به فيطمئن قلبه وتسكن نفسه ويحظى بالسعادة في دنياه وأخراه .




      من روائع الكناية في القرآن الكريم

      قال تعالى :(ِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )(البقرة: من الآية223) لقد كنى القرآن الكريم في هذه الآية بكلمة " الحرث " عن المعاشرة الزوجية .

      إن هذه الكناية الفردية مما انفرد به القرآن الكريم فهي لطيفة دقيقة راسمة مصورة، مؤدية مهذبة، فيها من روعة التعبير وجمال التصوير، وألوان الأدب والتهذيب ما لا يستقل به بيان، ولا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن . إنها عبرت عن العاشرة الزوجية التي من شأنها أن تتم في السر والخفاء بالحرث وهذا نوع من الأدب رفيع وثيق الصلة بالمعاشرة الزوجية، وتنطوي تحته معاني كثيرة تحتاج في التعبير عنها إلى الآف الكلمات انظر إلى ذلك التشابه بين صلة الزراع بحرثه وصلة الزوجة في هذا المجال الخاص، ويبن ذلك النبت الذي يخرجه الحرث، وذلك النبت الذي تخرجه الزوج، وما في كليهما من تكثير وعمران وفلاح كل هذه الصور والمعاني تنطوي تحت كلمة " الحرث " أليست هذه الكلمة معجزة بنظمها وتصورها ؟

      هل في مفردات اللغة العربية ـ على كثرتها ـ ما يقوم مقامها ويؤدي ما أدته ويصور ما صورته . إن المعنى لا يتحقق إلا بها . وعن التصوير لا يوجد بسواها .


      قال تعالى : ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(البقرة: من الآية24).

      هذه الآية كناية عن عدم العناية عند ظهور المعجزة . أي لا تعاندوا عند ظهور المعجزة فتمسكم هذه النار العظيمة تأمل هذه الكناية ومدى ما فيها من جمال التعبير، وروعة التصوير، ولطافة الإيجاز . إنها عبرت عن العناد عند ظهور المعجزة بالنار العظيمة، وهذا التعبير فيه ما فيه من شدة التنفيذ وقوة التأثير، ثم أن هذا التعبير قد أبرز لك هذا المعنى الفكري المجرد في صورة محسوسة ملموسة ولم يقف عند هذا الحد من التجسيم والتشخيص بل تعداه إلى التصيير والتحويل . فحوله على نار ملتهبة متأججة متوهجة بل تعداه إلى أعجب من هذا التصوير، ولا أروع وألذ من هذا التعبير ؟ إنه الإعجاز يلبس ثوب الكناية فتنحني له هامات البلغاء، ويثير في النفس أسمى آيات الإعجاب .


      قال تعالى :(وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً )(البقرة: من الآية235).

      في هذه الآية كنى القرآن الكريم عن الجماع بالسر . تأمل هذه الكناية ومدى ما فيها من اللطائف والأنوار والأسرار . تأمل هذه الكناية ومدى ما فيها من اللطائف والأنوار والأسرار . إن في الكناية بالسر عن الجماع من ألوان الأدب والتهذيب ما يعجز عن وصفه أساطين البيان، وفيها من جمال التعبير ما يسترق الأسماع ويهز العواطف ويحرك الأحاسيس والمشاعر . لقد ألبست الجماع الذي يتم في السر ثوب السر فذهبت بسر الفصاحة والبيان . أبعد هذا يقال أن الكناية في القرآن يستطيع أن يحاكيها بنو الإنسان ؟ أبداً والله إن بني الإنسان من المعجز بحيث لا يمكنهم فهم ما تنطوي عليه الكناية في القرآن من الأسرار .

      قالى تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (آل عمران:90) .

      كنى القرآن الكريم في هذه الآية بنفي التوبة عن الموت على الكفر . تأمل هذه الكناية ومدى ما فيها من الجمال والروعة . ألا تحس أن التعبير الذي كنى به القرآن أجمل من أي تعبير آخر ؟ ألا تحس أن في هذا التعبير إيجاز لطيف ؟ إن التعبير بجماله وإيجازه وبديع نظمه فوق مقدور البشر .

      قال تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل:5) .

      كنى القرآن الكريم " بالعصف المأكول " عن مصيرهم إلى العذر فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك .

      تأمل هذه الكناية إن فيها من ألوان الأدب والجمال ما لا يستقل به بيان، وفيها من الإعجاز اللطيف ما يعجز عن وصفه مهرة صناع الكلام . أما الأدب والجمال ففي التعبير عن العذرة بالعصف المأكول وهذا التعبير مما أنفرد به القرآن فلا يوجد في غيره، وأما الإيجاز اللطيف ففي اختصار مقدمات لا أهمية لها بالتنبيه على النتيجة الحاسمة التي يتقرر فيها المصير . وفيها زيادة على ذلك التلازم الوثيق بين اللفظ والمعنى الكنائي الذي لا يتخلف أبدا فإن العصف المأكول لابد من صيرورته إلى العذرة .

      فالمعنى لا يؤدي إلا بهذا اللفظ لا يصلح لهذا المعنى حتى لتكاد تصعب التفرقة بينهما فلا يدري أيهما التابع ؟ وأيهما المتبوع ؟ ومن هنا يأتي الإعجاز .


      قال تعالى :( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الاسراء:29) .

      كنى القرآن الكريم في هذه الآية بغل اليد إلى العنق عن البخل، وببسطها كل البسط عن الإسراف . تأمل الكنايتين تجد فيهما من روائع البيان ما لا يحيط به فكر إنسان فيهما جمال في التعبير، وروعة في التصوير، وإيجاز وتأثير، وتنفير .

      حدثني بربك ألا ترى أن التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق فيه تصوير محسوس لهذه الخلة المذمومة في صورة بغيضة منفرة ؟ فهذه اليد التي غلت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد، وهو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد، وهو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد بإنفاق ولا عطية . والتعبير ببسطها لك البسط يصور هذا المبذر لا يبقى من ماله على شيء كهذا الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . وهكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . وهكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى قوياً مؤثراً ثم تأمل التلازم الوثيق الذي لا يتخلف أبداً بين التعبير والمعنى الكنائي . إن هذا التلائم يدلك على أن المعنى الكنائي لا يمكن تأديته وتصويره إلا بهذا التعبير، وأن هذا التعبير لا يصلح إلا لهذا المعنى . هل في مقدور البشر أن يحاكوا هذا الأسلوب ؟




      إعجاز في نغم القرآن
      إنك إذا قرأت القرآن قراءة سليمة، وتلاوة صحيحة . أدركت أنه يمتاز بأسلوب . إيقاعي ينبعث منه نغم ساحر يبهر الألباب، ويسترق الأسماع، ويسيل الدموع من العيون . ويستولي على الأحاسيس والمشاعر، وأن هذا النغم يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال ولكنه ـ على لك حال ـ ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني . إنه تنوع موسيقي الوجود في أنغماه وألحانه .

      و لعنا لا نخطئ إن رددنا سحر هذا النغم إلى نسق القرآن الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعاً يقول المرحوم الأستاذ سيد قطب : " على أن النسق القرآني قد جمع بين مزايا الشعر والنثر جميعاً، فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة، وأخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغنى عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي، وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا فجمع النثر والنظم جميعاً " [6].


      أقرأ معي الآيات الأولي من سورة النجم :
      بسم الله الرحمن الرحيم

      وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى {1}

      مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى

      وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى

      إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى

      عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى

      ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى

      وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى

      ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى

      فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

      فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى

      مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى

      أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى

      وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى

      عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

      عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى

      إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى

      مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى

      لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى

      أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى

      وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى

      أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى

      تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى {1- 22} [سورة النجم ].

      تأمل الآيات تجد فواصل متساوية في الوزن تقريباً ـ على نظام غير نظام الشعر العربي ـ متحدة في حرف التقفية تماماً، ذات إيقاع موسيقي متحد تبعاً وذلك، وتبعاً لأمر آخر لا يظهر ظهر الوزن والقافية، لأنه ينبعث من تألف الحروف في الكلمات، وتناسق الكلمات في الجمل، ومرده إلى الحس الداخلي، والإدراك الموسيقي، الذي يفرق بين إيقاع موسيقي وإيقاع، ولو اتحدت الفواصل والأوزان . والإيقاع الموسيقي هنا متوسط الزمن تبعاً لتوسط الجملة الموسيقية في الطول متحد تبعاً لتوحد الأسلوب الموسيقي وإيقاع، ولو اتحدت الفواصل والأوزان .

      و لا يعني هذا أن كلمة " الأخرى " أو كلمة " الثالثة " أو كلمة " إذن " زائدة لمجرد القافية أو الوزن، فهي ضرورية في السياق لنكث معنوية خاصة .

      و تلك ميزة فنية أخرى أن تأتي اللفظة لتؤدي معنى في السياق لنكث معنوية خاصة، وتلك ميزة فنية أخرى أن تأتي اللفظة لتؤدي معنى في السياق، وتؤدي تناسباً في الإيقاع، دون أن يطغى هذا على ذلك، أو نحو يختل إذا قدمت أو أخرت فيه، أو عدلت في النظم أي تعدل .

      و إن هذا النغم القرآني ليبدو في قمة السحر والتأثير في مقام الدعاء، إذا الدعاء ـ بطبيعة ـ ضرب من النشيد الصاعد إلى الله، فلا يحلو وقعه في نفس الضارع المبتهل إلا إذا كانت ألفاظه جميلة منتقاة وجملة متناسقة متعانقة، وفواصله متساوية ذات إيقاع موسيقي متزن، والقرآن الكريم لم ينطق عن لسان النبيين والصديقين والصالحين إلا بأحلى الدعاء نغماً , وأروعه سحر بيان، أن النغم الصاعد من القرآن خلال الدعاء يثير بكل لفظة صورة، وينشئ في كل لحن مرتعاً للخيال فسيحا : فتصور مثلاً ـ ونحن نرتل دعاء زكريا عليه السلام ـ شيخاً جليلاً مهيباً على كل لفظه ينطق بها مسحة من رهبة، وشعاع من نور، ونتمثل هذا الشيخ الجليل ـ على وقاره ـ متأجج.

      العاصفة، متهدج الصوت، طويل النفس، ما تبرح أصداء كلماته تتجاوب في أعماق شديدة التأثير . بل أن زكريا في دعائه ليحرك القلوب المتحجرة بتعبيره الصادق عن حزنه وأساه خوفاً من انقطاع عقبه، وهو قائم يصلي في المحراب لا ينئ ينادي أسم ربه نداء خفياً، ويكرر اسم " ربه " بكرة وعشياً، ويقول في لوعة الإنسان المحروم وفي إيمان الصديق الصفي : {3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا {6} [سورة مريم] .

      و إن البيان لا يرقى هنا إلى وصف العذوبة التي تنتهي في فاصلة كل آية بيائها المشددة وتنوينها المحول عند الوقف ألفا لينة كأنها في الشعر ألف الإطلاق : فهذه الألف اللينة الرخية المنسابة تناسقت بها " شقياـ وليا ـ رضياً " مع عبد الله زكريا ينادي ربه نداء خفياً، ولقد استشعرنا هذا الجو الغنائي ونحن نتصور نبياً يبتهل وحده في خلوة مع الله، وكدنا نصغي إلى ألحانه الخفية تتصاعد في السماء، فكيف بنا لو تصورنا جماعة من الصديقين الصالحين وهم يشتركون : ذكرانا وإناثا، شبانا ً بأصوات رخيمة متناسقة تصعد معا وتهبط معا وهي تجأر إلى الله، وتنشد هذا النشيد الفخم الجليل :" ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك فقنا عذاب النار، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخذيته، وما للظالمين من أنصار، ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بركم فأمنا، ربنا فأغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيأتينا، وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ".

      إن في تكرار عبارة " ربنا " لما يلين القلب، ويبعث فيه نداوة الإيمان، وأن في الوقوف بالسكون على الراء المذلقة المسبوقة بهذه الألف اللينة لما يعين على الترخيم والترنيم، ويعوض في الأسماع أحلى ضربات الوتر على أعذب العيدان .

      و لئن كان في موقفي الدعاءين هذين نداوة ولين، ففي بعض مواقف الدعاء القرآني الأخرى صخب رهيب، ها هو ذا نوح عليه السلام يدأب ليلاً ونهاراً على دعوة قومه إلى الحق، ويصر على نصحهم سراً وعلانية، وهم يلجون في كفرهم وعنادهم، ويفرون من الهدى فراراً، ولا يزدادون إلا ضلالاً واستكباراً، فما على نوح ـ وقد أيس منهم ـ إلا أن يتملكه الغيظ ويمتلئ فمه بكلمات الدعاء الثائرة الغضبى تنطلق في الوجوه مديدة مجلجة، بموسيقاها الرهيبة، وإيقاعها العنيف، وما تتخيل الجبال إلا دكا، والسماء إلا متجهمة عابسة والأرض إلا مهتزة مزلزة، والبحار إلا هائجة ثائرة، حين دعا نوح على قومه بالهلاك والتيار فقال: {25} وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27} رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا {28} [ سورة الأحزاب ].

      أما الحناجر الكظيمة المكبوتة التي يتركها القرآن في بعض مشاهده تطلق أصواتها الحبيسة ـ بكل كربها وضيقها وبحتها وحشرجتها ـ فهي حناجر الكافرين النادمين يوم الحساب العسير، فيتحسرون ويحاولون التنفيس عن كربهم ببعض الأصوات المتقطعة المتهدجة، كأنهم بها يتخففون من أثقال الدين يدعون ربهم دعاء التائبين النادمين ويقولون (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا) (الأحزاب:67) .

      و إن هذه الموسيقى الداخلية لتنبعث في القرآن حتى من اللفظة المفردة في كل آية من آياته، فتكاد تستقل ـ بجرسها ونغمها ـ بتصوير لوحة كاملة فيها اللون زاهياً أو شاحباً، وفيها الظل شفيقاً أو كثيفاً . أرأيت لونا أزهي من نضرة الوجوه السعيدة الناظرة إلى الله، ولونا أشد تجهما من سواد الوجوه الشقية الكالحة الباسرة في قوله تعالى : {21} وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ {24} [ سورة القيامة] . لقد استقلت في لوحة السعداء لفظة " ناضرة " بتصوير أزهى لون وأبهاه، كما استقلت في لوحة الأشقياء لفظة " باسرة " برسم أمقت لون وأنكاه


      محاولات تحدي القرآن

      حاول الكثيرين ممن أخذ القرآن بلب عقولهم؛ تحدي القرآن، فعجزوا عن ذلك.. وأصيبوا بالخيبة والفشل الذريع.. فكيف يقارن كلام العباد بكلام رب العباد؟؟! ولعل أهم القصص التي تجسد لنا هذه المحاولات، هي..

      قصة لبيد بن أبي ربيعة -رضي الله عنه- ذلك الشاعر الصنديد، الذي اعترفت العرب جميعا بشاعريته.. عندما سمع تحدي القرآن للناس، ولم يكن قد سمع به، كتب أبياتا من الشعر وعلقها على ستار الكعبة.. فرأى ذلك أحد المؤمنين، فأخذته عزة الإسلام فكتب آيات من القرآن فوضعها بجانبها..

      وعندما جاء الشاعر العربي لبيد من الغد، شاهد ورقة بجانب شعره فقرأها فإذا هي بآيات من كتاب الله، فتلفت حوله، وتعجب عقله، والله ما هذا بقول بشر.. وقال:

      "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله"

      وأقسم أن لا يقول الشعر بعد ذلك أبدا.. حتى جاء في أحد الأيام عمر بن الخطاب أثناء خلافته وقال للبيد: "أنشدني بشيء من الشعر"، فقرأ من سورة البقرة وآل عمران، ثم قال: "والله ما كنت لأقول الشعر وقد حفظت سورة البقرة وآل عمران.."

      وقصة مسيلمة الكذاب، ذلك المرتد عن الإسلام الذي حاول مجارات القرآن.. حيث يقول في كتابه الباطل..

      "والليل الأضخم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم"

      "والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس"

      "والفيل، وما أدراك ما الفيل، له جسم كبير، وذيل وبيل، وخرطوم طويل"

      "والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تجتمعون؟"

      "يا ضفدع يا بنت الضفدعين، نقي لا تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين؟، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين.. لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوما يعتدون"

      "والمبديات زرعا، فالحاصدات حصدا، فالذاريات قمحا، فالطاحنات طحنا، فالخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ضيفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوءوه"

      مهزلة.. كلام بشر أجوف.. ولا يعتقد أحد أن الذين اتبعوه قد آمنوا بما يقول وصدقوه.. وإنما كان ذلك حمية، حيث سأل أحدهم مسيلمة: "ماذا ترى؟" - أي عند زول الوحي عليه كما يزعم، فقال: "أرى رجس"، قال: "أفي نور أم في ظلمة؟"، قال: "بل في ظلمة"، فقال الرجل: "والله إنه لشيطان.. ولكن؛ كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر.."


      المصدر :

      إعجاز النظم في القرآن الكريم تأليف الأستاذ محمود شيخون .

      دراسات حول الإعجاز البياني في القرآن الدكتور المحمدي عبد العزيز الحناوي

      إعجاز القرآن البياني الدكتور عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ

      من روائع القرآن الكريم للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

      إعجاز القرآن مصطفى صادق الرافعي .


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] [إعجاز القرآن للرافعي : ص 275].

      [2] [عن من كتاب روائع القرآن :للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ] .

      [3] [إعجاز القرآن ص274 وكتاب تاريخ الأدب العربي للرافعي 241]

      [4] [كتاب إعجاز القرآن للرافعي ].

      [5] [ دلائل الإعجاز للجرجاني ص79 ـ80].

      [6] [ التصوير الفني في القرآن سيد قطب ].


    • آيات عظمة الله في البحار و المحيطات



      قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14)

      عظمة البحار
      تشغل البحار والمحيطات، حيزاً كبيراً من سطح الأرض، يبلغ نحو ثلاثة أرباعه . وتختلف صفات الماء على الأرض، بسهولة تدفقه من جهة إلى أخرى، حاملاً الدفء أو البرودة . وله قوة انعكاس جيدة للإشعاع الشمسي، ولذا فإن درجة حرارة البحار لا ترتفع كثيراً أثناء النهار ، ولا تنخفض بسرعة أثناء الليل فلا تختلف درجة الحرارة أثناء الليل عن النهار بأكثر من درجتين فقط .

      و يقول أحد العلماء أن البحر يباري الزمان في دوامه، ويطاول الخلود في بقائه . تمر آلاف الأعوام بل وعشرات الألوف والملايين، وهو في يومه هو أمسه وغده، تنقلب الجبال أودية، والأودية جبالاً، وقد دلت الأبحاث العلمية أن أقصى أعماق البحار تعادل أقصى علو الجبال، وقد صرح الكابتن جاك ايف كوستو مكتشف أعماق البحر في أوائل سبتمبر سنة 1956 بأنه قد أمكن التقاط صور فوتوغرافية على عمق 25080 قدماً وأنه اكتشفت ألواناً جديدة من الحياة وأنواعاً لا عهد للعلم بها . وتدل الصور التي التقطت على قاع المحيط على أن قاع المحيط ليس منبسطاً كما كان مفهوماً .


      قوة البحار


      قال الله تعالى : (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً) (الاسراء:67)


      ماء المحيطات والبحار، والبحيرات والأنهار، والترع والقنوات مصدرها واحد .... ذرات من إيدروجين ... أتحدت مع ذرات من أكسجين، فكونت الماء .. الذي يسير دائما في اتجاه واحد... لا يختلف ولا يتغير .. يسير حاملا الحياة .. ولكن هل الماء دائما يجري لجلب الحياة والسعادة ...؟ ألا ما أقواه !...

      وما أقساه !! فإنه أحيانا يكاد يكون أقوى وأقسى ما في الوجود على وجه الإطلاق، فهو يجرف كل ما يقف في سبيله دائما كائنا ما كان !! وهو يسبب كوارث الفيضانات ولكل صلب .. وإليه يفتت الحجر، وتهوي تحت نقاطه الصخور وكل صلب .. وإليه يرجع ما في المحيط من روعة وعمق ... سر ورهبة ... خطر وفزع ... ولعل أبدع ما قيل في وصف زمجرة البحر، لمن قال .. من اتفق له أن يعرف ما الزوبعة البحرية ... تدوم ثلاثة أيام أو أربعة لا تقعد لها قائمة ... ولا لها شدة ..موج متصاعد كالجبال، وخنادق منخفضة كالأودية، اتصال ما بين البحر والسماء، لا بر ينظر، ولا أفق يبصر، وأرض إلا قباب الأمواج، ولا بحر إلا غيوم السماء . فالموج الذي يرتفع عادة إلى 25 قدماً قد يرتفع في أيام العاصفة إلى 130 قدماً، وإذا عرفت أن للقدم الواحد في كل موجة قوة مدمرة زنتها ستة آلاف رطل لأمكننا أن نتصور مدى الدمار الذي تنتجه هذه الأمواج .

      ففي عام 1872 اقتلعت موجة عاتية في أسكتلندا مرسى حديدياً زنته مليونا و700 ألف رطل، وأخرى حملت صخرة وزنها 175 ألف رطل إلى ارتفاع مائة قدم .

      وفي عام 1737 وفي ميناء بابجوك هاج البحر وقتل 300 ألف إنسان ودمر 20 الف مركب .

      ثم على حين فجأة، يصفوا الجو، وتعتدل الرياح، ويسكن البحر، وتظهر السماء وتنكشف الأرض، فلا يملك الإنسان إلا أن يسبح بحمد الله قائلا :


      قال الله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة:117) .

      أحياء البحار

      يقول الدكتور "هدسون" أنظر إلى العالم العجيب السابح في نقطة ماء، وتأمل تلك الأحياء، مكبة على عملها، غادية رائحة، وأعجب من أجسامها، وأراقبها وهي تطلب قوتها، وتنقض على فريستها، وتهرب من عدوها فلا تتمالك من أن تعترف بأن عواطف الإنسان، تجتاح صدور حيوان أصغر من إن يرى . والحياة ملء البحار حقاً، فإن عدد أصناف الكائنات الحية المجودة في البحار، أكثر من العدد الموجود على الأرض على وجه الإطلاق . واختلاف الكائنات الحية الموجودة في البحار اختلافا واسعاً، حتى أنها مازالت تتزايد في عدد تصنيفها، فمنها قريص البحر، تلك الكائنات الصغيرة التي يبلغ عدد الموجودين منها في الميل المكعب الواحد، نحو رقم يبلغ سبعة عشرة عدداً أي بلايين البلايين . ومنها الدوركال الذي يبلغ طوله 120 قدما . وفيها الأسماك الصغيرة، والتي تتغذى عليها الكبير، ومنها الكاشلوت، وهو الحوت، الذي يطوف طولاً وعرضاً، ويجول فيه جولات الأسد في غابته ... وله أنياب حادة، وقوى غير متصورة، تمكنه من مهاجمة المراكب بل تحطيمها ،و من عجائب أحياء البحر، السمك الهلامي، والحيوانات الرخوة . وللبحر طائر خاص به، وهو الصخاب ،و هو طائر ضخم الجثة، قوي الصوت جداً، يبلغ طول جناحيه متى كانا ممدودين خمس عشرة قدماً .

      ويبقى هذا الطائر ساعات متوالية طائراً، وقيل أنه ينام محلقا قي الفضاء ... ويكفي أن يتفكر الإنسان في ملايين الصيادين الذين ينشرون شباكهم في البحر ويخرجون كل ساعة ملايين الملايين من أطنان الأسماك ... وكأن مافي البحر لا يتأثر بكل ما يصطادون ..!!

      وتتفاوت الأعماق التي فيها هذه الحيوانات، ولكل عمق أصناف مميزة موجودة به.. وسنقتصر في الحديث عن أمثلة قليلة، من ملايين أمثلة الأحياء في البحار، التي تنطق بعظمة الخالق، وقدرة الصانع :

      الأميبيا

      كائن حي دقيق الحجم، يعيش في البرك والمستنقعات، أو على الأحجار الراسية في القاع، ولا يرى بالعين إطلاقاً، وهو يرى بالمجاهر، كتلة هلامية يتغير شكلها بتغير الظروف والحاجات . فعندما تتحرك، تدفع بأجزاء من جسمها تكون به شكلهاً بتغير الظروف والحاجات . فعندما تتحرك، تدفع بأجزاء من جسمها تكون به زوائد، تستعملها كالأقدام، للسير بها إلى المكان المرغوب .

      و لذا تسمى هذه الزوائد، بالأقدام الكاذبة .

      وإذا وجدت غذاء لها، أمسكت به بزائدة أو زائدتين، وتفرز عليه عصارة هاضمة، فتتغذى بالمفيد منها، أما الباقي فتطرده من جسمها .. وهي تتنفس من كل جسمها بأخذ الأوكسجين من الماء .. فتصور هذا الكائن الذي لا يرى إطلاقا بالعين !! يعيش ويتحرك !! ويتغذى ويتنفس !! ويخرج فضلاته ... فإذا ما تم نموه، انقسم على قسمين وليكون كل قسم حيوان جديداً!!


      الإسفنج
      كان الإسفنج يعتبر من النباتات حتى عام 1765 حين لاحظ العلامة " أليس " عند فحصه أحد أنواع الإسفنج الحية، أن الماء يدخل من مسامه الجانبية، ويخرج من فتحة عليا بطريقة مطردة، فداخله شك إذ ذاك، بأن ما يفحصه ربما يكون حيوانا . وفي عام 1852 وضع العلامة روبرت جرانت الإسفنج في موضعه الحالي باعتباره حيوانا .

      ومن الإسفنج، ما هو دقيق الحجم، لا يرى إلا بجهد، ومنه ما يبلغ حجماً كبيراً . كما يختلف لونه، فمنه الأصفر والأخضر، والبرتقالي والأحمر والأزرق ...

      وعلى جسمه عدة ثقوب صغيرة، وأعلاه فتحة واسعة .. فيدخل الماء محملا بالكائنات الحية والمواد الغذائية من الفتحات الجانبية، بينما تخرج البقايا من فتحته العليا . ولهذا فهو يختلف عن كافة أحياء العالم في أنه يستعمل الفتحة الرئيسية العليا، لا لتناول الغذاء بل لإخراج بقايا منها .


      الأسماك

      حيوانات مائية، تحورت أجسامها بما يوائم معيشتها في الماء . فجسمها يشبه القارب ،لا مكان بقائها فيه، ولها زعانف على هيئة المروحة، تحفظ توازنها أثناء سباحته، كما يساعده على العوم . أما ذيلها فمفلطح مقوس من وسطه، لتستطيع به تغيير طريق سيره في الماء .. ومن عجيب صنع الله، وجود كيس مستطيل في الجزء الظهري للسمكة ممتلئ بمقدار من الهواء يزيد حجمه أو ينقص، على حسب حاجة الحيوان. وهذا الكيس يسم كيس العوم .. وللسمك فتحات خارجية، هي الفم والأنف والخياشيم، وفتحات تناسلية وإخراجية .

      ومن الأجهزة العجيبة في السمك، الخيشوم الذي يتنفس به إذ أن الحيوان يفتح فمه، فيدخل فيه الماء ثم يقفله فيمر الماء من الفتحات الجانبية للفم إلى الخيشوم، الذي يحصل على الأكسجين من الماء ويطرد ثاني أكسيد الكربون .


      نجم البحر

      حيوان بحري يشبه النجم في شكلها، وهو مختلف الحجم واللون، ويوجد في جميع البحار . ويتركب جسم الحيوان من قرص، في وسطه فتحة الفم، ويتفرع من هذا القرص خمسة أذرع متشابهة شكلا، ومتساوية طولا وحجما . وسطحها العلوي أقتم من السفلي . ويوجد على جسمه عدد كبير من صفائح صلبة تبرز منها أشواك، كثيرا ما تعلق بها الأعشاب والحشائش والأوساخ .

      ولذا نجد أن هذا الحيوان، قد زود جسمه بأعضاء صغيرة تشبه الملقط، يحافظ بها على نظافة جسمه بما يلقط بها مما علق بأشواكه .

      و يتغذى نجم البحر بالحيوانات الرخوة ذات المصراعين، وهي المعروفة بالمحار ويفترسها بطريقة غريبة، هي في ذاتها دليل على وجود الله، وعلى رحمته التي عمت كل الوجود . فمتى وجدت نجمة، محارة , وضعتها بين أذرعتها الخمس، وقوست جسمها فوقها، وألصقت بمصراع المحارة عددا من أقدامها، وتشد هذه الأقدام في اتجاهين متضادين فتفتح المصراع . ونجمة البحر، صبورة جلدة، لو صادفت محارة قوي المصراع، ظلت تشده مدة طويلة إلى أن تتهادى قوته، ويُفتح المصراع مقهوراً أمام ذلك الجلد والصبر .

      و متى فتح المصراع، أخرجت النجمة جزءا من معدتها خارج فمها، يلتف حول المحار ثم تأخذ في امتصاص ما به حتى تأتي عليه .


      المرجان

      المرجان من عجائب مخلوقات الله يعيش في البحار على أعماق تتراوح بين خمسة أمتار وثلاثمائة متر، ويثبت نفسه بطرفه الأسفل بصخرة أو عشب . وفتحة فمه التي في أعلى جسمه أعلى جسمه، محاطة بعدد من الزوائد تستعملها في غذائه . فإذا لمست فريسة هذه الزوائد، وكثيرا ما تكون من الأحياء الدقيقة كبراغيث الماء، أصيبت بالشلل في الحال، والتصقت بها، فتنكمش الزوائد نحو الفم، حيث تدخل الفريسة إلى الداخل بقناة ضيقة تشبه مريء الإنسان .

      و من دلائل قدرة الخالق، إن حيوان المرجان يتكاثر بطريقة أخرى هي التذرر ، وتبقى الأزرار الناتجة متحدة مع الأفراد التي تذررت منها، وهكذا تتكون شجرة المرجان التي تكون ذات ساق سميك، تأخذ في الدقة نحو الفروع التي تبلغ غاية الدقة في نهايتها، ويبلغ طول الشجرة المرجانية ثلاثين سنتيمترا والجزر المرجانية الحية، ذات ألوان مختلفة، نراها في البحار صفراء برتقالية، أو حمراء قرنفلية، ا, زرقاء زمردية أو غبراء باهتة .

      و المرجان الأحمر، هو المحور الصلب المتبقي بعد فناء الأجزاء الحية من الحيوان . وتكون الهياكل الحجرية مستعمرات هائلة . وكان المظنون أن هذه المستعمرات أن هي إلا قمم البراكين المغمورة تحت الماء.

      و أكثر ما توجد هذه المستعمرات في المحيطين الهندي والهادي، حيث ترتفع عن الماء وتتسع حتى يبلغ من اتساعها أن تستعمر وتأهل بالسكان . وقد تبقى تحت سطح الماء، وبذلك تصبح خطرا يهدد الملاحة .

      و من هذه المستعمرات، سلسلة الصخور المرجانية المعروفة باسم الحاجز المرجاني الكبير، الموجود بالشمال الشرق لاستراليا، ويبلغ هذه السلسلة 1300 ميل، وعرضها 50 ميلا، وهي مكونة من هذه الكائنات الحية الدقيقة الحجم !!.


      حيوان اللؤلؤ

      لعل اللؤلؤ أعجب ما في البحر، فهو يهبط إلى الأعماق، وهو داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من الأخطار، ويختلف هذا الحيوان عن الكائنات الحية في تركيبه وكرقة معيشته، فإنه شبكة دقيقة كشبكة الصياد، عجيبة النسج، تكون كمصفاة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه، وتحول بين الرمال والحصى وغيرها . وتحت الشبكة أفواه الحيوان، ولكل فم أربع شفاه، فإذا دخلت ذرة رمل، او قطعة حصى، أو حيوان ضار عنوة إلى الصدفة، سارع الحيوان إلى افراز مادة لزجة يغطيها بها، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة، وعلى حسب حجم الذرة التي وصلت يختلف حجم اللؤلؤة .

      هذا إلى غير ذلك من آلاف بل ملايين الأصناف من الحيوانات البحرية الأولية كالبرامسيوم وغيرها .


      المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث " بقلم عبد الرزاق نوفل ط: دارالناشر العربي الطبعة الثالثة

    • السجود لله يخلص الإنسان من التوتر النفسي



      السجود لله يخلص الإنسان من التوتر النفسي




      قال الله تعالى في كتابه العزيز :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح:29).



      وعن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت مع أبي إلى صهر لنا من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
      "أرحنا بها يا بلال – الصلاة) مجمع الزوائد : 633).

      كشفت أحدث الدراسات المصرية التي أجريت في مركز تكنولوجيا الإشعاع القومي أن السجود لله يخلص الإنسان من الالآم الجسدية و التوتر النفسي وغيرها من الأمراض العصبية والعضوية ... و أكتشف أخصائيو العلوم البيولوجية و تشعيع الأغذية في المركز برئاسة الدكتور محمد ضياء حامد، أن السجود يقلل الإرهاق و التوتر و الصداع و العصبية و الغضب ، كما يلعب دورا مهما في تقليل مخاطر الإصابة بالأورام السرطانية .
      و أوضح الباحثون أن الإنسان يتعرض لجرعات زائدة من الإشعاع ، ويعيش معظم أحواله في أوساط و مجالات كهرومغناطيسية و هو ما يؤثر سلباً على خلاياه فيتبعها ويرهقها، أما السجود لله فيساعد الجسم في تفريغ هذه الشحنات الزائدة التي تسبب أمراض العصر كالصداع وتقلصات العضلات وتشنجات العنق و التعب و الإرهاق . إضافة إلى النسيان و الشرود الذهني مشيرين إلى إن زيادة كمية الشحنات الكهرومغناطيسية دون تفريغيها يفاقم الامر و يزيده تعقيداً، ولأنها تسبب تشويشا في لغة الخلايا و تفسد عملها و تعطل تفاعلها مع المحيط الخارجي ، فتنمو الأورام السرطانية و قد تصاب الأجنة بالتشوهات واثبت العلماء أن السجود يمثل وصلة أرضية تساعد في تفريغ الشحنات الزائدة والمتوالدة إلى خارج الجسم والتخلص منها بعيدا عن استخدام الأدوية و المسكنات وآثارها الجانبية المؤذية.


      و أكد الخبراء المصريون أن عملية التفريغ هذه تبدأ بوصل الجبهة بالأرض، كما في السجود حيث تنتقل الشحنات الموجبة من جسم الإنسان إلى الأرض ذات الشحنة السالبة و بالتالي يتخلص الجسم من الشحنات خصوصا مع استخدام عدة أعضاء فعند السجود لله يستخدم الإنسان عدة أعضاء هي الجبهة و الأنف و الكفان والركبتان و القدمان فتصبح عملية التفريغ أسهل و ابسط
      و في اكتشاف مثير أيضا لاحظ الباحثون في دراساتهم أن عملية تفريغ الشحنات الكهرومغناطيسية من جسم الإنسان يتطلب الاتجاه نحو مكة المكرمة في السجود، و هو بالفعل ما تعتمد عليه صلاة المسلمين بتوجيه وجوههم إلى للقبلة و هي الكعبة المشرفة في مكة .

      و ارجع العلماء ذلك إلى أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة في العالم ، و تقع في منتصف الكرة الأرضية ( و ليست مدينة جرينتش كما يقولون ) والاتجاه إلى مركز الأرض هو أفضل الأوضاع لتفريغ الشحنات فيتخلص الإنسان من همومه ويشعر بعدها بالراحة النفسية وهو بالفعل ما يشعر به المسلمون بعد أداء الصلاة .


      المصدر :بحث للدكتور محمد ضياء حامد
    • القرآن و الإرضاع



      القرآن و الإرضاع



      قال تعالى في سورة البقرة : ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) البقرة : 233 .

      و قال في سورة الأحقاف : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهراً ) الأحقاف 15 .

      و قال موجهاً للاسترضاع في سورة الطلاق : ( و إن تعاسرتم فستُرضع له أخرى ) الطلاق : 6.

      و جاء في حدث الرسول صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : " أرضعيه و لو بماء عينيك " و ذلك عندما طلب من أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أن ترضع وليدها عبد الله بن الزبير ...

      و نلمس مما تقدم تأكيداً على الإرضاع من ثدي المرأة ، قبل اللجوء لأية وسيلة كالإرضاع الصناعي "حليب البقر و غيره " .. فلماذا ، المقارنة الآتية تنحنا الجواب الشافي .

      مقارنة بين الرضاع الطبيعي و الإرضاع الصناعي :

      1 ـ تركيب الحليب :

      يتطور تركيب حليب الأم من يوم لآخر بما يلائم حاجة الرضيع الغذائية، و تحمل جسمه ، وبما يلائم غريزته وأجهزته التي تتطور يوماً بعد يوم ن وذلك عكس الحليب الصناعي الثابت التركيب : فمثلاً يفرز الثديان في الأيام الأولى اللبن Colostrm الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن العادي من البروتين والعناصر المعدنية، لكنه فقير بالدسم و السكر، كما يحوي أضدادا لرفع مناعة الوليد، و له فعل مل، هو الغذاء المثالي للوليد .

      كما يخف إدرار اللبن من ثدي الأم ، أو يخف تركيزه بين فترة و أخرى بشكل غريزي و ذلك لإزاحة الجهاز الهضمي عند الوليد ، ثم يعود بعدها بما يلائم حاجة الطفل .

      2 ـ الهضم :

      لبن الأم أسهل هضماً لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد خمائر المعدة عند الطفل على الهضم ، و تستطيع المعدة إفراغ محتواها منه بعد ساعة و نصف، و تبقى حموضة المعدة طبيعية ومناسبة للقضاء على الجراثيم التي تصلها بينما يتأخر هضم خثرات الجبن في حليب البقر، لثلاثة أو أربع ساعات، كما تعدل الأملاح الكثيرة الموجودة في حليب البقر حموضة المعدة، و تنقصها مما يسمح للجراثيم و خاصة القولونية بالتكاثر مما يؤدي للإسهال و الإقياء .

      3 ـ الطهارة :

      حليب الأم معقم، بينما يندر أن يخلو الحليب في الرضا ع الصناعي من التلوث الجرثومي، وذلك يحدث إما عند عملية الحلب أو بتلوث زجاجة الإرضاع .

      4 ـ درجة حرارة لبن الأم ثابتة و ملائمة لحرارة الطفل، و لا يتوفر ذلك دائماً في الإرضاع الصناعي .

      5 ـ الإرضاع الطبيعي أقل كلفة، بل لا يكلف أي شيء من الناحية الاقتصادية .

      6 ـ يحوي لبن الأم أجسام ضدية نوعية، تساعد الطفل على مقاومة الأمراض، وتواجد بنسبة أقل بكثير في حليب البقر، كما أنها غير نوعية، و لهذا فمن الثابت أن الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أقل عرضة للإنتان ممن يعتمدون على الإرضاع الصناعي.

      7 ـ الإرضاع الطبيعي يدعم الزمرة الجرثومية الطبيعية في الأمعاء ذات الدور الفعال في امتصاص الفيتامينات وغيرها من العناصر الغذائية، بينما يسبب الإرضاع الصناعي اضطراب هذه الزمرة.

      8 ـ يسبب لبن البقر مضاعفات عدم تحمل و تحسس، لا تشاهد في الإرضاع الطبيعي كالإسهال و النزف المعوي و التغوط الأسود و مظاهر التجسس الشائع ، كما إن ا المغص والإكزما البنيوية أقل تواجداً في الإرضاع الطبيعي .

      9 ـ الاستعداد للأمراض المختلفة :يهيئ الإرضاع الطفل الصناعي أي من غير الثدي للإصابة أكثر، بأمراض مختلفة، كالتهابات الطرق التنفسية، و تحدد الرئة المزمن الذي يرتبط بترسب بروتين اللبن في بلاسما الطفل و حذف لبن البقر من غذاء الطفل يؤدي لتحسنه من المرض . وكذلك التهاب الأذن الوسطى، لأن الطفل في الإرضاع الصناعي يتناول وجبته وهو مضطجع على ظهره ، فعند قيام الطفل بأول عملية بلع بعد الرضاعة ينفتح نفير أوستاش و يدخل الحليب و اللعاب إلى الأذن الوسطى مؤدياً لالتهابها.

      و تزيد حالات التهاب اللثة و الأنسجة الداعمة للسن بنسبة ثلاثة أضعاف ، عن الذين يرضعون من الثدي . أما تشنج الحنجرة ، فلا يشاهد عند الأطفال الذين يعتمدون على رضاعة الثدي .

      ـ هذه الفروق و غيرها، تفسر لنا نسبة الوفيات عند الأطفال الذين يعتمدون الإرضاع الصناعي عن نسبة وفيات إخوانهم الذين من الثدي بمقدار أربعة أضعاف رغم كل التحسينات التي أدخلت على طريقة إعداد الحليب في الطرق الصناعية ، و على طريقة إعطائه للرضيع .



      ـ طريقة الإرضاع و مصلحة الأم :

      الإرضاع من الثدي لمصلحة الأم دوماً لأنه :

      1 ـ يفيد بعملية إنطمار الرحم بعد الولادة ، نتيجة منعكس يثيره مص الحلمة من قبل الطفل ، فيعود حجم الرحم بسرعة أكبر لحجمه الطبيعي و هذا يقلل من الدم النازف بعد الولادة .

      2 ـ النساء المرضعات أقل إصابة بسرطان الثدي من النساء غير المرضعات ، فمن قواعد سرطان الثدي أنه ـ يصيب العذارى أكثر من المتزوجات المرضعات ، فمن قواعد سرطان الثدي أنه ـ يصيب العذارى أكثر من المتزوجات.

      ـ و يصيب المتزوجات غير المرضعات أكثر من المرضعات .

      ـ و يصيب المتزوجات قليلات الولادة أكثر من الولادات .فكلما أكثرت المرأة من الإرضاع ، قل تعرضها لسرطان الثدي .

      3 ـ الإرضاع من الثدي ، هو الطريقة الغريزية المثلا لتنظيم النسل :

      إذ يؤدي الإرضاع لانقطاع الدورة الطمثية بشكل غريزي ، و يوفر على المرأة التي ترغب في تأجيل الحمل أو تنظم النسل ، مخاطر الوسائل التي قد تلجأ إليها كالحبوب ،و الحقن ، و اللولب ...أما آلية ذلك ، فهي أن مص حلمة الثدي ن يحرض على إفراز هرمون البرولاكتين من الفص الأمامي للغدة النخامية ،و البرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي ،و يؤدي لنقص إفراز المنميات و البرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي ،و يؤدي لنقص إفراز المنميات التناسلية Gonadotrophin المسؤلة عن التغيرات الدورية في المبيض ، وهذا ما يحصل عند 60% من النساء المرضعات .

      ـ الإرضاع و تقوية الرابطة الروحية :

      الإرضاع الأمي يقوي الرابطة الروحية و العاطفة بين الأم ووليدها ، ويجعل الأم أكثر عطفاً بطفلها ، و هذه الرابطة هي الضمان الوحيد الذي يحدو بالأم للاعتناء بوليدها بنفسها .فهو ليس مجرد عملية مادية ، بل هو رابطة مقدسة بين كائنين ، تشعر فيه الأم بسعادة عظمى لأنها أصبحت أماً، تقوم على تربية طفل صغير ، ليكون غرساً في بستان الحياة .

      أما بالنسبة للطفل فالإرضاع الثديي يهبه توازناً عاطفياً و نفسياً ، و يجعله فرحاً مسروراً ، و عندما يضع ثغره على ثدي أمه ، يصبح على مقربة من دقات قلبها ، و هذا النغم الرقيق و اللحن ، يمنحه السكن و الطمأنينة ،و من ثم الخلود إلى الراحة و النوم .

      هذه الرابطة القوية ينجم عنها من تأثير ، تكون ضعيفة عندما يوضع الطفل على الإرضاع الصناعي ، و يكون الأمر أسوأ من ذلك عندما يقوم على العناية بالطفل غير الأم كالخادمة ، أو المسئولة في روضة الأطفال أو أي شخص خر ، لأن هذا الوضع يحطم ما يسمى بالاستقرار الذي هو أكثر ما يحتاجه الطفل في سنواته الأولى كي يحقق تطوراً انفعالياً سليماً و " إن العلاقة الحكمية الشخصية الوثيقة بين الطفل و شخص ما ـ ذلك الذي يؤمن له الغذاء و الدفء و الراحة ـ تبدو هذه العلاقة و كأنها من أولى الضرورات ، أن يكون هذا الشخص هو الأم ..." .

      ولقد أقرت مؤخرا منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف إلى أن الرضاعة الطبيعية يجب أن تستمر لعامين اثنين وأصدرت دعوتها للأمهات في العالم أجمع أن يتبعن تلك التوجيهات.

      كما دعا مقال نشر في إحدى المجلات الأمريكية Pediatric Clinics of North America في عدد شهر فبراير 2001، دعا النساء في أمريكا إلى اتباع توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ، والتي تدعو إلى الاستمرار في الرضاعة الطبيعية لمدة 12 شهرا على الأقل ، و أن الأولى من ذلك اتباع توصيات منظمة الصحة العالمية بالرضاعة لحولين كاملين .

      أليس هذا ما جاء في القرآن الكريم قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن ؟ فالله تعالى يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين ، لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل . وتثبت البحوث الطبية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لنمو الطفل نموا سليما . ولكن نعمة الله على المسلمين لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم ، فقرر ذلك في قرآنه العظيم ، والله رحيم بعباده ، وبخاصة أولئك الأطفال الأبرياء .

      وقد أكدت الدراسات الحديثة أن الرضاعة الطبيعية المديدة من لبن الأم تقي من العديد من الالتهابات الجرثومية والفيروسية . كما أن الرضاعة المديدة تقلل من حدوث سرطان الدم عند الأطفال . وكلما طالت مدة الرضاعة الطبيعية ، زادت قوة الوقاية من هذا النوع من السرطان . وليس هذا فحسب ، بل إن الرضاعة المديدة تقي أيضا من سرطان آخر يصيب الجهاز اللمفاوي في الجسم ويدعى " ليمفوما " .

      وفوق هذا وذاك، فقد أكد البحث الذي نشرته مجلة Pediatric Clinics of North America في شهر فبراير 2001 أن المدارك العقلية عند الأطفال الذين رضعوا من ثدي أمهم رضاعة مديدة هي أعلى من الذين لم يرضعوا من ثدي أمهم وأنه كلما طالت مدة الرضاعة الطبيعية زادت تلك المدارك العقلية في كل سنين الحياة .


      المرجع :مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق ومقالة للدكتور حسان شمسي باشا.

      قام بإعداد البحث فراس نور الحق محرر الموقع










    • الطب الحديث يكشف النقاب عن علاقة الصلاة في الصغر وآلام أسفل الظهر



      الطب الحديث يكشف النقاب عن علاقة الصلاة في الصغر وآلام أسفل الظهر



      قال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132) .

      وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

      "علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً،واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع"( مجمع الزوائد مج 2، كتاب الصلاة).

      قدم الدكتور . محمد وليد الشعراني استشاري جراحة المفاصل والعظام في قطر نظرية جديدة عن الظهر، فيكشف النقاب عن معجزتين إسلاميتين ظلتا محجوبتين لأكثر من ألف وأربعمائة سنة. نص النظرية: 'إذا بدأ الإنسان في تليين أسفل ظهره في سن مبكرة، واستمر في هذا التمرين وحافظ عليه أثناء الكبر فإن فرصته في الإصابة بالآلام الشديدة والانزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر ستتقلص بشكل كبير'. ملخص الدراسة: آلام أسفل الظهر من المشاكل الشائعة في البالغين غالبًا ما تظهر بسبب فقدان الليونة من الرباط الطولي الخلفي Longitudinal Ligament posterior في الظهر وكذلك النسيج الليفي الذي يشكل الطبقات الخارجية من القرص الغضروفي Annulus Fibrosus عندما تفقد هذه الأنسجة القدرة على التمغط فإنها تتمزق عند حصول حركة خاطئة تساعد على تهتكها. والحركة التي تضع ضغطًا على هذه الأنسجة هي ثني الظهر للأمام والركب مفردة.

      هذا التمزق نادر جدًا في الأطفال لأن أنسجتهم مرنة وتتمغط عند الانحناء.

      الفرضية: إذا حافظنا على ميزة مرونة الرباط والغضاريف الموجودة في الأطفال، فهل سيقلل هذا من نسبة الإصابة بآلام أسفل الظهر والانزلاقات الغضروفية في الكبار؟

      البحث الميداني: أُجري بحث ميداني على 188 من البالغين وقد تم سؤالهم إذا كانوا يشتكون من آلام أسفل الظهر أو عرق النسا وعن شدة الألم إن وجد، ثم سئلوا عن صلاتهم متى انتظموا فيها ولم يقطعوها؟

      لقد أثبتت النتائج بشكل قاطع وملحوظ صحة هذه الفرضية واكتسب الطب هذه النظرية حيث أن 2,6% فقط ممن يصلون قبل سن العاشرة قد عانوا من آلام قوية أسفل الظهر، بينما 70% ممن لا يصلون إطلاقاً يعانون من آلام قوية والتفاصيل ومن ضمنها التفسير العلمي الدقيق في الشرح.

      قبلت هذه الدراسة ونوقشت في المؤتمر القطري العالمي الثاني للأطفال في الدوحة في إبريل سنة 2000م وفي المؤتمر الدولي السادس لجراحة الظهر، والذي عقد في أنقرة من الرابع إلى السادس من سبتمبر عام 2002م، وذلك بإشراف نخبة من أطباء الظهر العالميين، كما نشرت في مجلة الظهر الأوروبية. من دون العبادات يأمر الإسلام أطفال المسلمين بالصلاة في سن مبكرة وهي السابعة وعلى أقصى تقدير العاشرة، طريقة الصلاة وفي الركوع بالذات يتعرض الرباط والغضاريف لعملية تليين فعلى الأقل سبعة عشر مرة يوميًا وذلك أثناء تأدية الصلوات الخمس، ولهذا فإن أطفال المسلمين لا شعوريًا يحافظون على ليونة ومطاطية هذه الأنسجة منذ عمر مبكرة وهكذا يمنع تيبسها في الكبر وبالتالي يمنع تمزقها.

      الأربطة الطولية خلف الفقرات والأنسجة الليفية في الغضاريف تحافظ على بقاء الغضروف في مكانه الآمن بين الفقرات وتمنع انزلاقه. أما إذا تمزقت هذه الأنسجة نتيجة لحركة خاطئة فإن جزءًا من الغضروف [وهي النواة الداخلية] تنزلق إلى الخلف حيث يوجد النخاع الشوكي والتفرعات العصبية، وكل هذا يكون مصحوبًا بآلام مبرحة. وإذا تطورت المشكلة فإنها تصل إلى ضعف تدريجي في الأعصاب. هذا التأثير على الأعصاب هو ما يعرف بعرق النسا، وهو يتفاوت بين التنميل والألم والشلل. ومساوئ الحركة الخاطئة فهي معروفة ولهذا نجد أن وقاية الظهر تتركز على تجنب هذه الحركة.

      من الناحية الأخرى نحن نعرف أن الأربطة المرنة تستطيع أن تستوعب مقدارًا أكبر من الحركة، فنجد لاعب الجمباز يستطيع أن يفتح رجليه بسهولة لأنه قام بتمغيط أربطة الوركين من عمر مبكر، ولاعب الجمباز الذي يبدأ بالتمرين في سن مبكرة يكون أكثر تفوقاً من أقرانه الذين يمارسون هذه اللعبة في سن متأخرة، أما إذا فتحنا بالقوة رجلي إنسان بالغ لم يسبق تدريبه، فإننا على الغالب سنسبب له تمزقات في أربطته وربما عضلاته.

      يتمتع الأطفال بلياقة كبيرة مقارنة بالبالغين، وسبب هذه اللياقة هو أن أنسجتهم مرنة، وإذا ما حافظنا على هذه الخاصية من الطفولة فإنه من المنطقي أن تظل هذه الأنسجة مرنة فتقاوم الحركات الشديدة، أما إذا أهملت أو بمعنى أصح إذا حرمت من التمرين المستمر فإنها ستتيبس عند الكبر، فإذا تعرضت لشد قوي بسبب حركات شديدة فإنها قد تتمزق وهذا يسبب آلامًا مبرحة. عندما ترتبت لدي هذه المعلومات عن مشاكل الظهر وخبرتي الطويلة في الرياضة والجهاز الحركي، أجد نفسي مذهولاً فقد تبلورت أمامي معجزة كبيرة من معجزات الله سبحانه جل في علاه وتضيء في كياني هذه الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

      لقد وجدت كل هذا متناسقًا تمامًا مع ثقافتي الدينية، والموضوع أنني عندما فكرت بالعبادات في الإسلام أجد أن الصلاة هي الفرض الوحيد المطلوب تطبيقه بحزم على أطفال المسلمين الصغار،

      ففي الحديث الشريف: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) رواه الترمذي: حسن صحيح.

      إذا بدأ الأولاد بالركوع مرات عديدة كل يوم ابتداءً من سن السابعة وعلى الأكثر سن العاشرة، فإن الأربطة الطولية خلف الفقرات وألياف الغضروف الخلفية تحافظ على ليونتها فيصعب تمزقها في الكبر ويبقى الغضروف آمنًا بين الفقرات، وهكذا تتقلص مشكلة صعبة تعاني منها فئة كبيرة من الناس.

      سبحان الله جاءت هذه المعلومات الدقيقة وبالغة الأهمية ومعقدة الفائدة على لسان راعي الغنم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.


      المصدر :

      بحث للدكتور . محمد وليد الشعراني قام بإعداد البحث والتعديل الطفيف عليه فراس نور الحق .
    • السقف المحفوظ

      السقف المحفوظ



      يلفت الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم انتباهنا إلى خاصية مهمة من خصائص السماء في قوله : (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:32)، هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين .

      طبقة الماغناتوسفير تتشكل من حقول الأرض المغناطيسية و تشكل درعاً واقيا للأرض من الأجرام السماوية و الأشعة الكونية و الجزيئات الضارة . في الصورة أعلاه يمكن مشاهدة طبقة الماغناتوسفير و حزام فان الن . هذه الأحزمة التي تعلو الأرض بمسافة آلاف الكيومترات تحمي الكائنات الحية منا الطاقة التي عرفتها عليها القرآن الكريم منذ 1400عام من خلال قوله تعالى : " وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً

      فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة ، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة و الصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض و إيذاء الكائنات الحية .

      بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية . و الملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي و الأشعة فوق البنفسجية و موجات الراديوا بالمرور . و كل هذه الإشعاعات أساسية للحياة .



      هذه الصورة التوضيحية تظهر النيازك و هي على وشك الارتطام بالأرض إن كل الأجرام السماوية التي تسبح في الفضاء قد تشكل تهديداً خطيراً على الأرض ولكن الله سبحانه وتعالى الذي خلقها بأكمل خلق جعل الغلاف الجوي سقفاً حامياً لها . و بفضل هذه الحماية الخاصة فإن معظم النيازك لا تؤذي الأرض ، إذ أنها تتفتت في الغلاف الجوي

      فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرور ها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ، ضروري جداً لعملية التمثيل في النباتات و لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي نبتعد من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي و لا تصل إلا كمية محدودة و ضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.

      هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر .

      و ليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة ، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية ، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا . هذه الإشعاعات ( التي تصدر عن الشمس و غيرها من النجوم باستمرار ) مميتة للكائنات الحية . و لولا وجود حزام فان ألن ، لكانت الانفجاريات العظيمة للطاقة المسماة التماوجات أو الانفجارات الشمسية ( التي تحدث بشكل دائم في الشمس ) قد دمرت الأرض .





      الصورة أعلاه تعود إلى فجوة أحدثها سقوط أحد النيازك في أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية .ولولا وجود الغلاف الجوي لسقطت ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش فيه . ولكن خاصية الحماية التي يتمتع بها الغلاف الجوي تسمح للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة . و هذا بالطبع من لطف الله بالناس ، و معجزة كشف عنها القرآن الكريم .
      يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي :

      " في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي ، و هذا القلب الغظيم للأرض المكون من الحديد و النيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير ، و هذ1 الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الإنفجارات الإشعاعية . ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض .و لا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض و كوكب المريخ الصخري ، ولكن قوة حقله المغناطيسي أقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي ، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي . إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض [1].

      إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجاريات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما . بعد خمس و ثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلة أظهرت حركة غير عادية ، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 1500درجة مئوية .

      و باختصار فإن هناك نظاماً متكاملاً يعمل فوق الأرض و هو يحيط عالمنا و يحميه من التهديدات الخارجية . إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخراً ، ولكن الله سبحاه و تعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً .


      معظم الناس ينظرون إلى السماء دون أن يتفكروا بأوجه الحماية التي يوفرها الغلاف الجوي . و عادة لا يفكرون في الحال التي يكون عليها العالم لولا وجود هذا الغلاف .



      و حين تنتقل بالحديث عن الأرض نجدها ملائمة تماماً للحياة البشرية ، عندما ننفذ من الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي نصادف فيه برودة شديدة تصل 270درجة تحت الصفر ، حمي منها العالم بفضل الغلاف الجوي .


      الطاقة التي تنتجها الشمس تتفجر كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد يساوي مائة بليون قنبلة ذرية مشابهة لتلك التي ألقيت على مدينة هيروشيما . إن العالم محمي من الآثار الهدامة لمثل هذه الطاقة بفضل الغلاف الجوي و حزام فان الن .
      المرجع : كتاب معجزة القرآن الكريم تأليف هارون يحيى


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] jps.net/bygrace/index. html Taken from Big Bang Refined by Fire by

      Dr. Hugh Ross, 1998. Reasons To Believe, Pasadena, CA.
    • مواقع النجوم

      [B]


      مواقع النجوم



      قال تعالى :

      (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 )

      في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم‏,‏ ثم يأتي جواب القسم‏:‏
      (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة:80) .

      والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم‏,‏ جمع الفوائد والمنافع‏,‏ لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏,‏ وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها‏,‏ وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله و على عظيم قدرته‏,‏ وكمال حكمته وإحاطة علمه‏.‏
      ويأتي جواب القسم‏:‏ أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله‏(‏ تعالى‏),‏ محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف‏,‏ وهو المصحف الشريف‏,‏ الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي‏(‏ أي المتوضئون الطاهرون‏),‏ ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله‏,‏ الموحدون لذاته العليا‏,‏ المطهرون من دنس الشرك‏,‏ والكفر‏,‏ والنفاق‏,‏ ورذائل الأخلاق‏,‏ لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم‏,‏ المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين‏,‏ أنزله الله تعالى بعلمه وهو الإله الخالق‏,‏ رب السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ وقيوم الكون ومالكه ‏(‏ سبحانه وتعالى‏),‏ ولذلك يقول‏(‏ عز من قائل‏):‏


      (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ

      فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة)

      تفسير القسم بمواقع النجوم:

      الفاء حرف عطف‏,‏ يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك‏,‏ أو يكون ما قبلها علة لما بعدها‏,‏ وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك‏,‏ وقد تكون للابتداء‏,‏ ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفا‏ً,‏ وأغلب الظن أنها هنا للابتداء‏.‏
      و أما لا فقد اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني‏,‏ بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم‏,‏ خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر‏,‏ وهي تأتي نافية للجنس‏,‏ أو ناهية عن أمر‏,‏ أو جوابية لسؤال‏,‏ أو بمعني غير أو زائدة‏,‏ وتارة تعمل عمل إن‏,‏ أو عمل ليس‏,‏ أو غير ذلك من المعاني‏.‏
      ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم‏:‏ لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم‏,‏ بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له‏,‏ كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به‏,‏ وقيل‏:‏ هي للنفي‏,‏ بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم‏.‏
      ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة‏,‏ وبسرعات جريها ودورانها‏,‏ وبالأبعاد الفاصلة بينها‏,‏ وبقوى الجاذبية الرابطة بينها‏,‏ واللفظة مواقع جمع موقع يقال‏:‏ وقع الشيء موقعه‏,‏ من الوقوع بمعنى السقوط‏.‏ والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها‏,‏ وحركات النجوم عديدة وخاطفة‏,‏ وكل ذلك منوط بالجاذبية‏,‏ وهي قوة لا تُري‏,‏ تحكم الكتل الهائلة للنجوم‏,‏ والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها‏,‏ والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة‏,‏ وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها القليل ...!!!

      وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة‏,‏ والتي تقول أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا‏,‏ فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبدا‏ً,‏ ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها‏,‏ و على ذلك فهذه المواقع كلها نسبية‏,‏ وليست مطلقة‏,‏ ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة‏,‏ والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن‏,‏ كما أنه نظراً لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية‏,‏ ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم‏,‏ وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله‏‏ تعالى‏ لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك‏.‏


      ماهية النجوم

      النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا‏,‏ كروية أو شبه كروية‏,‏ غازية‏,‏ ملتهبة‏,‏ مضيئة بذاتها‏,‏ متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي‏,‏ هائلة الكتلة‏,‏ عظيمة الحجم‏,‏ عالية الحرارة بدرجة مذهلة‏,‏ وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته‏.‏ ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه‏,‏ شدة إضاءته‏,‏ درجة حرارته‏,‏ حجمه‏,‏ كتلته‏,‏ موقعه منا‏,‏ سرعة دورانه حول محوره‏,‏ وسرعة جريه في مداره‏,‏ تركيبه الكيميائي‏,‏ ومستوي التفاعلات النووية فيه إلى غير ذلك من صفات‏.‏
      وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء ‏(3200‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أقلها حرارة‏,‏ إلى نجوم برتقالية‏,‏ وصفراء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الصفرة‏,‏ وبيضاء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الزرقة‏,‏ وزرقاء ‏(30,000‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أشدها حرارة‏,‏ وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏.‏
      والغالبية الساحقة من النجوم‏(90%)‏ تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(Main Sequence Srars),‏والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي‏,‏ من مثل الأقزام البيضاء‏,‏ النجوم النيوترونية‏(‏ النابضة وغير النابضة‏)‏ والثقوب السود في المجموعة الأولي‏,‏ والعمالقة الحمر‏,‏ والعمالقة العظام‏,‏ والنجوم المستعرة‏,‏ وفوق المستعرات في المجموعة الثانية‏.‏
      وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة‏,‏ وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس‏,‏ وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات‏، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs),‏ وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس‏.‏
      وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو‏8%‏ من كتلة الشمس ‏(‏ المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏),‏ والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة‏,‏ نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)..‏
      والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملا‏ً,‏ فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته‏(‏ بإرادة الخالق سبحانه وتعالى‏)‏ وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية(Prostars),‏ ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية(Main Sequence Srars),‏ ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (Red Giants),‏ فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae),‏ ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (White Dwarfs),‏ وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات‏,‏ وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول (Type I Super nova Explosion)‏ أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة‏( عدة مرات قدر كتلة الشمس‏)‏ فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (Super giants), ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني (Type II Super nova Explosion),‏ فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)‏ النابضة (Pulsars),‏ وغير النابضة (Non-Pulsating Neutron Stars),‏ أو الثقوب السود (Black Holes)‏ أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏ والنجوم العادية منها المفرد‏(‏ مثل شمسنا‏)‏ والمزدوج (Binary Stars)‏ ومنها المتعدد (Multiple Stars),‏ وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة‏,‏ والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهما‏Common Cente of Mass,‏ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (Spectroscope),‏ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي‏.‏
      والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(Nuclear Fusion)‏ وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين‏(‏ أخف العناصر المعروفة‏)‏ لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(Nova)‏والعملاق الأحمر ‏RedGiant,‏ أو النجم العملاق الأعظم (Supergiant)‏ وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم‏,‏ وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه‏,‏ وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض‏,‏ أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب اسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمساً كاملاً‏.‏
      وعند انفجار النجوم تتناثر اشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء‏,‏ فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج‏.‏


      الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا

      الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية‏,‏ وتدور معها حول مركز المجرة‏,‏ وهي أقرب نجوم السماء إلينا‏,‏ ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات‏,‏ ويقدر نصف قطرها بحوالي سببعمائة ألف كيلو متر‏(6.960*510‏ كيلو متر‏(,‏ وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏(1.99*10(27)‏ طن‏),‏ ومتوسط كثافتها‏)1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏(‏ أي ا على قليلا من كثافة الماء‏,‏ وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء على الرغم من ان حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا‏.‏
      وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏(5800‏ درجة مطلقة‏)‏ بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس‏(‏ أي اكليلها‏)‏ إلى مليوني درجة مطلقة‏,‏ وهذه الدرجات العالية من الحرارة‏,‏ والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة‏,‏ ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere)‏ احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة‏,‏ والكثافة في مركز الشمس تصل الي‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏,‏
      وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة‏70%‏ إيدروجين‏,28%‏ هيليوم‏,2%‏ عناصر أخري‏,‏ والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية‏.‏
      ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية‏,‏ قلب الشمس‏(‏ حوالي ثلث قطرها‏)‏ يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيام الأرض تقريبا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب‏(‏ وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي‏24‏ يوما من أيام الأرض‏,‏ و على ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي‏27‏ وثلث يوم من أيامنا‏.‏
      وتجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية‏)‏ في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع
      ‏(Vega)‏ وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس‏,‏ كما تجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية بسرعة تقدر بحوالي‏220‏ كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ لتتم هذه الدورة في‏250‏ مليون سنة‏.‏
      وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏,‏ وأبعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر‏.‏
      واذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فان هذه المقاييس الأرضية لاتفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا‏,‏ فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية‏,‏ وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته‏(‏ المقدرة بحوالي الثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية‏)‏ في سنة من سنينا‏,‏ وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي‏9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏.‏

      أبعاد النجوم عن أرضنا اكتشف علماء الفلك أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم الأقرب القنطوري Alpha Centaurus‏ يبعد عنا بمسافة‏4.3‏ من السنين الضوئية‏,‏ بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي‏400‏ سنة ضوئية‏,‏ ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة‏1600‏ سنة ضوئية‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية‏.‏
      ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ وسمكه نحو عشر ذلك‏,‏ وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين الف سنة ضوئية من مركز المجرة‏,‏ وعشرين الف سنة ضوئية من اقرب اطرافها‏.‏
      وتحتوي مجرتتا‏(‏ درب اللبانة‏ =Milky Way)‏ على تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم‏,‏ وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل‏,‏ تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين الف مليون سنة ضوئية‏.‏
      أقرب المجرات الينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds‏ تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين الف سنة ضوئية‏.‏


      المجرات تجمعات للنجوم

      المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ‏(‏ الدخان الكوني‏)‏ بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة‏.‏
      وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة‏,‏ وتختلف نجوم المجرة في إحجامها‏,‏ ودرجات حرارتها‏,‏ ودرجات لمعانها‏,‏ وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ وفي مراحل دورات حياتها‏,‏ وأعمارها‏,‏ فمنها النجوم العادية المفردة‏,‏ والمزدوجة‏,‏ والعديدة‏,‏ والعماليق الكبار والحمر‏,‏ والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ والثقوب السود‏,‏ وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني‏.‏
      ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل‏,‏ ومنها ما هو بيضاني‏(‏ إهليلجي‏),‏ ومنها ما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو اكبر من مجرتنا بكثير‏,‏ ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها‏,‏ وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعة المحلية Local Group‏ وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة عنقود مجري ‏Galactic Cluster‏ كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق Galactic Super cluster‏ يضم عشرات الآلاف من المجرات‏.‏
      وتتراوح المجرات في شدة اضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة‏,‏ وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب‏(‏ المناظير المقربة‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوي مجرتنا‏,‏ وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية‏,‏ وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا‏.‏
      وبالاضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فاننا نري السدم
      ‏Nebulae, ‏وهي أجسام دخانية تتخلق بداخلها النجوم‏,‏ ومن السدم ماهو مضئ وماهو معتم‏.‏


      أشباه النجوم

      وهناك أشباه النجوم Quasars‏ وهي اجسام ضعيفة الاضاءة‏,‏ ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا‏,‏ وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف
      ‏Quasi-Srellar Radio Sources‏ أشباه نجوم مصدرة للموجات الراديوية‏,‏ وان كان منها مالا يصدر موجات راديوية (Radio-quietQuasiStellarObjects).‏
      وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ماتم رصده من أجرام السماء بالنسبة للأرض إلى الآن‏.‏ وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وتبلغ كثافته واحدا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب‏(‏ واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏),‏ وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏.‏
      وقد تم الكشف عن حوالي‏1500‏ من اشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة‏.‏


      من أسباب القسم بمواقع النجوم

      هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالي‏:‏
      (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ‏[‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76]‏
      ولعل من أسباب ذلك ما يلي‏:‏
      أولا‏:‏ أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا‏,‏ فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا‏,‏ ولا بأية وسيلة مادية‏,‏ وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها‏,‏ إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة‏,‏ أو بالانفجار والاندثار‏,‏ أو بالانكدار والطمس‏.‏
      فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر‏,‏ فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا‏,‏ بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع
      ‏Vega‏ فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء‏.‏
      وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوؤه بعد‏4,3‏ سنة من انطلاقه من النجم‏,‏ أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات‏,‏ بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء‏,‏ وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها‏,‏ وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره‏,‏ ومعدلات توسع الكون‏,‏ وتباعد المجرات عنا‏,‏ والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم‏,‏ بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين‏,‏ وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون‏,‏ ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين‏,‏ لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد‏,‏ والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين‏.‏
      ثانيا‏:‏ ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون‏,‏ وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج‏,‏ ويصف الحركة ذاتها بالعروج‏,‏ وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم‏,‏ كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف‏,‏ ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج‏,‏ وسميت الليلة باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج‏.‏
      وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره‏,‏ وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء‏,‏ مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا‏.‏
      ثالثا‏:‏ أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها‏,‏ والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها‏,‏ فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا تبارك
      وتعالي بقوله‏:‏
      ( إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41]

      ‏ويقول ربنا عز من قائل‏:‏

      ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].

      إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء‏:‏ كن فيكون لكنه تعالى وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض‏,‏ فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم‏...!!‏
      رابعا‏:‏ أثبتت دراسات الفلك‏,‏ ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان‏,‏ ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم‏,‏ والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا‏,‏ بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير‏,‏ ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه‏,‏ وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين‏.‏
      فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون‏,‏ أو أن الشمس هي مركز الكون‏,‏ وأن كليهما ثابت لا يتحرك‏,‏ غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس‏,‏ وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم‏,‏ وما بها من صور المادة والطاقة‏,‏ بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء‏,‏ وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض‏,‏ وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك‏,‏ ومكون من عناصر أربعة هي التراب‏,‏ والماء‏,‏ والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات‏,‏ ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم‏,‏ مؤكدا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع‏,‏ وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض‏,‏ وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم‏,‏ ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك‏..!!‏
      وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم‏:‏ من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق‏..!!‏؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية‏,‏ ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم‏*‏ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏*‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76‏ فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى‏:‏
      (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [‏ النجم‏:3‏ ـ‏5].‏
      وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل ـ كذبا وزورا ـ لهدم الدين‏..‏


      ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).



      المصدر :

      موقع الدكتور زغلول النجار على شبكة الإنترنت .
      [/B]
    • ذكر هامان في القرآن الكريم



      ذكر هامان في القرآن الكريم



      قال تعالى :

      (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38)

      يخاطب فرعون وجهاء قومه ، أنه لا يعرف معبوداً لهم غيره ، فينادي هامان طالباً منه أن يبني له من الطين المحروق و هو القرميد بناءً شاهقاً ، لعله يرى إله موسى...

      تشير هذه الآية إلى معجزات عديدة منها:

      1. تأليه فرعون نفسه : في قوله مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي و الأبحاث الأثرية التي قامت حول الحضارة المصرية القديمة تؤكد أن الفراعنة منذ الأسرة الرابعة كانوا يصرحون ببنوتهم للإله رع الذي يمثل إله الشمس والذي كان يعبدها قدماء المصريين، بل إن اسم رع دخل في ألقاب الفراعنة ، مثل (رع نب ) أي الرب الذهبي ولعل أوضح دليل على تأليه الفراعنة لأنفسهم كما يقول (بريستد ) عالم الآثار، و التي حفظتها نصوص الأهرام هي أنشودة للشمس تردد فيها هوية الملك بإله الشمس ، إن هذه الأنشودة تخاطب مصر ، في تعداد طويل و رائع للمنافع التي تستمتع بها ، تحت حماية و سيادة إله الشمس ، فعلى ذلك يمُنح فرعون مصر المنافع نفسها ، ولهذا يجب أن يتسلم نفس الهبات من مصر ، و لذا الأنشودة بأكملها تعاد بوضع اسم فرعون أينما يجيء اسم رع أو حورس في الأنشودة الأصلية[1]

      2. الإعجاز الثاني هو استعمال الفراعنة الآجرّ في بناء الصروح : فقد طلب فرعون من هامان أن يبني له من الطين المحروق ( الآجر ) صرحاً ، و هذا يعتبر من الإعجاز التاريخي للقرآن الكريم فقد ظل الاعتقاد السائد عند المؤرخين أن الآجر لم يظهر في مصر القديمة قبل العصر الروماني ، وذلك حسب رأي المؤرخين[2] والذي يرى في ذلك إشكالاً في أن الآيات السابقة التي تبين طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحاً من الآجر أو الطين المحروق وظل هذا هو رأي المؤرخين إلى أن عثر عالم الآثار بتري على كمية من الآجر المحروق بنيت به قبور وأقيمت به بعضاً من أسس المنشآت ، ترجع إلى عصور الفراعنة رعمسيس الثاني و مرنبتاح وسيتي الثاني من الأسرة التاسعة عشر (1308 - 1184 ق. م ) وكان عثوره عليها في : موقع أثري غير بعيد من (بي رعمسيس أو قنطير ) عاصمة هؤلاء الفراعنة في شرق الدلتا .[3]

      3. أما الإعجاز الثالث هو الإشارة إلى أحد أعوان فرعون باسمه " هامان "

      ذكر الدكتور موريس بوكاي ما نصه :[4]

      (يذكر القرآن الكريم شخصاً باسم هامان هو من حاشية فرعون ، و قد طلب إليه هذا الأخير أن يبني صرحاً عالياً يسمح له ، كما يقول ساخراً من موسى ، أن يبلغ رب عقيدته .

      وأردت أن أعرف إن لم يكن هذا الاسم يتصل باسم هيروغليفي من المحتمل أنه محفوظ وثيقة من وثائق العصر ، عندئذ سيكون قد حصل نقحرة (أي كتابة حروف لغة بحروف لغة أخرى) من لغة إلى أخرى ، ولم أكن لأرضى بإجابة إلا إذا كان مصدرها رجلاً حجة فيما يخص اللغة الهيروغليفية و هو يعرف اللغة العربية الفصحى بشكل جيد ، فطرحت السؤال على عالم المصريات Egyptologue و هو فرنسي يتوافر فيه الشرطان المذكوران تماماً .

      لقد كتبت أمامه اسم العلم العربي (أي هامان) ولكنني أحجمت عن إخبار مخاطبي بحقيقة النص المعني واكتفيت بإخباره أن هذا النص يعود تاريخه بشكل لا يقبل النقض إلى القرن السابع الميلادي .

      وكان جوابه الأول أن هذا الأصل مستحيل ، لأنه لا يمكن وجود نص يحتوي على اسم علم من اللغة الهيروغليفية وله جرس هيروغليفي و يعود إلى القرن السابع الميلادي و هو غير معروف لحد الآن و السبب أن اللغة الهيروغليفية نسيت منذ زمن بعيد جداً.

      بيد أنه نصحني بمراجعة ) معجم أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة

      Dictionary of Personal names of the New و البحث فيه إن كان هذا الاسم الذي يمثل عندي الهيروغليفية موجوداً فيه حقاً .

      لقد كان يُفترض ذلك ، و عند البحث وجدته مسطوراً في هذا المعجم تماماً كما توقعته ، و يا للمفاجأة !! ..

      ها أنا فضلاً عن ذلك أجد أن مهنته كما عُبر عنها باللغة الألمانية (رئيس عمال المقالع) ولكن دون إشارة إلى تاريخ الكتابة إلا أنها تعود إلى الإمبراطورية التي يقع فيه زمن موسى ، و تشير المهنة المذكورة في الكتابة إلى أن المذكور كان مهتماً بالبناء مما يدعو إلى التفكير بالمقاربة التي يمكن إجراؤها بين الأمر الذي أصدره " فرعون " في القرآن و بين هذا التحديد في الكتابة[5] قال تعالى :


      (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38).

      بقلم فراس نور الحق محرر الموقع

      المصدر :

      كتاب القرآن و العلم المعاصر الدكتور موريس بوكاي


      --------------------------------------------------------------------------------
      [1] تطور الفكر و الدين في مصر القديمة بريستد ص185.[2] مثل الدكتور عبد المنعم أبو بكر في كتابه الصناعات ص 485.[3] كتاب الحضارة المصرية تأليف محمد بيومي مهران، ج3 ص429.[4] القرآن و العلم المعاصر للدكتور موريس بوكاي [5] كتاب القرآن و العلم المعاصر الدكتور موريس بوكاي ص90 ،91 دار ملهم .


    • قوم سبأ وسيل العَرِم



      قوم سبأ وسيل العَرِم



      قال تعالى في كتابه العزيز : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 15-16)

      يعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1000-750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب.

      بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ موضع خلاف حتى الآن، فالسبئيون لم يشرعوا بكتابة تقاريرهم الحكومية حتى سنة 600 قبل الميلاد، لذلك لا يوجد أي سجلات سابقة لهذا التاريخ.

      يعود أقدم المصادر التي تشير إلى قوم سبأ إلى سجلات الملك سيرجون الثاني الآشوري الحربية (722-705 قبل الميلاد)، في تلك السجلات يشير الملك الآشوري في سجلاته التي دون فيها الأمم التي كانت تدفع له الضرائب إلى ملك سبأ "إيت عمارا". هذا أقدم مصدر يشير إلى الحضارة السَّبئية، إلا أنه ليس من الصواب أن نستنتج أن هذه الحضارة قد تم إنشاؤها حوالي 700 قبل الميلاد فقط اعتماداً على هذا المصدر الوحيد ،لأن احتمال تشكل هذه الحضارة قبل ذلك وارد جداً، وهذا يعني أن تاريخ سبأ قد يسبق هذا التاريخ. ورد في نقوش أراد نانار، أحد ملوك مدينة أور المتأخرين، كلمة "سابوم" والتي تعني "مدينة سبأ" [1]، وإذا صح تفسير هذه الكلمة على أنها مدينة سبأ، فهذا يعني أن تاريخ سبأ يعود إلى 2500 قبل الميلاد.

      تقول المصادر التاريخية التي تتحدث عن هذه الحضارة: إنها كانت أشبه بالحضارة الفينيقية، أغلب نشاطاتها تجارية، لقد سيطر هؤلاء القوم على الطرق التجارية التي تمر عبر شمالي الجزيرة، كان على التجار السبئيين أن يأخذوا إذناً من الملك الآشوري سيرجون الثاني حاكم المنطقة التي تقع شمالي الجزيرة، إذا ما أرادوا أن يصلوا بتجارتهم إلى غزة والبحر المتوسط، أو أن يدفعوا له ضريبة على تجارتهم، وعندما بدأ هؤلاء التجار بدفع الضرائب للملك الآشوري دُوِّنَ اسمُهُم في السجلات السنوية لتلك المنطقة.

      يعرف السبئيون من خلال التاريخ كقوم متحضرين، تظهر كلمات مثل "استرجاع"، "تكريس"، "بناء"، بشكل متكرر في نقوش حكامهم، ويعتبر سد مأرب الذي كان أحد أهم معالم هذه الحضارة، دليلاً واضحاً على المستوى الفني المتقدم الذي وصل إليه هؤلاء القوم؛ إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا ضعفاء عسكرياً، فقد كان الجيش السبئي من أهم العوامل التي ضمنت استمرار هذه الحضارة صامدة لفترة طويلة.

      كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين، وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في القارة الإفريقية، وفي عام 24 قبل الميلاد وأثناء إحدى الحملات على المغرب، هزم الجيش السبئي جيش ماركوس إيليوس غالوس الروماني الذي كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية التي كانت أعظم قوة في ذلك الزمن دون منازع، يمكن تصوير سبأ على أنها كانت بلاداً معتدلة سياسياً، إلا أنها ما كانت لتتأخر في استخدام القوة عند الضرورة.. لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من " القوى العظيمة" في ذلك الزمان.

      لقد ورد في القرآن ذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في سورة النمل:

      (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) (النمل: 33).

      كانت مأرب هي عاصمة سبأ، وكانت غنية جداً، والفضل يعود إلى موقعها الجغرافي، كانت العاصمة قريبة جداً من نهر الدهنا الذي كانت نقطة التقائه مع جبل بلق مناسبة جداً لبناء سد، استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سداً في تلك المنطقة حيث نشأت حضارتهم، وبدؤوا يمارسون الري والزراعة، وهكذا وصلوا إلى مستوى عال جداً من الازدهار. لقد كانت مأرب العاصمة من أكثر المناطق ازدهاراً في ذلك الزمن. أشار الكاتب الإغريقي بليني

      ـ الذي زار المنطقة وأسهب في مدحها ـ إلى وقال أنها أراضي واسعة وخضراء.[2]




      نقوش مكتوبة بلغة أهل سبأ

      بلغ ارتفاع سد مأرب 16 متراً وعرضه60 متراً وطوله 620 متراً، وهذا يعني حسابياً أنه يمكن أن يروي 9600 هكتاراً من الأراضي، منها 5300 في السهل الجنوبي، والباقي للسهل الشمالي، كان يشار إلى هذين السهلين في النقوش السبئية "مأرب والسهلان"41 و يشير التعبير الدقيق في القرآن: (جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) إلى وجود حدائق وكروم في هذين الواديين أو السهلين، لقد أصبحت المنطقة أكثر مناطق اليمن غنىً وإنتاجاً بفضل السد ومياهه. أثبت الباحثان: الفرنسي ج. هوفلي والنمساوي غلاسر أن سد مأرب قد أوجد منذ زمن بعيد. وتروي الوثائق المكتوبة بلغة "حِمْـيَر" أن هذا السد قد جعل المنطقة في غاية الخصوبة والعطاء.[3]

      لقد تم إصلاح هذا السد خلال القرنين الخامس والسادس للميلاد، إلا أن هذه الإصلاحات لم تمنع السد من الانهيار عام 542 للميلاد. انهار السد بسبب سَيل العَرِمِ الذي ذكره القرآن الكريم، والذي سَبَّبَ أضراراً بالغة، لقد هلكت كل البساتين والكروم والحدائق ـ التي بقي السبئيون يرعونها لعدة قرون ـ على بَكْرَةِ أبيها، بعد انهيار السد عانى السبئيون من فترة ركود طويلة لم تقم لهم قائمة بعدها... وهذه كانت نهاية القوم التي بدأت مع انهيار السد.



      سيل العَرِم الذي أتى على سبأ

      إذا ما تأملنا الآيات القرآنية على ضوء المعلومات التاريخية التي أتينا عليها، لوجدنا توافقاً كبيراً.

      تثبت كل من المكتشفات الجيولوجية والأثرية ما جاء في القرآن، فكما ذكر القرآن لقد استحق هؤلاء القوم ـ الذين لم يستمعوا لنصح رسولهم وكذبوا بالحق لما جاءهم ولم يؤمنوا به ـ العقاب بِسيلٍ عَرِمٍ، يصف القرآن الكريم هذا السيل في سورة سبأ:

      (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ في مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِم سَيْلَ العَرِم وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ ) (سبأ: 15-17).

      لقد كان السبئيون كما تدل الآية الكريمة يعيشون في منطقة مشهورة بجمالها، جنان وكروم، وكانت تقع على طرق التجارة، لقد كانت على مستوى متقدم جداً بالنسبة لغيرها من مدن ذلك الزمان.

      كانت ظروف العيش في بلدة كهذه ممتازة، ولم يكن للقوم من جهد يبذلونه سوى ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) كما تقول الآية، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، بل نسبوا ما يملكونه لأنفسهم، لقد ظنوا أنهم أصحاب هذه البلدة، وأنهم هم الذين أوجدوا مافيها من الرخاء والازدهار، اختاروا الغرور والتكبر على الشكر والتواضع لله، وكما تقول الآية: ( فَأَعْرَضُوا... ).

      لأنهم نسبوا كل ما أنعم الله به عليهم لأنفسهم، وأصرُّوا أنه من صنعهم، خسروا كل شيء... لقد أهلك سيلُ العَرِم كلَّ ما صنعت أيديهم.

      يذكر القرآن أن العقاب الإلهي كان بإرسال (سَيْلَ العَرِمِ). وهذا التعبير القرآني يخبرنا كيف وقعت الواقعة، فكلمة "عَرِم" تعني الحاجز أو السد. يصف تعبير (سَيْلَ العَرِمِ ) السيل الذي جاء ليدمر هذا الحاجز، لقد حل المفسرون المسلمون موضوع الزمان والمكان على ضوء الألفاظ القرآنية التي وردت في وصف سيل العرم، يقول المودودي في تفسيره:

      "كما استخدم في التعبير سيل العرم، فإن كلمة "عَرِم" مشتقة من كلمة "عريمين" المستخدمة في لهجة سكان جنوب الجزيرة، والتي تعني "السد، الحاجز"، وقد عثر على هذه الكلمة في أثناء الحفريات التي نفذت في جنوب اليمن باستعمالات كثيرة تفيد هذا المعنى، على سبيل المثال: استخدمت هذه الكلمة في الكتابات التي كانت تملى من قبل ملك اليمن الحبشي "أبرهة"، بعد تعمير وأصلاح سد مأرب في 542 و543 م لتعني السد "الحاجز" مرة أخرى. أذن فأن (سَيْلَ العَرِم) يعني "كارثة السيل التي حدثت بعد تحطم سد".


      ( وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 16). أي: إن البلدة بكاملها قد غرقت بعد انهيار السد بسبب السيل، لقد تحطمت جميع أقنية الري التي حفرها السبئيون، وكذلك الحائط الذي أنشؤوه ببنائهم حواجز بين الجبال، ولم يعد لنظام الري أي وجود، وهكذا تحولت الجنان إلى أدغال، ولم يبقَ من الثمار شيء، سوى ثمار تشبه الكرز وأشجار قصيرة كثيرة الجذور. [4]

      لقد أقر الكاتب وعالم الآثار المسيحي وورنر كيلر Werner Kellerصاحب كتاب "الكتاب المقدس كان صحيحاً" أن سيل العرم قد حدث كما ورد وصفه في القرآن الكريم، وأنه وقع في تلك المنطقة، وأن هلاك المنطقة بكاملها بسبب انهياره، إنما يبرهن على أن المثال الذي ورد في القرآن الكريم عن قوم الجنتين قد وقع فعلاً. [5]

      بعد وقوع كارثة السد، بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية، وهكذا كانت عاقبة القوم الذين أعرضوا عن الله وترفعوا عن شكره، وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين إلى شمالي الجزيرة، مكة وسوريا. [6]

      يأتُي الحيز الزماني الذي شغلته هذه الكارثة بعد زمن العهد القديم والعهد الجديد، لذلك لم يرد ذكره إلا في القرآن الكريم.

      تقف آثار مأرب المهجورة والتي كانت في يوم من الأيام موطناً للسبئيين، كآية من آيات العذاب تنذر أولئك الذين يكررون خطيئة القوم، لم يكن السبئيون هم القوم الوحيدين الذين أهلكهم السيل، ففي سورة الكهف يروي لنا القرآن الكريم قصة صاحب الجنتين، امتلك هذا الرجل جنتين خصبتين جميلتين تشبهان جنان قوم سبأ، إلا أنه ارتكب نفس خطيئتهم: أعرض عن الله، لقد ظن أن هذه النعمة من صنعه هو وهي له دون عن غيره:


      (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعْلنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَم تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلىَ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْها مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ولآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَولآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَن يَؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ برَبِّي أَحَداً * وَلَم تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) (الكهف: 32-44) .

      كما نفهم من الآيات لم يكن صاحب الجنة ناكراً لوجود الله، بل على العكس فهو يتصور أنه حتى لو عاد إلى ربه فسيجد خيراً من هذه الجنة، لقد عزا كل ما هو فيه من النعم لما حققه من أعمال ناجحة قام بها وحده.

      من الواضح أن هذا يصب تماماً في منحى الشرك بالله: محاولة نسب كل ما يخص الله إلى غيره، وفقدان الخشية من الله مع الاعتقاد بأن هذا الشريك لديه امتياز خاص، و "حظوة" عند الله.

      وهذا ما فعله قوم سبأ، فكانت عاقبتهم أن غرقت بلادهم وجنانهم ليفهموا أنهم ليسوا أصحاب القوة، بل أنها نعمة أُسبغت عليهم فحسب...

      أصبح السبئيون أصحاب أعظم حضارة قامت على الري بعد بنائهم سد مأرب بأحدث الوسائل التقنية، لقد سمحت لهم أرضهم الخصبة التي امتلكوها وسيطرتهم على الطرق التجارية، أن ينعموا بالرخاء والازدهار الذي طبع أسلوب حياتهم، ومع ذلك "أعرضوا عن الله" الذي يتوجب عليهم أن يكونوا ممتنين، شاكرين له ولأَنْعُمِه، لذلك انهار سدهم وأهلك "سيل العَرِم"كلَّ ما بنوه.

      عاد اليوم السد السبئي المشهور مرة أخرى إلى ما كان عليه من إمكانات الري السابقة

      يخبرنا القرآن الكريم أن ملكة سبأ وقومها كانوا "يعبدون الشمس مع الله" قبل أن تتّبع سليمان، وتوضح المعلومات التي تحملها هذه النقوش هذه الحقيقة، كما تشير إلى أنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر في معابدهم والتي يظهر أحدها في الأعلى.


      المصدر:

      نقلاً عن كتاب الأمم البائدة للداعية التركي هارون يحيى .


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] "سبأ"، الموسوعة الإسلامية: العالم الإسلامي، تاريخ، جغرافية، إنثوغرافيا، وقاموس بيبلوغرافيا، المجلد 10، صفحة 268.

      [2] هوميل، المكتشفات في أرض الإنجيل، فيلادلفيا 1903، صفحة 739

      [3] "مأرب"، الموسوعة الإسلامية": العالم الإسلامي، تاريخ، جغرافية، إنثوغرافيا، وقاموس بيبلوغرافيا، المجلد 7، الصفحات 323-339.

      [4] المودودي، تفهيم القرآن، سيلت 4، استنبول: إنسان ياينلاري، صفحة 517.

      [5] وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، صفحة 207.

      [6] الدليل الحديث للمسافرين إلى اليمن، صفحة 43.

    • كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث



      كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث



      قال الله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176).

      هـذا النص القرآني الكريم جاء في بدايات الخمس الأخير من سورة الأعراف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(206)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي من طوال سور القرآن الكريم‏,‏ وأطول السور المكية علي الإطلاق‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي الأعراف وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار للحيلولة بين أهليهما تكريما لأهل الجنة‏,‏ وإذلالا وامتهانا لأهل النار‏.‏

      وكطبيعة السور المكية‏,‏ يدور المحور الرئيسي لسورة الأعراف حول العقيدة الإسلامية القائمة علي أساس من التوحيد الخالص لله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وعبادته وحده‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏),‏ والإيمان الكامل بوحي السماء‏,‏ والطاعة التامة لأوامر الله المنزلة علي فترة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ ثم تكاملت وتمت وحفظت في القرآن العظيم وفي سنة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بنفس لغة الوحي‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ حتي يبقي ذلك حجة علي جميع العباد إلي يوم الدين‏.‏

      ولقد أبرزت سورة الأعراف عقيدة التوحيد الخالص لله في ردود عدد من أنبياء الله ورسله علي أقوامهم وذلك بالقول السديد الذي سجله القرآن العظيم لهم حيث قالوا‏:‏

      ‏...‏ يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره‏....‏

      وقد تردد هذا القول الرشيد أربع مرات في هذه السورة المباركة علي لسان كل من أنبياء الله‏:‏ نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وشعيب‏(‏ علي نبينا وعليهم وعلي جميع أنبياء الله السلام‏),‏ وأتبعت هذه الدعوة المباركة في كل مرة بتحذير شديد‏,‏ أو تقريع صاعق وذلك من مثل قول نبي الله نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ لقومه‏:...‏ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم‏...(‏الأعراف‏:59)..‏ وقول نبي الله هود‏(‏ عليه السلام‏)‏ لقومه‏:..‏ أفلا تتقون‏(‏ الأعراف‏:65).‏ ومن مثل قول كل من نبي الله صالح‏,‏ ونبي الله شعيب‏(‏ عليهما من الله السلام‏)‏ كل إلي قومه‏:...‏ قد جاءتكم بينة من ربكم‏...(‏الأعراف‏:85,73).‏

      هذا وقد سبق لنا تلخيص سورة الأعراف من قبل‏,‏ ولذلك فسوف أكتفي هنا باستعراض كل من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية والتاريخية في هذه السورة المباركة قبل الوصول إلي الدلالة العلمية للنص الكريم الذي اخترناه منها عنوانا لهذا المقال‏.‏


      من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الأعراف

      ‏(1)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا‏,‏ وبالإسلام دينا‏,‏ وبسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ نبيا ورسولا‏,‏ وخاتما لهذه السلسلة الطويلة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ فليس من بعده نبي ولا رسول‏.‏

      ‏(2)‏ الإيمان بالقرآن العظيم وحيا خاتما منزلا من عند رب العالمين‏,‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ والإيمان كذلك بضرورة دعوة جميع الناس إليه لإخراجهم من الظلمات إلي النور‏,‏ وإنذارهم من عاقبة إنكاره‏,‏ أو التنكر له‏,‏ أو التطاول عليه كما يحاول ذلك اليوم كثير من خفافيش الظلام المتسترين خلف شاشات الشبكة العنكبوتية المعروفة باسم شبكة المعلومات الدولية‏,‏ وهم لا يجرؤون علي المواجهة الفعلية لفساد معتقداتهم وانعدام حجيتهم‏.‏ ويجب علي كل مسلم ومسلمة تحمل كل شيء في سبيل تعريف الناس بالقرآن الكريم‏,‏ لأنه يمثل مواجهة كل صور الباطل التي عمت أرجاء الأرض في زمن الفتن الذي نعيشه بالخطاب الإلهي المحفوظ بحفظ الله من كل محاولات التحريف‏,‏ والباقي بصفائه الرباني في نفس لغة وحيه دون أن يضاف إليه حرف واحد أو أن ينتقص منه حرف واحد‏.‏ وهو وسيلة المسلمين اليوم لمواجهة موجات الكفر والشرك والضلال‏,‏ والظلم والجور والطغيان‏,‏ والفساد‏,‏ والانحراف والاستغلال التي تجتاح عالم اليوم وذلك بالدعوة إلي التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏),‏ ومراقبته وتقواه‏,‏ وإلي إقامة عدل الله في الأرض بدلا من النظم الجائرة‏,‏ والأوضاع الفاسدة‏,‏ والانحراف عن منهج الله‏.‏

      ‏(3)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته منزه عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ وعن الصاحبة والولد‏,‏ لأن هذه كلها من صفات المخلوقين‏,‏ والخالق منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه‏.‏

      ‏(4)‏ الإيمان بحتمية مساءلة المرسلين والمرسل إليهم‏,‏ وحساب كل فرد في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ والتسليم بكل صور العقاب التي أنزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالكفار والمشركين والعصاة المتمردين من الأمم السابقة‏,‏ وبوصف أحوال كل من أهل النار وأهل الجنة‏,‏ كما أوضحها في محكم كتابه‏,‏ واليقين بحتمية البعث بعد الموت‏,‏ وبضرورة الحساب والجزاء في الآخرة‏,‏ وبالجنة والنار‏,‏ وبأن الحياة في أي منهما خلود بلا موت‏.‏

      ‏(5)‏ التسليم بضرورة الخضوع لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالطاعة التامة‏,‏ وبعبادته بما أمر‏,‏ وبالشكر له علي عظيم نعمائه‏,‏ وبأن دعاء الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ تضرعا وخفية هو من أجل العبادات‏.‏

      ‏(6)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وبأن الإنسان مخلوق مكرم مادام مطيعا لأوامر الله‏,‏ فإذا خرج عنها ذل وهان‏,‏ وبأن الشيطان عدو للإنسان يحاول جاهدا غوايته كما فعل مع أبوينا آدم وحواء‏(‏ عليهما السلام‏)‏ في بدء خلقهما‏,‏ وبأنهما قد تابا إلي الله وأنابا‏,‏ وأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد قبل توبتهما‏,‏ وأن أحدا من ذريتهما لا يحمل شيئا من وزرهما الذي غفره الله لهما برحمته‏.‏

      ‏(7)‏ اليقين بأن الشرك بالله كفر به‏,‏ وأن التقول علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما لم ينزل به سلطانا كفر به كذلك‏,‏ وأن الخوض في الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏,‏ وفي الإثم والبغي بغير الحق خروج علي منهج الله‏,‏ وكذلك الإسراف والإفساد في الأرض‏.‏

      ‏(8)‏ الإيمان بأن الآجال والأرزاق محددة‏,‏ وبأنه لا توجد قوة في السماوات أو علي وجه الأرض ـ غير إرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ ـ تستطيع تغيير ذلك‏,‏ ومن ثم فلايجوز لمسلم أن يجبن أو أن يخاف غير الله الخلاق الرزاق ذي القوة المتين‏.‏ والتسليم بأن من اتقي وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏,‏ وأن من كذب بآيات الله واستكبر عنها فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏.‏

      ‏(9)‏ الإيمان بجميع رسل الله ورسالاته‏,‏ دون تفريق أو تمييز‏,‏ وبوحدة كل تلك الرسالات التي دعت الخلق إلي توحيد الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده‏,‏ وأن العاقبة للمتقين‏.‏ والتحذير من التحوصل حول نبي واحد من أنبياء الله ونسيان الباقين أو إنكارهم‏.‏

      ‏(10)‏ التسليم بأن خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مرسل للناس جميعا‏,‏ وأن ذكره العطر قد جاء في كتب الأولين من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وأن إنكاره‏,‏ أو التنكر له‏,‏ ومحاولة التطاول عليه من أكبر الكبائر التي يمكن أن يستذل الشيطان عبدا من العباد إلي الوقوع فيها‏,‏ وعاقبة ذلك من أوخم العواقب في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‏*‏ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون‏.‏

      ‏(‏الأعراف‏:158,157)‏

      ‏(11)‏ الإيمان بأن لله‏(‏ تعالي‏)‏ الأسماء الحسني التي لايجوز أن يدعي إلا بها‏,‏ وأن الذين يلحدون في أسمائه سوف يجزون ما كانوا يعملون‏,‏ وبأن الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ وأنهم يسبحونه وله يسجدون‏,‏ والتسليم بأن الساعة الآخرة علمها عند الله‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ وحده‏,‏ لايعلمها إلا هو‏,‏ وأنها ثقلت في السماوات والأرض‏,‏ وأنها لاتأتي الناس إلا بغتة‏.‏




      من الإشارات العلمية في سورة الأعراف
      ‏(1)‏ الإشارة إلي عملية تصوير الإنسان بعد خلقه من طين‏.‏ تصويرا علميا دقيقا‏.‏

      ‏(2)‏ الإشارة الي السرعة الفائقة التي كانت الأرض تدور بها حول محورها أمام الشمس في بدء الخلق‏,‏ وهي حقيقة أثبتتها الدراسات العلمية مؤخرا‏.‏

      ‏(3)‏ وصف جميع أجرام السماء‏(‏ من مثل الشمس والقمر والنجوم بأنها مسخرات بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي له الخلق والأمر‏.‏

      ‏(4)‏ تأكيد حقيقة أن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو الذي يرسل الرياح‏,‏ ويزجي السحب‏,‏ وينزل المطر‏,‏ ويخرج النبت والشجر والثمر‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يخرج الموتى بنفس طريقة إخراج النبت من الأرض‏.‏

      ‏(5)‏ ذكر أن للأرض عددا من المشارق والمغارب وهو ما أثبتته الدراسات الفلكية‏.‏

      ‏(6)‏ الإشارة إلي خلق جميع البشر من نفس واحدة‏,‏ وجعل زوجها منها‏,‏ وإلي تكدس الصفات الوراثية لبني آدم أجمعين إلي قيام الساعة في صلبي أبينا آدم وأمنا حواء لحظة خلقهما‏,‏ وإشهاد تلك الذرية ـ وهي في عالم الذر ـ بحقيقة الربوبية المنزهة عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد وعن كل وصف لايليق بجلال الله‏,‏ وعلم الوراثة يثبت وجود جميع الخلق في أصلاب الآباء منذ الخلق الأول‏.‏

      ‏(7)‏ دعوة الناس جميعا إلي النظر في ملكوت السماوات والأرض‏,‏ والتعرف علي شئ من صفات الله بالتعرف علي خلقه‏,‏ وعلي شئ من سنن الله في الكون وتوظيفها في عمارة الحياة علي الأرض‏,‏ وهو أساس من أسس المنهج العلمي في استقراء الكون‏.‏

      ‏(8)‏ الإشارة الي حقيقة أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه‏,‏ وأن الذي خبث لا يخرج إلا نكدا‏,‏ وعلوم الزراعة والفلاحة تؤكد صدق ذلك‏.‏

      ‏(9)‏ تشبيه من آتاه الله شيئا من العلم فلم ينتفع به‏,‏ وانسلخ عنه ليتبع هواه والشيطان‏,‏ ويلهث وراء أعراض الدنيا الفانية لهاثا يشغله عن حقيقة رسالته في هذه الحياة فلا يستمع لنصح أبدا‏,‏ ولا لموعظة صادقة أبدا حتي يفاجأ بالموت ولم يحقق من وجوده شيئا‏,‏ وتشبيه ذلك بلهاث الكلب إن تحمل عليه بالطرد والزجر يلهث‏,‏ وإن تتركه يلهث والقصد في التشبيه التأكيد علي الوضاعة والخسة‏,‏ ولكن يبقي التشبيه حاويا لحقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين ومؤداها أن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يلهث بطريقة تكاد تكون مستمرة‏,‏ وذلك في محاولة منه لتبريد جسده الذي لايتوفر له شئ يذكر من الغدد العرقية إلا في باطن أقدامه فقط‏,‏ فيضطر إلي ذلك اللهاث في حالات الحر أو العطش الشديد أو المرض العضوي أو النفسي‏,‏ أو الإجهاد والإرهاق أو الفزع والاستثارة‏.‏

      وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الأخيرة في القائمة السابقة والتي جاءت في الآية السادسة والسبعين بعد المائة من سورة الأعراف‏,‏ وقبل التعرض للدلالة العلمية لهذا النص القرآني الكريم لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين السابقين فيه‏,‏

      من أقوال المفسرين في تفسير قوله‏(‏ تعالى‏):‏

      ‏..‏ فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث‏...‏

      ‏(‏الأعراف‏:176)‏

      ‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:..‏ أي فمثله في الخسة والدناءة كمثل الكلب إن طردته وزجرته فسعي لهث‏,‏ وإن تركته علي حاله لهث‏..‏

      ‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:..(‏ فمثله‏)‏ صفته‏(‏ كمثل الكلب إن تحمل عليه‏)‏ بالطرد والزجر‏(‏ يلهث‏)‏ يدلع لسانه‏(‏ أو‏)‏ إن‏(‏ تتركه يلهث‏)‏ وليس غيره من الحيوان كذلك‏,‏ وجملتا الشرط حال‏,‏ أي‏:‏ لاهثا ذليلا بكل حال‏,‏ والقصد التشبيه في الوضع والخسة‏,‏ بقرينة‏(‏ الفاء‏)‏ المشعرة بترتيب مابعدها علي ما قبلها من الميل إلي الدنيا واتباع الهوي‏,‏ وبقرينة قوله‏(‏ ذلك‏)‏ المثل‏(‏ مثل القوم الذين‏)(‏ كذبوا بآياتنا فاقصص القصص‏)‏ علي اليهود وعلي غيرهم‏(‏ لعلهم يتفكرون‏)‏ يتدبرون فيها فيؤمنون‏.‏

      ‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما مختصره‏:..‏ ذلك مثلهم‏!‏ فقد كانت آيات الهدي وموحيات الإيمان متلبسة بفطرتهم وكيانهم وبالوجود كله من حولهم ثم إذا هم ينسلخون منها انسلاخا‏..‏ ثم إذا هم أمساخ شائهو الكيان‏,‏ هابطون من مكان الإنسان إلي مكان الحيوان‏..‏ مكان الكلب الذي يتمرغ في الطين‏..‏ وكان لهم من الإيمان جناح يرقون به إلي عليين‏,‏ وكانوا من فطرتهم الأولي في أحسن تقويم‏,‏ فإذا هم ينحطون منها إلي أسفل سافلين‏!!..‏ وهل أسوأ من هذا المثل مثلا؟ وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدي مثلا؟ وهل أسوأ من اللصوق بالأرض واتباع الهوي مثلها؟ وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟ من يعريها من الغطاء الواقي والدرع الحامية‏,‏ ويدعها غرضا للشيطان يلزمها ويركبها‏,‏ ويهبط بها إلي عالم الحيوان اللاصق بالأرض الحائر القلق‏,‏ اللهاث لهاث الكلب أبدا‏!!‏

      ‏..‏ وبعد‏..‏ فهل هو نبأ يتلي؟ أم أنه مثل يضرب في صورة النبأ لأنه يقع كثيرا فهو من هذا الجانب خبر يروي؟ تذكر بعض الروايات أنه نبأ رجل كان صالحا في فلسطين وتروي بالتفصيل الطويل قصة انحرافه وانهياره‏,‏ علي نحو لا يأمنه الذي تمرس بالإسرائيليات الكثيرة المدسوسة في كتب التفاسير أن يكون هذا الخبر واحدة منها‏,‏ ولا يطمئن علي الأقل لكل تفصيلاته التي ورد فيها‏,‏ ثم إن في هذه الروايات من الاختلاف والاضطراب مايدعو إلي زيادة الحذر‏....‏

      ورحم الله صاحب الظلال برحمته الواسعة علي هذا الحس النوراني الشفاف‏,‏ فلقد وجدت القصة بتفاصيلها في سفر الأعداد من العهد القديم‏,‏ وقد أمرنا رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ألا نصدق أهل الكتاب‏,‏ ولا نكذبهم‏.‏

      وأضاف صاحب الظلال‏(‏ أجزل الله له المثوبة جزاء ما قدم‏)‏ ليقول‏:‏ لذلك رأينا ـ علي منهجنا في ظلال القرآن ـ ألا ندخل في شئ من هذا كله بما أنه ليس في النص القرآني منه شئ ولم يرد من المرقوع إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عنه شئ وأن نأخذ من النبأ ما وراءه فهو يمثل حال الذين يكذبون بآيات الله بعد أن تبين لهم فيعرفوها ثم لايستقيموا عليها‏..‏ وما أكثر ما يتكرر هذا النبأ في حياة البشر‏,‏ ما أكثر الذين يعطون علم دين الله‏,‏ ثم لا يهتدون به‏,‏ إنما يتخذون هذا العلم وسيلة لتحريف الكلم عن مواضعه‏,‏ واتباع الهوي به‏..‏ هواهم وهوي المتسلطين الذين يملكون لهم ـ في وهمهم ـ عرض الحياة الدنيا‏..‏ وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها‏,‏ ويعلن غيرها‏,‏ ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة‏,‏ والفتاوي المطلوبة لسلطان الأرض الزائل‏!!‏ يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي علي سلطان الله وحرماته في الأرض جميعا‏!!.‏

      ويضيف صاحب الظلال‏(‏ أكرمه الله‏)‏ ما نصه‏:..‏ إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله‏,‏ فلم ينتفع بهذا العلم‏,‏ ولم يستقم علي طريق الإيمان‏,‏ وانسلخ من نعمة الله‏,‏ ليصبح تابعا ذليلا للشيطان‏,‏ ولينتهي إلي المسخ في مرتبة الحيوان‏!‏ ثم ما هذا اللهاث الذي لاينقطع؟ إنه ـ في حسنا كما توحيه إيقاعات النبأ وتصوير مشاهده في القرآن ـ ذلك اللهاث وراء أعراض هذه الحياة الدنيا التي من أجلها ينسلخ الذين يؤتيهم الله آياته فينسلخون منها ذلك اللهاث القلق الذي لايطمئن أبدا‏,‏ والذي لايترك صاحبه سواء وعظته أم لم تعظه‏,‏ فهو منطلق فيه أبدا‏..‏

      ‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحمه الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ مانصه‏:(‏ إن تحمل عليه يلهث‏..)‏ أي إن شددت عليه وأجهدته لهث‏,‏ وإن تركته علي حاله لهث‏,‏ فهو دائم اللهث في الحالين‏,‏ لأن اللهث طبيعة فيه‏,‏ فكذلك حال الحريص علي الدنيا‏,‏ إن وعظته فهو لحرصه لايقبل الوعظ‏,‏ وإن تركت وعظه فهو حريص لأن الحرص طبيعة فيه‏,‏ كما أن اللهث طبيعة في الكلب‏.‏ واللهث‏:‏ إدلاع اللسان بالنفس الشديد‏..‏

      ‏*‏ وذكر كل من أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم وصفوة التفاسير‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ كلاما مشابها‏,‏ إلا أن الخبراء أضافوا مايلي علي هامش المنتخب‏:‏ أوردت هذه الآية ظاهرة مشاهدة وهي أن الكلب يلهث سواء حملت عليه أو لم تحمل‏,‏ وقد أثبت العلم أن الكلب لا توجد فيه غدد عرقية إلا القليل في باطن أقدامه‏,‏ والتي لا تفرز من العرق ما يكفي لتنظيم درجة حرارة جسمه‏,‏ ولذلك فإنه يستعيض عن نقص وسائل تنظيم الحرارة باللهث وهو ازدياد عدد مرات تنفسه زيادة كبيرة عن الحالة العادية مع تعريض مساحة أكبر من داخل الجهاز التنفسي كاللسان والسطح الخارجي من فمه‏.‏




      من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم

      الكلب‏(Dog=Canisfamiliaris)‏ من الثدييات المشيمية آكلة اللحم‏(CarnivorousPlacentalMammals)‏ التي تتبع رتبة خاصة من رتب طائفة الثدييات‏(ClassMammalia)‏ تعرف باسم رتبة آكل اللحوم‏(OrderCarnivora)‏ وتضم ثدييات من آكلة اللحوم مثل الكلب‏(Dog),‏ والذئب‏(Wolf),‏ والثعلب‏(Fox),‏ وابن آوي‏(Jackal),‏ والقط‏(Cat),‏ والنمر‏(Tiger),‏ والأسد‏(Lion),‏ والدب‏(Bear)‏ والفقمة أو عجل البحر‏(Seal),‏ وحيوان الفظ‏(Walrus)‏ وكلها تأكل اللحوم‏,‏ وإن كان بعضها مثل الدببة تأكل الخضراوات أيضا‏.‏



      وتقسم رتبة الثدييات آكلة اللحم إلي عدد من الفصائل التي تشمل فيما تشمل ما يلي‏:‏

      ‏1‏ـ فصيلة الكلاب وأشباهها‏(FamilyCanidae)‏

      ‏2‏ ـ فصيلة الدببة وأشباهها‏(FamilyUrsidae)‏

      ‏3‏ ـ فصيلة القطط وأشباهها‏(FelidaeFamily)‏

      ‏4‏ ـ فصيلة الضباع وأشباهها‏(FamilyHyaenidae)‏

      ‏5‏ ـ فصيلة الراكون وأشباهه‏(FamilyProcyonidae)‏

      وتتميز الثدييات المشيمية آكلة اللحم بأحجامها الكبيرة نسبيا‏,‏ وبعضلاتها المفتولة القوية‏,‏ وبتحور أسنانها لتناسب طبيعة الغذاء الذي تعيش عليه‏,‏ وأغلبه اللحوم والغضاريف والعظام‏,‏ ولذلك تخصصت أسنانها في القطع والتمزيق‏,‏ وبالقدرة علي الإمساك بالفريسة وحملها إلي مسافات بعيدة‏,‏ فالقواطع الأمامية تقطع‏,‏ والأنياب تمزق‏,‏ وكذلك المخالب القوية تمسك بالفريسة وتعين علي تمزيقها‏,‏ وهي في مجموعها حيوانات لها القدرة علي الجري السريع‏.‏

      والكلاب في الطبيعة تميل إلي العيش في جماعات منظمة‏,‏ وإلي الخروج إلي الصيد في جماعات منظمة كذلك‏.‏



      وتتميز الكلاب بالفكوك القوية‏,‏ والعضلات النامية‏,‏ وبجهاز هضمي مهيأ للتعامل مع اللحوم‏,‏ وبعدد من الحواس القوية مثل حاستي الشم والسمع‏,‏ وبغريزة اجتماعية واضحة تنظم حياة وجهود القطيع‏.‏

      وعلي الرغم من الفوارق السطحية الكثيرة فإن الكلاب التي يوجد منها اليوم أكثر من مائة سلالة تنتمي كلها إلي نوع واحد يعرف باسم الكلب المعروف أو المستأنس‏(Canisfamiliaris)‏ الذي يتبع كلا من تحت العائلة الكلبية‏(SubfamilyCaninae),‏ والعائلة الكلبية‏(FamilyCanidae)‏ وفوق العائلة الكلبية التي تعرف باسم‏(SuperFamilyCanoidea).‏



      وأبرز حواس الكلب نماء هي حاسة الشم التي تحلل الروائح المميزة مثل روائح العرق‏,‏ الدم‏,‏ والإفرازات الإنسانية والحيوانية الأخري‏,‏ وروائح الأنواع المختلفة من التربة‏,‏ والحشائش‏,‏ والمنتجات الزراعية‏,‏ والمركبات الكيميائية وغيرها‏.‏ وتنتقل الرائحة من الأنف‏,‏ والممرات الأنفية المصممة بدقة بالغة إلي مركز الشم في مخ الكلب وهو من أكبر المراكز المخية عنده حجما ونموا‏,‏ حيث تحلل الروائح وتسجل في برمجة محكمة‏.‏

      وتلي حاسة الشم في الكلب حاسة السمع إذ يمكن لأذن الكلب أن تتلقي أصواتا تصل في سرعاتها إلي‏35,000‏ ذبذبة في الثانية‏,‏ مقارنة بحوالي‏25,000‏ ذبذبة في الثانية لأذن القط‏,‏ وحوالي‏20,000‏ ذبذبة في الثانية لأذن الإنسان‏,‏ وأضعف حواس الكلب هو البصر حيث لا تتمكن عين الكلب من تمييز الألوان علي الإطلاق‏.‏

      ويرجع أقدم أثر للكلاب المستأنسة علي سطح الأرض إلي الفترة من‏12,000‏ إلي‏14,000‏ سنة‏,‏ مضت حين بدأ الإنسان في استئناسها‏,‏ ومنذ ذلك التاريخ لعب الكلب أدوارا مختلفة في عديد من الحضارات القديمة‏.‏


      لماذا يلهث الكلب؟

      يقال‏:(‏ لهث‏)‏ الكلب‏(‏ يلهث‏)(‏ لهاثا‏)‏ بضم اللام وفتحها إذا أخرج لسانه من الحر والعطش‏,‏ أو من التعب والإعياء والإجهاد والمرض‏,‏ و‏(‏اللهثان‏)‏ بفتح الهاء‏:‏ العطش‏,‏ وبسكونها‏:‏ العطشان‏,‏ والأنثي‏:(‏ لهثي‏).‏

      ويعرف‏(‏ لهث‏)‏ الكلب و‏(‏لهاثه‏)‏ بأنه الأنفاس السريعة الضحلة التي يأخذها الكلب عن طريق فمه المفتوح‏,‏ ولسانه المتدلي إلي الخارج‏,‏ وذلك من أجل تزويد جسمه بقدر كاف من الأكسجين‏,‏و ضبط كل من كمية الماء ودرجة الحرارة في الجسم‏,‏ وتهويته في حالات الحر الشديد‏,‏ والسبب في ذلك أن جسم الكلب لا يحمل غددا عرقية إلا في باطن أقدامه فقط‏,‏ وهذه لا تفرز من العرق ما يكفي لتنظيم درجة حرارة جسمه‏,‏ ولذلك فإن الكلب يستعين بعملية‏(‏ اللهاث‏)‏ لتعويض غيبة الغدد العرقية في غالبية جسمه‏,‏ ولوجود الشعر الكثيف الذي يغطي أغلب الجسم فيرفع من درجة حرارته خاصة في غيبة الغدد العرقية التي تقوم بتنظيم درجة حرارة أجساد أغلب الكائنات الحية الأرضية‏.‏

      واللهث هو زيادة في عدد مرات التنفس السريع والقصير المدي زيادة ملحوظة عن معدلات التنفس العادي مع تعريض مساحة أكبر من داخل الجسم كاللسان والفم ومن الجهاز التنفسي بدءا من المنخار إلي فراغات كل من الأنف والفم إلي كل من البلعوم والحنجرة‏,‏ والمريء‏,‏ والقصبات الهوائية أو الرغامي‏(Trachea)‏ لتيار مستمر من الهواء يزيد من كم الأكسجين الداخل إلي الجهاز التنفسي وفي نفس الوقت يقوم بتبخير جزء من الماء الموجود في الأنسجة التي يمر بها فيؤدي إلي تبريد الجسم وخفض درجة حرارته‏,‏ ويساعد علي ذلك ما يقوم به الكلب أحيانا من لحس الأطراف‏,‏ ولحس بقية مايطول لسانه من جسمه وتبليله بلعابه حتي يتبخر ذلك ويساعد علي خفض درجة حرارة جسمه‏.‏

      ومن بديع صنع الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أن لهاث الكلب يؤثر فقط علي مقدمات الجهاز التنفسي ولا يقتضي الانتفاخ الكامل للرئتين وأسناخهما‏(FullAlveolarInflation),‏ لإتمام عملية التبادل الكامل بين أكسجين الهواء الداخل وثاني أكسيد الكربون بالرئتين‏,‏ وذلك لأن أغلب الهواء الداخل بعملية اللهث لا تتجاوز حركته ما يسمي باسم الفراغ الميت من الجهاز التنفسي الذي يمتد من كل من الأنف والفم وفراغاتهما إلي كل من البلعوم‏,‏ والحنجرة‏,‏ والمريء‏,‏ والقصبة الهوائية بتفرعاتها‏,‏ ولكنه لا يكاد يصل إلي الرئتين‏,‏ حتي لا يؤدي ذلك إلي زيادة فقد ثاني أكسيد الكربون من الرئتين مما قد يتسبب في مرض يعرف باسم مرض القلاء‏(Alkalosis).‏

      ومن احكام الخلق في بناء جسم الكلب أن عملية اللهاث تتم بأقل قدر ممكن من حركة العضلات‏,‏ وهي أكثر أجزاء جسم الكلب نموا‏(‏ ومن أبرزها عضلة اللسان‏),‏ وبحركتها ترتفع درجة حرارة الجسم‏,‏ ولذلك جعل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الجهاز التنفسي للكلب جهازا شديد المرونة ينتفخ بأقل جهد ممكن أثناء عملية الشهيق‏,‏ ويعود إلي حجمه الطبيعي دون أي تدخل عضلي أثناء عملية الزفير وذلك في مصاحبة عملية اللهثان‏.‏

      فعندما يبدأ الكلب في هذه العملية تنتقل سرعة تنفسه فجأة من‏30‏ ـ‏40‏ نفسا بالدقيقة إلي عشرة أضعاف ذلك‏(‏ أي إلي‏300‏ ـ‏400‏ نفس بالدقيقة‏).‏

      فإذا عطش الكلب أو ارتفعت درجة حرارة جسمه أو حدث الأمران معا فإنه يبدأ في اللهث بمعدلات سريعة‏,‏ ثم يعود لتنفسه العادي‏,‏ ثم يلهث سريعا‏,‏ ثم يعود إلي التنفس البطيء حتي يحقق تبريد جسمه وضبط درجة حرارته‏,‏ ويعين علي ذلك قدر الهواء الداخل إلي مقدمات الجهاز التنفسي وما يحمل معه من بخار الماء الذي يتصاعد من الأنسجة التي يمر عليها وهو خارج إلي الجو مع عملية الزفير خاصة أن الممرات الأنفية والفمية للكلب مصممة بنظام يسمح بمرور كمية كبيرة من الهواء مع كل نفس‏,‏ كما يعين عليه المرونة الزائدة للجهاز التنفسي الذي يمتد مع الشهيق باستهلاك جزء يسير جدا من طاقة العضلات ويرتد بذاته مع عملية الزفير دون أدني تدخل عضلي‏..‏ وقد قدر أنه لو لم يكن للجهاز التنفسي للكلب هذا القدر من المرونة العالية لكانت الحرارة الناتجة من عملية اللهاث أكبر بكثير من الحرارة المفقودة بتبخير جزء من ماء الأنسجة المبطنة لمقدمات جهازه التنفسي بواسطة تيار الهواء المار بها أثناء عملية الزفير‏,‏ وذلك لأن الطاقة اللازمة لتحيرك عضلات الجهاز التنفسي عند غير الكلب من الثدييات آكلة اللحم‏(‏ اللاحمة‏)‏ هي طاقة كبيرة‏,‏ والحرارة الناتجة عنها هي حرارة ذات قيم مرتفعة‏.‏

      والكلب يلهث عادة عند ارتفاع درجة حرارة جسده بسبب ارتفاع درجة حرارة البيئة التي يحيا فيها‏,‏ أو بسبب العطش‏,‏ أو بسببهما معا‏,‏ أو عند الإجهاد الشديد‏,‏ أو الإعياء والمرض العضوي أو النفسي‏,‏ أو عند الاستثارة والمفاجأة‏,‏ أو عند الفرح والرضا بصفة عامة‏.‏

      والكلب له أصوات عدة غير اللهاث‏(Panting)‏ منها ما يلي‏:‏

      نباح الكلب‏(BarkingorYelping),‏ وعواء الكلب‏Howling))‏ وهمهمات الكلب‏(Growling)‏ وأنين وهرير الكلب‏(Whining),‏ وهبهبة الكلب‏(Hubbubing),‏ وزمجرة الكلب‏(Snarling),‏ وغير ذلك من الأصوات التي لكل منها دلالته وتعبيره‏,‏ والكلب ـ كغيره من الحيوانات ـ له لغة تخاطب يتفاهم بها مع أفراد قطيعة ومع أمثاله من الحيوانات‏,‏ وله قدر من الذكاء والانفعال والقدرة علي التعبير‏.‏

      ولكن حقيقة اضطرار الكلب إلي اللهاث المستمر تقريبا من أجل خفض درجة حرارة جسده‏,‏ أو للتعبير عن شدة عطشه‏,‏ أو عن الإجهاد الشديد الذي تعرض له‏,‏ أو عن عارض عرض له‏,‏ أو مرض عضوي أو نفسي ألم به‏,‏ أو فرح انتابه‏,‏ أو حزن لمس قلبه أو غير ذلك من الانفعالات ووسائل التعبير عنها‏,‏ وما أكثرها عند هذه العجماوات‏,‏ كل ذلك لم يعرف إلا في دراسات علم السلوك الحيواني‏,‏ وهي دراسات مستحدثة لم تتبلور إلا في القرن العشرين أو في العقود المتأخرة منه علي أحسن تقدير‏,‏ وتشبيه القرآن الكريم من انصرف عن الهداية الربانية إلي الانشغال التام بالدنيا والجري المتواصل من أجل تحصيلها دون التقاط للأنفاس‏,‏ أو توقف للتأمل والمدارسة بحال الكلب اللاهث في أغلب أحواله لتبريد جسده أو إطفاء ظمئه‏,‏ أو للتعبير عن رغبة عنده يعتبر سبقا علميا رائعا يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وحفظه بعده في نفس لغة وحيه اللغة العربية وحفظه حفظا كاملا كلمة كلمة وحرفا حرفا‏.‏


      المصدر : مقالة للدكتور زغـلول النجـار

      جريدة الأهرام : العدد 42826 مارس 2004














    • كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً



      كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً



      قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:41)

      من الإشارات الكونية هذه الآيات:

      ‏(1)‏ تأكيد أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت على الإطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية‏,‏ وهو ما أثبتته الدراسات المتأخرة في علم دراسة حيوانات الأرض‏.‏


      من أقوال المفسرين : في تفسير الآيات السابقة .
      ‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏ هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله‏,‏ يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون بهم في الشدائد‏,‏ فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه‏,‏ فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت‏,‏ فإنه لا يجدي عنه شيئاً‏,‏ فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء‏,‏ وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله‏,‏ وهو مع ذلك يحسن العمل في إتباع الشرع‏,‏ فهو متمسك بالعروة الو ثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها‏....‏

      ‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحمهم الله‏)‏ بتحقيق وتعليق الشيخ محمد كنعان‏(‏ جزاه الله خيراً‏)‏ ما نصه‏:(‏ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء‏)‏ أصناما يرجون نفعها‏(‏ كمثل العنكبوت اتخذت بيتا‏)‏ لنفسها تأوي إليه‏(‏ وإن أوهن‏)‏ أضعف‏(‏ البيوت لبيت العنكبوت‏)‏ لا يدفع عنها حراً ولا برداً‏,‏ كذلك الأصنام لا تنفع عابديها‏(‏ لو كانوا يعلمون‏)‏ ذلك ما عبدوها‏.‏

      ‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه‏:(‏مثل الذين اتخذوا من دونه أولياء‏...)‏ أي مثل هؤلاء في اتخاذهم الأصنام آلهة يعبدونها ويعتمدون عليها‏,‏ ويرجون نفعها وشفاعتها‏,‏ كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتا واهيا من نسجها لا يغني عنها في حر ولا قر‏,‏ ولا في مطر ولا أذي‏.‏


      ‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏
      شأن المبطلين الموالين لغير الله في الضعف والوهن والاعتماد على غير معتمد كشأن العنكبوت في اتخاذهاً بيتا تحتمي به‏,‏ وبيتها أوهن البيوت وأبعدها عن الصلاحية للاحتماء‏,‏ ولو كان هؤلاء المبطلون أهل علم وفطنة لما فعلو ذلك‏.‏


      العنكبوت في منظور العلم

      العنكبوت حيوان من مفصليات الأقدام‏(Arthropoda),‏ يصنف في طائفة العنكبيات‏(ClassArachnida)‏ التي تجمع رتبة العناكب أو العنكبوتيات‏(OrderAraneida)‏ مع عدد من الرتب الأخرى التي تشمل مجموعات العقارب‏‏,‏ والقراد‏.‏

      والعنكبوت‏(Spider)‏ ينقسم فيه الجسم إلي مقدمة يلتحم فيها الرأس مع الصدر‏,‏ ومؤخرة غير مقسمة تشمل البطن‏.‏ وتحمل المقدمة أربعة أزواج من الأقدام‏,‏ وزوجين من اللوامس‏,‏ وزوجا من القرون الكلابية‏(Chelicerae)‏ على هيئة الكماشة أو المخالب التي تحتوي على غدد السم‏,‏ ويفصل مقدمة الجسم عن مؤخرته خصر نحيل‏.‏


      صورة تشريحية للغدد المنتجة لخيوط العنكبوت




      وللعنكبوت عيون بسيطة يصل عددها إلي الثماني‏,‏ وقد يكون أقل من ذلك‏,‏ وهو حيوان مفترس يعيش على أكل الحشرات‏,‏ وله جلد سميك مغطي بالشعر‏,‏ ينسلخ عنه من سبع إلي ثماني مرات حتي يصل إلي اكتمال النضج‏.‏ وعلماء الحيوان يعرفون اليوم أكثر من ثلاثين ألف نوع من العناكب التي تتباين في أحجامها‏(‏ بين أقل من الملليمتر والتسعين ملليمترا‏)‏ وفي أشكالها‏,‏ وألوانها‏,‏ ومعظمها يحيا حياة برية‏,‏ فردية في الغالب إلا في حالات التزاوج وفقس البيض عن الذرية‏,‏ وتمتد بيئة العناكب من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع خمسة آلاف متر‏,‏ وللعنكبوت ثلاثة أزواج من نتوءات بارزة ومتحركة في أسفل البطن لها ثقوب دقيقة يخرج منها السائل الذي تصنع منه خيوط نسيج البيت الذي يسكنه‏,‏ ولذلك تعرف باسم المغازل‏,‏ وهذه المادة السائلة التي تخرج من عدد من الغدد الخاصة إلي خارج جسم العنكبوت عبر مغازل المؤخرة تجف بمجرد تعرضها للجو‏,‏ وينشأ عن جفافها خيوط متعددة الأنواع والأطوال والشدة‏,‏ تختلف باختلاف الغدد التي أفرزتها‏.‏

      صورة لخيوط العنكبوت وهي تنتج من غدد الحرير كأنه معمل لإنتاج الخيوط





      وقد يمكث العنكبوت في بيته الذي يزاول فيه جميع أنشطته الحياتية‏,‏ وقد يتخذ له عشا أو مخبأ غير البيت يرتبط به بخيط يعرف باسم خيط المصيدة‏.‏ ويهرب إلي هذا المخبأ في حالات الخطر‏.‏

      من الدلالات العلمية للنص الكريم

      أولا‏:‏ الإشارة إلي العنكبوت بالإفراد‏:‏

      جاء في لسان العرب تحت مادة‏(‏ عنكب‏)‏ أن‏(‏ العنكبوت‏)‏ دويبة تنسج في الهواء وعلى رأس البئر نسجا رقيقا مهلهلا‏,‏ مؤنثة‏,‏ وربما ذكرت في الشعر‏.‏ ويقال لبيت العنكبوت‏:(‏ العكدبة‏).‏ وقال الفراء‏:‏ العنكبوت أنثي‏,‏ وقد يذكرها بعض العرب‏,‏ والجمع‏(‏ العنكبوتات‏),‏ و‏(‏العناكب‏),‏ و‏(‏العناكيب‏),‏ وتصغيرها‏(‏ عنيكب‏),‏ وهي بلغة اليمن‏(‏ عكنباه‏)‏ ويقال لها أيضا‏(‏ عنكباء‏),‏ وعنكبوه‏,‏ وحكي سيبويه‏(‏ عنكباء‏)‏ مستشهدا على زيادة التاء في‏(‏ عنكبوت‏),‏ فلا أدري أهو اسم للواحد أم للجمع‏.‏ وقال ابن الاعرابي‏:(‏ العنكب‏)‏ الذكر منها‏,‏ و‏(‏العنكبة‏)‏ الأنثي‏.‏ وقيل‏:(‏ العنكب جنس العنكبوت‏,‏ وهو يذكر ويؤنث‏,‏ أعني العنكبوت‏.‏ قال المبرد‏:‏ العنكبوت أنثي ويذكر‏.‏

      والغالب أن لفظة‏(‏ العنكبوت‏)‏ اسم للواحدة المؤنثة المفردة‏,‏ والجمع‏(‏ العناكب‏).‏

      وتسمية السورة الكريمة بصياغة الإفراد‏(‏ العنكبوت‏)‏ يشير إلي الحياة الفردية لهذه الدويبة فيما عدا لحظات التزاوج‏,‏ وأوقات فقس البيض‏,‏ وذلك في مقابلة كل من سورتي النحل والنمل والتي جاءت التسمية فيها بالجمع للحياة الجماعية لتلك الحشرات‏.‏


      ثانيا‏:‏ في قوله تعالى ‏:(‏ اتخذت بيتاً‏):‏

      في هذا النص القرآني الكريم إشارة واضحة إلي أن الذي يقوم ببناء البيت أساساً هي أنثي العنكبوت‏,‏ وعلى ذلك فإن مهمة بناء بيت العنكبوت هي مهمة تضطلع بها إناث العناكب التي تحمل في جسدها غدد إفراز المادة الحريرية التي ينسج منها بيت العنكبوت‏.‏ وإن اشترك الذكر في بعض الأوقات بالمساعدة في عمليات التشييد‏,‏ أو الترميم‏,‏ أو التوسعة‏,‏ فإن العملية تبقي عملية أنثوية محضة‏,‏ ومن هنا كان الإعجاز العلمي في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى ‏):‏ اتخذت بيتا‏.‏


      ثالثا‏:‏ في قوله تعالى ‏:(‏ إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت‏...)‏

      هذا النص القرآني المعجز يشير إلي عدد من الحقائق المهمة التي منها‏:‏

      ‏(1)‏الوهن المادي: أن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت على الإطلاق‏,‏ لأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة تتشابك‏,‏ مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبيرة في أغلب الأحيان‏,‏ ولذلك فهي لا تقي حرارة شمس‏,‏ ولا زمهرير برد‏,‏ ولا تحدث ظلاً كافياً‏,‏ ولا تقي من مطر هاطل‏,‏ ولا من رياح عاصفة‏,‏ ولا من أخطار المهاجمين‏,‏ وذلك على الرغم من الإعجاز في بنائها.

      (2)الوهن في بيت العنكبوت وليس في الخيوط:قوله تعالى ( إن أوهن البيوت ) وهنا إشارة صريحة إلى أن الوهن والضعف في بيت العنكبوت وليس في خيوط العنكبوت وهي إشارة دقيقة جداً فخيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جدا‏ً,‏ يبلغ سمك الواحدة منها في المتوسط واحداً من المليون من البوصة المربعة‏,‏ أو جزءاً من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان‏,‏ وهي على الرغم من دقتها الشديدة فهي أقوى مادة بيولوجية عرفها الإنسان حتى الآن، وتعتبر الخصلات الحريرية التي تكون نسيج العنكبوت أقوى من الفولاذ، ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور، ويتمدد الخيط الرفيع منه إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع، ولذلك أطلق العلماء عليه اسم "الفولاذ الحيوي" أو "الفولاذ البيولوجي" أو "البيوصلب"، وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة، وتبلغ قوة احتماله 300.000 رطلا للبوصة المربعة، فإذا قدر جدلا وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت فيُمْكِنه حَمل طائرة "جامبو" بكل سهولة‏.

      ‏(3)الوهن المعنوي : ‏ أن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت على الإطلاق لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد‏,‏ وذلك لأن الأنثي في بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام عملية الإخصاب وذلك بقتله وافتراس جسده لأنها أكبر حجما وأكثر شراسة منه‏,‏ وفي بعض الحالات تلتهم الأنثي صغارها دون أدني رحمة‏,‏ وفي بعض الأنواع تموت الأنثي بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير‏,‏ وعندما يفقس البيض تخرج‏Spiderlings)) ‏ فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض‏,‏ فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام أو من أجل المكان أو من أجلهما معا فيقتل الأخ أخاه وأخته‏,‏ وتقتل الأخت أختها وأخاها حتي تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تنسلخ من جلدها‏,‏ وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى‏,‏ والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسه‏,‏ لينتشر الجميع في البيئة المحيطة وتبدأ كل أنثي في بناء بيتها‏,‏ ويهلك في الطريق إلي ذلك من يهلك من هذه العنيكبات‏.‏ ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية‏,‏ وانعداما لأواصر القربى‏,‏ ومن هنا ضرب الله تعالى به المثل في الوهن والضعف لافتقاره إلي أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه‏,‏ والأم وصغارها‏,‏ والأخ وشقيقه وشقيقته‏,‏ والأخت وأختها وأخيها‏..!!‏

      رابعا‏:‏ في قوله تعالى ‏:(‏ لو كانوا يعلمون‏*):‏

      هذه الحقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ حيث لم تكتشف إلا بعد دراسات مكثفة في علم سلوك حيوان العنكبوت استغرقت مئات من العلماء لعشرات من السنين حتى تبلورت في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ولذلك ختم ربنا‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ الآية الكريمة بقوله‏(‏ لو كانوا يعلمون‏).‏

      وعلى ذلك فإن الوصف القرآني لبيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت‏,‏ هذا الوصف الذي أنزل على نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين من قبل ألف وأربعمائة سنة يعتبر سبقا علميا لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ على مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها حتى يبقي هذا الكتاب العزيز حجة على الناس كافة إلي يوم الدين‏,‏ ويبقي ما فيه من الحق شاهدا على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وشاهدا كذلك بالنبوة وبالرسالة للنبي الخاتم وللرسول الذي تلقاه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الخاتمي والذي بلغ الرسالة‏,‏ وأدي الأمانة‏,‏ ونصح الأمة‏,‏ وجاهد في سبيل الله حتي آتاه اليقين‏...!!‏ فنسأل الله‏(‏ سبحانه وتعالى ‏)‏ أن يجزيه خير ما جازي به نبيا عن أمته‏,‏ ورسوله على حسن أداء رسالته‏,‏ وأن يؤتيه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة‏,‏ وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده إن ربي لا يخلف الميعاد‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏

      بعض الإشارات القرآنية الخفية :

      أ‌- ولا يقتصر بيت العنكبوت على أنه مأوى يسكن فيه، بل هو في نفس الوقت مصيدة تقع في بعض حبائلها اللزجة الحشرات الطائرة مثل الذباب و غيرها .. لتكون فريسة يتغذى عليها كذلك فإن هؤلاء المشركين الذين اتخذوا أنداداً من دون الله تعالى ودعوا الناس إلى أندادهم إنما يدعونهم إلى مصيدة متقنة يكون في دخولها حتفهم وهلاكهم في الدنيا والآخرة قال الله تعالى :(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) .

      ب‌- التحذير من أصحاب الدعوات الفاسدة الذين اتخذوا من دون الله أنداداً سواء كان هذا الندّ هو المال أو الهوى وذلك من خلال الإشارة إلى خيوطهم الخفية التي يصطادون من خلالها ضحاياهم سواء كانت هذه الخيوط هي المال أو الجنس أو المناصب أو غيرها من الخيوط الخفية والتي ما إن تمسك بالضحية حتى تقضي عليها وتهلكها
      .

      المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار تم نشره في جريدة الأهرام عدد (42749) قام بالإضافة والتعديل عليه فراس نور الحق .
    • الفراشة الحشرة الخارقة


      الفراشة الحشرة الخارقة


      قال تعالى : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) (القارعة:4) .

      لقد شبه الله سبحانه وتعالى حركة الناس يوم القيام في ارتباكهم كالفراش المنتشر وهي إشارة خفية إلى هذه الحشرة التي هي من مخلوقات الله تعالى فكل ما في الوجود من مخلوقات هو إعجاز و معجزة يستحيل خلق مثلها و سوف نتحدث عن بعض عجائب الفراش ونكتشف بديع خلق الله ودقة تكوينه للفراش .

      توجد في الدنيا الملايين من النباتات والحيوانات المختلفة الأنواع التي تظهر أمامنا، والتي تثبت على وجود الخالق.

      وبدون شك فإن الكتابة على هذه الكائنات الحية لاتسع كتابتها في كتاب بل يحتاج إلى مجلدات لكتابتها وهنا سنذكر بعض الأمثلة للأحياء التي لا يمكن أن تأتي صدفة وهذا ما سنقوم بإثباته هنا.

      لو كان لدينا 450-500 بيضة ،وهذه البيوض نريد الاحتفاظ بها في الخارج وحماية البيوض من الرياح التي تبعثرها هنا وهناك ماذا يمكن أن نفعل وكيف نتخذ الاحتياطيات اللازمة لذلك.

      فمن الكائنات الحية التي تستطيع أن تلد في المرة الواحد ما يقارب (450_500) بيضة في المرة الواحدة هي حشرة الحرير وللمحافظة على البويضات تقوم بهذا التدبير المنطقي وهو ربط البويضات بعضها ببعض بواسطة مادة خيطية لاصقة تقوم بإفرازها وبهذا تمنع تناثر البيوض في الأطراف. وبعد خروج هذه اليسروعات تقوم بربط نفسها غصون شجرة ملائمة لها بواسطة الخيوط التي تفرزها. ومن اجل نموها تقوم بأفرازات خيطية لحياكة الشرنقة، فهذه اليسروعات في خلال 3-4 أيام تقوم بهذه الأعمال كلها. وفي خلال هذه المدة تبدأ بالالتفاف الآف المرات حول نفسها ونتيجة لذلك تنتج ما يقارب 900-1500 متر من الخيوط وبعد أن تنتهي من هذا العمل وبدون أن ترتاح تقوم بعملية التغيير من دودة داخل شرنقة إلى حشرة كاملة (الفراشة).{اَفَمن يخلُقُ كَمَن لا يخَلُقُ اَفَلاَ تَذَكَّرُون}(سورة النحل، 17).

      الأم الحشرة الكاملة "التي تصنع الحرير" من أين تعلمت كيفية المحافظة على أطفالها واليرقات الصغيرة الحجم والتي ليس لها إلا أيام من خروجها من بويضاتها كيف تقوم بهذه الأعمال, فهذا ما لم تستطيع نظرية دارون إيضاحه.فقبل كل شيء (أولا) كيف استطاعت الأم أن تفرز هذه الخيوط لتلصق بها بيوضها واليرقات التي خرجت من البيضة كيف استطاعت أن تجد مكان مناسب لها لتصنع شرانقها ومن ثم تستطيع أن تتغير دون أن تكون هناك مشاكل. فهذه الأشياء كلها فوق حدود طاقة فهم الإنسان.

      ففي هذه الحالة يمكن أن نستخرج وبكل بساطة إن كل دودة تعرف ما ستفعله في الدنيا. وهذا يعني أنها قد تعلمت هذه الأشياء قبل أن تأتي إلى الدنيا.

      ونستطيع أن نوضح هذا بالمثال الآتي: فالطفل المولد جديداً وبعد مرور عدد ساعات من الولادة يقف الطفل على رجليه ويقوم بجميع ما يحتاجه لصنع فراش للنوم (الغطاء، الوسادة، زربية) وبعد إتمامه ينام عليه فإذا ما رأيتم هذا الشيء ماذا ستفكرون؟ وبعد انتهاء الدهشة ستصلون إلى نتيجة وهي أن الطفل قد اخذ هذا التعليم وهو في بطن أمه. وهذا شبيه بما يفعله اليرقات.

      وهنا توصلنا إلى نفس النتيجة وهي أن الأحياء تلد، تتصرف وتعيش مثل ما أراد الله لهم. فكما بين الله سبحانه وتعالى في القرآن كيف أن النحل تعمل العسل بوحيٍ من الله {وأوحى رَبُّكَ إلى النَّحل أن أتخذى مِنْ الجِبَال بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمَّمِا يَعرِشُونَ ثُمَّ كُلِى مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فاسلكي سُبُلَ رَبِكَ ذُلُلًا يَخُرُج مِنْ بُطُوِنُهَا شَرابٌ مُخْتَلِفٌ ألوانه فِيِه شِفَاءٌ للِنَّاسِ إن في ذلِكَ لآية لِقَومٍ يَتَفكَّرُون} (سورة النحل، 68-69).


      تناظر الأجنحة

      لو نظرنا وبدقة إلى أجنحة الفراشة نرى أمامنا أجنحة متناظرة الشكل وبدون قصور فهذه الأجنحة الشفافة ، أشكالها، نقاطها، والألوان التي تجملها فأنها خلقت كاللوحة مرسومة أمامنا دون قصور فانها تمثل لنا شيء فوق العادة في صناعتها.

      فأجنحة الفراشة مهما تكون مختلفة فأن أجنحتها الاثنان تماماً تشبه الواحدة الآخر في أدق رسوماتها وانتظام نقاطها وألوانها فلا توجد اختلاط في ألوانها الموجودة. فهذه الألوان تتكون من أقراص صغيرة جدا مرتبة واحدة بجانب الآخر. فإذا ما لمسنا هذه الأقراص الصغيرة فإنها تتشتت (تتفرق) فكيف تكون هذه الأقراص الصغيرة دون أن تفقد أو تضل صفوفها فتكون نفس النقشة في كلا الجناحين فلو تغيير مكان أي قرص من هذه الأقراص الصغيرة فانها تظهر في الأجنحة فليس هناك على وجه الأرض فراشة أجنحتها بدون نظام كأنها من صنع رسام واحد فهذا ، لأنه فعلا من صنع رسام واحد أو صانع واحد وخالق واحد عظيم. صاحب جميع الكائنات الذي هو الله ولا مثيل لخلقه يبين لنا صفاته في أجنحة فراشة.{هُوَ اللهُ الخَالَقُ البَارِئُ المُصَوِرُ لَهُ الأسماء الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ مَا في السَّموَاتِ والأرض وَهُوَ العَزيُز الحَكيمُ} (سورة الحشر، 24).

      المصدر : موقع هارون يحيى على شبكة الإنترنت
    • قصة سراقة مع النبي عند الهجرة


      قصة سراقة مع النبي عند الهجرة



      لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هو و صاحبه أبو بكر في قصة الهجرة المشهورة و تبعتهم قريش بفرسانها ، أدكهم سراقة بن مالك المدلجي و كاد يمسك بهم ، فلما رآه سيدنا أبي بكر قال أُتينا يا رسول الله فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على سراقة فساخت يدا فرسه في الرمل فقال سراقة : إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وفي رواية أن النبي صلى عليه وسلم قال لسراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه.

      فلما فتحت فارس و المدائن و غنم المسلمون كنوز كسرى أتى أصحاب رسول الله بها بين يدي عمر بن الخطاب ، فأمر عمر بأن يأتوا له بسراقة و قد كان وقتها شيخاً كبيراً قد جاوز الثماني من العمر ، و كان قد مضى على وعد رسول الله له أكثر من خمسة عشر سنة فألبسه سواري كسرى و تاجه و كان رجلاً أزب أي كثير شعر الساعدين فقال له أرفع يديك وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي، وقد روى ذلك عنه بن أخيه عبد الرحمن بن مالك بن جعشم وروى عنه بن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وطاوس .

      ولقد مات سراقة في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وقيل بعد عثمان .

      فمن أخبر محمداً بن عبد الله هذا الإنسان الهارب من القتل بأن الله سوف يغنم أمته كنوز كيسرى وتاجه و لبسها سراقة الأعرابي .


      المصدر : صحيح البخاري كتاب المناقب ـ باب علامات النبوة 3419 كنز العمال .35752.
    • البرق والرعد



      البرق والرعد



      قال تعالى : ) َ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ، وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)1

      تبرز الآية الكريمة مظهراً من مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى ، وهذا مظهر يتمثل في آية من آيات الله ( البرق ) .

      " والبرق : الذي هو لمعان السحاب(2)" ، وهو ذو جناحين ، جناح فاض بالبشرى الحبور ، لأنه يبشر بهطول المطر ودرّ الغيث من السماء لتنتشر الرحمة على العباد ، وجناح يحمل الإنذار ، ويدخل الهلع والقلق على النفوس ، فترتعد الفرائص ، وتصفر الوجوه وتنـزوي القوى …

      فالله سبحانه وتعالى يرينا البرق الذي يحمل هذين المعنيين ( الخوف والطمع ) لتلهج ألسنتنا بذكر الله وتسبيحه وتحميده ، لأن الكون كله يسبح الله من ملائكة ورعد وبرق وشجر وحجر … لكننا نحن معاشر البشر لا ندرك كنه هذا التسبيح حقيقة ، ويرسل العزيز الجبار الصواعق فيصيب بها من يشاء من عباده و يعذب بها من يريد ، ليعلم الذين غفلوا عن الله أن الله شديد المحال ، شديد البطش والقوة ، يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء .

      ولقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى أن البرق ( الصواعق ) التي يرسلها تسبب الهلاك والموت قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)3

      فالصواعق قاتله ، ومهلكة للممتلكات ومزهقه للأرواح ، ومدمرة لقواعد البشر المعمرية والعملية والبرية والبحرية …زد على ذلك فإن الشحنات الكهربائية التي تصدر عن البرق تؤدي إلى العمى ، قال تعالى في ذلك  يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ.

      إن هذه الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم عن البرق والرعد والصواعق أرعبت البشر قديماً و حديثاً ، وهزت كيانهم هزاً عنيفاً مخيفاً وراحوا يستعدون لمواجهتها بأساليب متنوعة ووسائل متعددة وإليك لمحة علمية موجزة تفسر ما حكاه القرآن الكريم عن جنوده هذه :

      " يتولد عن اندلاع الصواعق المدارية عادة العواصف الرعدية فهي دوماً مصاحبه لها ، كذلك فإن الأعاصير غير المدارية مسؤولة عن اندلاع العواصف الرعدية ،والتورنادو ، ( Tornadoes ) في قائمة الكوارث الطبيعية القاتله ، يصاحب اندلاع العواصف الرعدية عادة حدوث البرق وهو الذي يؤدي بحياة العديد من البشر في كل عام ، ويحصل بسببه الدمار وبعض حرائق الغابات ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى أكثر من ( 20 ) عام قبل عام ( 1987 ) كان يموت بفعل البرق سنوياً ( 9 ) أشخاص كمعدل عام ." ( 1 )

      " وقد ثبت علمياً أن جميع السحب مشحونة كهربائياً وتبلغ الشحنات أقصاها في السحب الركامية العاصفية ، ويلزم لظهور البرق شحنات من ( 10 – 100 ) كولوم ، تبعد الواحدة عن الأخرى من ( 1 إلى 10 ) كم ، …والصاعقة مؤلفة من بروق متعددة تم تصويرها بآن واحد تشكل معظمها بين السحب وسطح الأرض ولكن يوجد منها ما يتشكل بين السحب نفسها ، وتسمى هذه بالبروق الخطية والتي يصل فيها طول الخط الواحد بضعة كيلومترات ، وقد تتمحض العاصفة عن عدة آلاف عملية من عمليات التفريغ الكهربي ( البرق ) وقد يصل طول الشرارة الواحدة ( 1,5 ) كم عندما يتم التفريغ بين السحابه و الأرض ( صاعقة ) ، أما طولها عندما يحدث التفريغ بين السحب فهو يزيد عن ذلك كثيراً ، وعندما تكون الصاعقة قريبة منا لا يصعب تمييز تفرغ الشرارات وتعددها في كل إتجاه ، وقد تستغرق الواحدة منها زهاء ثانية كاملة قبل أن يتلاشى وميضها ، وقد يتعذر علينا رؤية الشرارة نفسها حيث تضيء السحب والسماء فجأة بنور ساطع يطلق عليه أحياناً اسم ( صحائف البرق )" ( 2 ) .

      إنها ومضات سريعة تعرفنا من خلالها على الرياح وأنواعها والريح وعواقبها ، والسحب وأشكالها ، وعلى البرق والرعد والصواعق فكل هذه من جنود الله العظيم ، لينبه بها عباده أن يا عبادي فاتقون
      .

       إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 3


      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      (1) الرعد الآيتان ( 12 – 13 ) .

      (2) ) مفردات ألفاظ القرآن : للراغب الأصفهاني ،ص 118 .

      (3) النور : الآية 43 .

      ( 1 ) الأنواء الجوية : د . ك سميث ، ص 35 .

      ( 2 ) المعارف الكونية بين العلم والقرآن : إعداد نخبة من علماء الفكر المعاصر ، ص370 .

      ( 3 ) ق : الآية ( 37 ) .
    • البرزخ المائي بين البحرين


      البرزخ المائي بين البحرين [1]


      قال تعالى:﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ22﴾ (الرحمن:19-22).وقال تعالى:﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ (النمل:61).

      التحقيق العلمي :
      لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخاً يفصل بين كل بحرين،ويتحرك بينهما ويسميه علماء البحار الجبهة تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين جيشين.وبوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.ومع وجود هذا البرزخ فإن البحرين المتجاورين يختلطان اختلاطاً بطيئاً، يجعل القدر من المياه الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل إليه عن طريق البرزخ الذي يقوم بعملية التقليب للمياة العابرة من بحرٍ إلى بحر؛ليبقى كل بحرٍ محافظاً على خصائصه .


      تدرج العلم البشري في اكتشاف هذا الحاجز المائي المخفي:
      • اكتشف علماء البحار أن هناك اختلافاً بين عينات مائية أخذت من البحار المختلفة في عام 1284هـ- 1873م و كان ذلك على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة تشالنجر، فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها البعض من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة ، ومقادير الكثافة ، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كان اكتشاف هذه المعلومة بعد رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام، جابت جميع بحار العالم. وقد جمعت الرحلة معلومات من 362 محطة مخصصة لدراسة خصائص المحيطات. وملئت تقارير الرحلة 29.500 صفحة في خمسين مجلداً استغرق إكمالها 23 عاماً. وإضافة إلى كون الرحلة أحد أعظم منجزات الاستكشاف العلمي فإنها أظهرت كذلك ضآلة ما كان يعرفه الإنسان عن البحر([2]).

      • بعد عام 1933م قامت رحلة علمية أخرى أمريكية في خليج المكسيك، ونشرت مئات المحطات البحرية، لدراسة خصائص البحار، فوجدت أن عدداً كبيراً من هذه المحطات تعطي معلومات موحدة عن خصائص الماء في تلك المنطقة ، من حيث الملوحة والكثافة والحرارة والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، بينما أعطت بقية المحطات معلومات موحدة أخرى عن مناطق أخرى، مما جعل علماء البحار يستنبطون وجود بحرين متمايزين في الصفات لا مجرد عينات محدودة كما علم من رحلة تشالنجر.

      • وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يميز مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض ، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب ؟؟، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام مثل الموجات السطحية والداخلية والتيارات المائية والبحرية ؟ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام1361هـ-1942م. فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن اكتشاف حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية ، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة ، والأحياء المائية ، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء. وبعد عام 1962م عرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة ، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز. ويبين الشكل التالي حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والملحة، عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل ملوحة منها.

      • وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية ، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسماً واحداً ، إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة ، تظهر بألوان مختلفة تبعاً لاختلافها في درجة الحرارة .

      • وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم[3] – قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) Mixed-Water Area (منطقة البرزخ).

      وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها (Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية ، وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة ، اشترك فيها المئات من الباحثين، واستخدم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة .

      بينما جلى القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً ، قال تعالى:﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19)بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَان(ِ20)فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ22﴾ (الرحمن:19-22).وقال تعالى:﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ (النمل:61).

      المعاني اللغوية وأقوال المفسرين :

      مرج : تأتي بمعنى الخط و الإضطراب( [4])

      البحرين : أي المالحين ([5])

      البرزخ : الحاجز : ([6]).

      البغي : مجاوزة الحد ([7]) اللؤلؤ والمرجان من الحلي التي تستخرج من البحار المالحة.([8] )

      والآيات ترينا دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار ، فهي تصف اللقاء بين البحار الملحة ودليل ذلك ما يلي:


      أولاً : لقد أطلقت الآية لفظ البحرين بدون قيد ، فدل ذلك على أن البحرين ملحان .

      ثانياً : بينت الآيات في سورة الرحمن أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار الملحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين ملحين، قال تعالى
      :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان﴾ أي يخرج من كل منهما. فمن الذي كان يعلم أن البحار الملحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف الظاهرة التي تدركها الأبصار والحواس، فكلها ملحة ، زرقاء ، ذات أمواج ، وفيها الأسماك وغيرها وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟

      والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير ؟

      والآية تذكر اللقاء بين بحرين ملحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً ، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلافٍ بينهما مع كونهما ملحين .


      و ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان﴾ِ أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب في منطقة الالتقاء، كما تدل اللغة على ذلك بلفظ مرج، وهذا ما كشفه العلم من وصف لحال البرزخ الذي يكون متعرجاً ومتنقلاً في الفصول المختلفة بسبب المد والجزر والرياح . ومن يسمع هذه الآية فقط ، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة لها، ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده .

      وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته ، فقد وجد ماءً ثالثاً حاجزاً بين البحرين يختلف في خصائصه عن خصائص كل منهما . ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلطان ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر بخصائصه؛ لأن البرزخ منطقة تقلب فيها المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المنتقلة بالتدريج صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا لا يبغي بحر على بحر آخر بخصائصه، مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء، وصدق الله القائل
      ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ19بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ20﴾ (الرحمن:19-20).

      وقد أشكل على بعض المفسرين الجمع بين اختلاط مياه البحار مع وجود البرزخ، إذ أن وجود البرزخ الحاجز يقتضي منع الاختلاط، وذكر الاختلاط مرج يقتضي عدم وجود البرزخ ، وقد زال الإشكال اليوم باكتشاف أسرار البحر على حقائقها .

      أوجه الإعجاز في الآيات السابقة :
      مما سبق يتبين :

      1- أن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من 1400سنة قد تضمن معلومات دقيقة عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجز مائية بين البحار، قال تعالى:(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) (الرحمن:19-20).

      2- يشهد التطور التاريخي في سير علوم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار وبخاصة قبل رحلة تشالنجر عام 1873م فضلاً عن وقت نزول القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة الذي نزل على نبيٍ أمي عاش في بيئة صحراوية ولم يركب البحر.

      3- كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات ، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة ، وما عرف الإنسان أن البحار الملحة بحار مختلفة إلا في الثلاثينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار ، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة ، ونسبة الملوحة ، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار الملحة متنوعة.

      4- وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار الملحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها ، وبعد أن قضى وقتاً طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة، التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.

      5- وما عرف الإنسان أن مائي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق.

      6- وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض .

      • فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية ، وأجهزة تحليل كتل المياه ، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة ؟ .

      • وهل قام بعملية مسح شاملة ، وهو الذي لم يركب البحر قط ، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار ؟

      • وهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة ؟

      • إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفاً لأدق الأسرار في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدلُ على مصدره الإلهي،كما قال تعالى
      ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾(الفرقان:6).

      • كما يدل على أن الذي أنزل عليه الكتاب رسول يوحى إليه وصدق الله القائل ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (فصلت:53).



      --------------------------------------------------------------------------------

      موقع الإيمان بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني .([1] ) -

      Introduction to Oceangraphy David A. Ross, 2nd ed. , 1977, USA, pp. 37-39 ([2] ) -

      [3]) _) بحث مرج البحرين يلتقيان: لمحمد إبراهيم السمرة. معجم لسان العرب .[4]

      معجم المقاييس في اللغة : لابن فارس مادة مرج. ([5] ) - [6] –أخرجه أحمد في المسند 2/237 ورواه الترمذي في كتاب الطهارة. الصحاح والجوهري . [7

    • التصميم الخاص لعناصر الحياة



      التصميم الخاص لعناصر الحياة



      قال تعالى في محكم تنزيله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان:2) .

      وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) .

      وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56).

      ويقول " جون بولكنغهورن " وهو فيزيائي إنكليزي [1] .

      "إنكم إذا تأملتم في النظام الخارق الذي بني به الكون ولاحظتم التصميم غير العادي الذي خلق به، فلابد أن يوحي لكم ذلك بأن ثمة هدفاً وغاية وراء كل ذلك" .

      حتى هذه اللحظة مازلنا نفحص كيف أمكن تصميم كل التوازنات الفيزيائية للكون الذي نحيا فيه كلي نتمكن من الحياة ولقد رأينا أيضاً أن التركيب العام للكون وكذلك موقع الأرض فيه عوامل مثل الهواء والضوء والماء قد صممت بدقة لكي يكون فيها ما تحتاجه مساهماتنا، بالإضافة لذلك فنحن بحاجة لأن نلقي نظرة على العناصر التي صنعت منها أجسامنا، تلك العناصر الكيميائية والتي هي القطع البناء التي تشكلت منها أيدينا وأعيننا وشعرنا وأعضاؤنا تماماً مثل بقية الكائنات الحية الأخرى كالنباتات والحيوانات، والتي هي مصادر غذائية وهي صممت لتخدم الأهداف التي تفعلها بالضبط .

      يشير الفيزيائي (روبيرت ـ س ـ د ـ كلارك ) إلى التصميم الراقي والخاص في بناء قطع الحياة عندما قال : " لقد أعطانا الخالق مجموعة أجزاء مسبقة الصنع وجاهزة لأن تساهم في كل ما هو قيد التصنيع "[2] و أكثر تلك القطع البناءة أهمية هي الكربون .


      التصميم في الكربون :

      وصفنا في الفصول السابقة العملية غير العادية والتي أنتج بها عنصر الكربون في أعماق النجوم الهائلة والتي تدعى العمالقة الحمراء، حيث يشغل هذا العنصر الموقع السادس في الجدول الدوري، كما شاهدنا كيف أمكن اكتشاف تلك العملية المدهشة في تركيب العناصر، وقد تقدم (فريد هويل ) بالقول في هذا الموضوع معلناً " أن قوانين الفيزياء النووية صممت بتأن مع الأخذ بالحسبان مستقبل النواتج لما يصنع داخل النجوم "[3].

      عندما فحصنا الكربون عن قرب وجدنا أنه ليس الشكل الفيزيائي لهذا العنصر صمم بتأن فقط بل رتبت خواصه الكيميائية بإتقان أيضاً كي تكون على ما هي عليه فعلاً .

      يوجد الكربون الصافي في الطبيعة بشكلين الغرافيت والألماس، وهو يدخل مع عديد من العناصر الأخرى مشكلاً مواد كثيرة مختلفة الأنواع، وخاصة في ذلك المجال المتعدد الواسع الذي لا يصدق من المواد العضوية الحية، ومثل تلك المواد العضوية الحية أغشية الخلايا ولحاء الشجر وعدسة العين وأظلاف الغزال وبياض البيضة وصفارها وسم الأفعى فكلها صنعت من مركبات أصلها كربون .

      يتحد الكربون مع الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين بكميات مختلفة عديدة وبتركيبات هندسية متنوعة، منتجة أصنافاً واسعة من المواد ذات الخواص المختلفة الواسعة . بحيث تحتوي جزيئات بعض المركبات الكربونية بالضبط عدد قليل من الذرات وبعضها الآخر يحتوي آلاف وربما الملايين من الذرات، والأكثر من ذلك هو أنه لا يوجد عنصر آخر متقلب ومتعدد الجوانب كالكربون في تشكيله جزيئات غاية في المتانة والثبات .

      ولنقتبس بعض ما جاء في كتاب ( دافيدبورني ) والذي عنوانه ( الحياة ) ما يلي :

      " الكربون هو عنصر غير عادي تماماً، فبدون وجود الكربون وخواصه غير العادي لا يحتمل وجود الحياة على الأرض "[4].

      وأيضاً فيما يتعلق بالكربون فقد كتب الكيميائي البريطاني ( نيغيل شيدويك ) في كتابه ( العناصر الكيميائية ومركباتها ) ما يلي :

      " الكربون هو الوحيد والفريد من كل العناصر في عدد وتنوع المركبات التي يستطيع تركيبها، ولقد تم إلى حدّ الآن عزل ووصف أكثر من ربع مليون مركب للكربون، ومع ذلك فإن ذلك لا يعطي فكرة كاملة عن قدراته طالما أنه الأساس في كل أشكال المادة الحية اللامحدودة التعقيد".[5]

      لأسباب فيزيائية وكيميائية ليس بإمكان الحياة أن تبنى على أن عنصر آخر غير عنصر الكربون ن وفي وقت ما اقترح عنصر آخر بديل عنه وهو عنصر السيليكون ولربما كان بإمكان الحياة أن تبنى عليه، لكننا نعلم الآن أن مثل ذلك التخمين غير ممكن إطلاقاً، وإذا رجعنا للاقتباس من ( شيدويك ) ثانية نجد :

      " نحن نعلم الآن ما يكفي لنكون واثقين من استحالة فكرة أن يحل عنصر السيليكون محل عنصر الكربون كأساس للحياة في هذا العالم " [6]



      الروابط المشتركة :

      تدعى الروابط الكيميائية التي يدخل فيها الكربون عندما يشكل المركبات العضوية بالروابط المشتركة، ويقال عن تلك الروابط أنها تحدث عندما تتشارك ذرتان بإلكتروناتهما .

      تشغل إلكترونات الذرة طبقات مدارية مخصصة متمركزة في مدارات حول النواة، ويشغل المدار الأقرب للنواة إلكترونات فقط، بينما يشغل المدار التالي بثمانية إلكترونات كحد أقصى، أما المدار الثالث الأبعد عن النواة فيمكن أن يصل عدد إلكتروناته إلى ثمانية عشر، ويستمر زيادة عدد الإلكترونات مع إضافة مدارات أكبر للذرة، والمظهر العجيب لهذا المخطط هو إرادة تلك الذرات لأن تتمم عدد إلكتروناتها في طبقاتها المدارية السطحية لثمانية إلكترونات، فمثلاً للأوكسجين في مداره الثاني الأبعد عن النواة ستة إلكترونات، وهذا يسبب له رغبة في أن يدخل في اتحادات مع ذرات أخرى تقدم له إلكترونين من عندها يحتاجهم كي يوصل عدد إلكتروناته لثمانية .. أما لماذا تسلك الذرات هذا السلوك ؟ فهو سؤال لا جواب له ؟؟

      ولكنه عمل جيد، لأنه لو لم يحدث ذلك العمل فلن تكون هناك حياة ممكنة .

      تحدث الروابط المشتركة نتيجة لذلك الميل عند الذرات لتتم طبقاتها المدارية الخارجية لثمانية الكترونات، ومثال جيد على ذلك هو جزيء الماء H2O والذي قطعة البناء هما ذرتا هيدروجين وذرة أوكسجين حيث تشكلان رابطة تشاركية في هذا المركب حيث يتمم الأوكسجين عدد إلكتروناته في مدارها الثاني لثمانية بالمشاركة بإلكترونين ( واحد لكل ذرة هيدروجين )، وبالطريقة نفسها فإن كلاً من ذرتي الهيدروجين تقترض ألكتروناً من الأوكسجين لتتم طبقاتها الخاصة .

      الكربون جيد جداً في تشكيل الروابط المشتركة مع ذرات أخرى بما فيها ذرات الكربون ذاتها، ومن ذلك يمكن صنع عدد هائل من المركبات المختلفة وأحد أبسط تلك المركبات هي غاز الميتان، وهو غاز شائع ومألوف ويتشكل بالترابط المشترك لأربع ذرات هيدروجين وذرة كربون واحدة فالكربون يحوي في مداره الأول إلكترونين وأربعة فقط في مداره الثاني فهو يحتاج لأربعة أخرى ليتم ذلك المدار لثمانية لهذا السبب يكفي أربعة ذرات هيدروجين لتلبي هذه الحاجة وتمم مداره الأخير .

      تقول أن الكربون هو عنصر متقلب متعدد الوجوه خاصة في تشكيل الروابط مع غيره من الذرات، وهذا التقلب يمكنه من تركيب أعداد ضخمة من المركبات المختلفة الأشكال والخواص، ويدعى صنف المركبات التي يشكلها الكربون مع الهيدروجين حصراً بالهيدروكربون، وهي عائلة ضخمة من المركبات تشمل الغاز الطبيعي والبترول السائل والكيروسين وزيوت التشحيم، وتعتبر من ضمن هذه العائلة من الهيدروكربون المادتان الأثيلين والبروبلين الأساس الوطيد . الذي تنصب عليه الصناعة البتروكيميائية الحديثة، ومن أمثلة تلك المواد البتروكيميائية التي أساسها الهيدروكربون البنزين والتولوين والتربنتين، وتلك المواد مألوفة لأي شخص يعمل في الدهانات، وكذلك النفتالين الذي يحمي ملابسنا من العث هو أيضاً مركب هيدروكربون آخر، وبإضافة الفلورين تعطي الفريون وهو الغاز الذي يستعمل بشكل واسع في التبريد.

      يوجد صنف آخر من المركبات العضوية الهامة والتي تتشارك فيها العناصر التالية : الكربون والهيدروجين والأوكسجين بحيث يتشارك كل اثنين معاً بروابط مشتركة، وفي تلك العائلة نجد الكحوليات مثل الاثانول والبروبانول والكيتونات والحموض الدسمة مع عديد وعديد من المواد الأخرى، كما توجد مجموعة أخرى من المركبات مكونة من هذه العناصر بالذات لكنها تعطي السكاكر بما فيها الغلوكوز والفراكتوز .

      وما السيللوز الذي يتركب منه هيكل الخشب والمادة الخام للورق إلا كربوهيدرات ( أي سكاكر )، ومثله الخل وشمع العسل ( شمع النحل) وحمض الفورميك، وكل واحد من تلك المركبات يأتي بحلة رسمية لا تصدق أن أصله مواد ومركبات تحدث طبيعياً في عالمنا وهي ليست أكثر من ترتيب مختلف للكربون والهيدروجين والأوكسجين تترابط مع بعضها بروابط مشتركة .

      عندما يشكل الكربون الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين (هذه المرة ) رابطة مشتركة فالنتيجة هي صنف آخر من الجزيئات العضوية، تلك هي الأساس ومادة الحياة بذاتها، تلك هي الحموض الأمينية التي تصنع البروتينات، وما النيوكليوئيدات التي تصنع الدنا ( DNA) سوى جزيئات تشكلت من الكربون والهيدروجين والأوكسجين والنتروجين .

      باختصار إن الروابط التشاركية التي تستطيع ذرة الكربون الدخول فيها هي حيوية لوجود الحياة وبقائها فذا لم يكن للهيدروجين والكربون والأوكسجين والنروجين الرغبة في التشارك الألكتروني فيما بينها فستكون الحياة غير ممكنة واقعياً .

      إن الشيء الذي يجعل تشكل هذه الروابط ممكنة للكربون هي الخاصية التي يدعوها الكيميائيون بشبه الاسقرار " وهي تعني ان يكون لشيء ما ثبات ضعيف هامشي، وقد وصف عالم الكيمياء الحيوية (ج. ب. س هالدان ) شبه الاستقرار هكذا :

      " يقصد بالجزيء الشبه مستقر بأنه ذلك الجزيء الذي يستطيع أن يحرر طاقة حرة بالتحول، لكنه مستقر بشكل كافٍ ولمدة طويلة من الزمن ما لم ينشط بالحرارة أو بالإشعاع أو بالاتحاد مع وسيط كيميائي [7]

      الذي يقصده هذا التعريف الشبه تقني أن لهذا الكربون تركيباً فريداً يعود له الفضل في تسهيل دخول الكربون في روابط مشتركة تحت شروط نظامية .

      وهنا يجب أن نكون أكثر دقة فالوضع بدأ يصبح جدياً ذلك بأن الكربون هو شبه مستقر إطلاقاً عندما ترتفع درجة الحرارة لأعلى من (100س ) .

      هذه الحقيقة اعتيادية ومألوفة في حياتنا اليومية بحيث أن معظمنا يأخذ ذلك كمسلمة فمثلاً عندما نطبخ اللحم فالذي نفعله حقيقة هو أننا نغير تركيب مركباته الكربونية لكن توجد نقطة هامة يجب أن نلاحظها وهي أن اللحم المطبوخ صار ميتاً تماماً وهذا يعني أن تركيبه الكيميائي صار يختلف عما كان عليه عندما كان جزءاً من العضوية الحية، لأنه من المعروف أن معظم المركبات الكربونية تصبح فاسدة عند درجات حرارة فوق (100س ) ومعظم الفيتامينات مثلاً تتفكك عند تلك الدرجة من الحرارة، وكذلك يتغير تركيب السكر ويفقد بعضاً من قيمته الغذائية ومن حوالي الدرجة (150س) تبدأ المركبات الكربونية في الاحتراق .

      وبكلمة أخرى إذا كان على ذرات الكربون أن تدخل في روابط مشتركة مع ذرات أخرى وإذا أريد للمركبات الناتجة أن تبقى مستقرة فيجب ألا ترتفع درجة الحرارة المكتنفة فيها عن ( 100س ) .

      وأن أخفض حدود لدرجة الحرارة يجب أن تكون حول درجة الصفر مائوية، فإذا هبطت درجة الحرارة كثيراً جداً تحت تلك الدرجة فإن النشاط الحيوي العضوي سوف لن يكون ممكناً .

      أما في حالة مركبات أخرى فهذه الحالة ليست عامة، فمعظم المركبات اللاعضوية هي مركبات ليست شبه مستقرة، أي أن استقرارها لا تتأثر كثيراً بتغيرات درجة الحرارة، ولنفهم ذلك دعنا نجري التجربة التالية :

      لنثبت قطعة من اللحم على طرف قطعة معدن رقيقة وطويلة مثل الحديد ولنسخن الاثنين معاً على النار، فكلما ازدادت درجة الحرارة سخونة أصبح لون اللحم قاتماً ثم لا يلبث أن يحترق أخيراً وقبل أن يحدث أي شيء للمعدن بزمن طويل . والشيء نفسه سيحدث حقيقة إذا استخدمت الحجر أو الزجاج مع المعدن، لكنك يجب أن ترفع درجة الحرارة عدة مئات من الدرجات قبل أن يبدأ تركيبها في التغير .

      لابد أنك راقبت التشابه بين مجال درجة الحرارة اللازم لكي تتكون مركبات الكربون ذات الرابطة المشتركة وبقائها مستقرة والمجال لدرجات الحرارة السائدة في كوكبنا، وكما قلنا في مكان من هذا الكتاب أن مجال درجات الحرارة في كل الكون يتراوح بين ملايين الدرجات في أعماق النجوم إلى الصفر المطلق لكن الأرض التي خلقت للبشرية كي تحيا فيها هي الوحيدة التي تملك مجال درجات حرارة ضيق وهو ضروري لتشكل المركبات الكربونية والتي هي القطع البناءة للحياة .

      لكن الصدفة العجيبة لا تنتهي هنا، وهذا المجال لدرجة الحرارة هو الوحيد الذي يبقى فيه الماء سائلاً، وكما رأينا في فصل سابق أن الماء هو أحد المتطلبات الأساسية للحياة ولكي يبقى سائلاً فإنه يتطلب بالضبط درجات حرارة مركبات الكربون نفسه اللازمة لتشكلها واستقرارها، ولا يوجد قانون فيزيائي ولا طبيعي بإمكانه أن يأمر بذلك فيكون وتحت الظروف السائدة، وهذه الحالة هي دليل على أن الخواص الفيزيائية للماء والكربون وكذلك الشروط على كوكب الأرض خلقت جميعاً بهذه الطريقة لتتناسق وتتوافق مع بعضها البعض .


      الروابط الضعيفة :

      ليست الروابط المشتركة هي النموذج الوحيد للترابط الكيميائي الذي يحفظ مركبات الحياة مستقرة، لكنه يوجد صنف آخر مختلف من الروابط يدعى بالروابط الضعيفة ومثل تلك الروابط هي أضعف بحوالي عشرين مرة من الروابط المشتركة ومن هنا أتى اسمها ومع ذلك فهي ليست أقل صرامة وحدية في عمليات الكيمياء العضوية، فبفضل هذه الروابط الضعيفة تتمكن البروتينات التي تصنع القطع البناءة لكل ذي حياة من أن تحافظ على تركيبها المعقد النشط الثلاثي الأبعاد .

      لتفسير ذلك يجب أن نتناول باختصار تركيب البروتينات، فالبروتينات عادة تكون بشكل سلسلة من أحماض أمينية، وكلمة سلسلة هنا هي استعارة مجازية صحيحة أساساً لكنها ليست تامة، وعدم كمالها سببه أن معظم الناس تثير في عقولهم عبارة سلسلة الأحماض الأمينية التي تصنع البروتينات تركيباً ثلاثي الأبعاد وأكثر شبهاً بشجرة ذات فروع مورقة .

      فالروابط المشتركة هي التي تضم ذرات الأحماض الأمينية معاً، بينما الروابط الضعيفة هي التي تحفظ التركيب الثلاثي الأبعاد الأساسي لتلك الأحماض، ولا يمكن للبروتين أن يبقى موجوداً بدون تلك الروابط الضعيفة وطبعاً بدون البروتينات لا توجد حياة .

      الجزء الممتع الآن في هذا العمل هو أن مجال درجة الحرارة والتي تتمكن فيه الروابط الضعيفة هي التي تحفظ التركيب الثلاثي الأبعاد الأساسي لتلك الأحماض، ولا يمكن للبروتين أن يبقى موجوداً بدون تلك الروابط الضعيفة وطبعاً بدون البروتينات لا توجد الحياة .

      الجزء الممتع الآن في هذا العمل هو أن مجال درجة الحرارة والتي تتمكن فيه الروابط الضعيفة من ممارسة وظيفتها هو ذاته المجال السائد على الأرض ويبدوا ذلك غريباً بسبب أن الطبيعة الفيزيائية والكيميائية للروابط المشتركة قبالة الرابط الضعيفة هي أشياء مختلفة كلياً كما أن كلاً منها مستقل عن الآخر .

      وبكلمة أخرى لا يوجد سبب جوهري يدعو لأن يتطلب كلاهما مجال درجة الحرارة نفسه ومع ذلك فهي تفعل ذلك بحيث يستطيع كل من نموذجي الروابط أن يتشكل ويحافظ على الاستقرار ضمن هذا المجال الضيق من درجة الحرارة، وإذا هما لم يفعلا ذلك أي إذا تطلبت الروابط المشتركة مجال درجات حرارة يختلف بشكل واسع عن ذلك الذي للروابط الضعيفة عندئذ سيكون من المستحيل بناء التركيبات الثلاثية الأبعاد للبروتينات المطلوبة .

      يشير كل شيء رأيناه ويتعلق بالخواص الكيميائية غير العادية لذرة الكربون إلى وجود تلاؤم وتناسق ضخم بين هذا العنصر الذي تعتبر القطعة البناءة الأساسية للحياة والماء الذي هو حيوي أيضاً للحياة، وكذلك الأرض باعتبارها ملاذ الحياة ومأوى لها، ويؤكد كتاب ( قدرة الطبيعة ) لمؤلفه ( ميشيل دينتون ) هذا التلاؤم بقوله :

      " من ضمن المجال الضخم لدرجة الحرارة في الكون يوجد فقط نطاق حرارة ضغير جداً يكون فيه (1) الماء سائلاً . (2) المركبات العضوية الشبه مستقرة وافرة بكثير . (3) روابط ضعيفة لاستقرارية الجزيئات المعقدة ثلاثية الأبعاد "[8].

      من بين جميع الأجرام السماوية التي رصد ي أي وقت فإن ذلك النطاق الصغير جداً من درجات الحرارة موجود فقط على الأرض، وبالإضافة إلى ذلك يوجد عليها قطعتان أساسيتان في بناء الحياة وهما الكربون والماء، والأرض مصدر كريم لهذين المكونين .

      كل ذلك يشير إلى أن ذرة الكربون وخواصها غير العادية تم تصميمها خصيصاً للحياة، وأن كوكبنا خلق خصيصاً ليكون بيتاً لأشكال الحياة أساسية الكربون .


      التصميم في الأوكسجين :

      رأينا كيف أن الكربون هو القطعة البناءة الأعظم أهمية للعضوية الحية، كما رأينا كيف أنه صمم خصيصاً ليلبي تلك الوظيفة . ولكن على كل حال فإن بقاء كل أشكال الحياة ذات الأساسي الكربوني مشروط ومنوط بالحاجة الثانية لها وهي الطاقة . فالطاقة هي متطلب لا مفر منه للحياة .

      تأخذ النباتات الخضراء طاقتها من الشمس من خلال عملية التركيب الضوئي، لكن من أجل بقية الكائنات الحية التي تسكن الأرض بما فيها نحن فالمصدر الوحيد للطاقة هو عملية التأكسد، وكلمة تأكسد هي الكلمة الفنية لكلمة الاحتراق، ومصدر طاقة العضويات التي تتنفس الأوكسجين هو من إحتراق الغذاء النباتي والحيواني الذي تتناوله تلك الكائنات الحية .

      وحسبما يتراءى لك فإن الأكسدة أي الاحتراق هي تفاعل كيميائي تتأكسد فيه المواد، أي يحدث لها اتحاد بالأكسجين، وهذا هو السبب في كون الأوكسجين هاماً حيوياً للحياة مثل الكربون والهيدروجين . والصيغة العامة للاحتراق ( الأكسدة ) تبدو كما يلي :

      المركب الكربوني + أوكسجين ماء ← غاز الكربون + طاقة

      وما يعنيه ذاك هو أنه عندما تتحد مركبات الكربون والأوكسجين معاً (في شروط مناسبة طبعاً ) يحدث لها تفاعل ويتولد ماء غاز الكربون وتتحرر كمية لا بأس بها من الطاقة، ويحدث هذا التفاعل بسهولة في مركبات الهيدروكربون، وما احتراق الغلوكوز ( وهو أيضاً هيدروكربون ) في جسمك بانتظام إلا ليبقيه مغذى بالطاقة .

      وتعتبر عناصر الهيدروجين والكربون التي تتركب منها الهيدروكربون من أعظم العناصر سريعة التأكسد وكذلك اتحاد الهيدروجين بالأوكسجين يعتبر من التفاعلات الأكثر سهولة ويرافقها انتشار طاقة عظيمة، فإذا احتجت وقوداً لتحرقه بالأوكسجين فلن تجد أفضل من الهيدروجين ليفعل ذلك، ومن وجهة نظر الطاقة يأتي الكربون في الدرجة الثالثة بعد الهيدروجين والبورون، ويعلق (لورنس هندرسون ) في كتابه ( التلاؤم في البيئة )(The Fitness of the environment) على التلاؤم الأكثر من عادي بما يلي :

      " التغيرات الكيميائية الحقيقية والتي تبدو لأسباب عديدة أخرى أنها أنسب تلاؤماً مع العمليات الفيزيائية هي التي تحول الطاقة إلى مجرى الحياة" [9].



      التصميم في النار( لماذا لا نشتعل فجأة ؟) :
      من خلال ماسبق نجد أن التفاعل الأساسي الذي يحرر، طاقة ضرورية لبقاء العضويات الحية هو عملية تأكسد مواد هيدروكربونية، ولكن تلك الحقيقة البسيطة تثير سؤالاً مربكاً وهو إذا كانت أجسامنا مكونة من مواد هيدروكربونية فلماذا لا نتأكسد نحن ؟ أو بصيغة أخرى لماذا لا نشتعل مثل الثقاب عندما يقدح ؟ وأجسامنا على تماس مستمر بالأكسجين الجوي، ومع ذلك فهي لا تتأكسد ولا تنطلق فيها النيران ؟ فلم لا ؟

      السبب في هذا التناقض الظاهري هو أن لجزيء الأوكسجين تحت الشروط النظامية من الضغط والحرارة درجة عالية من الخمولية، وما يقصده الكيميائيون بكلمة النبالة هو عدم قدرة مادة على الدخول في تفاعلات كيميائية مع مواد أخرى، لكن يبرز هنا سؤال آخر وهو إذا كان الأكسجين على هذا القدر من النبالة بحيث يجنبنا الاحتراق وتحويلنا إلى رماد، فكيف يمكن لهذا الجزئ ذاته أن يقوم بالدخول في تفاعلات كيميائية داخل أجسامنا ؟

      والجواب على هذا السؤال حير الكيميائيين منذ بدايات منتصف القرن التاسع عشر ولم يتم الوصول إليه إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وتم ذلك عندما اكتشف باحثون في الكيمياء الحيوية وجود الأنزيمات في الجسم البشري، واكتشفوا أن الوظيفة الوحيدة لهذه الأنزيمات هي مواجهة الأوكسجين وإدخاله في تفاعلات كيميائية وكنتيجة لسلسلة من الخطوات المعقدة تستخدم تلك الأنزيمات ذرات الحديد والنحاس في أجسامنا كوسطاء، والوسيط هو مادة تسهل التفاعل الكيميائي وتسمح له بأن يتقدم ويتطور تحت شروط مختلفة ( مثل درجة الحرارة الأخفض .. الخ ) فهو مثلاً يهدأ من عنف التفاعل الكيميائي ويجعله ممكناً .[10]

      بكلمة أخرى يوجد هنا وضع ممتع جداً، وهو أن الأوكسجين الذي يدعم التأكسد والاحتراق بشكل طبيعي، فيتوقع الإنسان أن ذلك العنصر سوف يحرقه، لكنه من ناحية أخرى، فهو خامل كيميائياً ولا يدخل في التفاعلات بسهولة، ومع ذلك فأجسامنا تعتمد على خلاصة التأكسد بالأكسجين للحصول على الطاقة اللازمة، لهذا فإن خلايانا تلاءمت مع نظام الأنزيم المعقد بشدة وحولت ذلك الغاز النبيل الخامل إلى غاز فعّال نشط تماماً .

      وطالما أننا بصدد هذا الموضوع فيجب أن نشير إلى أن نظام الأنزيم هذا هو مثال رائع للتصميم المقصود والتلاؤم الجيد بحيث لا تستطيع أية نظرية ثورية أن تتحمل مسؤولية التصريح بأن الحياة تطورت نتيجة الصدفة، رغم أنها تأمل تفسير ذلك.

      ما زال يوجد هنا احتياط آخر يحفظ أجسامنا من الاحتراق، وهذا ما دعاه الكيميائي البريطاني ( نيغيل شيدويك ) بـ (ميزة الخمولية للكربون )[11].

      وهذا يعني أن الكربون ليست مستعجلاً جداً للدخول في تفاعل مع الأوكسجين تحت ضغوط عادية ودرجات حرارة نظامية، وقد يبدو ذلك كأنه سر أو لغز لكن في الحقيقة إن ما قيل هنا أي شخص يعرفه، فلطالما أشعل الإنسان مدفأة أو موقداً وقوده الحطب من جذوع الأشجار، ولكي لا تسمح للنار بالاشتعال يجب أن تأخذ حذرك وتطبق إجراءات أولية كأن تبعد القادح للنار عن المواد القابلة للاشتعال، أو أن تمنع الارتفاع المفاجئ لدرجة حرارة الوقود ووصولها لدرجة عالية جداً ( كما يحدث عند استعمال وابور لحام المعادن ) . لكن فور بداية احتراق الوقود فالكربون يدخل في تفاعل مع الأوكسجين بسرعة فجائية تماماً وتتحرر كمية كبيرة من الطاقة لهذا كان من الصعب جعل النار تبدأ بدون منبع آخر للحرارة، وبعد بداية الاحتراق وتحرر مقدار كبير من الحرارة، فإنها تسبب للمركبات الكربونية الأخرى المجاورة لأن تمسك بالنار جيداً مما يجعلها تنتشر .

      عندما نتمعن في هذا الأمر بدقة كبيرة، فإننا نرى أن النار ذاتها هي مثال رائع على التصميم والتخطيط الرائعين، وأن الخواص الكيميائية للأوكسجين والكربون قد تم ترتيبها بحيث يدخل هذان العنصران في تفاعل احتراق حالما يتوفر لهما كمية كبيرة من الحرارة يقدمه لهما قادح ناري مناسب، والاحتراق عملية مفيدة كثيراً، لأنه إذا لم تكن تلك الحالة قائمة فإن الحياة على هذا الكوكب ستكون غير مقبولة إن لم تكن غير ممكنة .

      لنفرض أنه كان للأوكسجين والكربون رغبة أو ميل ضعيف لأن يتفاعل أحدهما مع الآخر عندئذ يصبح الاحتراق الذاتي او الاشتعال الذاتي للأشجار أو الناس والحيوانات من الحوادث المألوفة كلما صار الجور أدفأ قليلاً عما هو عليه، وربما يحترق الشخص الذي يسير في الصحراء فجأة عند الظهيرة وعندما تكون الحرارة في شدتها العظمى، وقد تتعرض النباتات والحيوانات للخطر نفسه في مثل تلك الحالات، وحتى لو كانت الحياة موجودة في ذلك العالم فبالتأكيد لن تكون تلك سعيدة أبداً .

      أما إذا كان هذان العنصران ( الكربون والأوكسجين ) أكثر نبلاً وبالتالي أقل نشاطاً تفاعلياً مما هم عليه، فسيكون هناك صعوبة وربما استحالة حقيقية في إضرام النار في ذلك العالم . ومن المعلوم أنه بدون النار فلن نكون قادرين على حفظ أنفسنا دافئين ومن المحتمل عندئذ أنه لن يكون هناك تقدم تقني على كوكبنا، فذلك التقدم يعتمد على القدرة في تصنيع المواد ومنها المعدنية وطبعاً بدون الحرارة الموقدة من النار فلن تكون هناك إمكانية لتنقية المعادن أو تصنيعها .

      كل ذلك يشير إلى أن الخواص الكيميائية للكربون والأوكسجين قد تم ترتيبها ليكونا في حالة تلاؤم أعظمي مع حاجات الجنس البشري، وبالتركيز على تلك النقطة يقول ( ميشيل دينتون ) ما يلي :

      " هذه اللاتفاعلية العجيبة لذات الكربون والأوكسجين عند درجات الحرارة المحيطة تسبب لهما عند لهما عند إنجاز اتحاد بينهما أن تتأصل في بنية المادة الناتجة طاقات كبيرة، وتلك الطاقات على قدر كبير من التكيف المجدي على الأرض، كما مكّن هذا التفاعل العجيب أشكال الحياة المتقدمة من استخدام الطاقات الواسعة للتأكسد بأسلوب منظم ومنضبط ومكّن الجنس البشري من أن يستعمل النار بشكل منضبط وسخر طاقات الاحتراق الضخمة لصالح التطور التكنولوجي " [12]

      وبكلمة أخرى فقد خُلق كل من الكربون والأوكسجين يخواص هي الأكثر ملاءمة لحياة الإنسان، وتسمح لنا تلك الخواص بأن نستعمل النار بأكثر الطرق راحة وفائدة، والأكثر من ذلك فإن العالم مملوء بمصادر الكربون ( كالأخشاب ) التي تلائم الاحتراق ، وطبعاً كل ذلك يوضح أن النار والمواد اللازمة لها خلقت خصيصاً لتلائم حياة الإنسان وفي ذلك إشارة في القرآن للجسن البشري نحو هذه الظاهرة .. قال تعالى ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً ..


      الانحلالية المثالية للأوكسجين :

      يعتمد استعمال الأوكسجين من قبل الجسم بشدة على خاصة هذا الغاز في انحلاله بالماء، فالأوكسجين الذي يدخل رئتينا اثناء استنشاق الهواء ينحل فوراً في الدم، ويدعى البروتين الذي يأسر جزيئات الأوكسجين ويحملها لخلايا أخرى من الجسم بالهيموغلوبين . ويوجد في تلك الخلايا نظام أنزيم خاص يعود له الفضل في استعمال الأوكسجين في أكسدة مركبات الكربون وتحرير طاقاتها، ويدعى ذلك الأنزيم بـ (ATP) كل العضويات المعقدة تستخلص طاقاتها بهذه الطريقة، وعمل هذا النظام يعتمد خصيصاً على انحلالية الأوكسجين، فإذا كان الأوكسجين غير منحل بشكل كافٍ فلن يدخل ما يكفي منه في مجرى الدم ولن تتمكن الخلايا من توليد الطاقة اللازمة لها، ومن ناحية أخرى إذا كان الأوكسجين شديد الانحلال فسوف يكون هناك زيادة منه في الدم، مسبباً ذلك ما يعرف باسم سمية الأوكسجين .

      والفرق في الانحلالية في الماء للغازات المختلفة تتغير بعامل مقداره مليون مرة من أقل الغازات انحلالية، وبالتالي لا يمكن أن يوجد غازات لها انحلالية متماثلة، وعلى سبيل المثال فإن انحلالية غاز الكربون في الماء هي أكثر بعشرين مرة من انحلالية غاز الأوكسجين، ومن ضمن هذا المجال الواسع للانحلاليات الكامنة لمختلف الغازات هي تلك التي يمتلكها الأوكسجين فهي بالضبط ما يلزم ويتلاؤم مع حياة الإنسان .

      ما الذي يحدث إذا كانت نسبة انحلالية الماء للأوكسجين مختلفة أي إذا كانت أكثر بقليل أو أقل بقليل عما هي عليه، ولنأخذ مثالاً على الحالة الأولى . فإذا كان الأوكسجين أقل انحلالية في الماء ( وكذلك في الدم) فسيدخل مجرى الدم كمية أوكسجين أقل وستكون خلايا الجسم جائعة للأوكسجين مما يجعل الحياة أكثر صعوبة للعضويات ذات النشاط الأيضي مثل الكائنات البشرية، ولا يهم كم هي المشقة التي بذلتها أنت أثناء التنفس وسف تواجه بانتظام خطر الاختناق بسبب عدم كفاية الأوكسجين الواصل إلى خلايا جسمك .

      ومن ناحية أخرى إذا كانت انحلالية الماء للأوكسجين أعلى من ذلك فإنك تتحدى وتجابه تهديد السمية الأوكسجينية والتي ذكرناها منذ قليل . حيث يصبح الأوكسجين مادة خطرة، فإذا حصلت عضوية على كثير منه فالنتيجة مميتة لها، قد يدخل بعض الأوكسجين في الدم في تفاعلات كيميائية مع ماء الدم ذاته . فإذا صارت كمية الأوكسجين المنحلة عالية يمارس النظام المعقد للأنزيمات وظيفته في الدم ويمنع حدوث ذلك، لكن إذا أصبحت كمية الأوكسجين المنحلة عالية جداً عندئذ لا تستطيع الأنزيمات ان تمارس عملها، ونتيجة لذلك فإن كل نفسٍ سنأخذه سوف يسممنا شيئاً فشيئاً ويقودنا ذلك إلى الموت سريعاً، ولقد علق (إيرين فريدوفيتش ) على ذلك بقوله :

      " كل العضويات التي تتنفس واقعة في فخ قاسٍ، فالأوكسجين بالذات الذي يدعم حياتهم هو سام لهم، ويبقون أحياء مع وجود الشك، والفضل في بقائهم أحياء هي آليات دفاع متقنة "[13]

      إن ما ينقذنا من هذا الفخ ( وهو التسمم بزيادة الأوكسجين الكثير وتعرضنا للاختناق في حال نقصانه ) هو حقيقة التصميم الدقيقة بين نظام انحلالية الأوكسجين ونظام الأنزيم المعقد في الجسم ) . بحيث خُلق هذا الترتيب ليكون كما يريد هذان النظامان، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الهواء لكي نتنفسه فقط لكنه خلق أيضاً أنظمة تجعلنا نستعمل هذا الهواء بتوافق تام بين هذين النظامين .



      العناصر الأخرى :
      طبعاً ليس الكربون والأوكسجين هما العنصران الوحيدان اللذان تم تصميمها بدقة لجعل الحياة ممكنة، بل هناك عناصر أخرى كالهيدروجين والنتروجين اللذين يشكلان الجزء الأكبر من أجسام كل ذي حياة، لهما أيضاً مساهماتهما في جعل الحياة ممكنة، وفي الحقيقة يبدو أن كل عنصر موجود في الجدول الدوري له دور في الوظائف الداعمة للحياة .

      يوجد في الجدول الدوري اثنان وتسعون عنصراً تتراوح ما بين الهيدروجين الأخف وزناً على الإطلاق إلى اليورانيوم أثقلها جميعاً، وطبعاً توجد عناصر أخرى بعد اليورانيوم لكنها لا تتشكل طبيعياً بل يتم توليدها تحت شروط مخبرية، ليس فيها عنصر مستقر، ومن الاثنين والتسعين عنصراً يوجد خمس وعشرون منها ضرورية مباشرة للحياة، ومن بينها أحد عشر عنصراً تشكل 99% من وزن الإنسان وأيضاً للكائنات الحية الأخرى، وتلك العناصر هي :

      (الهيدروجين، الكربون ـ الأوكسجين ـ الصوديوم ـ المنغنزيوم ـ الفوسفات ـ الكبريت ـ الكلور ـ البوتاسيوم ـ الكالسيوم ) .

      أما الأربعة عشر عنصراً الأخرى فهي موجودة في العضويات الحية بكميات صغيرة جداً، ومع ذلك لها وظائفها الهامة حيوياً وهؤلاء هم :

      (الفناديوم ـ الكروم ـ المنغنزيوم ـ الحديد ـ الكوبالات ـ النيكل ـ النحاس ـ التوتياء ـ الموليبدوم ـ البورون ـ السيليكون ـ الفلور ـ اليود ).

      كما وجد في بعض العضويات الحية ثلاثة عناصر هي :

      ( الآسينيك، القصدير، التنغستن )

      حيث تقوم هذه العناصر الأخيرة بوظائف لم تفهم بعد، ولقد ثبت وجود ثلاثة عناصر أخرى ( البروم ـ السترونسيوم ـ الباريوم ) في معظم العضويات الحية لكن وظائفها ما زالت غامضة . [14]

      يشير هذا الطيف الواسع المتضمن ذرات كل السلاسل المختلفة في الجدول الدوري والتي رتبت عناصره طبعاً لصفحات ذراتها إلى أن كل مجموعات العناصر في الجدول الدوري والتي رتبت عناصره طبعاً لصفحات ذراتها إلى أن كل مجموعات العناصر في الجدول الدوري ضرورية بطريقة أو بأخرى لكي تكون الحياة ممكنة، وقد علق ذلك الكاتبان ( ج ج فراستودي سيلفا . رج ب وليامز ) في كتابهما ( الكيمياء الحيوية والعناصر ) ( The Biological chemistry of the elements) بما يلي :

      " يبدو أن العناصر الحيوية قد تم اختيارها عملياً من كل المجموعات، والمجموعات الجزئية في الجدول الدوري ... وهذا يعني عملياً أن كل أنواع الخواص الكيميائية مرتبطة بعمليات الحياة وضمن حدود مفروضة من تقييدات البيئة " [15]

      حتى العناصر الثقيلة والنشطة إشعاعياً والتي وردت في نهاية الجدول الدوري قد سخرت هي أيضاً لخدمة حياة الإنسان، ويصف ( ميشيل دينتون ) بالتفصيل في كتابه ( قدر الطبيعة ) الدور الأساسي لتلك العناصر النشطة إشعاعياً مثل اليورانيوم الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجي للأرض، أن للنشاط الإشعاعي الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجي للأرض، أن للنشاط الإشعاعي الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجية للأرض، أن للنشاط الإشعاعي الذي يحدث طبيعياً في بعض العناصر ارتباط وثيق بحقيقة قدرة لب الأرض على الاحتفاظ بحرارته، وتلك الحرارة هي التي تبقى محتوياته من الحديد والنيكل في حالة سائلة، وأن ذلك اللب السائل هو مصدر الحقل المغناطيسي الأرضي والذي كنا رأينا سابقاً أنه يحمي كوكبنا من الإشعاع الخطر والجسيمات الآتية من الفضاء وكذلك له وظائف أخرى لا تقل أهمية عن ذلك .

      حتى الغازات الخاملة والعناصر مثل المعادن الترابية النادرة يبدو أنه لا أحد من هذه العناصر يتدخل في دعم الحياة، لكنها ظاهرياً موجودة بسبب الحاجة لتأمين ذلك المجال من العناصر التي تحدث إشعاعاً طبيعياً قد يمتد ذلك المجال لأبعد من اليورانيوم في الجدول الدوري 100

      باختصار : إن كل العناصر الموجودة لها دور وظيفي محدد لخدمة حياة الإنسان، ولا يوجد من تلك العناصر ما يمثل زيادة أولا هدف منه، وهذه الحالة هي أقصى دليل على أن الله هو الذي خلق الكون وسخره للإنسان .


      استنتاج :

      كل خاصة كيميائية أو فيزيائية في هذا الكون أمكننا فحصها أتت في مكانها المناسب ودورها الصحيح بالضبط، كما أتت طبقاً لما تحتاجه مساهمتها في نظام الحياة لتحافظ عليها، ومع كل تلك الدراسة في هذا الكتاب فإننا لم نخط على سطح الدليل الشامل للحقيقة سوى خدش بسيط منها، ومهما تعمق الإنسان في التنقيب عن معلومات وتفاصيل، ومهما توسع بالبحث فستبقى تلك النظرة العامة التي ذكرناها حقيقة، ففي كل تفصيل لدقيقة من دقائق هذا الكون يوجد هدف يخدم حياة الإنسان، وكل جزء دقيق مهما كان صغيراً في هذا الكون صمم ليكون كاملاً ومتوازناً ومتناسقاً ومضبوطاً لإنجاز الهدف من وجوده .

      بالتأكيد هذا برهان على وجود خالق أسمى، وهذا الخالق هو الذي أتى بهذا الكون وأظهره في هذا الوجود لهذا الغرض، فكل مادة نفحص خواصها نرى فيها معلومات لا نهاية ولا حدود لها، وتبدو فيها حكمة الله وقدرته، فالله خلقها من العدم فأتى كل شيء ينحني لإرادته تعالى، وهذا هو السبب في أن كل شيء وأي شيء في الكون يتناسق مع كل شيء آخر فيه .

      هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه أخيراً علم القرن العشرين، وما ذاك إلا كشف لحقيقة بينها الله للإنسان في القرآن قبل أربعة عشر قرناً مضى، وقد خلق الله كل جزء في هذا الكون ووضع كمال خلقه في الآية التالية :
      قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) .

      المصدر : كتاب خلق الكون من العدم هارون يحيى .


      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] "Science Finds God .Newsweek .27 July 1998.

      [2] Robert E. D. Clark .The Universe:Press.1961.p.98

      [3] Ferd Hoyle .Religion and the Scientists london :scm .1959 ;p. 341

      [4] Daved Burnie , life.Eyewitess Science .Londone :Dorling Kindersely .1996.p.8.

      [5] Nevil v . sidgwick ,TheChemicalElemenets and Their compounds ,vol, 1. oxford Universty press ,1950,p.12.

      [6] Nevil v . sidgwick ,TheChemicalElemenets and Their compounds ,vol, 1. oxford Universty press ,1950,p.12.

      [7] J.B.S.Haldane ."TheOrigin of life ",NewBiology.1954.vol.16.p.12

      [8] Michael Denton .Nature,s .p .115-116.

      [9] Lawrence Henderson .The Fitness of the Envirnoment .Boston.Beacon press .1958.p.247-48.

      [10] Enzymic Activation of Oxygen ".Comprehensive Biochemisty.(ed M.florkin .E H.Stotz).Amsterdam: Elsevier.vol.14.p.424."L.L.Ingraham.

      [11] Nevil V. Sidgwick.The chemicale Elements and Their Compounds.vol 1.Oxford :Oxford University press .1950.p.490

      [12] Michael Denton .Nature,s .p .115-116.

      [13] Irwin Fridovich ,"Oxygen Radicals .Hydrogen peroxid e .and Oxygen Toxicity .free Radicals in Biology .

      [14] J.J .R.Frausto da silva .R.j.p.Williams.The Biological Chemistry of the elements.oxford:oxford university press .p.3-4.

      [15] J.J .R.Frausto da silva .R.j.p.Williams.The Biological Chemistry of the elements..p.5 100Michael Denton .Nature .s Destiny .p.79-85.
    • ]"التلبينة" وصية نبوية.. وحقيقة علمية



      "التلبينة" وصية نبوية.. وحقيقة علمية



      عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة(قدر من حجارة أو نحوها) من تَلْبِينَة فطُبخت، ثم صُنِعَ ثَريد(خبز يفتت ثم يبل بمرق) فصُبَّت التَّلْبِينَة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التَّلْبِينَة مُجِمَّةٌ لفؤاد(تريح القلب وتزيل عنه الهم وتنشطه) المريض، تذهب ببعض الحزن). [أخرجه مسلم في السلام، باب: التلبينة مجمة لفؤاد المريض، رقم: ]2216.

      ثمة أشياء تبدو في أعيننا بسيطة متواضعة القيمة.. لكن تأملها بعين الحكمة يكشف لنا عن كنوز صحية ندوس عليها ونحن نمضي في طريقنا نحو المدنية المعاصرة.. مثقلين بالشحوم ومكتظين بالسكر وملبكين معويا ومعنويا. ومن تلك الكنوز التي أغفلها بصر الإنسان ولم تغفلها بصيرة النبوة.. كنز التلبينة!!

      وهي حساء يُعمل من ملعقتين من دقيق الشعير بنخالته ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق، ثم يضاف كوب لبن وملعقة عسل نحل. سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها. وقد ذكرت السيدة ‏عائشة رضي الله عنها أن النبي علية الصلاة والسلام أوصى بالتداوي والاستطباب بالتلبينة قائلا: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن" صحيح البخاري.

      ومن المذهل حقا أن نرصد التطابق الدقيق بين ما ورد في فضل التلبينة على لسان نبي الرحمة وطبيب الإنسانية وما أظهرته التقارير العلمية الحديثة التي توصي بالعودة إلى تناول الشعير كغذاء يومي؛ لما له من أهمية بالغة للحفاظ على الصحة والتمتع بالعافية.




      تخفض الكولسترول وتعالج القلب
      أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكولسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية، تتمثل فيما يلي:

      أ. تتحد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكولسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم.

      ب. ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض دسمة تمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكولسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.

      ج. تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على خفض معدلات الكولسترول في الدم، ورفع القدرة المناعية للجسم مثل مادة "بتا جلوكان" B-Glucan والتي يعتبر وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محددا لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية.

      د. تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات "هاء" Tocotrienol التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول، ولهذا السبب تشير الدلائل العلمية إلى أهمية فيتامين "هاء" الذي طالما عرفت قيمته لصحة القلوب إذا تم تناوله بكميات كبيرة.

      وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب -خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية (Ischemia)، واحتشاء عضلة القلب ( Heart Infarction).

      أما المصابون فعليا بهذه العلل الوعائية والقلبية فتساهم التلبينة بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية. وهذا يظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض.."، ومجمة لفؤاد المريض أي مريحة لقلب المريض!!




      علاج للاكتئاب
      كان الأطباء النفسيون في الماضي يعتمدون على التحليل النفسي ونظرياته في تشخيص الأمراض النفسية، واليوم مع التقدم الهائل في العلوم الطبية يفسر أطباء المخ والأعصاب الاكتئاب على أنه خلل كيميائي.. كما يثبت العلم الحديث وجود مواد تلعب دورًا في التخفيف من حدة الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها... وهذه المواد تجتمع في حبة الشعير الحنونة التي وصفها نبي الرحمة بأنها "تذهب ببعض الحزن".

      ولتوضيح كيف تؤثر المواد التي يحويها الشعير في الاكتئاب، وتخفف من حدته نذكر أهم تلك المواد المضادة للاكتئاب والموجودة في الشعير، ومنها:

      - المعادن: فتشير الدراسات العلمية إلى أن المعادن مثل البوتاسيوم والماغنسيوم لها تأثير على الموصلات العصبية التي تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وفي حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبية. وحيث إن حبة الشعير تحتوي على عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم فالتلبينة تصلح لعلاج الاكتئاب، ويلاحظ هنا أن الدراسات العلمية تستخدم كلمة "التخفيف من حالات الاكتئاب"، ونجد ما يقابلها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تذهب ببعض الحزن"، وهذه دلالة واضحة على دقة التعبير النبوي الذي أوتي جوامع الكلم.

      - فيتامين "B": فقد يكون أحد مسببات أعراض الاكتئاب هو التأخر في العملية الفسيولوجية لتوصيل نبضات الأعصاب الكهربية، وهذا بسبب نقص فيتامين "B"؛ لذلك ينصح مريض الاكتئاب بزيادة الكمية المأخوذة من بعض المنتجات التي تحتوي على هذا الفيتامين كالشعير.

      - مضادات الأكسدة: حيث يساعد إعطاء جرعات مكثفة من حساء التلبينة الغنية بمضادات الأكسدة (فيتامين E وA) في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح من شهر إلى شهرين.

      - الأحماض الأمينية: يحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان Tryptophan الذي يسهم في التخليق الحيوي لإحدى الناقلات العصبية وهي السيروتونين Serotonin التي تؤثر بشكل بارز في الحالة النفسية والمزاجية الإنسان.

      علاج للسرطان وتأخر الشيخوخة
      تمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة مثل (فيتامين E وA)، وقد توصلت الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا يكون بادئا أو محرضا على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دورا في حماية الجسم من الشوارد الحرة (Free radicals) التي تدمر الأغشية الخلوية، وتدمر الحمض النووي DNA، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب، بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها.

      ويؤيد حوالي 9 من كل 10 أطباء دور مضادات الأكسدة في مقاومة الأمراض والحفاظ على الأغشية الخلوية وإبطاء عملية الشيخوخة وتأخير حدوث مرض الزهايمر.

      وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين.

      وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب، وخفض نسبة الكولسترول في الدم، كما يعمل على خفض ضغط الدم، وله علاقة أيضا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، كما أنه أيضا له دور مهم في تنظيم النوم والاستيقاظ.




      علاج ارتفاع السكر والضغط
      تحتوي الألياف المنحلة (القابلة للذوبان) في الشعير على صموغ "بكتينات" تذوب مع الماء لتكون هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم وامتصاص المواد الغذائية في الأطعمة؛ فتنظم انسياب هذه المواد في الدم وعلى رأسها السكريات؛ مما ينظم انسياب السكر في الدم، ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء.

      ويعضد هذا التأثير الحميد للشعير على سكر الدم أن عموم الأطعمة الغنية بالألياف -منحلة وغير منحلة- فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ يقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة والنهم للنشويات الغنية بالسعرات الحرارية.

      ولأن المصابين بداء السكري أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي؛ فإن التلبينة الغنية بالألياف تقدم لهم وقاية مزدوجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية والحول دون مضاعفاته الوعائية والقلبية من ناحية أخرى.. وهكذا يمكننا القول بثقة إن احتساء التلبينة بانتظام يساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم.

      كما أكدت الأبحاث أن تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر البوتاسيوم تقي من الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، ويحتوي الشعير على عنصر البوتاسيوم الذي يخلق توازنا بين الملح والمياه داخل الخلية. كذلك فإن الشعير له خاصية إدرار البول، ومن المعروف أن الأدوية التي تعمل على إدرار البول من أشهر الأدوية المستعملة لعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم.




      ملين ومهدئ للقولون

      والجدير بالذكر أن الشعير غني بالألياف غير المنحلة وهي التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها؛ فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها؛ مما يسهل ويسرع حركة هذه الكتلة عبر القولون، وهكذا تعمل الألياف غير المنحلة الموجودة في الحبوب الكاملة (غير المقشورة) وفي نخالة الشعير على التنشيط المباشر للحركة الدودية للأمعاء؛ وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات.

      كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه نفس الهدف؛ إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون؛ مما يزيد من كتلة الفضلات، وينشط الأمعاء الغليظة؛ وبالتالي يسرع ويسهل عملية التخلص من الفضلات.

      وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون؛ حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير.

      وفي النهاية نقول: إنه إذا كان كثير من الناس يتحولون اليوم من العلاج الدوائي إلى الطب الشعبي والتقليدي.. فإن من الناس أيضا من يتحول إلى الطب النبوي، وهم لا يرون فيه مجرد طريقة للحصول على الشفاء.. بل يرون فيه سبيلا للفوز بمحبة الله وفرصة لمغفرة الذنوب {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.. وهكذا يصبح للتداوي مبررات أخرى أعظم من الشفاء ذاته.


      بقلم الدكتورة : صهباء بندق

      المصادر:

      § دراسات كيميائية حيوية وتكنولوجية على حبوب الشعير1997م.

      § رسالة ماجستير، م. سحر مصطفى كامل، كلية الزراعة، جامعة القاهرة.

      § كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.

      § كتاب شمائل الرسول لابن كثير.

      § كتاب العلاج بالتلبينة، إعداد عبد الكريم التاجوري.

      § كتاب الطب البديل مداواة بلا أدوية للدكتور محمد المخزنجي.

      § كتاب الغذاء ودوره في تنمية الذكاء للدكتور نبيل سليم علي.

      § كتاب الطب البديل للدكتور هاريس مايلوين.