أربع ساعات عمل أسبوعيا - ibdaat-qalam

    • أربع ساعات عمل أسبوعيا - ibdaat-qalam

      الصدفة وحدها وضعت بين يدي كتاب تيموثي فيريس (أربع ساعات عمل أسبوعيا) وأثناء تمتعي بإجازتي السنوية بالذات، رغم كوني قد سمعت عن الكتاب منذ سنوات ووضعته فعلا في قائمة الكتب التي أنوي شراءها، لولا أنني قررت معاقبة نفسي منذ مدة بعدم شراء كتاب جديد قبل أن أنتهي من قراءة الكتب التي يمتلئ بها رف الكتب غير المقروءة في مكتبتي، وإن كنت لم ألتزم في الواقع كثيرا بهذا العقاب، حتى وأنا في الإجازة كنت قد سافرت دون أن أحمل كتابا واحدا معي، حتى أتمكن من العودة بحقيبة مملوءة بالكتب كالعادة، والنتيجة أنني التهمت ثلاثة كتب خلال ثلاثة أسابيع هي مدة الإجازة السنوية، من ضمنها هذا الكتاب الذي أجبرني على مواجهة الكثير من الأسئلة التي وضعها أمامي الكاتب، والتي بلاشك رددتها ونرددها جميعا كثيرا مع أنفسنا أحيانا أو في حواراتنا مع الآخرين، وكلها تدور حول جدوى ما نمارس من مهام، والثمن الذي ندفع مقابل الوظيفة التي نمارسها على (مضض) في كثير من الأحيان، و(حلم التقاعد) الجميل الذي يداعب أرواحنا كل هذه السنين، حتى إذا ما وصل فاجأتنا (الصحة) باعتلالها، وتقدم السن الذي جاء معه بأعراض من فقدان الحماس، واختفاء تلك الطاقة التي كانت تشعل فتيل الحلم وتبقيه مشتعلا لحين قدوم التقاعد، يبدأ الكتاب بطرح بعض الأسئلة كما ذكرت، أهمها بالنسبة لي تدور حول خطط التقاعد وما الذي تنوي عمله، ويطلب الكاتب حصر هذه الأحلام والأهداف، ثم يطرح السؤال: لما عليك أن تنتظر كل هذه السنين لتجعل هذه الأحلام حقيقية؟ الكتاب عملي جدا، يحتوي على كثير من الأفكار والمقترحات التي تهدف إلى إيجاد متسع من الوقت لممارسة الواجبات والهوايات والمهام التي نحب، في ذات الوقت الذي نبني فيه نجاحاتنا، التي بلا شك يختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
      ويتخلل الكتاب قصص بعض القراء ممن طبقوا ماجاء فيه من أفكار مكنتهم من إحداث التوازن في حياتهم، وإن كان أغلب المقترحات تدور حول مفهوم (العمل من المنزل) الذي بدأ يلغي الحاجة إلى الذهاب للعمل، والذي تطبقه الكثير من المؤسسات حول العالم، والذي للأسف الشديد لم تصل ثقافته إلى بلادنا بعد، رغم أنه من الممكن أن يحل كثيرا من المشكلات لو طبق أقلها ربما أهمية تخفيف الزحمة في الشوارع، و تقليل الاعتماد على عاملات المنازل، وأهمها توثيق العلاقات والروابط الأسرية في المجتمع، التي بتنا نفتقدها بسبب انشغال الأولاد أو الوالدين بأعمالهم التي غالبا ماتكون خارج المدينة أو المحافظة التي ينتمون إليها، فتحولت الأعباء الأسرية إلى مهام تنفذ في نهاية الأسبوع على عجل، والمفهوم الثاني الذي يركز عليه الكاتب هو التحول إلى العمل الحر عوضا عن العمل لدى الآخرين مما يوفره هذا النوع من مرونة وحرية، لكن حتى مع العمل الحر وُجِدت كثير من الأفكار والمقترحات التي تصب في فكرة توفير الوقت، من خلال إسناد الأعمال إلى جهات خارجية تتولى هي أغلب المهام، والتخلص قدر الإمكان من رسائل البريد الإلكتروني التي وجدت فيها شخصيا ضالتي، وإن كنت قد بدأت بالفعل منذ سنوات بتطبيق بعض منها، وبعض أفكار إدارة الوقت ووضع الأولويات، وإن كانت فكرة (التقاعد المصغر) هي الفكرة الأجمل التي خرجت بها، حيث يقترح فيها الكاتب عدم تأجيل مشروعات التقاعد وإنما إيجاد متسع لها الآن وقبل فوات الأوان، أيا كانت هذه الأحلام عندما نبدأ بها اليوم وبشكل تدريجي يمكن لها أن تتحقق، و أنا أستعرض مع الكاتب الأحلام التي كنت أسمعها ممن حولي، بمن فيهم أنا، تجد أن كثيرا منها يمكن بالفعل إيجاد متسع من الوقت له الآن، سواء كان هذا السفر حول العالم، أو ختم المصحف الشريف، أو تعلم لغة جديدة..الخ فهي كلها قابلة للتنفيذ اليوم، ولكون هذا الكتاب يركز كثيرا على العمل الحر، وجدته شخصيا مفيدا جدا لأصحاب المبادرات فهو يحتوي على مصادر قيّمة و معلومات ثرية بالفعل، كما سيجد المقدمون على التقاعد فيها من الأفكار ما أنا على ثقة من أنه قد يغير فكرتهم عن التقاعد، ما استهواني في الكتاب أيضا الدعوة إلى التوازن بين البيت والعمل، أو بين الحياة الخاصة والحياة المهنية، حيث أفسد الكثيرون حياتهم بسبب الخلط بين الحياتين أو إرجاح كفة على حساب كفة أخرى، والنتيجة صحة معتلة، وأسر مفككة، ومجتمعات أكثر تفككا، ضاعت فيها كثير من القيم الجميلة لمجتمعنا، وفقدت حياة الكثيرين منا بهجتها، لأننا استعرنا لأنفسنا نجاحات قد لا تتناسب معنا، فليس المنصب والمال دائما هو الهدف من النجاح، إذا ما خلت حياتنا من المتع البسيطة، والفرح الذي يجلبه تواصلنا مع من نحب، وبركة دعاء الوالدين ونحن نطل عليهم صباح مساء، فالمال هو الوسيلة وليس الهدف.