رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان

    • رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان

      رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان
      دراسة تحليلية
      د. محمد محمود الدُروبي
      قسم اللغة العربية
      جامعة آل البيت
      التّراسل عمليةٌ حضارية مهمَّة، ذات أثرٍ في حياة الدول، وليس ثمة حاجة إلى التدليل على أنَّ شأن هذه العملية انتظم بقيام الدولة الإسلامية، فقد كان عليه الصلاة والسلام مُدركاً قيمة التراسل بوصفه وسيلةً من وسائل الدعوة والإعلام، فاتخذ عددا وافرا من الكتَّاب، أوصلهم بعض الدارسين إلى ثلاثة وأربعين كتَّاباً(1) ، وراسل - بدءاً من السنة السابعة للهجرة- كثيرا من ملوك العرب والعجم وشيوخ القبائل وزعماء الأقوام وكبار الأساقفة ومشاهير الأحبار وعظماء المرازبة ورؤساء العُمّال، يدعوهم إلى الإسلام وإجابة الدعوة.

      ومع أنَّ موضوع الدعوة إلى الدِين الجديد شكَّل أهم الأغراض التي تفرَّغت لها هذه المجموعة من الرسائل النبوية، فإنَّ أغراضاً أخرى جديدة نجمت عن هذا الغرض، أهمُّها ما كُتب في «الأمانات» وهي رسائل تكتب للمدعوِّين الجدد - مسلمين وغير مسلمين - متضمِّنةً تأمينهم على أرواحهم وأهلهم وأموالهم وحقوقهم، إلى جانب ما كان يكتب من «العهود» التي نظَّمت العلاقات السياسية والإدارية في الدولة الإسلامية الناشئة. وفضلا عن هذه الأغراض الرئيسية، دارت طائفة من رسائله عليه الصلاة والسلام حول موضوع "الإقطاع" الذي مثَّل ضرباً منه التنظيم الاقتصاديِّ الجديد في الدولة. وتتنازع المراسلات النبوية بعد ذلك موضوعات جزئية متفرِّقة كثيراً. وقد أحصى الأحمدي الميانجي حديثاً الرسائل النبويَّة التي كُتبت في هذه الأغراض، فدانت عنده خمسمائة رسالة بين ما وصل إلينا وما فُقد منها(2) ، وإخال أن هذا العدد ليس نهائياً، إذ هو قابل للزيادة السريعة في ضوء التنقيب في مظانَّ جديدة لم يطَّلع عليها الميانجي.

      كان سفراء النبي صلى الله عليه وسلم وحملة كُتُبه يجوبون أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها، وما صاقبها من البلدان، في حركة نشطة هدفُها تبليغ الدعوة وإيصالها إلى أقصى حدودها، ويقع من هذه الحركة الدؤوب الدليل البيِّن على كونيَّة الرسالة الإسلامية وعالميتها، وحرص الرسول، عليه الصلاة والسلام، على نشرها بين الناس كافَّة، وتحقيق الوحدة في بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها؛ لينهضوا بأعباء حمل الرسالة ونقلها إلى العالم. وقد أخذت حركة السفارات النبوية تتصاعد حتى وصل أوج نشاطها في السنة السابعة وما بعدها، بعد أن رسخت هيبة الدولة الإسلامية، وازدادت أهميتها السياسية.

      وكان الرسول، عليه الصلاة والسلام، يعوِّل كثيرا على إيمان العرب بدعوته، فلم يترك قوماً أو قبيلةً أو بطناً منهم حتى أوفد إليهم من يدعوهم من أصحابه الكرام، وكان رُسل النبي، عليه الصلاة والسلام، إلى هذه القبائل يحملون معهم الرسائل الموثَّقة المختومة بخاتمه المنقوش عليه عبارة "محمد رسول الله"(3)؛ لتكون أوكد وأوثق في نفوس المدعوِّين. وفي هذا السبيل، بعث، عليه الصلاة والسلام، رسائل كثيرة إلى عرب الحجاز، وتهامة، ونجد، واليمن، وحضرموت، وعُمان، والبحرين، والأحسان وغيرها من أعمال جزيرة العرب، وهذا يشير إلى أنَّ المراسلات النبوية بلغت القبائل العربية على اختلافها، ووصلت إلى سائر عرب الجزيرة على تباعدهم، سواءً البدو والحضر.

      * * * *

      أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الأجزاء الواقعة على الحافَّة الشرقية الجنوبية من جزيرة العرب، وما يمكن أن تتبوَّأه هذه المنطقة الغنية بخيراتها من أدوار مُهمَّة في تحقيق وحدة العرب ونقل دعوة الإسلام إلى العوالم المجاورة، وبخاصَّة تلك البلاد التي انعقدت بينها وبين هذه المنطقة صلات، تجارية وغير تجارية، فخصَّ عليه الصلاة والسلام أهل عُمان - خاصتهم وعامتهم - بطائفة من الرسائل التي دارت مضامينُها في سلك ما كان يكتبه صلى الله عليه وسلم إلى العرب المجاورين.

      وتحظى هذه المجموعة من مكاتيب الرسول - عليه الصلاة والسلام - مع أهل عُمان بقيمة خاصَّة، فهي تُضيء جانباً مهماًّ من تاريخ هذا البلد، وتكشف عن ملامح من حياته السياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية، كما تُلقي هذه الرسائل ضوءاً على تاريخ الدعوة الإسلامية في عُمان وموقف العمانيين من هذه الدعوة.

      ويجد الناظر في الطائفة الباقية من هذه المراسلات النبوية أنـَّها تتوزَّع في ثلاثة اتجاهات : يختصُّ أُولاها بدعوة النخبة الحاكمة - مُمثلة بملكي عُمان آنذاك - إلى إجابة الدعوة والدخول في الإسلام، ويشهد على هذا الاتجاه الرسالة التي وجهها صلى الله عليه وسلم إلى الملِكين جَيفَر وعبد ابني الجُلندي بن المُستكبر الأزديِّ(4) . ويشبه ثاني هذين الاتجاهين أن يكون بلاغاً نبوياً عاماً إلى أهل عُمان، ومن أمثلته رسالتان نبوِّيتان أنفذهما عليه الصلاة والسلام إلى العُمانيين عامةً يدعوهم إلى الالتزام بالإسلام(5) . وأمَّا الاتجاه الثالث، فتمثِّله مراسلات الرسول صلى الله عليه وسلم مع قبائل الأزد عامَّة، ومنهم أزد عُمان(6)، ورسالته عليه الصلاة والسلام مع وفد ثُمالة والحُدَّان(7)، من بطون أزد عُمان.

      كانت عُمان عندما راسلها عليه الصلاة والسلام مملكة آمنةً مستقرَّةً تخضع لسلطان الدولة الساسانية، وتحظى بما يُشبه الاستقلال، إذ كان يتولى الأمر فيها عربي من قبيلة الأزد، هو جَيفر بن الجلندى، يُساعده في ذلك أخوه عبد(8). وقد كان التدبير النبويُّ يقوم على توجيه الدعوة إلى الحكَّام قبل رعايتهم؛ لأنـَّهم أصحاب القرار الأوَّل في إجابة الدعوة أو رفضها، ولأنَّ الرعيَّة تبع لراعيها، وقد قيل "الناس على دين مُلُوكهم".

      ومن هذا المنطلق الحكيم، استهل عليه الصلاة والسلام دعوة العمانيين بمخاطبة ملكهم المحلِّي آنذاك جيفر ونائبه عبد، واتخذ صلى الله عليه وسلم الصحابي الداهية عمرو بن العاص سفيراً إليهما، وتتحدَّث المصادر عن حُسن وفادة ابن العاص على ابني الجلندى، ومحاورته معهما، ونجاحه في اقناعهما بقبول الإسلام(9). وأمَّا نصُّ الرسالة التي حملها ابن العاص، فهو يجري على هذا النحو:

      "بسم الله الرحمن الرحيم. مِن محمد بن عبد الله إلى جَيفر وعبد ابني الجلندى، سلامٌ على من اتَّبع الهدى، أمَّا بعد: فإنِّي أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تَسلما، فإنّي رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذرَ من كان حياً، ويحقَّ القول على الكافرين. وإِنَّكما إن أقررتما بالإسلام ولَّيتُكما، وإن أبيتما أن تُقرَّا بالإسلام، فإن ملككما زائلٌ عنكما، وخيلي تحلُّ بساحتكما، وتظهر نبوَّتي على مُلككما"(10) .

      يبدو موضوع الرسالة لصيقا برسائل الدعوة التي بعثها عليه الصلاة والسلام إلى مُعاصريه من الملوك والأُمراء والسادة، وبخاصَّة رسالته إلى كسرى أبرويز، إذ يجد المدقِّقُ مشابه عدَّة بين هاتين الرسالتين، ولا سيما في قوله "فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإنيّ رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذر من كان حياً، ويحقَّ القول على الكافرين"(11)؛ فإنَّ هذا المقطع يتكرَّر في الرسالتين المشار إليهما، مع بعض تحوير في الضمائر لتناسب حال المخاطب، فرداً كان أو أكثر. ويؤمى هذا المنحى من ترداد الألفاظ بحذافيرها إلى أمرين: أحدهما أن تكون هاتان الرسالتان حُرِّرتا في المدَّة نفسها، والأغلب أن يكون ذلك في السنة السابعة للهجرة أو بعدها بيسير، فقد كاتب عليه الصلاة والسلام ابتداءً من هذا العام مُلوك الأرض، ونفذت كتبه إليهم يدعوهم إلى الإسلام(12)؛ وثانيهما أن تكون هاتان الرِسالتان أُنشئتا على يد الكاتب نفسه، وثـمَّة ما يشير إلى أنَّ الصحابي أُبيّ بن كعب كان تولى كتابة الرسالة النبويَّة إلى ملكي عُمان(13).

      تقوم الرسالة الآنفة على ثلاث محاور أساسيَّة تقوم عليها الرسائل النبوية بعامَّة(14)، فهي تستهلُّ بعرض الدعوة من غير تفصيل، وتتعانق الرسالة مع غيرها من رسائل الدعوة في العبارة المحورية "فإني أدعوكما بدعاية الإسلام"(15)، وتشبه هذه العبارة أن تكون شعاراً نبوياً في عرض الدعوة على المدعوِّين من المُلوك، فقد تردَّدت في الرسائل الموجَّهة إلى كسرى(16) ، وهرقل(17)، والمقوقس(18)، وغيرهم. وهكذا يجد الدارس أنَّّ عرض الدعوة، كما تشفُّ عنه الرسالة، كان يقوم على المباشرة والوضوح والبساطة، مع ترك تفصيلات الدعوة للسفراء الذين كانوا يحملون هذه الرسالة، فهم القادرون على شرح رسالة الإسلام، والإجابة عن استفسارات المدعوين.

      وتلحُّ الرسالة في هذا المحور على مبدأ عالمية الإسلام وشموله، وأنّه إلى الناس كافَّة، وأنَّ الرسول، عليه الصلاة والسلام، نذير من الله، جاء مبلغاً عن ربِّه، ليكون حجَّة على الناس، فلا يبقى لهم عذر في قبول الوحدانيَّة التي تمثِّل جوهر الدعوة الإسلاميَّة.

      وتتحوَّل الرسالة بعد عرض الدعوة إلى محور آخر يستوي على الترغيب في هذه الدعوة؛ ليتسنَّى اقتناع المدعوين بها، ويدور الحديث في هذا المقطع عن بعض المُحفِّزات التي ترغِّب الملكين في قبول الإسلام، إذ يعُدُّ الرسول، عليه الصلاة والسلام، الإيمان بدعوته سبيلاً أفضل لتحقيق السلامة والأمن بمفهومهما الواسع، فالإسلام في معناه يحمل دلالات عظيمة، فهو يُحقِّق المعاني السامية التي ينشدها الإنسان، حاكماً كان أم محكوماً، وهذا مناط العبارة الواردة في الرسالة "أسلِما تسلما"(19). وتكاد هذه العبارة النمطية تكون شافية في أكثر المراسلات النبوية على غرار العبارة الآنفة "فإنّي أدعوكما بدعاية الإسلام"(20)، وباستطاعة المدقِّق أن يترصد هذه العبارة في الرسائل الموجهة إلى كسرى(21) ، وهرقل(22) ، والمنذر ابن ساوى(23)، صاحب البحرين، وهَوذَة بن علي الحنفي(24)، صاحب اليمامة، وغيرهم.

      وفي هذا السياق، تسلك الرسالة مسلكاً نفسياًّ دقيقاً، يُرغِّب الملكين العُمانيين في قبول الدعوة، إذ يُقرِّر عليه الصلاة والسلام مبدأ بقاء الحاكم في منصبه إذا استجاب للإسلام، وكأنما يقدِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقطع عرضاً مغرياً يشجِّع الملكين على اعتناق الإسلام، ولعلَّه لا يخفى أنَّ مثل هذا المسلك يعانق الجوانب النفسيَّة في الإنسان المدعوِّ؛ لأنَّ الإنسان بطبعه مجبول على النظر إلى مصالحه، والقيام على رعايتها، وغالباً ما يُعادي الأفكار الجديدة التي تُجرِّده من مكتسباته، أو تُسبِّب الضرر لمصالحه، وقد جذم الرسول، عليه الصلاة والسلام، هذا الهاجس الذي يداعب النفس الإنسانية في العادة، فوعد الملكين بالحفاظ على سُلطانهما، إن هما آمنا ودخلا في الإسلام. وقد يكون من نافلة القول أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدر عن هذه الرؤية السياسية الحكمية في علاقاته مع أصحاب السلطات المدعوين، فكان يقرُّهم على ما هم عليه من سيادة أقوامهم. وربما يكون جذيراً أن يشير الباحث في هذا الصدد إلى أنَّ السيَر العُمانية تؤكِّد بقاء جيفر وأخيه عبد - بعد إسلامهما - في سُدَّة المُلك إلى وفاتهما(25) .

      وتُختم الرسالة بالمحور الثالث القائم على الترهيب من رفض الدعوة؛ ليكون هذا المحور مقابلا للمحور الآنف القائم على الترغيب في قبول الدعوة. ويتضمَّن هذا المحور تهديدا واضحاً بإنهاء مُلك الملكين، إذ ستقضي الجيوش الإسلامية على سلطانهما، وسينتهي مُلكهما إلى الضياع، وسيكون النصر للمسلمين. ويبدو الرسول، عليه الصلاة والسلام، ههنا واثقا من النصر وانتشار الإسلام وظهور المسلمين على غيرهم، ويلاحظ الدارس أنَّ هذا المنحى من التهديد والوعيد يتراءى واضحاً في عددٍ من الرسائل النبويَّة الموجَّهة إلى مُلوك الجزيرة وأُمرائها(26) .

      وأخيراً، يبدو واضحاً أنَّ الرسالة تلتزم العناصر البنائية التي كانت تشيع في المراسلات النبوية، وأهمهما الاستهلال بالصيغة الإسلامية للبسملة "باسم الله الرحمن الرحيم"(27)، فقد كان هذا العنصر البنائي تقليداً راسخاً في مُكاتبات الرسول، عليه الصلاة والسلام. وتجري الرسالة بعد ذلك على شاكلة المراسلات النبويّة، فهي تثبت العنوان، وتشير صراحة إلى طرفي المراسلة "من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندى"(28)، ثم ترد تحية البداءة لغير المسلمين "سلام على من اتـَّبع الهدى"(29) ، فعبارة التخلص "أمَّا بعد"(30) التي تُفضي إلى الحديث عن موضوع الرسالة.

      ويمكننا عقب هذه النظرة الداخلية إلى النص أن نقف عند الأثر الذي تركه في نفسَي الملكين العُمانيين، وليس من شكٍّ في أنَّ السجية العربية في حسن تفهم الخطاب الصادر عن أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء صلى الله عليه وسلم قد يسَّرت على الملكين الأزديين بعض أمرهما، فلم يسرفا في التأبي، وإن كانا قد أعطيا الحوار حقَّه من الأناة والتفكير، وإنَّ الأمر المؤكد أنَّ فصاحة عمرو بن العاص، وطول باعه في الإقناع، وعمق ملكته في الحوار، قد قرَّبت طريق الإيمان إلى الملكين الأزديين، وكان الفضل قبل ذلك وبعده إلى الصيغة المحمدية في بلاغة الكتاب، وفي مقدِّمتها الشعار المشترك في جميع كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم تسلم"، فقد كانت هذه الجملة على إيجازها الشديد تمثِّل الهيبة المحمديَّة أمام قارئها، تم تتسرَّب في عقله ولُبِّه، فتقنعه ثم تفزعه، ولكنَّ الشعار هنا يأخذ صيغة الخطاب إلى اثنين بدلاً من واحد، فكانت عبارته: "أسلِما تسلما"، ولقد استجابا ودخلا في الدعوة، فأسلما وسلما(31) .

      * * * *

      لم يكتفِ الرسول صلى الله عليه وسلم بمخاطبة الصفوة الحاكمة في مملكة عُمان آنذاك، فقد أخذت الحملة الإعلامية النبويَّة تشقُّ طريقها إلى الشعب، ولم تقتصر على الملوك(32) ، ويطالعنا من هذا الاتجاه رسالته صلى الله عليه وسلم إلى العامَّة من أهل عُمان يدعوهم إلى قبول الدعوة الإسلاميَّة، أو البقاء على عبادتهم ودفع الجزية للمسلمين، ويبدو أنَّ كثيراً من العُمانيين كانوا في هذه الأثناء يعتقدون المجوسية، ويتابعون الفرس في ديانتهم، وستمرُّ بنا إشارة واضحة إلى وجود بيت النار في عُمان، مما يعزِّز ما ذهبنا إليه من وجود المجوسية وانتشارها في هذا الصقع آنذاك، جاء في رسالته صلى الله عليه وسلم مخاطباً أهل عُمان:

      "أن أسلِموا، فإن لم تُسلموا فأدوا الجزية"(33)

      وتتراءى هذه الرسالة المقتضبة الخالية من الديباجة واضحةً في دلالتها، ميسورةً في معانيها، مقتصدةً في ألفاظها، فهي تنضم على أمرين يشيعان في أكثر الرسائل النبويَّة المتعلِّقة بموضوع الدعوة، فهي تبدأ مُرغِّبةً بقبول الإسلام والدخول في دعوته من غير شُروط، وتنتهي بالخيار الآخر وهو دفع الجزية مقابل المحافظة على حرية الاعتقاد. ويتراءى في الرسالة الخطاب الجمعيُّ "أسلموا، تسلموا، أدوا"، وهو ما يشير إلى عموم الرسالة، وعدم اقتصارها على فئة دون فئة.

      وتبدو الرسالة الأُخرى التي خصَّ بها الرسول، عليه الصلاة والسلام، العمانيين(34) أكمل وأوفى من سابقتها الموجزة، فقد جاءت مستهلة بالعنوان الذي يبين المُرسِل والمُرسَل إليه، وورد العنوان مشفوعاً بالتحية، فالبعديَّة، فالموضوع، على نحو لا يبعد عمَّا رأيناه في الرسالة الموجَّهة إلى جيفر وعبد، ملكي عُمان، وتسير الرسالة على هذا النحو:

      "من محمد رسول الله إلى أهل عُمان، سلام عليكم، أمَّا بعد: فأقرُّوا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا، وإلا غزوتكم"(35) .

      يستشف القارئ من هذه الرسالة ملامح الرسالة النبوية بعامَّة، فهي تستند إلى مقوِّمات مشتركة أهمُّها: البساطة في الألفاظ والمعاني، والوضوح في الفكرة، إذ تؤدى أداءً بيناً من غير عناء أو تكلّف، حتى لتخلو ديباجتها من ألفاظ التبجيل والتعظيم بحق المرسِل والمرسَل إليه، كما تأخذ الرسالةُ نفسها بعناصر البناء الشكليِّ الشائع في الرسائل النبوية، إذ ترد هذه العناصر مرتَّبةً في إثر بعضها من غير فواصل: العنوان، فتحية البدء، فالبعديَّة، فالموضوع، غير أننا نلمس غياباً لبعض العناصر كالبسملة وتحية الختام اللتين اطَّردتا في كثير من المكاتبات في صدر الإسلام(36) .

      وتجرى الرسالة على شاكلة المراسلات النبوية في الاستفتاح بذكر اسم المرسل وصفته مجرَّدين "من محمد رسول الله"(37)، وفي هذه الصيغة توجيهٌ إلى حقيقة الدعوة التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلام بشخصيته وحقيقة دعوته، فهو مبعوث من الله لأداء رسالته، لهذا فهو يستهلُّ مكاتباته في الدعوة ببيان هذه الحقيقة محاولاً إرساءها في أذهان المتلقين.

      وثمة أدلَّة تحتضنها الرسالة تدلُّ على أنَّ النبي، عليه الصلاة والسلام، كتب هذه الرسالة إلى أهل عُمان بعد أن استجابوا لله ودخلوا الإسلام، فمن ذلك أنـَّه استعمل تحية الإسلام "سلام عليكم"(38)، ومن المعروف أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفارق بين صيغتين من صيغ التحية: صيغة خاصة بالمسلمين وأهمُّ صورها "السلام، عليك / عليكم". وصيغة خاصَّة بغير المسلمين، وصورتها المشروطة "سلامٌ على من اتبع الهدى". وثاني الأدلَّة أنـَّه دعاهم إلى الالتزام بتعاليم الإسلام، فإن لم يأخذوا بها قاتلهم، وهذا لا يناسب كونهم كفاراً، فيمكن أن يكونوا منعوا الزكاة وتركوا إقامة الصلاة(39)، ومعلوم أنَّ غير المسلم يُطلب إليه أولاً أداء الجزية، فإن أبى قُوتل، بخلاف المسلم غير الملتزم، فإنـَّه ينذر بالعودة أو القتال.

      يدور موضوع الرسالة حول تأكيد ما يقتضيه الدين الذي ارتضاه العُمانيون من وجوب الإقرار بالتوحيد الخالص، والإيمان بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامة الصلاة بما تستدعيه من هدم بيوت النار وإحلال المساجد مكانها، وتشييدها على السمت الإسلاميِّ، والقيام بفرضية الزكاة، وتوزيعها في مصارفها الشرعيَّة.

      ولعلَّ القارئ يلاحظ أنَّ الرِسالة تنتهج نهج الرِسالة الموجهة إلى الملكين، جيفر وعبد، فهي تجمع بين الترغيب والترهيب في آنٍٍ معاً، إذ بدأت بدايةً هادئةً، بيد أن وتيرتها تصاعدت فجأة، عندما ختمها الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهديد والوعيد، وبذلك يرى القارئ أنَّ لهجة الرِسالة انقلبت انقلاباً تاماًّ، وتحوَّل مستواها من اللين إلى الشدَّة، فقد كانت النهاية شديدة الوقع، إذ أنذر عليه الصلاة والسلام المدعوِّين بالحرب إذا لم يستجيبوا لما تضمَّنته الرسالة المبعوثة إليهم. وقد يكون من تفسير لهذا التهديد الشديد ما ذكرناه سابقاً من جواز أن يكون أهل عُمان أعلنوا الأسلام آنذاك ولم يأخذوا بمقتضياته، مما دعا إلى تعنيفهم على هذا النحو.

      * * * *

      يظهر مما سبق أنَّ الرسالة النبوية إلى أهل عمان وجِّهت إلى الخاصَّة والعامَّة، على السواء، وإذا كنَّا رأينا أنَّ رسائل مفردة وجِّهت إلى هاتين الشريحتين، كلٌّ على حِدة، فإنَّ المصادر أمدَّتنا برسائل من نوع آخر يجمع بين دعوة الملوك والرعيَّة، ولا يجري على غرار الرسائل السابقة التي كانت تفصِّل الخطاب على منـزلة المخاطب، مُباينةً، بين خطابين، يختصُّ أحدهما بالحُكَّام، ويتفرغ ثانيهما للرعية. وبين أيدينا رسالتان تندرجان تحت هذا اللون، أمَّا الرسالة الأولى، فقد جعلها صلى الله عليه وسلم عامَّةً إلى أهل عُمان، حُكَّامهم ومحكوميهم، مطلقاً على الفئتين تسمية "عباد الله الأسبذيين"(40)، في إشارة واضحة إلى أنّهم كانوا يتبعون الفرس، ويفصح الرسول صلى الله عليه وسلم عن مقصوده بهذه التسمية، مشيرا إلى أنَّ المقصود بها أهل عُمان، ولا سيَّما مُلُوكهم ومن كان من قبيلة الأزد فيها، وتشبه الرسالة أن تكون أماناً عاماً مشروطاً، وقد جاء فيه:

      "من محمد النبي رسول الله لعباد الله الأسبذيين - ملوك عُمان وأزد عُمان، من كان منهم بالبحرين(41) - إنهم إن آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وأطاعوا حقَّ النبي صلى الله عليه وسلم ونسكوا نُسك المؤمنين، فإنـَّهم آمِنون، وإنَّ لهم ما أسلموا عليه، غير أن مال بين النار ثنيا(42) لله ورسوله، وإنَّ عُشُور التمر صدقة، ونصف عُشُور الحَبّ، وإنَّ للمسلمين نَصرهم ونُصحهم، وإنَّ لهم على المسلمين مثل، وإنَّ لهم أرْحَاهم يطحنون بها ما شاءوا"(43)

      تبذل هذه الرسالة - فيما هو واضح للعيان - أماناً متكافئاً، يقدِّم فيه كلٌّ من الجانبين ما يلزمه لتحقيق هذا التكافؤ، إذ يُطلب من أهل عمان قبول الشرائع الإسلامية بما تقتضيه من الإيمان بالله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، ومناصحة المسلمين، وردِّ الحقوق والمظالم، وإظهار السمت الإسلاميِّ. وفي المقابل يقدِّم باذل الأمان الأمن والحماية للعمانين، ويتكفَّل بدفع الأذى والضرر عنهم، ويقوم بواجب النصرة والنصح لهم، ويحفظ لهم حقوقهم الماديَّة والمعنويَّة، ويبيح لهم حرية التملُّك المشروع والعمل المستقل في مصالحهم، فلا يضارون في مكاسبهم وأرزاقهم.

      وفي إزاء هاتين الطائفتين من الشروط المتكافئة، يتضمَّن الأمان استثناءً خاصاًّ يتعلَّق ببيوت العبادة التي كان عليها كثيرٌ من العمانيين، إذ يحدِّد الرسول، عليه الصلاة والسلام، مصيرَ دور النار هذه، فيقرر أنَّ ملكيتها ستؤول إلى الله ورسوله، فليس لأحد حقٌّ في أموال المعابد تلك؛ لأنَّها أضحت حقّاً شرعيّاً، يتصرَّف فيه الرسول، عليه الصلاة والسلام، وفق شرائع الدين وأحكامه.

      وتسوق المصادر رسالة أُخرى مُشاكلة لسابقتها في المضمون، بيد أنَّها تشتمل مزيداً من التفصيلات الشرعيَّة، التي يوجبها الأمان المُعطى، وبخاصَّة فيما يخصُّ الالتزامات المطلوبة ممّن يؤثر من أهل عمان البقاء على دينه والارتباط بعقد الذمَّة، وهذا نص الرسالة:

      "بِسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العباد الأسبذيين، سلْمٌ أنتم، أماّ بعد ذلكم: فقد جاءني رُسلكم مع وفد البحرين، فقبلت هديتكم. فمن شهد منكم أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ، واستقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا فله مثل ما لنا، وعليه مثل ما علينا، ومن أبى فعليه الجزية على رأسه معافى على الذّكر والأنثى، ومن أبى فليأذن بحربٍ من الله ورسوله. وعليكم أن لا تمجِّسوا أولادكم، وإنّ مال بيت النار ثنياًّ لله ورسوله، وعليكم في أرضكم ممَّا أفاء الله علينا منها مما سقت السماء، أو سقت العيون، من كلِّ خمسة واحدة، وممَّا يسقى الرشاء(44) والسواقي من كلِّ عشرة واحدو. وعليكم في أموالكم من كلِّ عشرين درهماً درهمٌ، ومن كلِّ عشرين ديناراً دينارٌ. وعليكم من مواشيكم الضعف ممَّا على المسلمين، وعليكم أن تطحنوا في أرحائكم لعمَّالنا بغير أجر. والسلام على من اتَّبع الهدى"(45) .

      جاءت هذه الرسالة رداًّ على أهل عُمان "العباد الأسبذيين" الذين وجهوا سفراءهم بالهدايا إلى الرسول، عليه الصلاة والسلام، مع وفد البحرين، وقد قابل صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع الجميل بمثله، فقبل الهدية العمانيَّة، تقديراً واحتراماً لأصحابها، وحرَّر لهم كتاباً جامعاً يُبين ما لهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات. وظاهرٌ أنَّ مشتمل الرسالة يتعانق مع المبادئ الإسلامية العامَّة في الدعوة، وتستوي هذه المبادئ على تقديم الخيارات الثلاثة: قبول الإسلام، أو دفع الجزية، أو جهاد الرافضين.

      وكما هي الحال في المراسلات النبويَّة، تضع الرسالة بعض المرغِّبات أمام المدعوين، فتجعل من يقبلون الدعوة ويعملون بأحكامها في منـزلةٍ سواء مع غيرهم من المسلمين، إذ الجميع متساوون في حُقُوقهم وواجباتهم، لا فرق بين أحدٍ في ذلك. ويلاحظ أنَّ أصداء المقطع المتعلق بهذه الفكرة "فمن شهد منكم أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ، واستقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا فله مثل ما لنا، وعليه مثل ما علينا"(46) تتردَّد في طائفة من مكاتيب النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يشار ههنا إلى ما يناظرها في رسالته عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوى(47) .

      وتتفرَّغ الرسالة بعد عرض الدعوة والترغيب في قبولها إلى حديث موسَّع متعلق بمن يرفض هذه الدعوة، وواضحٌ أنَّ الهدي النبوي يفسح مساحة رحبة لحرية الاعتقاد، ولا يُرغم أحداً على تبديل معتقده، غير أنَّ الرسالة تُرتِّب على الراغبين في البقاء على اعتقادهم جملةً من الأُمور مقابل شمولهم بعقد ذمةٍ وحماية، وأوَّل هذه الأُمور دفع الجزية، وثانيهما أداء الخراج على الأرض والماشية، فتطلب أداء خمس محصول الأرض التي تسقي بعلاً، وعشر محصول الأرض التي تسقي سيحاً، وكما ترتِّب الرسالة عليهم واحداً من عشرين من أموالهم النقديّة، وضعف ما على المسلمين من زكاة الأنعام.

      كما يشرط الرسول صلى الله عليه وسلم على أهل الذمة شرطاً آخر يتعلَّق بذرياتهم، إذ يُطلب منهم أن يتركوا لأولادهم حرية النشأة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأن لا يأخذوهم منذ الصغر بالتنشئة على الديانة المجوسيَّة. والملاحظ أنَّ المراسلات النبويّة الموجَّهة إلى المناطق العربية التي كانت تنتشر فيها المجوسية كانت تلح على هذا الطلب(48)، رغبةً في أن ينشأ جيل جديد في ظلال العقيدة الجديدة يباين ما عليه الآباء من المجوسية.

      وتكفل الرسالة أخيرا كما كفلت سابقتها للمستأمنين حرية العمل والتملُّك، والقيام على إدارة مصادر رزقهم بأنفسهم، بيد أن الرسالة ترتب على الذّميين تقديم بعض الخدمات المجانية لعمَّاله صلى الله عليه وسلم على عُمان، وتشير الرسالة إلى خدمة طحن الحبوب غير المأجورة.

      * * * *

      وينتهي بنا المطاف بعد النظر في الاتجاهات الآنفة لمراسلاته صلى الله عليه وسلم مع أهل عُمان إلى إطلالةٍ على الاتجاه الأخير المتعلِّق بالرسائل الموجَّهة إلى قبيلة الأزد، أكبر القبائل اليمانيَّة التي استوطنت عُمان منذ القدم، وبين أيدينا رسالتان نبوِّيتان كتبهما الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الاتجاه أمَّا الرسالة الأولى، فقد بعثها عليه الصلاة والسلام مع أبي راشد الأزديِّ، رئيس وفد الأزد في السنة التاسعة، وجاء فيها:

      "من محمد رسول الله إلى من يقرأ كتابي، هذا، ممّن شهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمد رسول الله، وأقام الصلاة، فله أمان الله، وأمان رسول الله"(49) .

      يبدو أنَّ الرسالة وجِّهت إلى عموم بُطُون الأزد على تشتُّتها، وأنَّ مقتضى الخطاب فيها كان يشمل نفوذ القبيلة الكبيرة: أزد شنوءة، وأزد الشرارة، وأزد عُمان. وواضح أنَّ الرسالة الموجزة تتلبس ثوب الأمان، إذ يتكفَّل الرسول، عليه الصلاة والسلام، بتوفير الأمن والحماية لكلِّ من آمن وصدّق بدعوته من الأزد. وبخلاف الرسائل الآنفة، يبدو الطرف الثاني في عملية المراسلة (المرسل إليه) شديد الاتساع، فالرسالة غير موجَّهة إلى شخص بعينه، أو فئة بعينها، بل هي عامة في الخطاب "إلى من يقرأ كتابي هذا..."(50) .

      وأمَّا الرسالة الثانية، فقد كتبها عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة لوفد ثُمالة والحُدّان، من بطون الأزد التي كانت تسكن "صُحار"، ونص الرسالة:

      "هذا كتابٌ من محمد رسول الله لبادية الأسياف ونازلة الأجوافِ، مما حازت صُحَار، ليس عليهم في النخل خراص، ولا مكيالٌ مطبق، حتى يوضع في الفداء(51) ، وعليهم في كلِّ عشرة أوساق وسق(52) "(53) .

      تستهلُّ الرسالة استهلالاً مختلفاً من غيرها من الرسائل السابقة، فهي تفتح بلفظ "هذا كتاب"(54) مقدماً على ذكر المرسل والمرسل إليه (العنوان). أمَّا المرسِل، فالرسالة تتفق مع سابقاتها في إثبات صفة النبوة له، وأمّا المرسَل إليه فهم جماعة ولا فرد تنعتهم الرسالة بـ "بادية الأسياف ونازلة الأجواف مما حازت صُحار"(55)، وفي ذلك بيانٌ واضحٌ عن مناطق نفوذهم، فهم عرب ينـزلون سواحل البحر (الأسياف) وما جاورها من بطون الأودية والسهول المطمئنة (الأجواف)، ووصفهم بنـزولهم السواحل والأجواف إيماءٌ إلى أنهم يرحلون وينـزلون في كلِّ مكان يكون فيه الكلأ والماء لمواشيهم(56). ولعل ممّا يدل على أنّهم عُمانيون إضافتهم إلى "صُحار" التي كانت فيما يقول ياقوت الحموي "قصبة عُمان ممّا يلي الجبل"(57) .

      توضح الرسالة مقدار الزكاة المترتب على ما يجني من ثمار النخيل التي بنو ثُمالة والحُدان يزرعونها، وهو عشر المحصول. وتأليفاً لقلوب هؤلاء الزُّراع، يضع النبي صلى الله عليه وسلم عنهم عملية الخرص، وهي تقدير ناتج الثمار وما يترتَّب عليها من الزكاة قبل أن تنضُج، ويبدو أنَّ هذا النظام الاقتصادي القائم على التخمين كان يشكِّل ضرباً من العسف لهؤلاء، فرفعه الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم، وطلب إليهم أداء الزكاة بعد جني المحصول كاملا.

      * * * *

      ويمكن للدارس بعد هذه الوقفة التحليليَّة عند طائفة من نصوص النثر الترسليِّ المتعلق بعُمان في عهد النبوة أن يسجل النتائج التالية:

      أولا: أمدَّتنا المصادر العربية القديمة، وبخاصَّة كُتُب السيرة والتاريخ، بنصوص سبعة من المكاتيب النبوية التي وجَّهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل عُمان ابتداء من السنة الثامنة للهجرة، ولا شكَّ أنَّ هذا العدد لا يضمُّ جميعَ ما كتبه عليه الصلاة والسلام في هذا الباب؛ لأنّ عدداً من المؤرِّخين القدامى اكتفوا بالإشارة إلى الحدث، وأهملوا إثبات النُصوص المتعلِّقة به، ممّا أفقدنا مجموعة كبيرة من الوثائق النصيّة المهمة.

      ثانيا: تدور المراسلات النبوية الموجَّهة إلى أهل عُمان حول المضامين والرؤى نفسها التي اشتملت على الرسائل النبوية بعامة، إذ يعالج أكثرها موضوع الدعوة إلى الدين الجديد، بما ينضم عليه من عرض الدعوة والترغيب في قبولها والترهيب من رفضها، وبما ينجم عن هذا الموضوع من موضوعات تتعلَّق به، وردت في صيغة عهود وأمانات، يكتبها الداعي للمدعوِّين.

      ثالثا: تتعلَّق هذه الطائفة من الرسائل مع المراسلات النبوية في خصائصها وأساليبها، إذ تؤدِّي الفكرة أداءً واضحاً قريباً، يجنح إلى الإيجاز، وتغلب عليه الجزالة، ولا يعمد فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أيِّ من ضرب التحبير الفنيِّ، أو التزويق الأسلوبيِّ، أو التنميق اللفظيِّ، أو ما يوحي بالميل إلى لون من ألوان الصنعة والأناقة والتجويد، ومن هنا جاءت الرسالة الواقعة في هذا المضمار واضحةً في معانيها، ميسورةً في ألفاظها، مباشرةً في دلالاتها.

      رابعا: تتقاطع هذه الطائفة من الرسائل مع رسائل أخرى كتبها عليه الصلاة والسلام، إذ يلحظ الدارس تشابكاً نصيّاً جلياً، وترداداً لافتاً للصياغات والعبارات التي توحي بالاتجاه النبوي إلى النمطيَّة في إنشاء الرسائل وتحريرها، ولعلَّ في ذلك ما يؤيـِّد أن تكون هذه المراسلات المتعانقة نصيّاً مع غيرها من المراسلات النبويّة الصادرة عما يُشبه مؤسسة كتابيّة، أو ديوان رسائل، كانت تتولى الإشراف على كتابة الرسائل النبوية وتحريرها.

      خامسا: تنهج الرسائل النبوية الموجهة إلى أهل عُمان أُسلوبين، يفتتح الأسلوب الأول، وهو الأشيع، بلفظ "من محمد رسول الله إلى فلان"، أي أنـَّه يبدأ بتحديد طرفي المراسلة، المرسِل والمرسَل إليه، ونرى في هذا الأسلوب ورود اسم المرسل مجرداً، كما في الرسالة الموجهة إلى جيقر وعبد "من محمد بن عبد الله"، وغالباً ما يشار إلى صفة النبوة أو الرسالة، كما هي الحال في الرسالة الموجَّهة إلى عموم أهل عمان "من محمد رسول الله" والرسالة الموجهة إلى العباد الأسبدييين - أهل عُمان - "من محمد النبي رسول الله". وأمَّا الأسلوب الثاني، فهو يفتح بلفظ: "هذا كتاب من محمد رسول الله"، ويلاحظ أنَّ هذا الأسلوب يَندر وقوعه في المراسلات النبوية، ومن أمثلة ما جاء في رسالته صلى الله عليه وسلم مع وفد ثُمالة والحُدان.

      سادسا: تشير بعض المصادر إلى عدد من أسماء الكُتَّاب الذين تولَّوا تحرير هذه المجموعة من الوثائق العائدة إلى عصر النبوَّة، كأبيِّ بن كعب الذي كتب الرسالة الموجهة إلى جيفر وعبد(58)، والعباس بن عبد المطلب الذي حرَّر الأمان الموجه إلى قبيلة الأزد في عُمان(59)، وثابت ابن قيس الذي أنشأ الرسالة الموجهة مع وفد ثُمالة والحدان(60). وفي المقابل، أخلَّت المصادر بإثبات أسماء الكتّاب الذين تولَّوا كتابة الرسائل الأخرى التي بتنا نجهل أسماء كتّابها.

      سابعا: تضيء هذه المجموعة بعض جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية في عُمان آنذاك، ففي المشهد السياسيِّ كانت عُمان - كما تشف عنها هذه الرسائل - مملكة عربيّة آمنة، يحكمها مَلِك عربيٌّ من قبيلة الأزد، تتبع الدولة الفارسيَّة، وتحظى بما يشبه الحكم الذاتي المستقلَّ. وفي المشهد الاجتماعي، تشير هذه الرسائل إلى تشكُّل المجتمع العماني من قبائل عربيَّة جاءت من اليَمَن، أهمُّها قبائل الأزد، على اختلاف بطونها، وقد لوحظ أنَّ بعض هذه القبائل تحضَّر ومال إلى الاستقرار وسكنى المدن، بينما ظلَّ بعضها مؤثراً الترحال والتنقُّل وراء الكلأ والماء. وفي المشهد الدينيِّ، تدلُّ هذه الرسائل على انتشار المجوسيَّة في أنحاء عُمان، وبين القبائل العربية، كما أشارت غير رسالة من هذه الرسائل إلى وجود بيوت للنار في عُمان آنذاك، كما كشفت الرسائل عن موقف العمانيين الإيجابي من الدعوة الإسلامية، إذ سرعان ما استجابوا لله ورسوله، ودخلوا في دين الله، فصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إنّي لأعلم أرضاً يقال لها عُمان ينضح البحر بناصيتها، ولو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"(61) . وفي المشهد الاقتصادي، أشارت الرسائل إلى النعيم الذي كانت تعيش عُمان، إذ كانت غلاتها وافرة، أهمُّها الحبوب والتمور، التي شكَّلت أهمَّ موارد الرزق، فضلاً عن ناتج الماشية. وأشارت الرسائل إلى طرق سقي هذه المزروعات، وانتشار الأمطار الموسمية، ووجود الآبار والعيون، مما يدلُّ على وفرة المياه آنذاك. وأخيرا، أشارت الرسائل إلى انتشار طواحين الحبوب التي كانت تشكل - فيما يبدو - إحدى مستلزمات عملية الإنتاج الغذائي في ذلك الوقت.



      المصادر والمراجع



      ü ابن حبان، أبو حاتم، محمد ابن أحمد البستي، ت 354هـ: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، دار الفكر، الطبعة الثالثة، بيروت، 1418هـ/ 1997م.

      ü الحلبيّ، علي بن برهان الدين، ت 1044هـ: السيرة الحلبيّة المسماة إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1349هـ/ 1930م.

      ü حميد الله، محمد الحيدر أبادي: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د.ت.

      ü الحوالي، محمد بن علي الكوع: الوثائق السياسية اليمنيّة، دار الحرية، الطبعة الأولى، بغداد، 1396هـ/ 1976م.

      ü خطاب، محمود شيت: سفراء النبي صلى الله عليه وسلم ، مؤسسة الريان - بيروت، ودار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1996م.

      ü السالمي، نور الدِّين، عبد الله بن حميد، ت 1332هـ: تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، مكتبة الإستقامة، د.ن، 1418هـ/ 1997م.

      ü السبكيّ، علي يوسف: الرسائل النبوية (دراسة وتحقيق)، د.ن، القاهرة، 1400هـ/ 1980م.

      ü الشكعة، مصطفى: البيان المحمديّ، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416هـ/ 1995م.

      ü صفوت، أحمد زكي: جمهرة رسائل العرب، مصورة عن الطبعة المصرية، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.

      ü الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير، ت 310هـ: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، بيروت، د.ت.

      ü العقيلي، أحمد محمد: الأثر والدلالات الإعلامية لرسائل النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك والقادة، مطابع خزام، الطبعة الأولى، الرياض، 1414هـ/ 1993م.

      ü العقيلي، محمد ارشيد: السفارات النبوية إلى ملوك العالم وأطراف الجزيرة العربية، دار إحياء العلوم _ بيروت، ومكتبة المحتسب _ عمان، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986م.

      ü علي، محمد عثمان: في أدب الإسلام (عصر النبوة الراشدين وبني أمية)، دار الأوزاعي، الطبعة الأولى، بيروت، 1404هـ/ 1984م.

      ü القضاعي، محمد بن سلامة، ت 454هـ: عين المعارف وفنون أخبار الخلائف، تحقيق عبد الرحيم محمد علي، دار الينابيع، عمان، 1417هـ/ 1997م.

      ü القلقشندي، أحمد بن علي، ت 821هـ: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، نشره محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، 1417هـ/ 1987م.

      - مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق عبد الستار أحمد فرّاح، عالم الكتب، بيروت، د.ت.

      ü ابن قيم الجوزية، شمس الدين، محمد أبي بكر، ت 715هـ: زاد المعاد في هدى خير العباد، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، د.ت.

      ü الكتاني، محمد عبد الحي: نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، نشر بعناية عبد الله الخالدي، دار الأرقم، بيروت، د.ت.

      ü المسعودي، علي بن الحسين، ت 346هـ: التنبيه والإشراف، دار الهلال، بيروت، 1401هـ/ 1981م.

      ü المقداد، محمود: تاريخ الترسل النثري عند العرب في صدر الإسلام، دار الفكر _ دمشق، ودار الفكرالمعاصر _ بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م.

      ü الميانجي، علي الأحمدي: مكاتيب الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤسسة دار الحديث الثقافية، الطبعة الأولى، طهران، 1419هـ/ 1999م.

      ü ياقوت الحموي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله، ت 626هـ: معجم البلدان، دار صادر، د.ت.






      (1) الكتاني، التراتيب الإدارية، ج1، ص 152. وانظر: السبكي، الرسائل النبوية (دراسة وتحقيق). ص 36-117، والميانجي، مكاتيب الرسول، ج1، ص 114-178.

      (2) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج1، ص 7.

      (3) المسعوديّ، التنبيه والإشراف، ص 241، ابن حبان، السيرة النبويةوأخبار الخلفاء، ج1، ص 296، القضاعيّ، عيون المعارف، ص 125، القلقشندي، مآثر الإناقة، ج1، ص 83.

      (4) أنظر: القلقشندي: صبح الأعشى، ج6، ص 365-366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص81، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120-121.

      (5) أنظر: الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339، ج3، ص 118.

      (6) أنظر: المصدر نفسه، ج3، ص 279-280.

      (7) أنظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82-83، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 121-122، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138.

      (8) السالمي، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ج1، ص 53-58.

      (9) أنظر: الحلبي، السيرة الحلبيّة، ج3، ص 284، ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص 62، خطاب، سفراء النبي صلّى الله عليه وسلّم، ج1، ص 392-393، العقيلي، السفارات النبوية، ص 41-43.

      (10) توجد الرسالة في مصادر كثيرة منها: الحلبيّ، السيرة الحلبيّة، ج3، ص 284، ابن قيم الجوزية، ج3، ص 62، زاد المعاد، القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365-366، السالمي، تحفة الأعيان، ج1، ص 54، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 49-50، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120-121، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361، السبكي، الرسائل النبوية، ص 177-178.

      (11) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 321.

      (12) أنظر: المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 241.

      (13) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص62، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (14) أنظر: المقداد، تاريخ الترسل النثري عند العرب في صدر الإسلام، ص 85.

      (15) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (16) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج2، ص 654-655، القلقشندي، صبح العشى، ج6، ص 363-364، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (17) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج2 ص 649، ابن حبان، السيرة النبويّة، ج1، ص 295، صفوت، جمهرة رساءل العرب، ج1، ص 38.

      (18) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 364، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 58.

      (19) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (20) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (21) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (22) الطبري، تاريخ الرسل والملوك ج2، ص 654-655، ابن حبان، السيرة النبوية، ج1، ص 695، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (23) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 65.

      (24) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 77.

      (25) السالمي، تحفة الأعيان، ج1، ص 64.

      (26) أنظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 66 ، 77.

      (27) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (28) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (29) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (30) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (31) الشكعة، البيان المحمديّ، ص 137.

      (32) العقيلي، اظلثر والدلالات الإعلامية لرسائل النبي، صلّى الله عليه وسلّم، إلى الملوك والقادة، ص 47.

      (33) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 342.

      (34) جاء في بعض المصادر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجّه رسالة لأهل دَما، قرية من أعمال عُمان، انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 28، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 340-341.

      (35) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 121.

      (36) انظر: عثمان علي، في أدب الإسلام، ص 286.

      (37) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339.

      (38) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339.

      (39) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 342.

      (40) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 85، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 118، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 140.

      (41) تطلق "البحرين" قديماً على أجزاء واسعة من واسعة من شرق الجزيرة العربية، يقول ياقوت الحموي البحرين "وهو إسم جامع البلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعُمان" (انظر، الحموي، معجم البلدان، "مادة البحرين").

      (42) الثنا: المستثنى.

      (43) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 362، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 50-51، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 75-76، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 119، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 118.

      (44) الرشاء: الدِّلاء.

      (45) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 123-124.

      (46) الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص124.

      (47) انظر: القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 362، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 45.

      (48) انظر: الميانجي، المكاتيب النبوية، ج3، ص281.

      (49) المصدر نفسه، ج3، ص 279-280.

      (50) المصدر نفسه، ج3، ص 279.

      (51) الفداء: المكان الذي يوضع فيه التمر ويسطح بعد جمعه لييبس.

      (52) الوَسق: مكيال يعادل ستين صاعاً.

      (53) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82-83، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنيّة، ص 121-122، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138.

      (54) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82.

      (55) المصدر نفسه، ص 82.

      (56) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138-139.

      (57) ياقوت الحموي، معجم البلدان، "مادة صحار".

      (58) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص 62.

      (59) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 280.

      (60) المصدر نفسه، ج3، ص 138.

      (61) أحمد بن حنبل، المسند، ج1، ص 44، ج2، ص 3.
    • أبوسعيد كتب:

      رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان
      دراسة تحليلية
      د. محمد محمود الدُروبي
      قسم اللغة العربية
      جامعة آل البيت
      التّراسل عمليةٌ حضارية مهمَّة، ذات أثرٍ في حياة الدول، وليس ثمة حاجة إلى التدليل على أنَّ شأن هذه العملية انتظم بقيام الدولة الإسلامية، فقد كان عليه الصلاة والسلام مُدركاً قيمة التراسل بوصفه وسيلةً من وسائل الدعوة والإعلام، فاتخذ عددا وافرا من الكتَّاب، أوصلهم بعض الدارسين إلى ثلاثة وأربعين كتَّاباً(1) ، وراسل - بدءاً من السنة السابعة للهجرة- كثيرا من ملوك العرب والعجم وشيوخ القبائل وزعماء الأقوام وكبار الأساقفة ومشاهير الأحبار وعظماء المرازبة ورؤساء العُمّال، يدعوهم إلى الإسلام وإجابة الدعوة.

      ومع أنَّ موضوع الدعوة إلى الدِين الجديد شكَّل أهم الأغراض التي تفرَّغت لها هذه المجموعة من الرسائل النبوية، فإنَّ أغراضاً أخرى جديدة نجمت عن هذا الغرض، أهمُّها ما كُتب في «الأمانات» وهي رسائل تكتب للمدعوِّين الجدد - مسلمين وغير مسلمين - متضمِّنةً تأمينهم على أرواحهم وأهلهم وأموالهم وحقوقهم، إلى جانب ما كان يكتب من «العهود» التي نظَّمت العلاقات السياسية والإدارية في الدولة الإسلامية الناشئة. وفضلا عن هذه الأغراض الرئيسية، دارت طائفة من رسائله عليه الصلاة والسلام حول موضوع "الإقطاع" الذي مثَّل ضرباً منه التنظيم الاقتصاديِّ الجديد في الدولة. وتتنازع المراسلات النبوية بعد ذلك موضوعات جزئية متفرِّقة كثيراً. وقد أحصى الأحمدي الميانجي حديثاً الرسائل النبويَّة التي كُتبت في هذه الأغراض، فدانت عنده خمسمائة رسالة بين ما وصل إلينا وما فُقد منها(2) ، وإخال أن هذا العدد ليس نهائياً، إذ هو قابل للزيادة السريعة في ضوء التنقيب في مظانَّ جديدة لم يطَّلع عليها الميانجي.

      كان سفراء النبي صلى الله عليه وسلم وحملة كُتُبه يجوبون أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها، وما صاقبها من البلدان، في حركة نشطة هدفُها تبليغ الدعوة وإيصالها إلى أقصى حدودها، ويقع من هذه الحركة الدؤوب الدليل البيِّن على كونيَّة الرسالة الإسلامية وعالميتها، وحرص الرسول، عليه الصلاة والسلام، على نشرها بين الناس كافَّة، وتحقيق الوحدة في بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها؛ لينهضوا بأعباء حمل الرسالة ونقلها إلى العالم. وقد أخذت حركة السفارات النبوية تتصاعد حتى وصل أوج نشاطها في السنة السابعة وما بعدها، بعد أن رسخت هيبة الدولة الإسلامية، وازدادت أهميتها السياسية.

      وكان الرسول، عليه الصلاة والسلام، يعوِّل كثيرا على إيمان العرب بدعوته، فلم يترك قوماً أو قبيلةً أو بطناً منهم حتى أوفد إليهم من يدعوهم من أصحابه الكرام، وكان رُسل النبي، عليه الصلاة والسلام، إلى هذه القبائل يحملون معهم الرسائل الموثَّقة المختومة بخاتمه المنقوش عليه عبارة "محمد رسول الله"(3)؛ لتكون أوكد وأوثق في نفوس المدعوِّين. وفي هذا السبيل، بعث، عليه الصلاة والسلام، رسائل كثيرة إلى عرب الحجاز، وتهامة، ونجد، واليمن، وحضرموت، وعُمان، والبحرين، والأحسان وغيرها من أعمال جزيرة العرب، وهذا يشير إلى أنَّ المراسلات النبوية بلغت القبائل العربية على اختلافها، ووصلت إلى سائر عرب الجزيرة على تباعدهم، سواءً البدو والحضر.

      * * * *

      أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الأجزاء الواقعة على الحافَّة الشرقية الجنوبية من جزيرة العرب، وما يمكن أن تتبوَّأه هذه المنطقة الغنية بخيراتها من أدوار مُهمَّة في تحقيق وحدة العرب ونقل دعوة الإسلام إلى العوالم المجاورة، وبخاصَّة تلك البلاد التي انعقدت بينها وبين هذه المنطقة صلات، تجارية وغير تجارية، فخصَّ عليه الصلاة والسلام أهل عُمان - خاصتهم وعامتهم - بطائفة من الرسائل التي دارت مضامينُها في سلك ما كان يكتبه صلى الله عليه وسلم إلى العرب المجاورين.

      وتحظى هذه المجموعة من مكاتيب الرسول - عليه الصلاة والسلام - مع أهل عُمان بقيمة خاصَّة، فهي تُضيء جانباً مهماًّ من تاريخ هذا البلد، وتكشف عن ملامح من حياته السياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية، كما تُلقي هذه الرسائل ضوءاً على تاريخ الدعوة الإسلامية في عُمان وموقف العمانيين من هذه الدعوة.

      ويجد الناظر في الطائفة الباقية من هذه المراسلات النبوية أنـَّها تتوزَّع في ثلاثة اتجاهات : يختصُّ أُولاها بدعوة النخبة الحاكمة - مُمثلة بملكي عُمان آنذاك - إلى إجابة الدعوة والدخول في الإسلام، ويشهد على هذا الاتجاه الرسالة التي وجهها صلى الله عليه وسلم إلى الملِكين جَيفَر وعبد ابني الجُلندي بن المُستكبر الأزديِّ(4) . ويشبه ثاني هذين الاتجاهين أن يكون بلاغاً نبوياً عاماً إلى أهل عُمان، ومن أمثلته رسالتان نبوِّيتان أنفذهما عليه الصلاة والسلام إلى العُمانيين عامةً يدعوهم إلى الالتزام بالإسلام(5) . وأمَّا الاتجاه الثالث، فتمثِّله مراسلات الرسول صلى الله عليه وسلم مع قبائل الأزد عامَّة، ومنهم أزد عُمان(6)، ورسالته عليه الصلاة والسلام مع وفد ثُمالة والحُدَّان(7)، من بطون أزد عُمان.

      كانت عُمان عندما راسلها عليه الصلاة والسلام مملكة آمنةً مستقرَّةً تخضع لسلطان الدولة الساسانية، وتحظى بما يُشبه الاستقلال، إذ كان يتولى الأمر فيها عربي من قبيلة الأزد، هو جَيفر بن الجلندى، يُساعده في ذلك أخوه عبد(8). وقد كان التدبير النبويُّ يقوم على توجيه الدعوة إلى الحكَّام قبل رعايتهم؛ لأنـَّهم أصحاب القرار الأوَّل في إجابة الدعوة أو رفضها، ولأنَّ الرعيَّة تبع لراعيها، وقد قيل "الناس على دين مُلُوكهم".

      ومن هذا المنطلق الحكيم، استهل عليه الصلاة والسلام دعوة العمانيين بمخاطبة ملكهم المحلِّي آنذاك جيفر ونائبه عبد، واتخذ صلى الله عليه وسلم الصحابي الداهية عمرو بن العاص سفيراً إليهما، وتتحدَّث المصادر عن حُسن وفادة ابن العاص على ابني الجلندى، ومحاورته معهما، ونجاحه في اقناعهما بقبول الإسلام(9). وأمَّا نصُّ الرسالة التي حملها ابن العاص، فهو يجري على هذا النحو:

      "بسم الله الرحمن الرحيم. مِن محمد بن عبد الله إلى جَيفر وعبد ابني الجلندى، سلامٌ على من اتَّبع الهدى، أمَّا بعد: فإنِّي أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تَسلما، فإنّي رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذرَ من كان حياً، ويحقَّ القول على الكافرين. وإِنَّكما إن أقررتما بالإسلام ولَّيتُكما، وإن أبيتما أن تُقرَّا بالإسلام، فإن ملككما زائلٌ عنكما، وخيلي تحلُّ بساحتكما، وتظهر نبوَّتي على مُلككما"(10) .

      يبدو موضوع الرسالة لصيقا برسائل الدعوة التي بعثها عليه الصلاة والسلام إلى مُعاصريه من الملوك والأُمراء والسادة، وبخاصَّة رسالته إلى كسرى أبرويز، إذ يجد المدقِّقُ مشابه عدَّة بين هاتين الرسالتين، ولا سيما في قوله "فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإنيّ رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذر من كان حياً، ويحقَّ القول على الكافرين"(11)؛ فإنَّ هذا المقطع يتكرَّر في الرسالتين المشار إليهما، مع بعض تحوير في الضمائر لتناسب حال المخاطب، فرداً كان أو أكثر. ويؤمى هذا المنحى من ترداد الألفاظ بحذافيرها إلى أمرين: أحدهما أن تكون هاتان الرسالتان حُرِّرتا في المدَّة نفسها، والأغلب أن يكون ذلك في السنة السابعة للهجرة أو بعدها بيسير، فقد كاتب عليه الصلاة والسلام ابتداءً من هذا العام مُلوك الأرض، ونفذت كتبه إليهم يدعوهم إلى الإسلام(12)؛ وثانيهما أن تكون هاتان الرِسالتان أُنشئتا على يد الكاتب نفسه، وثـمَّة ما يشير إلى أنَّ الصحابي أُبيّ بن كعب كان تولى كتابة الرسالة النبويَّة إلى ملكي عُمان(13).

      تقوم الرسالة الآنفة على ثلاث محاور أساسيَّة تقوم عليها الرسائل النبوية بعامَّة(14)، فهي تستهلُّ بعرض الدعوة من غير تفصيل، وتتعانق الرسالة مع غيرها من رسائل الدعوة في العبارة المحورية "فإني أدعوكما بدعاية الإسلام"(15)، وتشبه هذه العبارة أن تكون شعاراً نبوياً في عرض الدعوة على المدعوِّين من المُلوك، فقد تردَّدت في الرسائل الموجَّهة إلى كسرى(16) ، وهرقل(17)، والمقوقس(18)، وغيرهم. وهكذا يجد الدارس أنَّّ عرض الدعوة، كما تشفُّ عنه الرسالة، كان يقوم على المباشرة والوضوح والبساطة، مع ترك تفصيلات الدعوة للسفراء الذين كانوا يحملون هذه الرسالة، فهم القادرون على شرح رسالة الإسلام، والإجابة عن استفسارات المدعوين.

      وتلحُّ الرسالة في هذا المحور على مبدأ عالمية الإسلام وشموله، وأنّه إلى الناس كافَّة، وأنَّ الرسول، عليه الصلاة والسلام، نذير من الله، جاء مبلغاً عن ربِّه، ليكون حجَّة على الناس، فلا يبقى لهم عذر في قبول الوحدانيَّة التي تمثِّل جوهر الدعوة الإسلاميَّة.

      وتتحوَّل الرسالة بعد عرض الدعوة إلى محور آخر يستوي على الترغيب في هذه الدعوة؛ ليتسنَّى اقتناع المدعوين بها، ويدور الحديث في هذا المقطع عن بعض المُحفِّزات التي ترغِّب الملكين في قبول الإسلام، إذ يعُدُّ الرسول، عليه الصلاة والسلام، الإيمان بدعوته سبيلاً أفضل لتحقيق السلامة والأمن بمفهومهما الواسع، فالإسلام في معناه يحمل دلالات عظيمة، فهو يُحقِّق المعاني السامية التي ينشدها الإنسان، حاكماً كان أم محكوماً، وهذا مناط العبارة الواردة في الرسالة "أسلِما تسلما"(19). وتكاد هذه العبارة النمطية تكون شافية في أكثر المراسلات النبوية على غرار العبارة الآنفة "فإنّي أدعوكما بدعاية الإسلام"(20)، وباستطاعة المدقِّق أن يترصد هذه العبارة في الرسائل الموجهة إلى كسرى(21) ، وهرقل(22) ، والمنذر ابن ساوى(23)، صاحب البحرين، وهَوذَة بن علي الحنفي(24)، صاحب اليمامة، وغيرهم.

      وفي هذا السياق، تسلك الرسالة مسلكاً نفسياًّ دقيقاً، يُرغِّب الملكين العُمانيين في قبول الدعوة، إذ يُقرِّر عليه الصلاة والسلام مبدأ بقاء الحاكم في منصبه إذا استجاب للإسلام، وكأنما يقدِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقطع عرضاً مغرياً يشجِّع الملكين على اعتناق الإسلام، ولعلَّه لا يخفى أنَّ مثل هذا المسلك يعانق الجوانب النفسيَّة في الإنسان المدعوِّ؛ لأنَّ الإنسان بطبعه مجبول على النظر إلى مصالحه، والقيام على رعايتها، وغالباً ما يُعادي الأفكار الجديدة التي تُجرِّده من مكتسباته، أو تُسبِّب الضرر لمصالحه، وقد جذم الرسول، عليه الصلاة والسلام، هذا الهاجس الذي يداعب النفس الإنسانية في العادة، فوعد الملكين بالحفاظ على سُلطانهما، إن هما آمنا ودخلا في الإسلام. وقد يكون من نافلة القول أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدر عن هذه الرؤية السياسية الحكمية في علاقاته مع أصحاب السلطات المدعوين، فكان يقرُّهم على ما هم عليه من سيادة أقوامهم. وربما يكون جذيراً أن يشير الباحث في هذا الصدد إلى أنَّ السيَر العُمانية تؤكِّد بقاء جيفر وأخيه عبد - بعد إسلامهما - في سُدَّة المُلك إلى وفاتهما(25) .

      وتُختم الرسالة بالمحور الثالث القائم على الترهيب من رفض الدعوة؛ ليكون هذا المحور مقابلا للمحور الآنف القائم على الترغيب في قبول الدعوة. ويتضمَّن هذا المحور تهديدا واضحاً بإنهاء مُلك الملكين، إذ ستقضي الجيوش الإسلامية على سلطانهما، وسينتهي مُلكهما إلى الضياع، وسيكون النصر للمسلمين. ويبدو الرسول، عليه الصلاة والسلام، ههنا واثقا من النصر وانتشار الإسلام وظهور المسلمين على غيرهم، ويلاحظ الدارس أنَّ هذا المنحى من التهديد والوعيد يتراءى واضحاً في عددٍ من الرسائل النبويَّة الموجَّهة إلى مُلوك الجزيرة وأُمرائها(26) .

      وأخيراً، يبدو واضحاً أنَّ الرسالة تلتزم العناصر البنائية التي كانت تشيع في المراسلات النبوية، وأهمهما الاستهلال بالصيغة الإسلامية للبسملة "باسم الله الرحمن الرحيم"(27)، فقد كان هذا العنصر البنائي تقليداً راسخاً في مُكاتبات الرسول، عليه الصلاة والسلام. وتجري الرسالة بعد ذلك على شاكلة المراسلات النبويّة، فهي تثبت العنوان، وتشير صراحة إلى طرفي المراسلة "من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندى"(28)، ثم ترد تحية البداءة لغير المسلمين "سلام على من اتـَّبع الهدى"(29) ، فعبارة التخلص "أمَّا بعد"(30) التي تُفضي إلى الحديث عن موضوع الرسالة.

      ويمكننا عقب هذه النظرة الداخلية إلى النص أن نقف عند الأثر الذي تركه في نفسَي الملكين العُمانيين، وليس من شكٍّ في أنَّ السجية العربية في حسن تفهم الخطاب الصادر عن أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء صلى الله عليه وسلم قد يسَّرت على الملكين الأزديين بعض أمرهما، فلم يسرفا في التأبي، وإن كانا قد أعطيا الحوار حقَّه من الأناة والتفكير، وإنَّ الأمر المؤكد أنَّ فصاحة عمرو بن العاص، وطول باعه في الإقناع، وعمق ملكته في الحوار، قد قرَّبت طريق الإيمان إلى الملكين الأزديين، وكان الفضل قبل ذلك وبعده إلى الصيغة المحمدية في بلاغة الكتاب، وفي مقدِّمتها الشعار المشترك في جميع كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم تسلم"، فقد كانت هذه الجملة على إيجازها الشديد تمثِّل الهيبة المحمديَّة أمام قارئها، تم تتسرَّب في عقله ولُبِّه، فتقنعه ثم تفزعه، ولكنَّ الشعار هنا يأخذ صيغة الخطاب إلى اثنين بدلاً من واحد، فكانت عبارته: "أسلِما تسلما"، ولقد استجابا ودخلا في الدعوة، فأسلما وسلما(31) .

      * * * *

      لم يكتفِ الرسول صلى الله عليه وسلم بمخاطبة الصفوة الحاكمة في مملكة عُمان آنذاك، فقد أخذت الحملة الإعلامية النبويَّة تشقُّ طريقها إلى الشعب، ولم تقتصر على الملوك(32) ، ويطالعنا من هذا الاتجاه رسالته صلى الله عليه وسلم إلى العامَّة من أهل عُمان يدعوهم إلى قبول الدعوة الإسلاميَّة، أو البقاء على عبادتهم ودفع الجزية للمسلمين، ويبدو أنَّ كثيراً من العُمانيين كانوا في هذه الأثناء يعتقدون المجوسية، ويتابعون الفرس في ديانتهم، وستمرُّ بنا إشارة واضحة إلى وجود بيت النار في عُمان، مما يعزِّز ما ذهبنا إليه من وجود المجوسية وانتشارها في هذا الصقع آنذاك، جاء في رسالته صلى الله عليه وسلم مخاطباً أهل عُمان:

      "أن أسلِموا، فإن لم تُسلموا فأدوا الجزية"(33)

      وتتراءى هذه الرسالة المقتضبة الخالية من الديباجة واضحةً في دلالتها، ميسورةً في معانيها، مقتصدةً في ألفاظها، فهي تنضم على أمرين يشيعان في أكثر الرسائل النبويَّة المتعلِّقة بموضوع الدعوة، فهي تبدأ مُرغِّبةً بقبول الإسلام والدخول في دعوته من غير شُروط، وتنتهي بالخيار الآخر وهو دفع الجزية مقابل المحافظة على حرية الاعتقاد. ويتراءى في الرسالة الخطاب الجمعيُّ "أسلموا، تسلموا، أدوا"، وهو ما يشير إلى عموم الرسالة، وعدم اقتصارها على فئة دون فئة.

      وتبدو الرسالة الأُخرى التي خصَّ بها الرسول، عليه الصلاة والسلام، العمانيين(34) أكمل وأوفى من سابقتها الموجزة، فقد جاءت مستهلة بالعنوان الذي يبين المُرسِل والمُرسَل إليه، وورد العنوان مشفوعاً بالتحية، فالبعديَّة، فالموضوع، على نحو لا يبعد عمَّا رأيناه في الرسالة الموجَّهة إلى جيفر وعبد، ملكي عُمان، وتسير الرسالة على هذا النحو:

      "من محمد رسول الله إلى أهل عُمان، سلام عليكم، أمَّا بعد: فأقرُّوا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا، وإلا غزوتكم"(35) .

      يستشف القارئ من هذه الرسالة ملامح الرسالة النبوية بعامَّة، فهي تستند إلى مقوِّمات مشتركة أهمُّها: البساطة في الألفاظ والمعاني، والوضوح في الفكرة، إذ تؤدى أداءً بيناً من غير عناء أو تكلّف، حتى لتخلو ديباجتها من ألفاظ التبجيل والتعظيم بحق المرسِل والمرسَل إليه، كما تأخذ الرسالةُ نفسها بعناصر البناء الشكليِّ الشائع في الرسائل النبوية، إذ ترد هذه العناصر مرتَّبةً في إثر بعضها من غير فواصل: العنوان، فتحية البدء، فالبعديَّة، فالموضوع، غير أننا نلمس غياباً لبعض العناصر كالبسملة وتحية الختام اللتين اطَّردتا في كثير من المكاتبات في صدر الإسلام(36) .

      وتجرى الرسالة على شاكلة المراسلات النبوية في الاستفتاح بذكر اسم المرسل وصفته مجرَّدين "من محمد رسول الله"(37)، وفي هذه الصيغة توجيهٌ إلى حقيقة الدعوة التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلام بشخصيته وحقيقة دعوته، فهو مبعوث من الله لأداء رسالته، لهذا فهو يستهلُّ مكاتباته في الدعوة ببيان هذه الحقيقة محاولاً إرساءها في أذهان المتلقين.

      وثمة أدلَّة تحتضنها الرسالة تدلُّ على أنَّ النبي، عليه الصلاة والسلام، كتب هذه الرسالة إلى أهل عُمان بعد أن استجابوا لله ودخلوا الإسلام، فمن ذلك أنـَّه استعمل تحية الإسلام "سلام عليكم"(38)، ومن المعروف أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفارق بين صيغتين من صيغ التحية: صيغة خاصة بالمسلمين وأهمُّ صورها "السلام، عليك / عليكم". وصيغة خاصَّة بغير المسلمين، وصورتها المشروطة "سلامٌ على من اتبع الهدى". وثاني الأدلَّة أنـَّه دعاهم إلى الالتزام بتعاليم الإسلام، فإن لم يأخذوا بها قاتلهم، وهذا لا يناسب كونهم كفاراً، فيمكن أن يكونوا منعوا الزكاة وتركوا إقامة الصلاة(39)، ومعلوم أنَّ غير المسلم يُطلب إليه أولاً أداء الجزية، فإن أبى قُوتل، بخلاف المسلم غير الملتزم، فإنـَّه ينذر بالعودة أو القتال.

      يدور موضوع الرسالة حول تأكيد ما يقتضيه الدين الذي ارتضاه العُمانيون من وجوب الإقرار بالتوحيد الخالص، والإيمان بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامة الصلاة بما تستدعيه من هدم بيوت النار وإحلال المساجد مكانها، وتشييدها على السمت الإسلاميِّ، والقيام بفرضية الزكاة، وتوزيعها في مصارفها الشرعيَّة.

      ولعلَّ القارئ يلاحظ أنَّ الرِسالة تنتهج نهج الرِسالة الموجهة إلى الملكين، جيفر وعبد، فهي تجمع بين الترغيب والترهيب في آنٍٍ معاً، إذ بدأت بدايةً هادئةً، بيد أن وتيرتها تصاعدت فجأة، عندما ختمها الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهديد والوعيد، وبذلك يرى القارئ أنَّ لهجة الرِسالة انقلبت انقلاباً تاماًّ، وتحوَّل مستواها من اللين إلى الشدَّة، فقد كانت النهاية شديدة الوقع، إذ أنذر عليه الصلاة والسلام المدعوِّين بالحرب إذا لم يستجيبوا لما تضمَّنته الرسالة المبعوثة إليهم. وقد يكون من تفسير لهذا التهديد الشديد ما ذكرناه سابقاً من جواز أن يكون أهل عُمان أعلنوا الأسلام آنذاك ولم يأخذوا بمقتضياته، مما دعا إلى تعنيفهم على هذا النحو.

      * * * *

      يظهر مما سبق أنَّ الرسالة النبوية إلى أهل عمان وجِّهت إلى الخاصَّة والعامَّة، على السواء، وإذا كنَّا رأينا أنَّ رسائل مفردة وجِّهت إلى هاتين الشريحتين، كلٌّ على حِدة، فإنَّ المصادر أمدَّتنا برسائل من نوع آخر يجمع بين دعوة الملوك والرعيَّة، ولا يجري على غرار الرسائل السابقة التي كانت تفصِّل الخطاب على منـزلة المخاطب، مُباينةً، بين خطابين، يختصُّ أحدهما بالحُكَّام، ويتفرغ ثانيهما للرعية. وبين أيدينا رسالتان تندرجان تحت هذا اللون، أمَّا الرسالة الأولى، فقد جعلها صلى الله عليه وسلم عامَّةً إلى أهل عُمان، حُكَّامهم ومحكوميهم، مطلقاً على الفئتين تسمية "عباد الله الأسبذيين"(40)، في إشارة واضحة إلى أنّهم كانوا يتبعون الفرس، ويفصح الرسول صلى الله عليه وسلم عن مقصوده بهذه التسمية، مشيرا إلى أنَّ المقصود بها أهل عُمان، ولا سيَّما مُلُوكهم ومن كان من قبيلة الأزد فيها، وتشبه الرسالة أن تكون أماناً عاماً مشروطاً، وقد جاء فيه:

      "من محمد النبي رسول الله لعباد الله الأسبذيين - ملوك عُمان وأزد عُمان، من كان منهم بالبحرين(41) - إنهم إن آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وأطاعوا حقَّ النبي صلى الله عليه وسلم ونسكوا نُسك المؤمنين، فإنـَّهم آمِنون، وإنَّ لهم ما أسلموا عليه، غير أن مال بين النار ثنيا(42) لله ورسوله، وإنَّ عُشُور التمر صدقة، ونصف عُشُور الحَبّ، وإنَّ للمسلمين نَصرهم ونُصحهم، وإنَّ لهم على المسلمين مثل، وإنَّ لهم أرْحَاهم يطحنون بها ما شاءوا"(43)

      تبذل هذه الرسالة - فيما هو واضح للعيان - أماناً متكافئاً، يقدِّم فيه كلٌّ من الجانبين ما يلزمه لتحقيق هذا التكافؤ، إذ يُطلب من أهل عمان قبول الشرائع الإسلامية بما تقتضيه من الإيمان بالله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، ومناصحة المسلمين، وردِّ الحقوق والمظالم، وإظهار السمت الإسلاميِّ. وفي المقابل يقدِّم باذل الأمان الأمن والحماية للعمانين، ويتكفَّل بدفع الأذى والضرر عنهم، ويقوم بواجب النصرة والنصح لهم، ويحفظ لهم حقوقهم الماديَّة والمعنويَّة، ويبيح لهم حرية التملُّك المشروع والعمل المستقل في مصالحهم، فلا يضارون في مكاسبهم وأرزاقهم.

      وفي إزاء هاتين الطائفتين من الشروط المتكافئة، يتضمَّن الأمان استثناءً خاصاًّ يتعلَّق ببيوت العبادة التي كان عليها كثيرٌ من العمانيين، إذ يحدِّد الرسول، عليه الصلاة والسلام، مصيرَ دور النار هذه، فيقرر أنَّ ملكيتها ستؤول إلى الله ورسوله، فليس لأحد حقٌّ في أموال المعابد تلك؛ لأنَّها أضحت حقّاً شرعيّاً، يتصرَّف فيه الرسول، عليه الصلاة والسلام، وفق شرائع الدين وأحكامه.

      وتسوق المصادر رسالة أُخرى مُشاكلة لسابقتها في المضمون، بيد أنَّها تشتمل مزيداً من التفصيلات الشرعيَّة، التي يوجبها الأمان المُعطى، وبخاصَّة فيما يخصُّ الالتزامات المطلوبة ممّن يؤثر من أهل عمان البقاء على دينه والارتباط بعقد الذمَّة، وهذا نص الرسالة:

      "بِسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العباد الأسبذيين، سلْمٌ أنتم، أماّ بعد ذلكم: فقد جاءني رُسلكم مع وفد البحرين، فقبلت هديتكم. فمن شهد منكم أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ، واستقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا فله مثل ما لنا، وعليه مثل ما علينا، ومن أبى فعليه الجزية على رأسه معافى على الذّكر والأنثى، ومن أبى فليأذن بحربٍ من الله ورسوله. وعليكم أن لا تمجِّسوا أولادكم، وإنّ مال بيت النار ثنياًّ لله ورسوله، وعليكم في أرضكم ممَّا أفاء الله علينا منها مما سقت السماء، أو سقت العيون، من كلِّ خمسة واحدة، وممَّا يسقى الرشاء(44) والسواقي من كلِّ عشرة واحدو. وعليكم في أموالكم من كلِّ عشرين درهماً درهمٌ، ومن كلِّ عشرين ديناراً دينارٌ. وعليكم من مواشيكم الضعف ممَّا على المسلمين، وعليكم أن تطحنوا في أرحائكم لعمَّالنا بغير أجر. والسلام على من اتَّبع الهدى"(45) .

      جاءت هذه الرسالة رداًّ على أهل عُمان "العباد الأسبذيين" الذين وجهوا سفراءهم بالهدايا إلى الرسول، عليه الصلاة والسلام، مع وفد البحرين، وقد قابل صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع الجميل بمثله، فقبل الهدية العمانيَّة، تقديراً واحتراماً لأصحابها، وحرَّر لهم كتاباً جامعاً يُبين ما لهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات. وظاهرٌ أنَّ مشتمل الرسالة يتعانق مع المبادئ الإسلامية العامَّة في الدعوة، وتستوي هذه المبادئ على تقديم الخيارات الثلاثة: قبول الإسلام، أو دفع الجزية، أو جهاد الرافضين.

      وكما هي الحال في المراسلات النبويَّة، تضع الرسالة بعض المرغِّبات أمام المدعوين، فتجعل من يقبلون الدعوة ويعملون بأحكامها في منـزلةٍ سواء مع غيرهم من المسلمين، إذ الجميع متساوون في حُقُوقهم وواجباتهم، لا فرق بين أحدٍ في ذلك. ويلاحظ أنَّ أصداء المقطع المتعلق بهذه الفكرة "فمن شهد منكم أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ، واستقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا فله مثل ما لنا، وعليه مثل ما علينا"(46) تتردَّد في طائفة من مكاتيب النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يشار ههنا إلى ما يناظرها في رسالته عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوى(47) .

      وتتفرَّغ الرسالة بعد عرض الدعوة والترغيب في قبولها إلى حديث موسَّع متعلق بمن يرفض هذه الدعوة، وواضحٌ أنَّ الهدي النبوي يفسح مساحة رحبة لحرية الاعتقاد، ولا يُرغم أحداً على تبديل معتقده، غير أنَّ الرسالة تُرتِّب على الراغبين في البقاء على اعتقادهم جملةً من الأُمور مقابل شمولهم بعقد ذمةٍ وحماية، وأوَّل هذه الأُمور دفع الجزية، وثانيهما أداء الخراج على الأرض والماشية، فتطلب أداء خمس محصول الأرض التي تسقي بعلاً، وعشر محصول الأرض التي تسقي سيحاً، وكما ترتِّب الرسالة عليهم واحداً من عشرين من أموالهم النقديّة، وضعف ما على المسلمين من زكاة الأنعام.

      كما يشرط الرسول صلى الله عليه وسلم على أهل الذمة شرطاً آخر يتعلَّق بذرياتهم، إذ يُطلب منهم أن يتركوا لأولادهم حرية النشأة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأن لا يأخذوهم منذ الصغر بالتنشئة على الديانة المجوسيَّة. والملاحظ أنَّ المراسلات النبويّة الموجَّهة إلى المناطق العربية التي كانت تنتشر فيها المجوسية كانت تلح على هذا الطلب(48)، رغبةً في أن ينشأ جيل جديد في ظلال العقيدة الجديدة يباين ما عليه الآباء من المجوسية.

      وتكفل الرسالة أخيرا كما كفلت سابقتها للمستأمنين حرية العمل والتملُّك، والقيام على إدارة مصادر رزقهم بأنفسهم، بيد أن الرسالة ترتب على الذّميين تقديم بعض الخدمات المجانية لعمَّاله صلى الله عليه وسلم على عُمان، وتشير الرسالة إلى خدمة طحن الحبوب غير المأجورة.

      * * * *

      وينتهي بنا المطاف بعد النظر في الاتجاهات الآنفة لمراسلاته صلى الله عليه وسلم مع أهل عُمان إلى إطلالةٍ على الاتجاه الأخير المتعلِّق بالرسائل الموجَّهة إلى قبيلة الأزد، أكبر القبائل اليمانيَّة التي استوطنت عُمان منذ القدم، وبين أيدينا رسالتان نبوِّيتان كتبهما الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الاتجاه أمَّا الرسالة الأولى، فقد بعثها عليه الصلاة والسلام مع أبي راشد الأزديِّ، رئيس وفد الأزد في السنة التاسعة، وجاء فيها:

      "من محمد رسول الله إلى من يقرأ كتابي، هذا، ممّن شهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمد رسول الله، وأقام الصلاة، فله أمان الله، وأمان رسول الله"(49) .

      يبدو أنَّ الرسالة وجِّهت إلى عموم بُطُون الأزد على تشتُّتها، وأنَّ مقتضى الخطاب فيها كان يشمل نفوذ القبيلة الكبيرة: أزد شنوءة، وأزد الشرارة، وأزد عُمان. وواضح أنَّ الرسالة الموجزة تتلبس ثوب الأمان، إذ يتكفَّل الرسول، عليه الصلاة والسلام، بتوفير الأمن والحماية لكلِّ من آمن وصدّق بدعوته من الأزد. وبخلاف الرسائل الآنفة، يبدو الطرف الثاني في عملية المراسلة (المرسل إليه) شديد الاتساع، فالرسالة غير موجَّهة إلى شخص بعينه، أو فئة بعينها، بل هي عامة في الخطاب "إلى من يقرأ كتابي هذا..."(50) .

      وأمَّا الرسالة الثانية، فقد كتبها عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة لوفد ثُمالة والحُدّان، من بطون الأزد التي كانت تسكن "صُحار"، ونص الرسالة:

      "هذا كتابٌ من محمد رسول الله لبادية الأسياف ونازلة الأجوافِ، مما حازت صُحَار، ليس عليهم في النخل خراص، ولا مكيالٌ مطبق، حتى يوضع في الفداء(51) ، وعليهم في كلِّ عشرة أوساق وسق(52) "(53) .

      تستهلُّ الرسالة استهلالاً مختلفاً من غيرها من الرسائل السابقة، فهي تفتح بلفظ "هذا كتاب"(54) مقدماً على ذكر المرسل والمرسل إليه (العنوان). أمَّا المرسِل، فالرسالة تتفق مع سابقاتها في إثبات صفة النبوة له، وأمّا المرسَل إليه فهم جماعة ولا فرد تنعتهم الرسالة بـ "بادية الأسياف ونازلة الأجواف مما حازت صُحار"(55)، وفي ذلك بيانٌ واضحٌ عن مناطق نفوذهم، فهم عرب ينـزلون سواحل البحر (الأسياف) وما جاورها من بطون الأودية والسهول المطمئنة (الأجواف)، ووصفهم بنـزولهم السواحل والأجواف إيماءٌ إلى أنهم يرحلون وينـزلون في كلِّ مكان يكون فيه الكلأ والماء لمواشيهم(56). ولعل ممّا يدل على أنّهم عُمانيون إضافتهم إلى "صُحار" التي كانت فيما يقول ياقوت الحموي "قصبة عُمان ممّا يلي الجبل"(57) .

      توضح الرسالة مقدار الزكاة المترتب على ما يجني من ثمار النخيل التي بنو ثُمالة والحُدان يزرعونها، وهو عشر المحصول. وتأليفاً لقلوب هؤلاء الزُّراع، يضع النبي صلى الله عليه وسلم عنهم عملية الخرص، وهي تقدير ناتج الثمار وما يترتَّب عليها من الزكاة قبل أن تنضُج، ويبدو أنَّ هذا النظام الاقتصادي القائم على التخمين كان يشكِّل ضرباً من العسف لهؤلاء، فرفعه الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم، وطلب إليهم أداء الزكاة بعد جني المحصول كاملا.

      * * * *

      ويمكن للدارس بعد هذه الوقفة التحليليَّة عند طائفة من نصوص النثر الترسليِّ المتعلق بعُمان في عهد النبوة أن يسجل النتائج التالية:

      أولا: أمدَّتنا المصادر العربية القديمة، وبخاصَّة كُتُب السيرة والتاريخ، بنصوص سبعة من المكاتيب النبوية التي وجَّهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل عُمان ابتداء من السنة الثامنة للهجرة، ولا شكَّ أنَّ هذا العدد لا يضمُّ جميعَ ما كتبه عليه الصلاة والسلام في هذا الباب؛ لأنّ عدداً من المؤرِّخين القدامى اكتفوا بالإشارة إلى الحدث، وأهملوا إثبات النُصوص المتعلِّقة به، ممّا أفقدنا مجموعة كبيرة من الوثائق النصيّة المهمة.

      ثانيا: تدور المراسلات النبوية الموجَّهة إلى أهل عُمان حول المضامين والرؤى نفسها التي اشتملت على الرسائل النبوية بعامة، إذ يعالج أكثرها موضوع الدعوة إلى الدين الجديد، بما ينضم عليه من عرض الدعوة والترغيب في قبولها والترهيب من رفضها، وبما ينجم عن هذا الموضوع من موضوعات تتعلَّق به، وردت في صيغة عهود وأمانات، يكتبها الداعي للمدعوِّين.

      ثالثا: تتعلَّق هذه الطائفة من الرسائل مع المراسلات النبوية في خصائصها وأساليبها، إذ تؤدِّي الفكرة أداءً واضحاً قريباً، يجنح إلى الإيجاز، وتغلب عليه الجزالة، ولا يعمد فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أيِّ من ضرب التحبير الفنيِّ، أو التزويق الأسلوبيِّ، أو التنميق اللفظيِّ، أو ما يوحي بالميل إلى لون من ألوان الصنعة والأناقة والتجويد، ومن هنا جاءت الرسالة الواقعة في هذا المضمار واضحةً في معانيها، ميسورةً في ألفاظها، مباشرةً في دلالاتها.

      رابعا: تتقاطع هذه الطائفة من الرسائل مع رسائل أخرى كتبها عليه الصلاة والسلام، إذ يلحظ الدارس تشابكاً نصيّاً جلياً، وترداداً لافتاً للصياغات والعبارات التي توحي بالاتجاه النبوي إلى النمطيَّة في إنشاء الرسائل وتحريرها، ولعلَّ في ذلك ما يؤيـِّد أن تكون هذه المراسلات المتعانقة نصيّاً مع غيرها من المراسلات النبويّة الصادرة عما يُشبه مؤسسة كتابيّة، أو ديوان رسائل، كانت تتولى الإشراف على كتابة الرسائل النبوية وتحريرها.

      خامسا: تنهج الرسائل النبوية الموجهة إلى أهل عُمان أُسلوبين، يفتتح الأسلوب الأول، وهو الأشيع، بلفظ "من محمد رسول الله إلى فلان"، أي أنـَّه يبدأ بتحديد طرفي المراسلة، المرسِل والمرسَل إليه، ونرى في هذا الأسلوب ورود اسم المرسل مجرداً، كما في الرسالة الموجهة إلى جيقر وعبد "من محمد بن عبد الله"، وغالباً ما يشار إلى صفة النبوة أو الرسالة، كما هي الحال في الرسالة الموجَّهة إلى عموم أهل عمان "من محمد رسول الله" والرسالة الموجهة إلى العباد الأسبدييين - أهل عُمان - "من محمد النبي رسول الله". وأمَّا الأسلوب الثاني، فهو يفتح بلفظ: "هذا كتاب من محمد رسول الله"، ويلاحظ أنَّ هذا الأسلوب يَندر وقوعه في المراسلات النبوية، ومن أمثلة ما جاء في رسالته صلى الله عليه وسلم مع وفد ثُمالة والحُدان.

      سادسا: تشير بعض المصادر إلى عدد من أسماء الكُتَّاب الذين تولَّوا تحرير هذه المجموعة من الوثائق العائدة إلى عصر النبوَّة، كأبيِّ بن كعب الذي كتب الرسالة الموجهة إلى جيفر وعبد(58)، والعباس بن عبد المطلب الذي حرَّر الأمان الموجه إلى قبيلة الأزد في عُمان(59)، وثابت ابن قيس الذي أنشأ الرسالة الموجهة مع وفد ثُمالة والحدان(60). وفي المقابل، أخلَّت المصادر بإثبات أسماء الكتّاب الذين تولَّوا كتابة الرسائل الأخرى التي بتنا نجهل أسماء كتّابها.

      سابعا: تضيء هذه المجموعة بعض جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية في عُمان آنذاك، ففي المشهد السياسيِّ كانت عُمان - كما تشف عنها هذه الرسائل - مملكة عربيّة آمنة، يحكمها مَلِك عربيٌّ من قبيلة الأزد، تتبع الدولة الفارسيَّة، وتحظى بما يشبه الحكم الذاتي المستقلَّ. وفي المشهد الاجتماعي، تشير هذه الرسائل إلى تشكُّل المجتمع العماني من قبائل عربيَّة جاءت من اليَمَن، أهمُّها قبائل الأزد، على اختلاف بطونها، وقد لوحظ أنَّ بعض هذه القبائل تحضَّر ومال إلى الاستقرار وسكنى المدن، بينما ظلَّ بعضها مؤثراً الترحال والتنقُّل وراء الكلأ والماء. وفي المشهد الدينيِّ، تدلُّ هذه الرسائل على انتشار المجوسيَّة في أنحاء عُمان، وبين القبائل العربية، كما أشارت غير رسالة من هذه الرسائل إلى وجود بيوت للنار في عُمان آنذاك، كما كشفت الرسائل عن موقف العمانيين الإيجابي من الدعوة الإسلامية، إذ سرعان ما استجابوا لله ورسوله، ودخلوا في دين الله، فصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إنّي لأعلم أرضاً يقال لها عُمان ينضح البحر بناصيتها، ولو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"(61) . وفي المشهد الاقتصادي، أشارت الرسائل إلى النعيم الذي كانت تعيش عُمان، إذ كانت غلاتها وافرة، أهمُّها الحبوب والتمور، التي شكَّلت أهمَّ موارد الرزق، فضلاً عن ناتج الماشية. وأشارت الرسائل إلى طرق سقي هذه المزروعات، وانتشار الأمطار الموسمية، ووجود الآبار والعيون، مما يدلُّ على وفرة المياه آنذاك. وأخيرا، أشارت الرسائل إلى انتشار طواحين الحبوب التي كانت تشكل - فيما يبدو - إحدى مستلزمات عملية الإنتاج الغذائي في ذلك الوقت.



      المصادر والمراجع



      ü ابن حبان، أبو حاتم، محمد ابن أحمد البستي، ت 354هـ: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، دار الفكر، الطبعة الثالثة، بيروت، 1418هـ/ 1997م.

      ü الحلبيّ، علي بن برهان الدين، ت 1044هـ: السيرة الحلبيّة المسماة إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1349هـ/ 1930م.

      ü حميد الله، محمد الحيدر أبادي: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د.ت.

      ü الحوالي، محمد بن علي الكوع: الوثائق السياسية اليمنيّة، دار الحرية، الطبعة الأولى، بغداد، 1396هـ/ 1976م.

      ü خطاب، محمود شيت: سفراء النبي صلى الله عليه وسلم ، مؤسسة الريان - بيروت، ودار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1996م.

      ü السالمي، نور الدِّين، عبد الله بن حميد، ت 1332هـ: تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، مكتبة الإستقامة، د.ن، 1418هـ/ 1997م.

      ü السبكيّ، علي يوسف: الرسائل النبوية (دراسة وتحقيق)، د.ن، القاهرة، 1400هـ/ 1980م.

      ü الشكعة، مصطفى: البيان المحمديّ، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416هـ/ 1995م.

      ü صفوت، أحمد زكي: جمهرة رسائل العرب، مصورة عن الطبعة المصرية، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.

      ü الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير، ت 310هـ: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، بيروت، د.ت.

      ü العقيلي، أحمد محمد: الأثر والدلالات الإعلامية لرسائل النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك والقادة، مطابع خزام، الطبعة الأولى، الرياض، 1414هـ/ 1993م.

      ü العقيلي، محمد ارشيد: السفارات النبوية إلى ملوك العالم وأطراف الجزيرة العربية، دار إحياء العلوم _ بيروت، ومكتبة المحتسب _ عمان، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986م.

      ü علي، محمد عثمان: في أدب الإسلام (عصر النبوة الراشدين وبني أمية)، دار الأوزاعي، الطبعة الأولى، بيروت، 1404هـ/ 1984م.

      ü القضاعي، محمد بن سلامة، ت 454هـ: عين المعارف وفنون أخبار الخلائف، تحقيق عبد الرحيم محمد علي، دار الينابيع، عمان، 1417هـ/ 1997م.

      ü القلقشندي، أحمد بن علي، ت 821هـ: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، نشره محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، 1417هـ/ 1987م.

      - مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق عبد الستار أحمد فرّاح، عالم الكتب، بيروت، د.ت.

      ü ابن قيم الجوزية، شمس الدين، محمد أبي بكر، ت 715هـ: زاد المعاد في هدى خير العباد، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، د.ت.

      ü الكتاني، محمد عبد الحي: نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، نشر بعناية عبد الله الخالدي، دار الأرقم، بيروت، د.ت.

      ü المسعودي، علي بن الحسين، ت 346هـ: التنبيه والإشراف، دار الهلال، بيروت، 1401هـ/ 1981م.

      ü المقداد، محمود: تاريخ الترسل النثري عند العرب في صدر الإسلام، دار الفكر _ دمشق، ودار الفكرالمعاصر _ بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م.

      ü الميانجي، علي الأحمدي: مكاتيب الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤسسة دار الحديث الثقافية، الطبعة الأولى، طهران، 1419هـ/ 1999م.

      ü ياقوت الحموي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله، ت 626هـ: معجم البلدان، دار صادر، د.ت.






      (1) الكتاني، التراتيب الإدارية، ج1، ص 152. وانظر: السبكي، الرسائل النبوية (دراسة وتحقيق). ص 36-117، والميانجي، مكاتيب الرسول، ج1، ص 114-178.

      (2) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج1، ص 7.

      (3) المسعوديّ، التنبيه والإشراف، ص 241، ابن حبان، السيرة النبويةوأخبار الخلفاء، ج1، ص 296، القضاعيّ، عيون المعارف، ص 125، القلقشندي، مآثر الإناقة، ج1، ص 83.

      (4) أنظر: القلقشندي: صبح الأعشى، ج6، ص 365-366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص81، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120-121.

      (5) أنظر: الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339، ج3، ص 118.

      (6) أنظر: المصدر نفسه، ج3، ص 279-280.

      (7) أنظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82-83، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 121-122، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138.

      (8) السالمي، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ج1، ص 53-58.

      (9) أنظر: الحلبي، السيرة الحلبيّة، ج3، ص 284، ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص 62، خطاب، سفراء النبي صلّى الله عليه وسلّم، ج1، ص 392-393، العقيلي، السفارات النبوية، ص 41-43.

      (10) توجد الرسالة في مصادر كثيرة منها: الحلبيّ، السيرة الحلبيّة، ج3، ص 284، ابن قيم الجوزية، ج3، ص 62، زاد المعاد، القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365-366، السالمي، تحفة الأعيان، ج1، ص 54، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 49-50، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120-121، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361، السبكي، الرسائل النبوية، ص 177-178.

      (11) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 321.

      (12) أنظر: المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 241.

      (13) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص62، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (14) أنظر: المقداد، تاريخ الترسل النثري عند العرب في صدر الإسلام، ص 85.

      (15) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (16) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج2، ص 654-655، القلقشندي، صبح العشى، ج6، ص 363-364، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (17) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج2 ص 649، ابن حبان، السيرة النبويّة، ج1، ص 295، صفوت، جمهرة رساءل العرب، ج1، ص 38.

      (18) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 364، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 58.

      (19) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 81، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (20) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (21) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (22) الطبري، تاريخ الرسل والملوك ج2، ص 654-655، ابن حبان، السيرة النبوية، ج1، ص 695، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 38.

      (23) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 65.

      (24) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 365، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 77.

      (25) السالمي، تحفة الأعيان، ج1، ص 64.

      (26) أنظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 66 ، 77.

      (27) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (28) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (29) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (30) القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 366، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 361.

      (31) الشكعة، البيان المحمديّ، ص 137.

      (32) العقيلي، اظلثر والدلالات الإعلامية لرسائل النبي، صلّى الله عليه وسلّم، إلى الملوك والقادة، ص 47.

      (33) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 342.

      (34) جاء في بعض المصادر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجّه رسالة لأهل دَما، قرية من أعمال عُمان، انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 28، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 340-341.

      (35) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 121.

      (36) انظر: عثمان علي، في أدب الإسلام، ص 286.

      (37) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339.

      (38) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 339.

      (39) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 342.

      (40) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 85، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج2، ص 118، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 140.

      (41) تطلق "البحرين" قديماً على أجزاء واسعة من واسعة من شرق الجزيرة العربية، يقول ياقوت الحموي البحرين "وهو إسم جامع البلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعُمان" (انظر، الحموي، معجم البلدان، "مادة البحرين").

      (42) الثنا: المستثنى.

      (43) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 362، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 50-51، حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 75-76، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 119، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 118.

      (44) الرشاء: الدِّلاء.

      (45) توجد الرسالة في عدد من المصادر منها: الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 123-124.

      (46) الحوالي، الوثائق السياسية اليمنية، ص 120، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص124.

      (47) انظر: القلقشندي، صبح الأعشى، ج6، ص 362، صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج1، ص 45.

      (48) انظر: الميانجي، المكاتيب النبوية، ج3، ص281.

      (49) المصدر نفسه، ج3، ص 279-280.

      (50) المصدر نفسه، ج3، ص 279.

      (51) الفداء: المكان الذي يوضع فيه التمر ويسطح بعد جمعه لييبس.

      (52) الوَسق: مكيال يعادل ستين صاعاً.

      (53) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82-83، الحوالي، الوثائق السياسية اليمنيّة، ص 121-122، الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138.

      (54) حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 82.

      (55) المصدر نفسه، ص 82.

      (56) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 138-139.

      (57) ياقوت الحموي، معجم البلدان، "مادة صحار".

      (58) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص 62.

      (59) الميانجي، مكاتيب الرسول، ج3، ص 280.

      (60) المصدر نفسه، ج3، ص 138.

      (61) أحمد بن حنبل، المسند، ج1، ص 44، ج2، ص 3.



      تسلم أخي على هذه المشاركه

      وفقك الله